برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Thursday, July 30, 2009

مبادرة "السلام" الإسرائيلية


المشاهد السياسي، 12-18 يوليو 2008


وثيقة إسرائيلية محدودة التداول، يقف وراءها بنيامين نتنياهو، يتمّ عرضها على الحكومات الغربية سرّا تحت عنوان "مبادرة السلام الإسرائيلية" تدعو إلى إلغاء السلطة الفلسطينية، وضمّ الضفّة الغربية إلى إسرائيل، وإقامة شراكة استراتيجية مع الأردن، تمهيداً لتأهيل اللاجئين وتفكيك مخيّماتهم، والتعويض عليهم وتوطينهم، بغد إلغاء منظّمة الأونروا التي تهتمّ بشؤونهم.
مجلة المشاهد السياسي اطّلعت على الوثيقة، وعرضت أهم ما جاء فيها من خلال موضوع غلافها الأخير.
بُعَيد قيام أميركا باحتلال العراق في ربيع العام ٢٠٠٣ خرج يميني عنصري متطرّف في إسرائيل اسمه بيني (بنيامين) أيلون بمقترح في مايو من ذلك العام، يتضمّن مبادرة "سلام" إسرائيلية تهدف إلى إلغاء مبادرة السلام العربية، ومن بعدها اختصار خارطة الطريق التي تبنّتها اللجنة الرباعية الدولية التي تضم أميركا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، وقد أعلن عن هذه المبادرة في مؤتمر صحافي عقده في أكتوبر ٢٠٠٧.
يُشَار إلى أن أيلون هو عضو في الكنيست الإسرائيلي، ويميني متطرّف من دعاة الترانسفير، وأحد عرّابي الاستعمار الاستيطاني في الضفة وتحديداً في القدس، وهو رئيس حركة "موليدت" اليمينية المتطرّفة.
ويصف أيلون الدولة الفلسطينية التي يتحدّثون عنها بأنها معدومة القيمة، ويضيف أن الحديث يدور عن دولة تابعة، صغيرة ومحاصرة، توفّر قوّة عاملة رخيصة لدولة إسرائيل، وأن مثل هذه الدولة الخيالية لن توفّر لمواطنيها الاعتزاز الوطني والحرّيّة المدنية أو الأمل الاقتصادي، ولن تطرح أي حلّ لقضية اللاجئين. ويتابع الحديث عن حلّ الدولتين بقوله إنه لا مستقبل للسلطة ولا جدوى من إقامة دولة فلسطينية، بالإضافة إلى الدولة القائمة شرقي نهر الأردن.
ولذلك يقول أيلون في مبادرته إنه من الضروري أن يكون حلّ قضية اللاجئين مُكوّنا جوهريا في أي تسوية، وأن على إسرائيل أن تعمل كل ما في وسعها لحل قضية لاجئي ١٩٤٨ نهائيا، وأن تطالب المجتمع الدولي بالمشاركة في ذلك. ويتوجّب أن يبدأ الحل بتفكيك "الأونروا"، التي تخلّد قضية اللاجئين، والمواصلة ببلورة خطّة تعويض سخيّة لكل اللاجئين الفلسطينيين الذين سيتمّ توطينهم في دول مستعدّة لاستيعاب المهاجرين ليبدأوا حياة جديدة.
وينتقل أيلون إلى السؤال: من سيدفع؟ ويجيب أن مليارات الدولارات تدفع سنوياً على الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وأن هذه المبالغ عبارة عن دولارات أميركية تخصّص لسباق التسلّح الإقليمي، وهي مبالغ طائلة تحوّل من أوروبا للحسابات البنكيّة التابعة للسلطة الفلسطينية. وهي أيضاً مبالغ هائلة من المال الإسرائيلي الذي ينفق على إقامة الجدار وتنفيذ الانفصال و"تقوية" أبي مازن. ولذلك يقول، إن الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، إلى جانب دول النفط العربية، ستتمكّن من تمويل مباشر لتأهيل كامل وسخي لكل لاجئي العام ١٩٤٨، يمكّنهم من الاستيعاب في دول مختلفة يسرّها استيعاب المهاجرين الذين يصلون إليها مع أموال تمكّنهم من العيش الكريم.

جبهة إسرائيل الداخلية في قلب الحرب القادمة


البيادر السياسي، 18 يوليو 2009


يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مسألة الدفاع عن الجبهة الداخلية في إسرائيل والاستعدادات اللازمة لذلك. لذلك عقد مركز (بيجين – السادات) للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، يوم الخميس الموافق 25يونيو الماضي، يومًا دراسيًا حول الدفاع عن الجبهة الداخلية في إسرائيل.
مجلة البيادر السياسي تابعت هذه الفعالية، التي أكدت أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم ترقَ إلى مستوى الجهوزية المطلوب على كافة الأصعدة، ما دفع الكثير من الباحثين الإسرئيليين إلى التأكيد على وجوب رفع مستوى حصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال كافة الإمكانات المتاحة.
بالنسبة لمشكلة حماية الجبهة الداخلية في الحرب، اتضح أنه حتى ولو صدق الخبراء بأن الخسائر البشرية التي لحقت بالجبهة الداخلية كانت محدودة، وأن المجتمع الإسرائيلي أثبت أنه يمتلك قدرة كبيرة جدا على الصمود، إلا أن ذلك يشير إلى أنه في أحيان كثيرة يعتبر المجتمع الإسرائيلي الأمن الشخصي بالنسبة للمواطنين أهم من الأمن القومي. وفي مثل هذه الحالة لن يحتمل المجتمع عدم تطوير وسائل متعددة لحماية الجبهة الداخلية . ولن تقبل توجهات تدل على "إهمال الجبهة الداخلية" أي غياب معالجة مشاكل من يقيم لفترة طويلة في الملاجئ وخاصة الأطفال والشيوخ والمرضى والمعاقين. هذا الأمر يحتاج إلى إعادة تفكير حول حماية الجبهة الداخلية قبل وخلال الحرب القادمة، ويعتقد "عنبار" أن الباحثين الأكاديميين يرون التطورات بشكل مختلف لأن بإمكانهم التفكير في الأمور الاستراتيجية بشكل متعمق بعيدا عن أية ضغوط، والمعروف أن عنبار يدعو إلى تكثيف التعاون بين المؤسسات العسكرية الإسرائيلية والجيش وبين مراكز الأبحاث الاستراتيجية.
ويعتقد البروفيسور إفرايم عنبار رئيس المركز أن على إسرائيل مهاجمة حركة حماس بشكل واسع ومكثف والدخول إلى عمق الأراضي في القطاع وحتى إبقاء قوات إسرائيلية في المنطقة طالما أن هنالك صواريخ تطلق من القطاع باتجاه المدن الإسرائيلية، ويعتقد أيضاً بأن حل الدولتين هو برنامج انتهت صلاحيته. ويؤكد في بحث أصدره حول الموضوع أن على إسرائيل العمل لحل يؤدي إلى إعادة الارتباط السياسي بين المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وبين الدول التي كانت هذه المناطق تحت سيطرتها، والمقصود ان يكون سكان القطاع تحت السيطرة المصرية وسكان الضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية حيث أن حل الدولتين لم يعد حلا ممكناً، وفي حال انعدام حل سياسي، على إسرائيل أن تعمد إلى "إدارة الصراع" لفترة طويلة، الأمر الذي يتطلب مخططات استراتيجية ملائمة، وبشكل خاص على إسرائيل وضع المخططات الملائمة للدفاع عن الجبهة الداخلية التي ستصبح عرضة للكثير من الأخطار. ويؤكد في بحثه أن الحقبة الحالية تشير إلى ابتعاد إمكانية التفاهم بين الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية لأن الشرخ بين الجانبين يتسع، ثم أن الجانب الفلسطيني - على حد قوله - ليس بمقدوره بناء دولة، بل إن كل ما تمكن الفلسطينيون من إقامته هو كيان فاشل وفاسد دون نظام ودون قانون، ويرى أن المجتمع الفلسطيني بحاجة للكثير من الوقت حتى يتحول إلى مجتمع ذي مفاهيم ومواقف سياسية معتدلة، ولذلك يرى أن الحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن يتحقق قبل عشرات السنين، ولن يتحقق قبل أن تحدث تحولات ملموسة لدى الجانب الفلسطيني.
متحدثٌ آخر هو الدكتور شاؤول شاي نائب رئيس "هيئة الأمن القومي"، الاسم الجديد لمجلس الأمن القومي، نقلت المجلة حديثه عن الدفاع عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية كأحد أسس الرؤى الأمنية الإسرائيلية، والدكتور شاي شغل في السابق منصب رئيس قسم الدراسات التاريخية في الجيش الإسرائيلي، وضمن منصبه الحالي في هيئة الأمن القومي الإسرائيلي الدكتور شاي مسؤول عن قسم السياسة الخارجية وقسم السياسات الدفاعية في هيئة الأمن القومي، وهي مؤسسة تابعة لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أُعلِن عن قيامها السنة الماضية.
يعتقد الدكتور شاي بأن على إسرائيل الاعتماد بشكل أكبر على قوة الردع وزيادة هذه القوة من خلال إيجاد الطرق الملائمة لمواجهة الحروب الجديدة التي ستكون حروباً غير تقليدية بمفاهيم اليوم، وهذا يعني أنه بمرور الوقت أصبحت المواجهات على صعيد غير متكافىء وغالباً الجيش الإسرائيلي سوف يواجه قوات من التنظيمات التي تحارب بطرق غير تقليدية، وفي هذه الحالة لن يكون للجيش الإسرائيلي الميزات التي يتمتع بها في حال خوض حرب تقليدية أمام جيش تقليدي، ويرى أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية أصبحت الجبهة الأساسية للمعركة، وستكون مستهدفة في الحروب القادمة، ولذلك أصبحت في أولويات الرؤى الأمنية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة. وهنالك تركيز من جانب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على إيجاد الوسائل المناسبة لحماية الجبهة الداخلية، ويؤكد الدكتور شاي على أن الدول المعادية لإسرائيل تدأب حالياً على تطوير الصاروخ الباليستي BM25 الذي قد يصل مداه إلى 3500 كيلومتر، الأمر الذي يعني أن مثل هذا الصاروخ بإمكانه ضرب مواقع كثيرة في الشرق الأوسط وأوروبا. ويضيف: أن النظريات الأمنية الإسرائيلية يتوجب أن تعتمد على ثلاث نقاط أساسية: قوة الردع والإنذار المبكر والحسم السريع، وفي هذه الحالة عندما تصبح الجبهة الداخلية مستهدفة بشكل خاص، وحين تصبح الجبهة الأساسية في هذه الحالة سوف يتسع مفهوم قوة الردع وبالتالي أيضاً سوف يتسع مفهوم الإنذار المبكر وعلى هذا الأساس على إسرائيل الإهتمام بشكل أكبر بأجهزة الإنذار المبكر .
ونظرية الأمن الإسرائيلية كانت تقوم بالماضي على نقل المعركة الى أرض العدو واستخدام قوات ضخمة تتفوق على العدو بسهولة وبشكل خاص استخدام سلاح الطيران لضرب الأهداف الاستراتيجية بضربة سريعة وقاصمة، كذلك كانت النظرية الأمنية الإسرائيلية تقوم على مبدأ الحرب السريعة الخاطفة التي تستمر لفترة قصيرة حيث تتم تعبئة قوات الاحتياط واحتلال أراضي العدو وضرب منشآته العسكرية والإستراتيجية، وبذلك لم تكن الجبهة الداخلية في إسرائيل معرضة لأية مخاطر تذكر أو أن المخاطر كانت قليلة جداً، بينما بمرور الوقت أصبحت الجبهة الداخلية مستهدفة وبشكل خاص في الحروب الأخيرة ثبت أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الجبهة العسكرية، وأصبح بإمكان الجانب الآخر ضرب المواقع الإسرائيلية بسهولة مقارنة بالماضي، ولذلك فالفكر العسكري الإسرائيلي تغيّر عن السابق، وبدأ يأخذ بعين الإعتبار أن الاستعدادات للمعركة تتوجب أن تشمل الجبهة الداخلية.

