البيادر السياسي، 7 فبراير 2009
دار حديث طويل بعد محرقة غزة حول قضيتين رئيسيتين؛ منظمة التحرير الفلسطينية وإعمار القطاع المنكوب.
مجلة البيادر السياسي سلطت الضوء على الموضوعين الخلافيين، مبتدئة بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي أعاد تصريح مشعل بشأنها الاهتمام بها مجددًا، وأيقظ القائمين عليها من سبات عميق، وأجبر الجميع على التحرك من أجل تفعيل هذه المنظمة وإعادة ترتيب أمورها، حيث رأتها أمام خيارات ثلاثة: البقاء ضعيفة، أو إعادة ترتيب ظروفها، أو استبدالها.
ورغم اتفاق قادة الفصائل على إصلاح المنظمة في تفاهم القاهرة المُوقع في عام 2005، لم تُفعَّل المنظمة، وبقيت على حالها ضعيفة، بل كانت غائبة تمامًا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ ولم تجتمع لجنتها التنفيذية إلا بعد وقف إطلاق النار، وحتى بعدما اجتمعت لم تخرج إلا بـ "إدانة" هذا العدوان، وبصورة متأخرة جدًا!
تكمن المشكلة في أن المنظمة لا تنضوي تحت مظلتها جميع الفصائل الفلسطينية، ومنها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، كما أن هناك فصائل فلسطينية جمدت عضويتها في المنظمة على إثر خلافها على منهج المنظمة السياسي، وخاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
وقد أدرك الجميع على الساحة الفلسطينية الحاجة الماسة لتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية، ولذلك اتفقوا في القاهرة عام 2005، على تفعيل المنظمة، وإعادة بنائها، وضم جميع الفصائل إليها، لكن هذا الاتفاق لم يطبق بتاتًا، ولم يُحترم كاملًا، ولذلك بقيت الآمال لتفعيل المنظمة مجرد سراب ووهم حتى الآن، مع أن المصلحة الوطنية تقتضي وتحتم ذلك.
لكن ما هي أسباب ضعف المنظمة؟ أمور كثيرة، منها: أن السلطة الوطنية احتلت مكان منظمة التحرير، والمفترض أن تكون هذه السلطة جزءًا من المنظمة، ومنذ عام 1996 لم ينعقد أي اجتماع للمجلس الوطني، وليس هناك تفعيل فعلي للمنظمة، ولم يتم تعيين أعضاء جدد خلفًا لأعضاء اللجنة الذين توفوا أو استشهدوا.
وكذلك هناك أعضاء كثيرون – بقدرة القادر – أصبحوا أعضاءً في اللجنة التنفيذية؛ من خلال مشاركتهم للقاءاتها واجتماعاتها، وتم تعيين ياسر عبد ربه أمينًا لسر المنظمة، مع أنه لا ينتمي إلى حركة فتح، وكذلك فإن هذا المنصب هو مخصص كالعادة لأعضاء فتح في المنظمة، وهذا بالتالي أثار حفيظة من يعارضون عبد ربه في نهجه ومواقفه.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن "السن" يلعب دوره في ضعف أعضاء اللجنة التنفيذية؛ إذ لا بدّ أن تكون هناك دماء جديدة فيها.
وكذلك فإن مؤسسات المنظمة ضَعُفت؛ لأن السلطة أخذت دورها ومكانها، وخير مثال على ذلك أن الدائرة السياسية لمنظمة التحرير كانت المسؤولة عن البعثات الدبلوماسية في الخارج، لكن هذه المسؤولية سُحبت منها تدريجيًا، وأنيطت بوزارة الشؤون الخارجية في السلطة الوطنية، أي أن الدائرة السياسية تم شلها، وهناك أمثلة أخرى على العديد من المؤسسات التي شُلَّت عن قصد أو غير قصد.