خلفيات سيناريو إعادة انتشار قوات الاحتلال الأمريكي في العراق


أبيض وأسود، 12 – 19 يوليو 2009


تزامنت عملية إعادة انتشار قوات الاحتلال الأمريكي في العراق خارج المدن مع مجموعة واسعة من الأحداث والتوجهات الأمنية، والتحركات والتصريحات السياسية، والترتيبات الداخلية، والقرارات الاقتصادية، وفرز التحالفات الحزبية من جديد، لتصب كلها في دائرة خلفيات سيناريو إعادة الانتشار وأهدافه المباشرة والبعيدة، ورسم العلاقات المستقبلية بين العراق و(الولايات المتحدة الأمريكية)، وهو ما يضع على بساط البحث مصداقية السيناريو السياسي ـ العسكري الذي تنفذه الإدارة الأمريكية حالياً في العراق.
رؤيةٌ أبرزتها مجلة أبيض وأسود سلطت من خلالها الضوء على سيناريو إعادة انتشار قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، مستهلة حديثها بعلامات استفهام طرحتها موجة التفجيرات التي اندلعت عشية عملية إعادة الانتشار.
من اللافت أن اندلاع موجة من التفجيرات الدموية ضد المدنيين أودت بأرواح المئات عشية إعادة انتشار قوات الاحتلال الأمريكي من المدن العراقية، يطرح أكثر من إشارة استفهام حولها وحول الجهات التي تقف خلفها، والمستفيدين منها، فموجات القتل الجماعي كانت قد تراجعت في العامين الأخيرين، وفي الإعلانات المتواترة الصادرة عن المراجع الأمنية العراقية العليا، وقيادة قوات الاحتلال الأمريكي خلال الفترة المذكورة، تم التأكيد الجازم على نجاح عمليات تفكيك الشبكات التي كانت تقوم بعمليات القتل والخطف ضد المدنيين، لكن وعلى الدوام، بقيت شكوك كبيرة حول ضلوع جهات مرتبطة بالاحتلال في تنفيذ هذه الأفعال الإجرامية، لتصاعدها تزامناً مع المنعطفات الحرجة التي مرت بها قوات الاحتلال جراء تشديد المقاومة العراقية لضرباتها، وتزامناً مع تكثيف المطالبات الدولية برحيل الاحتلال. وفي أكثر من حادثة ظهرت خيوط تدل على تورط الشركات الأمنية الخاصة المتعاقدة مع الاحتلال، وأعضاء هذه الشركات الذين يقدرون بعشرات الآلاف لم يشملهم قرار إعادة الانتشار، والخروج من المدن العراقية، كما لم يشمل عناصر أجهزة الاستخبارات الرسمية الأمريكية، فهم ما زالوا ينتشرون في المدن، بكامل أجهزتهم وعتادهم، وتقدم لهم الحكومة العراقية كل التسهيلات الإدارية والميدانية. وتشكل موجة التفجيرات الدموية عامل ضغط شديد على أراء الناخبين العراقيين الذين سيدلون بأصواتهم في الاستفتاء على الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية، التي رهن البرلمان العراقي مصادقته النهائية عليها بنتيجة الاستفتاء، وإذا ما استمرت وتصاعدت موجات القتل الجماعي والعشوائي، تستطيع قوات الاحتلال أن تعيد تقديم نفسها كضمانة وحيدة للسيطرة الأمنية، لعجز قوات الأمن العراقية عن سد الفراغ، بسبب من عدم كفاية تدريبها وتسليحها، وللخلل في بنيتها المخترقة من التنظيمات الحزبية الطائفية والمجموعات الإرهابية، وتأثرها بالفساد السياسي الذي ينهش جسد مؤسسات الدولة العراقية.
وترى المجلة أنه بعودة حمامات الدم في شوارع وأسواق المدن العراقية تنفست الإدارة الأمريكية الصعداء، ونَحَّت جانبا الجدل حول فظائع الاحتلال في السجون والمعتقلات، هذا الجدل الذي تحول داخل (الولايات المتحدة) والعالم إلى سلاح لتعرية تراجع الرئيس أوباما عن وعوده في الحملة الانتخابية بكشف ملابسات الفظائع والمسؤولين عنها وإخضاعهم للمحاسبة.
ولم يفت البيادر أن تشير إلى الاتفاقية الأمنية البريطانية ـ العراقية التي اقترب توقيعها، باعتبارها جائزة ترضية للشريك البريطاني في الاحتلال.
ومن جملة إشارات الاستفهام التي أثارتها عملية إعادة انتشار قوات الاحتلال الأمريكي، إعلان السفير البريطاني في العراق (كريستوفر برينتس)، عن قرب إقرار اتفاقية أمنية بريطانية ـ عراقية تخول البحرية البريطانية زمام الأمن حماية الموانئ والمياه الإقليمية العراقية، بعد تذليل العقبات التي كانت تعترض طريقها، لجهة الصياغات الفنية الخاصة بحصانة القوات البريطانية، التي ستبقى لأغراض التدريب وحماية موانئ العراق البحرية، والتسهيلات التي ستمنح لها، ولاسيما فيما يخص الحصانة أو الولاية القضائية. والكيفية التي سيتم بها اعتماد الاتفاقية والتصديق عليها بين الحكومتين، وإقرارها من الجهات التشريعية في البلدين. وتضمن الاتفاقية لبريطانيا استمرار وجود بحري مسلح في المياه الإقليمية العراقية (شط العرب)، قوامه خمس سفن حربية بكامل أسلحتها من الصواريخ الموجهة والذخائر، وقاعدة بحرية ثابتة، مع حرية حركة كاملة، لخلو الاتفاقية من اشتراط عدم استخدام القوة البريطانية إلا بموافقة عراقية، وخلوها أيضاً من أية إشارة إلى عدم استخدامها ضد سفن وأهداف في دول الجوار، وخاصة (إيران). وتعد هذه الاتفاقية جائزة ترضية قدمتها الولايات المتحدة لبريطانيا، التي تفردت أوروبياً في التحالف معها في جريمة غزو العراق واحتلاله.

من المخول بالرد على باراك أوباما؟


عالم الاقتصاد، يوليو 2009


السؤال المنطقي الذي رأت مجلة عالم الاقتصاد أنه غاب عن الكثير من المسلمين، هو: من المخول للرد على خطاب باراك حسين أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الذي ألقاه من قاعة المؤتمرات في جامعة القاهرة في الرابع من شهر يونيو 2009م الماضي واستمر 55 دقيقة زف خلالها نبأ وفاة نظرية "صراع الحضارات" لصامويل هنتنجتون التي شغلت العالم خلال العقد الأخير.وبعد أن عرَّجت المجلة على أهم نقاط الخطاب الذي ألقاه أوباما للعالم الإسلامي، رأت أنه لم يأتِ بجديد سوى نبرته البراجماتية، التي قلبت ظهر المجن لسياسات خلفه بوش، وجاءت بسياسات مغايرة على كافة الأصعدة.
لقد انشغلنا بتحليل ما قال الرجل وخطابه المفوَّه الذي بدأه بعبارة "السلام عليكم" واستشهد خلاله بآيات من الذكر الحكيم، ليؤكد على أن قيم التعايش الإنساني هي من صميم العقيدة الاسلامية. تحدث أوباما عن السلام، وكأنه حاول أن يزيل العداء الغربي الذي رفع راية صراع الحضارات والعداء مع الإسلام على مدار ثمانية أعوام متتالية، خلال عهد الرئيس السابق چورچ بوش، ذاق خلالها المسلمون، وهم الطرف الأضعف، الأمرين من ويلات آلة الحرب الأمريكية العمياء.وقال أوباما في خطابه الذي صفق له الحضور 42 مرة، إن الغرب بقيمه الديمقراطية ليس في صراع مع الاسلام، مؤكداً أن قيم التعايش والتسامح إنما هي قيم مشتركة بين كافة الشعوب مهما اختلفت دياناتها وأفكارها. وذكر أوباما أن لديه خلفية عن الديانات بحكم نشأته المسلمة وتحوله للمسيحية في مرحلة لاحقة من عمره، مؤكداً أن الإسلام دين يقدر قيمة الحياة وينبذ العنف، مستشهداً بقوله تعالى (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).نعم أوباما لم يأت بجديد، في هذا الخصوص، فنحن أعرف بديننا وبعقيدتنا. لكن مبادرة أوباما هي الجديد في حد ذاته، حيث تعكس حقيقة مقدار الدينامية والحيوية في الثقافة الأمريكية التي تتبنى النهج البراجماتي الذي يعلي قيمة المصلحة وينطلق صوبها دون الالتفات لأي اعتبارات أخرى. من هنا كان جديد أوباما الذي قلب ظهر المجن لسياسات خلفه چورچ بوش وجاء بسياسات مغايرة بشخوصها وتوجهاتها.
وأكدت المجلة أن خطاب أوباما نكأ جراح الأمة الاسلامية داخل كل مسلم، ذلك أنه جدد خطاب التساؤلات المزمنة عن مصير هذه الأمة، وهل نحن حقاً لا نزال أمة واحدة تألم إذا اشتكى عضو من أعضائها، كما جاء في الحديث النبوي الشريف؟
كما رأت "عالم الاقتصاد" أنه من الصعوبة بمكان لأية دولة أو قطر إسلامي حالياً أن يحتفظ لنفسه بحق التحدث باسم الأمة الاسلامية والرد على خطاب أوباما.
الواقع يقول إن الأمة الاسلامية صارت دولاً وشعوباً شتى مزقتها النزعات القُطرية والحدود التي خطها المستعمر، وقبلنا بها، كسيوف تقطع الجسد الواحد، هذا فضلاً عن الفرق والمذاهب العديدة التي لا تفتأ تمزق الأمة وتؤكد عدم وحدتها.
لكل ذلك فإن الأمة الإسلامية في موقف لا تحسد عليه. ويتجدد السؤال؛ من له حق التحدث باسم أمة الإسلام؟
وإذا سلمنا بحقيقة معطيات الواقع المر الذي نعيشه، وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فأنا أقترح أن تتصدى لهذه المهمة منظمة المؤتمر الاسلامي باعتبارها المنظمة الإسلامية الوحيدة التي ينضوي تحت لوائها جميع الدول المسلمة.
ومن ثم ينبغي أن تشكل المنظمة لجنة من ساسة جميع الدول الاسلامية، دون استثناء، بتمثيل متساو، تدعمها على المستوى نفسه لجنة من علماء الأمة تمثل جميع الدول الأعضاء، دون استثناء، بتمثيل متساو أيضاً، بحيث يمكن لهاتين اللجنتين صياغة رد مناسب على رسالة السيد أوباما.
وفي الرد ينبغي أن تكون رسالة الأمة واضحة وهي رسالة وحدة تتحدث بصوت واحد عن حقوق الأمة التي سلبت على مدى عقود طويلة وعن جراح الأمة النازفة.
أياً كان الرد، فليست تلك هي المعضلة الآن، لكنه سيكون بالطبع من جنس ما جاء به أوباما، رسالة تسامح، فإذا كانت رسالته هي السلام، فنحن أهل السلام، مصداقاً لقوله عز وجل. لكن الصوت الواحد من شأنه أن يطالب بقوة باستعادة الحقوق السليبة على مدى قرون وعقود متتالية.
إن المظالم لا تزال تمارس بحق المسلمين، وقد تكون هذه أول فرصة لنا كمسلمين لكي نبحث هماً مشتركاً أمام طرف مغاير لنا. وقد تكون هذه أول مرة منذ عهد الخلافة العثمانية التي يكون فيها المسلمون برمتهم طرفاً في قضية واحدة أمام طرف آخر مغاير لهم، ويتحتم عليهم تشكيل جبهة تحالف لاتخاذ موقف بشأن ما طرحه عليهم أوباما.
إن نجاح المنظمة في لم الشمل، سياسياً ودينياً، وصياغة مثل هذا الرد الموحد سيكون، في رأيي، أهم إنجاز للأمة الإسلامية التي ستدرك أنها ولأول مرة عليها أن تتحدث بصوت واحد، وقد تكون هذه شرارة البداية لعودة الصوت المسلم مدوياً في الآفاق من جديد.

على نار الانسحاب الأمريكي.. هل ينضج العراق أم يحترق؟


الوطن العربي، 8 يوليو 2009

بين محرمات السياسة وأعباء التاريخ وفخاخ الأجندات المتقاطعة.. هـل يـجـد الـعـراقـيـون " الـحـل الـوسـط الـتـاريـخـي " بعدما انسحب الأميركيون من المدن العراقية؟ تساؤل حاولت مجلة الوطن العربي البحث عن إجابة له، في إطار رؤية ترى التفاؤل الشديد بأن مجرد الانسحاب الأميركي يعنى انبعاث العراق الجديد، ينطوى على قدر كبير من المجازفة والقفز إلى المجهول، كذلك فإن التشاؤم المبالغ فيه إزاء إمكان نضوج رؤية متوازنة لعلاقات العراق بمحيطه الجغرافي والعالم يعكس استهانة غير مقبولة بالإنسان العراقي والثقافة العراقية.
هذا البلد لا ينقصه الموارد الطبيعية ولا الموارد البشرية ولا الحضارة ولا الإرادة ولا الوقع الاستثنائي المشرف على مفترق طرق حضاري كبير بين أمم عريقة، فالعراق بوابة العرب الشرقية التي ساهم في حراستها الكرد ومنها تواصلت الأمة العربية عبر التاريخ مع الأتراك والفرس.
وأول اختبار يواجهه العراق مع الجغرافيا أن يتحول هذا الموقع –عبر سياسة خارجية عراقية جديدة- من محرك للصراع إلى ساحة للتلاقي والحوار والتقارب والتعارف.
والبحث عن حدود الدور العراقي في محيطه وفي العالم: محدداته وواجباته ومحرماته وممكناته وأولوياته وآفاقه، لا يمكن إلا أن يتأسس على الوعي الواضح، الذي تترجمه الوقائع بالصورة الجديدة للعراق، وعلى قاعدة ثقافية صلبة قوامها الاحترام العميق لوحدة العراق.
وكما أن الجغرافيا تفرض محددات لا سبيل إلى الفكاك من قيودها، فإن التاريخ أيضًا يفرض إكراهات لا يمكن – إلا بضريبة باهظة- القفز عليها. العراق تاريخيا كان حصنا للعروبة بمعناها الواسع، وفيه كتبت أهم صفحات التاريخ العربي قديما وحديثا. والحفاظ على ذلك يتطلب دبلوماسية ثقافية عربية نشطة ومتواصلة.
أما السنة فقد حققوا نقلة نوعية بالتحول الكبير في موقفهم من العملية السياسية ودورهم في مواجهة الإرهاب، وهم مؤهلون في المرحلة القادمة لأن يلعبوا دور رمانة الميزان بين شيعةٍ تراودهم أحلام ربط العراق بإيران، وأكرادٍ ما زلوا يركضون خلف حلمٍ لإقامة الوطن القومي الكردستاني على أنقاض العراق وجيرانه.
وعند صياغة العلاقات الخارجية للعراق الجديد فإن العلاقات مع القاهرة والرياض يجب أن تكون أقوى من العلاقات مع طهران، فالعالم العربي يشكل الامتداد الطبيعي للخارطة العراقية المحاطة شرقا وشمالا باثنين من أكثر النظم اعتدادًا بهويتها القومية (الفارسية والتركية)، فضلا عن أن إعادة بناء العراق اقتصاديًا يناسبه يناسب الرهان على قوى لا مطامع لها في أرض العراق ولا ثارات بينه وبين الشعب العراقي.
فلتكن حدود العراق كما تفرضها الجغرافيا جسورا للتعايش، وليكن التاريخ العربي لهذا البلد الكبير فضاء لمستقبله.