ومن الخلاف السياسي بشأن منظمة التحرير إلى الخلاف حول الإعمار، فالمجلة انتقلت لتتساءل: ما هو الخيار الأمثل لإعادة إعمار ما دمره المحتلون في غزة؟ وإلى من تُرسَل هذه المساعدات، ومن سيُشرف على عملية إعادة الإعمار؟ في وقت يطالب فيه المتضررون بمساعدات عاجلة تقيهم من برد الشتاء إلى حين بناء مساكنهم المدمرة.
وفي محاولة لإيجاد مخرج يساعد على تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، أشارت المجلة إلى عدة اقتراحات لتجاوز هذا الخلاف الذي إن تواصل سيُبقي غزة من دون إعمار.
تشير الإحصائيات والتقديرات الأولية الصادرة عن الجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء حول الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى تدمير ما يزيد عن خمسة آلاف منزل بشكل كلي، وأكثر من 20 ألف منزل بشكل جزئي، و20 وزارة، في وقت أشارت فيه وزارة الأوقاف في حكومة غزة إلى تدمير 41 مسجدًا بشكل كلي وحوالي 50 مسجدًا بشكل جزئي، بالإضافة إلى خمس مقابر لدفن الأموات. وفي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن وعودات بتقديم المليارات من الدولارات لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، خاصة ما قررته قمتا الدوحة والكويت، إضافة إلى حملات التبرع العربية، تبقى العقبة الرئيسية أمام قضية الإعمار هي الاحتلال؛ حيث أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني أن إسرائيل لن تتعاون في قضية إعمار قطاع غزة قبل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير لدى فصائل المقاومة جلعاد شاليط، فيما تحدث مسؤولون إسرائيليون آخرون بأن المعابر مع قطاع غزة لن تُفتَح بشكل كلي طالما بقيت حماس تسيطر على السلطة في غزة، الأمر الذي ينسف إمكانية إعادة إعمار ما دمره الاحتلال بشكل كلي، ويهدد آلاف الأسر التي شُرِّدت وأصبحت بلا مأوى، خاصة وأنه لا يمكن أن تتم عملية الإعمار بدون فتح المعابر المغلقة منذ أكثر من عام ونصف العام، بعد تشديد الحصار من قبل الاحتلال على القطاع لإدخال مواد البناء التي انعدمت من أسواق القطاع نتيجة هذا الحصار.
الحكومة الفلسطينية في غزة أعلنت أنها أعدت خطة من مرحلتين لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال في القطاع، الأولى تتمثل في تقديم مساعدات عاجلة للمتضررين وإسكانهم، حيث خصصت 40 مليون يورو لهذا الغرض، والمرحلة الثانية هي القيام بعملية بناء البيوت والمؤسسات التي دمرها المحتلون.
فيما اقترح الباحث في الشؤون التنموية محسن أبو رمضان، أن يتم العمل على ثلاثة مستويات؛ الأول: مستوى الطوارئ، وهو ضرورة التفات المنظمات التنموية -بما فيها المنظمات الدولية والمحلية- للعائلات التي شُرِّدت، وتوفير مساكن لهم، وسد النقص في المواد والخدمات الطبية والإغاثية، أما الجانب الثاني فيتمثل في مرحلة إعادة التأهيل، وهي تتطلب إعادة تأهيل الأطفال، وإعادة بناء الإنسان الفلسطيني، وترميم الثقافة على قاعدة ثقافة وطنية مقاومة وَحدَوية في نفس الوقت.
وفي حديثه عن المحور الثالث قال أبو رمضان: إنه يتمثل في صياغة خطة فيما يتعلق بإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرت، وخاصة القطاعات الصناعية والزراعية والإنشاءات والعمران، مؤكدًا على أهمية هذه القطاعات؛ لأنها تتعلق بالعملية الإنتاجية والتنموية، والقدرة على امتصاص البطالة وظاهرة الفقر في المجتمع الفلسطيني والتشغيل.
No comments:
Post a Comment