مدفيديف: حلم "الأمبراطورية الثالثة


المشاهد السياسي، 5-11 يوليو 2009


مصر، نيجريا، ناميبيا وأنجولا، أربع محطّات أفريقية في رحلة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الأخيرة إلى المنطقة، التي جاءت بعد غياب طويل لأفريقيا عن شاشة الرادار الروسية، وبعدما سجّلت الصين، إلى جانب العواصم الغربية، اختراقات واسعة في القارّة السوداء. ماذا في الأفق، وما الذي تطمح إليه روسيا الروسيّة بعد انحسار روسيا السوفياتية عن المساحة الأفريقية؟
من لندن سلطت "المشاهد السياسي" الضوء على هذا الحلم الروسي.
يريد ميدفيديف أن يُدخِل المزيد من الشركات الروسية إلى أسواق أفريقيا، لكنه يعرف جيّدا أنه وصل متأخّرا بعدما سبقه الصينيون. لكن الشركات الروسيّة قد وجدت موطئ قدم في نيجيريا خلال الأعوام الأخيرة، كما أسّست لحضور تجاري في جنوب أفريقيا، وهي تتطلّع إلى التوسّع في اتجاهين: استعادة الممكن من علاقات الاتحاد السوفياتي السابقة في القارة، وانتهاج خط سياسي جديد في زحمة التنافس الغربي ـ الصيني يضمن لروسيا موقعا في سوق الماس واليورانيوم، بالإضافة إلى النفط ومشاريع الطاقة النوويّة السلميّة.
والرحلة ليست معزولة بالطبع عن تحرّك روسي بدأ في زمن فلاديمير بوتين في الاتجاه نفسه، يمكن معاينته في جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الشرق الأوسط والخليج، وصفقات الأسلحة الروسية إلى عدد من دول المنطقة، والمبادرات الديبلوماسية التي تتواصل في السنوات الأخيرة من أجل استعادة المواقع المفقودة والتأسيس لمرحلة جديدة. وفي هذا السياق، وفي موازاة المبادرة التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما، تهيّئ موسكو لاستضافة مؤتمر دولي يعيد طرح الصراع العربي ـ الإسرائيلي على طاولة البحث، والقمّة المصرية ـ الروسية الأخيرة تندرج في إطار هذه التحضيرات.
ولافروف الذي زار كلا من البحرين وسلطنة عمان في الربيع الفائت، كان يدرك جيّدا أنه يطأ أرضا تشكّل حديقة خلفيّة للأميركيين، هي الخليج الذي يعجّ بالأساطيل والقواعد العسكرية الأميركية، لكنه جرؤ مع ذلك على طرح مشاريع تعاون عسكري مع بلدان المنطقة التي فتحت سفارات مع موسكو في مطلع العقد الفائت، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها لم تطوّر علاقاتها مع روسيا إلى حدود التعاون الاستراتيجي. ولا يمكن حتى الآن الحديث عن مثل هذا التعاون إلا على مستويين: صفقات الأسلحة الهائلة مع إيران والأقلّ أهميّة مع سورية، علما أن إسرائيل لم تفوّت فرصة في السنوات الأخيرة لعرقلة تنفيذ العقود التسليحية الروسية إلى هذين البلدين.
وتردف المجلة: إن رحلة مدفيديف الأفريقية الأخيرة، على خلفية الحلم الروسي بالامبراطورية الجديدة، لا يمكن أن تتجاهل الحضور الصيني القوي في القارة، وهو حضور أكثر من لافت. فقد قفزت أرقام التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا الفقيرة بمعدّلات قياسية العام الفائت، والعلاقات الصينية ـ الأفريقية تزداد نموّا عاما بعد عام، إلى الحد الذي تهدّد معه مواقع النفوذ الأميركية والغربية، بفضل الجهد الصيني المكثّف والحنكة السياسية وإعطاء الأولوية للجانب الاقتصادي على حساب الجانب السياسي.
يبقى سؤال، ختمت بإجابته المجلة موضوع غلافها: كيف تنظر دوائر القرار الروسي إلى جولة مدفيديف الأخيرة، وما هي الآمال التي تعلّقها عليها؟
صحيفة "نيزا ـ فيسيمايا غازيتا" الروسية اختصرت جولة الأيام الأربعة بتطوير التعاون في مجال الطاقة. موضحة أن حجم التجارة وتبادل الخلافات في العام ٢٠٠٨ بلغ ٤.١ مليارات دولار، وعدد السيّاح الروس الذين قصدوا مصر وصل إلى ١.٨٤ مليون سائح، وكما في مصر كما في الدول الأفريقية الثلاث الأخرى، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية تصدّرت المحادثات التي أجراها الرئيس الروسي.
في القاهرة أبرز العناوين كانت إقامة تعاون في قطاع الفضاء والطاقة النووية السلمية والبنية التحتيّة للنقل وغيرها من القطاعات الخدماتية، بما في ذلك تصدير الحبوب الروسية. وفي الدول الأفريقية الأخرى احتلت قضايا الطاقة والصناعات المعدنية رأس المباحثات، وفق دراسة تقول بإمكانية استغلال الموارد الطبيعية الأفريقية في تحالفات اقتصادية منتجة. واستندت الصحيفة في هذا التحليل إلى كثرة المسؤولين ورؤساء قطاع الأعمال الروسي الذين رافقوا مدفيديف في رحلته، وهي مسألة طبيعية جدّا في هذه المرحلة، بعدما انعطفت العلاقات الروسية ـ الأفريقية من المساعدة في تحرير القارة من الاستعمار في زمن الاتحاد السوفياتي السابق، إلى التعاون في مجالات التنمية الاقتصادية ـ الاجتماعية في مرحلة ما بعد التحرّر.
وباختصار، إن نيجيريا، وأنغولا، ومصر وناميبيا شكّلت عناوين أربعة في رحلة العودة الروسية إلى أفريقيا العربية وأفريقيا الأفريقية، وهي رحلة بدأها فلاديمير بوتين، وهي تشكّل ردّا روسيا على الزيارة التي قام بها باراك أوباما إلى القاهرة في ٤ يونيو الفائت، والخطاب التاريخي الذي وجّهه إلى العرب والمسلمين. في هذا السياق، حرص الرئيس الروسي على زيارة مقرّ الجامعة العربية ولقاء أمينها العام وتأكيد إحياء عملية السلام في المنطقة وعقد مؤتمر روسي للسلام قبل نهاية العام.
ورغم أن ألغاما كثيرة، صينية وأميركية وأوروبية، قد زرعت في طريق العودة الروسية إلى القارّة السوداء، فإن روسيا لا تعدم وسائل الوصال مع أصدقاء الأمس، ولو أن هذا الوصال لم يَرقَ ـ ولا يتوقّع له أن يرقى في المدى القريب ـ إلى المستوى الاستراتيجي الواضح.

Monday, July 20, 2009

إيران.. مالذي تغير؟


المشاهد السياسي، 4 يوليو 2009


ما الذي تغيّر وما الذي لم يتغيّر في إيران بعد أسبوع من الاحتجاجات؟ تساؤل أجابت عنه مجلة المشاهد السياسي من خلال رؤية لخصتها في مستهل موضوع غلافها الأخير، حين قالت: ما يجري في إيران منذ أكثر من أسبوع هو أكثر من مجرّد احتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية، إنه صراع حقيقي لم يغادر بعد إطار ولاية الفقيه ولم يخرج عليها، لكنه مفتوح على إعادة رسم الخارطة السياسية الداخلية على مستوى المحافظين كما على مستوى الاصلاحيين
التغيير الأول يمكن معاينته في نزول مئات الآلاف من الإيرانيين إلى شوارع طهران والمدن الأخرى الكبرى، بعد إطلالة المرشد الأعلى علي خامنئي يوم الجمعة في التاسع عشر من الشهر الماضي ليدافع عن نتائج الانتخابات وعن فوز محمود أحمدي نجاد. هذا يعني أن كلمة ولي الفقيه لم تعد مسموعة لدى شريحة واسعة من الإيرانيين، وأنه بات محسوباً ـ كما مجلس صيانة الدستور ـ على فريق إيراني دون الآخر. وسواء أدّت الاحتجاجات إلى إلغاء نتائج الانتخابات أو إلى تثبيت نجاد في موقعه القديم ـ الجديد، فإن المرجعية الإيرانية فقدت الكثير من هيبتها في الأيام الأخيرة
حتى الأمس القريب كان تكريس هذه المرجعيّة، شكلا ومضمونا، هو المدخل الحاسم في التعبير عن إرادة الشعب، بغضّ النظر عن الخلافات السياسية الداخلية، لكن الخروج على هذه المرجعية هو تعبير عن احتقان طويل، والخروج من الأزمة، أو منع استفحالها، قد يقتضي حلولاً غير عادية من داخل أو من خارج البنية الدينية ـ السياسية القائمة
التغيير الثاني هو أن الحلول الدستورية التي توصّلت إليها لجنة صيانة الدستور لن تنجح في إنهاء الأزمة، لأن هذه اللجنة متّهمة مسبقاً بالانحياز إلى جانب نجاد، ولأن الأزمة في الأساس فكرية عقائدية لا سياسية فقط، والمراقبون المحايدون يرون فيها خروج فئات واسعة من المثقّفين الإيرانيين والشباب والنساء ورجال الأعمال على "عقيدة" الثورة، في تحدّ أيديولوجي واضح لركائز النظام القائم. وكثيرون هم الخبراء الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن الشرائح الاجتماعية التي شاركت في المسيرات الشعبية حتى الآن، مصرّة على التغيير، وأن على نجاد أن يستجيب لهذا التغيير كي يحافظ على الاستقرار الداخلي، محاولاً مدّ جسور التفاهم مع خصومه، ودعوتهم للمشاركة في الحكومة، قبل أن يتفاقم الوضع بصورة تصعب معها السيطرة عليه. هذا يعني أن الساخطين لا يقصدون شخصاً بعينه هو محمود أحمدي نجاد، بقدر ما يرفضون النظام الذي يمثّله نجاد
التغيير الثالث يمكن معاينته داخل المؤسّسة الدينية الإيرانية، ذلك بأن كبار آيات الله في "قم" لم يصدروا حتى الآن أي تأييد لإعادة انتخاب نجاد رئيساً، الأمر الذي يوحي بانقسام لم يكن مألوفاً بين الأئمّة، علماً بأن "قم" وحدها قادرة على أن تقرّر مسار الأزمة، وربما مصير الولي الفقيه نفسه. وفي حال استمرار الانقسام، فإن هذا يعني أن السفينة الإيرانية دخلت في مضائق جديدة لم تعرفها منذ ثلاثة عقود، وأن فرص الخارج للتدخّل في الشؤون الإيرانية تتزايد على حساب الاستقرار الإيراني، في الوقت الذي تتراكم فيه الضغوط الخارجية على الجمهورية الإسلامية
وتضيف المجلة: على أي حال، لم يحن الوقت بعد للتكهّن بطبيعة الحلول الممكنة في إيران، لأن الخروج من الأزمة الراهنة لن يكون سهلاً، وما يجري أقلّ من ثورة على الثورة، وأكثر من ثورة من داخل الثورة، بل إن بعضهم يرى فيه ثورة على الذين يريدون إجهاض الثورة
إن ما تشهده إيران أكثر من مجرّد "موجة خضراء" موسويّة، وإنما تلاقٍ بين أخصام الثورة، من أجل إحداث انعطاف تاريخي داخل النظام الإسلامي، علماً بأن أطرافاً معروفة هي الأكراد والبلوش والعرب وأقلّيّات أخرى كانت دائماً مناوئة للنظام القائم، وحجم الاحتجاجات يوحي بأنه أكبر من مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني
من أين يبدأ الحل؟
الحل في اعتقاد المراقبين الحريصين على الثورة، يبدأ بلملمة الأزمة من الشارع، والعودة إلى الحوار بين فصائل الثورة المحافظة والإصلاحية. والمحافظون الجدد والتقليديون، وكذلك حرس الثورة مدعوّون إلى التسليم بأن هناك إصلاحيين داخل المؤسّسات الحاكمة، وداخل شرائح المجتمع الإيراني، ولو خفتت أصواتهم طوال السنوات العشر الأخيرة، وأن هؤلاء الذين كانوا يؤمنون بولاية آية الله الخميني هم أيضاً أبناء الثورة ولو أنهم لا يؤمنون اليوم بولاية الفقيه
والمسألة كلّها تبدو وكأن الشارع الإيراني يتحرّك في المسافة الفاصلة بين "الجمهورية الإسلامية" و"الدولة الإسلامية". هناك شبه إجماع على "الجمهورية"، لكن هذا الاجماع ليس قائماً على مستوى "الدولة
(من المهم أيضًا) تلاقِي أبناء الثورة -المرشّحون الأربعة ضمناً- على الحد الأدنى من التوافق، بصورة تسمح للإصلاحيين بالمشاركة في السلطة بتدخّل مباشر من المرشد الأعلى
كذلك ضع خطّة عمل هادفة تسمح بتحقيق المصالحة بين "الجمهورية" و"الدولة"، بعدما دلّت الأحداث الأخيرة على أن شرائح إيرانية واسعة سبق أن آمنت بالثورة تجد نفسها اليوم خارج مشروع الدولة
(والأهم من ذلك كله) الإسراع في لملمة الأزمة من الشارع، منعاً لأي استغلال خارجي لها، في الوقت الذي تواجه إيران استحقاقات كبيرة على المستويين الاقتصادي والنووي، لا تسمح بمزيد من الصدامات الداخلية
وفي ضوء هذه الأولويات، هناك من يتوقّع أن تكون "الموجة الخضراء" التي شهدتها طهران والمدن الإيرانية بداية تغيير من الداخل، تُوَظّف فيه ولاية نجاد الثانية لإعادة صياغة التلاقي بين المحافظين والتغييريين، بمشاركة القيادة الإصلاحية الجديدة (مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحسن رضائي وهاشمي رفسنجاني وسيد محمد خاتمي

Sunday, July 19, 2009

تجميد وهمي للاستيطان للضحك على الأمريكان


البيادر السياسي، 4 يوليو 2009


طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من رئيس وزراء إسرائيل وقف البناء في المستوطنات، هذا الطلب أحدث نوعاً من الشرخ المؤقت في الموقف الأميركي الإسرائيلي المشترك. صحيح أنه لم يفاجىء إسرائيل، لكنه وضع رئيس وزرائها أمام خيار صعب: إذا قبل الطلب فإنه سيواجه أزمة داخل حكومته اليمينية، وإن رفض الطلب فإنه سيواجه مواجهة سياسية مع إدارة أوباما..
ومن أجل "تدوير" الأزمة استعان نتنياهو بخطة - كشفت تفاصيلها مجلة البيادر السياسي في موضوع غلافها الأخير- ملخصها (تجميد وهمي للاستيطان للضحك على الأمريكان).
اقترح إيهود باراك أن تعلن إسرائيل رسمياً تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة شهور من أجل إظهار نوايا حسنة تجاه أوباما، والقبول المرحلي لمطلبه. ولكن الاقتراح يقول إن البناء في ألفي وحدة سكنية يجري الآن تشييدها لن يتوقف لأن عملية البناء أو التشييد قد بدأت قبل شهور وقبل أن يقدم أوباما طلبه، ومن الصعب إيقاف البناء فيها لأن ذلك يترتب عليه مصاريف والتزامات خاصة بعقود البناء.
ولن يتردد باراك في القول لإدارة أوباما: إن الاستيطان في الضفة مختلف عما يجري في القدس، إذ أن القدس هي عاصمة الدولة "اليهودية" ولا يحق لأحد التدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، وأن الإدارة الأميركية ذاتها تعتبر القدس منطقة "متنازع" عليها، وليست مدينة محتلة.
بنيامين نتنياهو قادر على خداع أعضاء الائتلاف وقادر على احتواء هذا الأمر من خلال الاجتماع بقادة الأحزاب اليمينية المتطرفة والقول لهم إن تجميد الاستيطان هو تجميد "شكلي" وعلى "الورق"، أما عملية البناء فستستمر وخاصة في الوحدات السكنية التي تم بناء جزء كبير منها. وأن أوباما سيقبل فيما بعد بمواصلة البناء من أجل مواجهة النمو الطبيعي داخل المستوطنات.
وسيقول نتنياهو إن أوباما سيتفهم موقفنا، وإن عليكم الاعتراض "اللفظي" على تجميد الاستيطان لأن هذا سيساعد في شرح موقفنا (موقف إسرائيل)، وإذا كانت هناك معارضة قوية، وتهديد كلامي بالانسحاب من الحكومة فإن إدارة أوباما ستكون معنية بألا تسقط حكومة نتنياهو الآن، وألا تُفرَض إملاءات وشروط وحلول على إسرائيل أو على أية دولة في العالم.
وسيقول نتنياهو إن الاستيطان في القدس سيتواصل ولن يتوقف، كما أن الاستيطان في المناطق الاستيطانية النائية والبعيدة قد تتواصل بصورة هادئة ومن دون أية ضجة وبعيداً عن وسائل الإعلام وتطبيلها وتزميرها.
وكمثال على الخداع الإسرائيلي، استشهدت المجلة بمستوطنة (جفعات هبريخا) التي أقيمت عام 2005، واعتبرت في وقتها غير شرعية، وقد أقيمت فيها 30 وحدة سكنية، وقامت وزارة الإسكان الإسرائيلية حينها برصد حوالي 1.4 مليون شيكل تدشين البنى التحتية لهذه البؤرة التي تحولت فيما بعد إلى مستوطنة معترف بها، وقد قامت وزارة الدفاع الإسرائيلية قبل حوالي عشرة شهور باعتبارها جزءاً من المستوطنات الشرعية في الضفة الغربية.. إذ أن عدد وحداتها السكنية وصل إلى ستين الآن!
كل الحديث عن البناء في المستوطنات أو وقفه أو تجميده هو حديث يتعلق بالأمور الرسمية، أي البناء الذي يتم بدعم حكومي رسمي وبمخططات معروفة. ولكن هناك منظمات استيطانية هي بنفسها تجمع التبرعات وتقوم بالبناء، وتوسيع ما تم بناؤه من دون علم الحكومة الرسمي، بل باطلاعها إذ أن إضافة أي بناء يتم بالحصول على ترخيص، ولكن من المجلس المحلي للمستوطنة الذي له صلاحيات بذلك.
والمنظمات اليهودية الداعمة للاستيطان هي عديدة سواء داخل إسرائيل أو في الخارج، وهذه المنظمات تجمع كميات كبيرة من الأموال لدعم ولتعزيز الاستيطان في المناطق العربية المحتلة منذ عام 1967. والغريب أنه لو سُئلت الحكومة عن تواصل هذا البناء، فإنها ستنفي علاقتها به، وستعتبره تصرفاً ذاتياً أو فردياً من قبل المستوطنين، أي أنها قد تدعم الاستيطان الفردي من وراء الكواليس، وفي الوقت نفسه تَدّعي أنها جمدت الاستيطان من ناحيتها. وإذا ما ازداد الضغط عليها لوقف هذا البناء فإنها ستجد المبررات لتواصله أو الادعاء بأنها ستعمل قدر الامكان لإيقافه.
خلاصة القول أن إسرائيل لن توقف سياسة الاستيطان، وخاصة أن الحكومة الحالية هي مؤلفة من عناصر وقيادات استيطانية، ولكنها ستحاول الضحك على ذقون الأميركان من خلال تقديم اقتراحات على الورق، لا تطبق على أرض الواقع..
كم من مرة أعلنت إسرائيل عن إجراءات لتحسين حياة المواطن وأثارت ضجة إعلامية حول ذلك، وصدقها المجتمع الدولي، ولكن على أرض الواقع ازدادت معاناة المواطن الفلسطيني.
نتنياهو يحاول تخطي طلب أوباما بتجميد أو وقف البناء في المستوطنات بالالتفاف عليه، علما أن المطلوب ليس فقط وقف البناء في المستوطنات بل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة منذ حزيران 1967، لأن الاحتلال هو جوهر المشكلة والنزاع، والاستيطان هو جزء فقط من هذه المشكلة.
والتساؤل الأخير الذي يمكن طرحه: إلى متى ستبقى إسرائيل مخادعة ومدللة وفوق القانون؟

Wednesday, July 15, 2009

حلّ الدولتين لا يعنينا لأنه مدخل ليهودية الكيان الصهيوني


المشاهد السياسي، 21-27 يونيو 2009


أكّد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، رفض الحركة لحلّ الدولتين، قائلا –في تصريح نقلته مجلة المشاهد السياسي في صدر موضوع غلافها الأخير- إنها مدخل ليهودية الكيان الصهيوني، لكنه عبّر عن قبول "حماس" لدولة على حدود ٥ يونيو ١٩٦٧، كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني. واعتبر مشعل الاعتقالات السياسية في الضفّة الغربية هي العقبة الرئيسية أمام نجاح الحوار، لافتاً إلى أن أوباما تناسى الحرب الإسرائيلية على غزّة ويتعامل مع "حماس" بلغة الشروط، رغم إقرار مشعل أن لغة أوباما أفضل من الإدارة السابقة، مشدّداً على أن تغيير اللغة وحدها لا يكفي.
طرحت عليه المشاهد السياسي مجموعة من الأسئلة كان أبرزها متعلقًا بالعلاقات بين حماس ومصر، وما إذا كان زيارته العاجلة للقاهرة تعني أن هناك شيئا جديدا في العلاقات بين الحركة ومصر؟ فأجاب:
نحن نزور القاهرة بدعوة رسمية من الوزير عمر سليمان الذي اجتمع مع وفد "حماس"، وكانت النقاشات طيّبة للغاية ومفيدة جدّاً، ولمسنا من الوزير عمر سليمان الحرص الكامل على نجاح الحوار الوطني الفلسطيني، وذكر لنا مدى الجدّيّة التي لمسها من الإدارة الأميركية الجديدة، ونحن بالطبع قلنا له إن خطاب الرئيس بارك أوباما من القاهرة كان فيه لهجة ولغة مختلفتين عن اللغة التي كانت تتحدّث بها الإدارة الأميركية السابقة التي لم نعرف عنها سوى لغة التهديد والوعيد، ونقلنا للوزير عمر سليمان أن "حماس" لن تكون عقبة في سبيل قيام دولة فلسطينية على حدود يونيو ١٩٦٧ كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني التي وقّعت عليها جميع الفصائل الفلسطينية في العام ٢٠٠٦، وهي أن تكون دولة ذات سيادة كاملة على كل أراضي الضفّة الغربية وقطاع غزّة والقدس، وأن تكون دولة خالية من المستوطنات الإسرائيلية، مع الاحتفاظ بحق العودة لكل الشعب الفلسطيني، كما نصّت عليه جميع المواثيق الدولية.
(اقتربت المجلة أكثر وسألته):هل انتهت المشكلات بين "حماس" ومصر، خصوصاً تلك التي حدثت أثناء العدوان الإسرائيلي على غزّة؟ (فقال): ليس هناك أي مشكلات بين "حماس" ومصر، لأننا نعتبر مصر الشقيقة الكـبرى، ورغم أنني لم أزر القاهرة كثيراً في الفترة الأخيرة، إلا أن الاتصالات بين القاهرة و"حماس" مستمرّة، ووفود "حماس" من الداخل والخارج تزور مصر باستمرار، ونحن حريصون على التشاور والتنسيق مع مصر، ليس في ملفّات الحوار الفلسطيني فقط، لكن في الشأن السياسي العام في المنطقة، وكان هناك بعض التصريحات أثناء الحرب على غزّة، ربما تكون خرجت بشكل انفعالي نتيجة الحرب التي كانت على شعبنا، لكن في النهاية إن مصر دولة عربية كبيرة، وعلاقاتنا معها جيّدة، ونحن نحترم مصر ونسعى الى أن تساعدنا بكل ما يمكن لتحرير كل شبر من ترابنا الوطني، كما أن مصر تضطلع بملفّات رئيسية منها ملفّات المصالحة الوطنية الفلسطينية والتهدئة، وغيرها من الملفّات المهمّة، بالاضافة الى أن معبر رفح، وهو المعبر الوحيد لشعبنا نحو العالم الخارجي، نشترك فيه مع مصر، كل هذا يجعل علاقاتنا مع مصر قويّة وطيّبة. وأنا أعتقد بأن زيارتي الى القاهرة، والأجواء الايجابية التي صاحبتها واللقاءات المثمرة مع اللواء عمر سليمان، جعلت أي خلافات أو تصريحات خارج السياق في السابق وراء ظهورنا، وما وجدته في مصر من ترحيب يؤكّد أن ليس هناك أي فتور في العلاقات بين "حماس" ومصر، لأننا ندرك تماماً أن مشكلتنا الوحيدة هي مع إسرائيل، وأن جميع الدول العربية هي سند وعمق للشعب الفلسطيني، و"حماس" حريصة للغاية على عدم التدخل في أي شأن عربي أو إسلامي، وما نهتم به هو تحرير أرضنا، ونحترم حدود الآخرين ومواقفهم، لأن إسرائيل هي التي تستهدف الشعب الفلسطيني والأمّة العربية والإسلامية، كما أنها تستهدف دور مصر الإقليمي.
وفي تساؤل أكثر مباشرة استفسرت المجلة: هل الاهتمامات العربية في الشأن الفلسطيني تعتبرونها تدخّلات خارجية؟
فأتى رده أكثر حكمة: بالعكس، نحن نعتبر جميع العرب إخوة لنا وشركاء في القضية الفلسطينية، ونرحّب بتفاعلهم ووقوفهم معنا ودفاعهم عنا في المحافل الإقليمية والدولية، لكن الاشتراطات الأميركية والإسرائيلية هي المرفوضة من جانبنا. لذلك أنا قلت كثيرا إن التعامل الأميركي مع "حماس" يجب أن لا يكون من بوابة الشروط.
(سألته المجلة): ما هي رؤيتكم للتغلّب على العقبات الثلاث التي تعوق التوصّل الى اتفاق مصالحة نهائي؟
(فأجاب): المشكلات التي تتعلّق بالأمن والحكومة والقانون الانتخابي كانت السبب في تأجيل جلسة الحوار التي كان متّفقاً عليها في ٩ ـ ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، و"حماس" جاهزة لحسم جميع الملفّات، ونجحنا خلال الفترة الماضية وطوال خمس جولات من حسم الكثير من الملفّات، ونحن نعمل على حلّ الملفّات العالقة حتى يمكن التوصّل الى اتفاق نهائي، لكن لا بد من أن أكون واضحاً تماماً، وهو أن ما يجري في الضفّة الغربية من اعتقالات سياسية يعطّل التوصّل الى اتفاق نهائي بين الأطراف الفلسطينية.
ورغم ذلك فنحن جاهزون تماماً للتوقيع على اتفاق المصالحة، نحن فقط نأمل في توقّف عمليات الاعتقال السياسي وتجاوز الخلافات في بعض الملفّات، وعندها سنكون جاهزين للتوقيع الشهر المقبل.
نحن في "حماس" غير معنيين بالآخرين، نحن كشعب فلسطيني نعاني الاحتلال في جزء من الأراضي الفلسطينية، والجزء الثاني محاصر جوّاً وبحراً وبرّاً، والجزء الأخير في الشتات يصارع من أجل الحصول على حق العودة، نحن معنيّون بقيام الدولة الفلسطينية فقط، لكن ليس لنا أي شأن بالآخرين، ونحن غير معنيين تماماً بقضيّة الدولتين، لأنه بصراحة شديدة حلّ الدولتين هو المدخل ليهودية الكيان الصهيوني.

إعادة إحياء العلاقات المصرية ـ الروسية


الأهرام الاقتصادي، 22-29 ينيو 2009


يرجع تاريخ العلاقات المصرية الروسية إلي أكثر من‏160‏ عاما عندما أنشأت روسيا القيصرية أول قنصلية لها بالإسكندرية في مطلع القرن التاسع عشر‏.‏ وتنتشر في روسيا العديد من المؤلفات الأدبية والشعرية عن مصر وتاريخها وحضارتها‏.‏ ولعل أكثر ما عكس هذا الدفء في العلاقات احتضان مصر للعديد من المهاجرين الروس خلال حقبة العشرينيات حيث وجدوا فيها وطنًا ثانيا‏.
‏ في موضوع غلافها الأخير سلطت مجلة الأهرام الاقتصادي الضوء على هذه العلاقات المميزة بين القاهرة وموسكو في سطور خطَّها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط تحت عنوان (إعادة إحياء العلاقات المصرية ـ الروسية).
مع تبادل العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتي في أغسطس عام‏1943,‏ دخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة جديدة‏,‏ سرعان ما شهدت نشاطا غير مسبوق للعلاقات الثنائية في مختلف الميادين دون استثناء بلغت أوجها في حقب الخمسينيات والستينيات وحتي مطلع السبعينيات‏,‏ حيث شهدت تلك الفترة العديد من الإنجازات التي كانت ثمرة تعاون مشترك سواء في مجال الصناعة أو البحث العلمي أو الثقافة‏.‏ ومازال السد العالي والقلاع الصناعية الكبري التي تم إنشاؤها خلال تلك الحقبة تمثل خير شاهد علي هذا التعاون‏.‏ ولا يمكن أن نغفل الدعم والمساندة اللتين تلقتهما مصر من الاتحاد السوفيتي السابق خلال تلك المرحلة الدقيقة من تاريخها‏,‏ والتي شهدت ليس فقط عملية هيكلة اقتصادها في مرحلة الستينيات‏,‏ بل ومعارك تحرير أرضها المحتلة بسلاح سوفيتي حققت به نصرا غاليا‏.‏ورغم ما أعقب تلك الحقبة من انشغال كل بلد بأولويات مختلفة‏,‏ وما تبعها من انهيار الاتحاد السوفيتي وإعادة ترتيب البيت الروسي من الداخل فإن وجود أسس راسخة للتعاون بين الجانبين قد مثل أساسا جيدا للانطلاق نحو استعادة مستوي تعاونهما السابق بعد أن استقرت الأوضاع في روسيا الاتحادية وبدأت من جديد في التطلع نحو شركائها‏,‏ وكان من الطبيعي أن يعاود الجانب المصري والروسي مجددا الانفتاح علي الآخر‏.‏ولاشك أن الأعوام القليلة الماضية شهدت نقلة نوعية في العلاقات المصرية ـ الروسية أظهرها المستوي الرفيع والمتكرر من التنسيق والتشاور بين قيادتي البلدين حول مختلف القضايا الاقليمية والدولية‏,‏ والتبادل المكثف لزيارات مسئولي الجانبين.
وقد ترجمت إرادة البلدين في الارتقاء بعلاقتهما الي آفاق أرحب عبر اتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي وقعه الرئيسان مبارك وميدفيديف خلال قمتهما يوم ‏23‏ يونيو الجاري كخطوة كبري نحو تحقيق نقلة نوعية في العلاقات الثنائية وهو إطار يرسي أساسا لمستوي أرفع من العلاقات بين البلدين يتكثف فيه التشاور وتتنسق المواقف وتتبادل الرؤي‏,‏ ويحفز علي المزيد من التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والتنمية‏.‏
وترى المجلة أن أهمية التنسيق المصري ـ الروسي يزداد في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط خاصة في ضوء عضوية روسيا الدائمة في مجلس الأمن‏,‏ ومشاركتها في الرباعية الدولية وروابطها الخاصة بجميع أطراف النزاع العربي ـ الاسرائيلي‏,‏ وتفهمها التقليدي لقضايا المنطقة‏,‏ وهو ما يجعلها أكثر قدرة علي التعامل مع مختلف الأطراف وحرصا علي التواصل معهم‏.‏ كما أن مكانة مصر وروسيا‏ يفرض عليهما مسئولية خاصة تجاه السعي لإحلال السلام العادل والدائم في المنطقة تراعي مباديء القانون الدولي وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة‏.‏انطلاقا من العلاقات الخاصة بين البلدين وتقدير كل منهما لأهمية وثقل دور الآخر‏,‏ ينسق البلدان مواقفيهما في مختلف المحافل الدولية‏. وبالتوازي مع الجانب السياسي‏,‏ حظي التعاون الثنائي بين البلدين في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية والسياحية باهتمام خاص من البلدين‏,‏ حيث زاد حجم التبادل التجاري بينهما من‏350‏ مليون دولار عام‏2002,‏ إلي خمسة أمثال عام ‏2008,‏ وفي الوقت الذي بات فيه السوق الروسي أحد أهم أسواق الصادرات المصرية في منطقة شرق أوروبا‏,‏ باتت مصر أيضا أهم أسواق روسيا في الشرق الأوسط علي الإطلاق‏.‏ ومن هذا المنطلق يسعي الجانبان إلي زيادة حجم التبادل التجاري السلعي بينهما بما يستثمر الإمكانات الواعدة التي يتمتعان بها‏,‏ ويدعم هذا التعاون الطبيعة التكاملية لهياكل الإنتاج في البلدين‏.‏ وعلي صعيد الاستثمارات المشتركة‏,‏ فإنه مع وجود أكثر من ‏229‏ مشروعا تم إنشاؤها باستثمارات روسية في مصر‏,‏ فإن هناك آفاقا واعدة لزيادة تلك الاستثمارات وتنويع مجالاتها‏,‏ وهو ما نعمل علي التركيز عليه سواء علي المستوي الحكومي أو علي مستوي تجمعات رجال الأعمال‏,‏ وقد جاء طرح فكرة انشاء منطقة صناعية روسية خاصة في مصر لتمثل أحد الأفكار الهادفة إلي تطوير الاستثمارات المشتركة وتعزيز المشاركة بين قطاعات الأعمال بالبلدين‏.‏وتفرض تداعيات الأزمة المالية العالمية علينا تحديا إضافيا يتعين علينا التكاتف لمواجهته‏,‏ والحد من تداعياته السلبية علي مستوي التبادل السلعي والخدمي بين البلدين‏,‏ وهوما تعمل حكومتا البلدين علي دراسته سعيا للخروج بالعلاقات الثنائية من تلك الأزمة أكثر صلابة وتماسكا‏.‏

Saturday, July 4, 2009

هكذا سقطت "الجمهورية الثالثة


المشاهد السياسي، 14- 20 يونيو 2009


لم تفضِ نتائج الانتخابات النيابية في لبنان إلى تغير ملموس في موازين القوى الحالية، الأمر الذي يثير أسئلة لدى بعض اللبنانيين حول طول مخاض الحكومة الجديدة على ضوء هذه النتائج.
مجلة المشاهد السياسي حاولت التعليق على هذا المشهد، مبتدئة بـ"المفاجأة المتوقعة" التي أفرزتها الانتخابات اللبنانية في الداخل، ومشيرة إلى نتائج المعركة في الخارج، وبالتحديد على الساحة الإسرائيلية.
يمكن القول إن المعركة الانتخابية انتهت على نحو لم يتوقّعه أكثر المتفائلين في فريق ١٤ آذار، ولا أكثر المتشائمين في ٨ آذار، فقد استعادت الأكثرية في المجلس الحالي أكثريّتها (٧١ نائباً من أصل ١٢٨)، في حين سقط التحالف المعارض، أو فشل على الأقلّ في جمع الأكثرية التي يتطلّع إليها لتسمية رئيس حكومة جديد وتشكيل حكومة جديدة، وقد اعترف حسن نصر الله بالنتائج، وبالجروح السياسية (أو الندوب على الأقلّ) التي أسفرت عنها المواجهة، وأقرّ ضمنا ببعض الأخطاء وحمّل الآخرين وزر الأخطاء الأخرى.
هذه نقطة أولى في المشهد السياسي الجديد، أما النقطة الثانية فتتّصل بطبيعة الحال بقراءة نتائج المعركة من الخارج، وأبرز ما في هذه القراءة أن إسرائيل أعربت عن ارتياحها وحذّرت الحكومة اللبنانية (الحكومة الجديدة التي لم تتشكّل بعد) من أي نشاط عسكري ينطلق من أراضيها، أيّا كان شكله، وعادت إلى التذكير بضرورة تطبيق القرارين ١٥٥٩ و١٧٠١ المتعلّقين بسلاح المقاومة (وهما قراران لا تتوقّف إسرائيل عن انتهاكهما). وذهب وزير النقل الإسرائيلي إلى أبعد من ذلك، إذ قال إنه يجب تجريد "حزب الله" من سلاحه، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الأمر يجب أن يكون شرطا لتعزيز تسليح الجيش اللبناني بأسلحة أميركية.
في النقطة الثانية أيضا يمكن القول إن المسؤولين الغربيين بصورة عامة، رأوا في عودة ١٤ آذار إلى الأكثرية علامة على أن لبنان لن يتحوّل إلى "جمهورية إسلامية" ولا إلى جمهورية موالية للغرب، وأنه محكوم (مرة أخرى) بمنطق التوافق الداخلي والائتلاف، بين "حزب الله" وحلفائه من جهة (أمل والتيار الوطني الحر ضمنا) والتحالف السنّي ـ المسيحي المقابل، تحالف ١٤ آذار، الذي اكتسب في الانتخابات الأخيرة شرعية مسيحية جديدة، ولو أنها ليست واسعة، أو في حجم الشرعيّة التي يؤمّنها تكتّل الجنرال ميشال عون.
الانتخابات الأخيرة كانت فعلا "أغلى انتخابات" في تاريخ لبنان. ومع أن أحدا لم يحتسب حتى الساعة حجم الانفاق المالي الحقيقي، فإن التقديرات الأولى تشير إلى أن أكثر من ملياري دولار أُنفِقا في المعركة، بحيث تجاوزت نفقات المرشّح الواحد ملايين الدولارات دعاية وإعلانا وتوزيع "مساعدات" أو رِشى على شكل مساعدات نقدا وعدّا، وسط استقطاب حاد مذهبي وسياسي معا.
لقد اصطف الدروز في أكثريتهم الساحقة وراء وليد جنبلاط، واصطف الشيعة وراء تحالف "حزب الله" ـ أمل، والسنّة وراء تيار "المستقبل". وحدها الساحة المسيحية كانت متعدّدة الألوان، وقد انقسمت بين مؤيّد لمشروع المقاومة ومؤيّد لمشروع المهادنة، لكن كل القوى تلاقت في نهاية المطاف على احترام أصول اللعبة، بما في ذلك "الأصول" اللبنانية في شراء الذمم والضمائر.
إلى جانب هذه المعاينات يرتسم كمّ كبير من الأسئلة والتساؤلات المتصلة بالمرحلة المقبلة لبنانيا وإقليميا ودوليا، وأبرز هذه الأسئلة:
ـ هل يشكّل النائب سعد الحريري الحكومة المقبلة؟
ـ هل تشارك المعارضة في هذه الحكومة بالثلث الضامن، أم تبقى خارج القرار الحكومي؟
ـ ما هو مستقبل الحوار الوطني الذي ينعقد دوريا في قصر بعبدا لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية الأجدى للبنان، مع الحفاظ على سلاح "حزب الله"؟
ـ هل تعود الأزمة اللبنانية إلى المربّع الأول ـ مربّع ما قبل اتفاق الدوحة ـ الأمر الذي يستلزم عقد اتفاق "دوحة ٢"، أم أن هذا الاتفاق لا يزال ساري المفعول في لبنان طالما أن المعركة لم تؤدِّ عمليا إلى أي تغيير في المشهد السياسي اللبناني وتوزيع القوى؟
ـ أين سيقف العالم من النتائج التي أسفرت عنها المعركة التي كانت إلى حد بعيد استحقاقا دوليا بامتياز؟
هذه الأسئلة وخلافها مطروحة، وحتى الآن ليس ما يدل على أن لبنان مقبل على كارثة أو مستعدّ لدخول النفق مرة أخرى، والجميع ينادي بالحوار كسبيل وحيد لحلّ المشاكل المطروحة، لكن الاستقطاب الحاد على المستويين الداخلي والخارجي ليس مطمئنا، وإسرائيل تتحيّـن الفرص للايقاع بين اللبنانيين وضرب صيغة التوافق القائمة، ومن الواضح أنها على استعداد لاستعمال كل الأسلحة من أجل توريط "حزب الله" في كل المواجهات الممكنة.
وفي النهاية هذا هو لبنان الذي ينام على استقرار ويفيق على توتّر، والعكس أيضا صحيح.

مدن المليارديرات تتحدى مدن الصفيح


عالم الاقتصاد، يونيو 2009


على عكس ما يشغل بال المنظمات الاقتصادية المعنية بمستوى الفقر وعدد الفقراء ومدن الصفيح في العالم، تحدثت مجلة عالم الاقتصاد عن تقرير أعدته مجلة "فوربس" الأمريكية المتخصصة في الشؤون المالية حول عدد عن مدن المليارديرات التي تزداد عاما بعد عام رغم الأزمات المالية الطاحنة التي تعصف بثلثي سكان الأرض.
في تقرير لها مؤخرا، ذكرت مجلة فوربس أن مدينة نيويورك استعادت لقبها كعاصمة المليارديرات في العالم، لتزيح موسكو، العاصمة الروسية، من هذا العرش الذي تربعت عليه لمدة عام كامل. وها هي نيويورك التي شهدت انفجار بركان الأزمة المالية العالمية الراهنة، تعج بالعشرات من المليارديرات. فيا ترى من أين حصدوا أموالهم، أم أنها هي الأموال التي سرقت من جيوب الناس الذين يتجرعون الأمَرَّين الآن؟
ورغم أن نيويورك تبوأت عرش مدن العالم لأكبر عدد من المليارديرات، إلا أن عددهم تراجع، ففي العام الماضي كان يعيش في المدينة 71 مليارديرا، أما اليوم، فلا يزيد عددهم عن 55 فقط.
وقالت "فوربس" إنه منذ انهيار مصرف "ليمان براذرز" في شهر سبتمبر 2008م الماضي، تأثرت ثروات رجال الأعمال في نيويورك. فقد خسر الملياردير "شوارزمان" 4 مليارديرات دولار أمريكي من ثروته؛ لتصبح الآن 100 مليون دولار أمريكي فقط. كما خسر موريس جريبرج وضعه كملياردير بعد انهيار المجموعة الأمريكية الدولية للتأمين، فبعدما كانت قيمة ثروته تصل إلى 1.9 مليار دولار أمريكي، أصبحت لا تزيد على 100 مليون دولار أمريكي اليوم.

سياسة بلقنة القدس


البيادر السياسي، 6 يونيو 2009


منذ العام 1967 عملت الحكومات الإسرائيلية بشكل مستمر على فرض سياسة الأمر الواقع من خلال إقامة المستوطنات وشق الطرق الخاصة حول مدينة القدس التي اعتبرتها عاصمتها، وهي التحركات التي أطلقت عليها مجلة البيادر السياسي مصطلح "بلقنة القدس" وخصصت موضوع غلافها الأخير لتوضيح الجهود الإسرائيلية الرامية لتحقيق هذا الهدف، وكيف أن الاحتلال يحاول تهويل ارتفاع عدد سكان القدس العرب؛ لتشجيع الإسرائيليين على التمسك بها والانتقال للعيش فيها، وكيف يصادر أكثر من 35 بالمائة من الأراضي لإقامة مستوطنات يهودية.
عملت إسرائيل على توسيع حدود القدس الغربية لتشمل العديد من المناطق في كافة الاتجاهات الممكنة ثم إحضار اكبر عدد ممكن من المستوطنين اليهود لفرض سياسة الأمر الواقع وتغيير الواقع الديمغرافي - السكاني بما يضمن تقليص الوجود العربي الفلسطيني وتحديد الزيادة السكانية العربية بما لا يزيد عن 30 بالمئة من العدد الإجمالي للسكان بحيث تصبح سياسة فرض الأمر الواقع الأساس لدخول اية مفاوضات مستقبلية بشأن القدس .
كان الهدف من اقامة المستوطنات الإسرائيلية في القدس الفصل بين التجمعات السكانية الفلسطينية وعدم السماح بإمكانية التوسع الطبيعي للأحياء الفلسطينية وتقليص امكانيات توسع الأحياء العربية بواسطة اغلاق كافة الطرق امام سكان المناطق الفلسطينية. أضف إلى ذلك زيادة عدد المستوطنين، وفتح المجال امام الكثيرين لإيجاد السكن الرخيص نسبيا في المستوطنات المحيطة بالقدس وسكان المستوطنات هم ايضا قوة عمل وقوة شرائية بحيث تصبح القدس الغربية مركزا للتشغيل والخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية
احياء الإستيطان في القدس الهدف منه ايضا الإرتباط بالمستوطنات المحيطة بالقدس وربط المستوطنات ببعضها من خلال شبكات شوارع خاصة تلتهم الأرض الفلسطينية،اتخذت عمليات تهويد القدس في السنوات الخيرة مسارات اكثر وضوحا من خلال محاولات تكثيف الدعايات الكاذبة التي تسوق القدس وكأنها عاصمة يهودية عبرية منذ آلاف السنين، وضمن تلك الإدعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة وعلى رأسها الحرم الشريف ثم محاولات التقليل من اهمية القدس لدى المسيحيين والمسلمين وتشارك في الأمر بلدية القدس الغربية ووزارات السياحة والداخلية والدفاع ووزارات ومؤسسات مختلفة , وضمن عمليات التهويد نشر وتضخيم معطيات تشير الى ما يسمى بالخطر الديمغرافي - السكاني المزعوم يتم نشر الإحصاءات والإستبيانات بشكل دوري
للتأكيد على ان السكان الفلسطينيين في ازدياد مستمر، وان وتيرة ازدياد عدد السكان الفلسطينيين تصل الى ثلاثة اضعاف وتيرة ازدياد السكان اليهود وذلك عقب الزيادة الطبيعية النابعة من ازدياد نسبة الولادة مقارنة بالوفيات، وتشير الإحصاءات الإسرائيلية التي تسوق للشارع اليهودي انه خلال العقود الأربعة الماضية ازداد عدد السكان العرب بنسبة 268 بالمئة مقارنة بالزيادة لدى السكان اليهود التي وصلت الى 143 بالمئة فقط.
وتضيف المجلة أجهزة الإعلام الإسرائيلية وخاصة تلك الخاضعة لليمين والمتدينين تبرز بشكل دائم مسألة الولادات وارتفاع مستوى الخصوبة لدى السكان الفلسطينيين العرب، ولكن الكثير من هذه الإحصاءات مغرضة وغير دقيقة ولا تشير الى الهبوط الذي حصل في نسبة الولادات لدى السكان العرب منذ العام 2000 لآسباب متعددة منها هبوط نسبة الزواج لعدم توفر الإمكانيات المالية والسكنية وارتفاع تكلفة السكن، ثم ازدياد الهجرة القسرية من القدس، وارتفاع حالات رفض "لم الشمل" الى جانب ازدياد حالات الغاء المواطنة للسكان العرب .
وهنا تجدر الإشارة الى انه بعد مؤتمر انابوليس ازداد التحريض في الشارع الإسرائيلي ضد ما يسمى بتقسيم القدس حيث إنبرت فئات مختلفة ومؤسسات واحزاب لمهاجمة أي تصريح قد يستشف منه إمكانية لدخول في مفاوضات حول القدس. ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو استخدم هذا الأمر في حملاته الإنتخابية مرات عديدة والأكثر بروزا هي حين استخدم مقولة "بيرس سوف يقسم القدس " ولاحقا "اولمرت سوف يقسم القدس" وتحولت هذه المقولة الى شعارات انتخابية يلوح بها اليمين الإسرائيلي، وفي نفس الوقت تستغل من جانب المحرضين على اشكالهم للإدعاء ان السكان الفلسطينيين العرب يسعون للسيطرة على القدس، وان هنالك حرباً ديمغرافية وزيادة في عدد السكان الفلسطينيين وكل هذه الحملات الشعواء الهدف منها تضييق الخناق اكثر واكثر على المواطن الفلسطيني لجعله يترك المدينة ليهاجر الى خارج البلاد او لينتقل للعيش في مناطق الضفة الغربية. والملاحظ ان القيادات الإسرائيلية على اختلاف اطيافها تفضل عدم الخوض في مسألة المباحثات حول القدس , وعلى الصعيد الداخلي التصريحات دائما هي ان القدس لن تكون جزءا من المفاوضات او ان القدس لن تقسم مجددا او ان القدس بشطريها ستبقى عاصمة ابدية لإسرائيل وما الى ذلك من تصريحات مشابهة , والواقع انه رغم المباحثات مع الجانب الفلسطيني إلا ان السياسات المتشددة تجاه السكان الفلسطينيين في القدس اصبحت اكثر بروزا، والحكومات الإسرائيلية بمؤسساتها الوزارية تنفذ سياسة الأمر الواقع في القدس بشكل خاص ولا تقيم اعتبارا للإتفاقيات السابقة او للمباحثات الآتية، الأمر الي يضع الكثير من علامات الإستفهام على الأهداف الإسرائيلية، وقد لا تكون حتى امكانية الخوض في مباحثات حول القدس بسبب الواقع المفروض والتشابك الحاصل بين الأحياء الفلسطينية والإسرائيلية الذي وصفه احد الباحثين بسياسة بلقنة القدس "تشبيها بالبلقان"
ويشار الى انه قبيل مؤتمر انابوليس كانون اول 2007 بدأت حملة مسعورة وغير مسبوقة لتخطيط وبناء الأحياء اليهودية في القدس الشرقية ودخلت العملية بكل ثقلها مؤسسة إدارة اراضي اسرائيل (مينهال مكركعي يسرائل) لبناء عدد هائل من الوحدات السكنية للسكان اليهود فقط بمساعدة البلدية والمؤسسات الحكومية ويلاحظ الإرتفاع الضخم في مناقصات البناء التي طرحت فيما يتعلق بالقدس الشرقية .

الزمن


آفاق العلم، مايو - يونيو 2009


في تجاربنا اليومية... كيف نتعامل مع الزمن أو الوقت؟ هل هو البعد الرابع أم مجرد وهم؟ هل بدأ مع الكون أم كان موجودًا دائمًا؟ وماهو تأثير العوامل المختلفة في المجتمع فيما يتعلق بإدراكنا لمفهوم الوقت؟
مجموعة من الأسئلة حاولت مجلة آفاق العلم الإجابة عنها من خلال موضوع غلافها الأخير، والذي جاء تحت عنوان (الزمن).
أثبت عالم النفس الأمريكي "ألبرت ستيوارت" أن إدراك جريان الوقت يرتبط بصورة وثيقة مع مسألة الهوية الشخصية للإنسان ومع ثقافته وهما عاملان يتطوران بأسلوب مشابه لما يحدث مع اللغة، وبالتالي الوقت ليس بالضرورة مرتبط بالساعة البيولوجية الداخلية للإنسان والتي تنظم نشاطاته الحيوية... فالإنسان قام بخلق ساعة ذاتية منذ بدء التاريخ اعتمادا على ظواھر طبيعية محيطة به.
دراسات أخرى، ابتداءً بتلك التي قام بها عالم البيولوجيا الفرنسي "ليكومت دو نوي"، في ثلاثينيات القرن الماضي، وجدت أن ارتفاعا بسيطا في درجة حرارة الجسم يؤدي إلى تغيير الإدراك بالوقت... وقد تمت إعادة التجربة على مجموعات من النمل والنحل التي تأكل في أوقات محددة، وعند رفع درجة الحرارة، لوحظ أن هذه الحشرات بدأت في ترك مساحات زمنية أقصر بين الوجبة والأخرى.
كذلك فقد وجدت أبحاث مختلفة أن إدراك طول الوقت يختلف من فرد لآخر، فالوقت يمر بصورة أسرع بالنسبة إلى الطفل في حين أنه يتباطأ كلما زاد عمر الإنسان...
علماء النفس يؤكدون أن هذا مجرد خدعة مرتبطة بالذاكرة؛ فالدماغ يقوم عادة بإلغاء الذكريات الخاصة بأحداث مملة أو مكررة في حين أنه يحتفظ بالذكريات "الهامة" بكافة تفاصيلها... فالطفل يمر بأحداث وتجارب جديدة كل يوم وربما كل ساعة، لهذا عندما يستعيد الذكريات المرتبطة بأحداث عام ما، تكون سريعة وأكثر ديناميكية مقارنة بأحداث مرت على شخص مسن لم تعد هناك تجارب جديدة ليمر بها خلال ذلك العام؛ لهذا فالمسن يرى كل حدث جديد "نادر" كحدث طويل وممتد حيث قام دماغه بإلغاء جميع الأحداث المكررة التي مر بها خلال العام نفسه.

الفلسطينيون.. مرحلة انعدام الأمل


المشاهد السياسي، 31 مايو – 6 يونيو 2009


البداية كانت في مدريد، لكن ١٦ سنة مضت ولم تُوَصِّل عملية السلام إلى إقامة دولة فلسطينية. واليوم تواجه السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن اتفاقات أوسلو مجموعة خيارات أحلاها مرّ، وفي زمن نتنياهو - ليبرمان كل شيء يدل على أن الأولويّة ليست لحلّ الدولتين، وأن صيغة «السلام مقابل السلام» التي تقترحها إسرائيل سوف تزيد المأزق الفلسطيني عمقاً.
إنها "الحراثة الفلسطينية في الماء الأميركي" على حد وصف مجلة المشاهد السياسي التي اعتبرت الوضع الراهن يشبه مرحلة انعدام الأمل.
التقارير والتحليلات التي نشرت بعد لقاء أوباما ـ نتنياهو تتقاطع على أن اللقاء لم يسفر عن شيء لجهة التوافق الأميركي ـ الإسرائيلي إزاء ملفّات الشرق الأوسط. حتى في الملف الإيراني لم يتوصّل الرئيس الأميركي الجديد الى انتزاع تعهّد واضح من إسرائيل بعدم القيام بضربة مفاجئة للمفاعل النووي، وكل ما تم التفاهم عليه إجراء مفاوضات جديدة مع إيران بسقف زمني محدّد (لا يتجاوز نهاية السنة الحالية)، حتى إذا لم تؤدّ الى نتائج كان الخيار العسكري مطروحاً. وكل ما يمكن الركون إليه في انتظار انتهاء المفاوضات مع إيران، هو تشكيل مجموعة عمل للشرق الأوسط برئاسة الموفد الأميركي جورج ميتشل، ومجموعة عمل أخرى لإيران برئاسة مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز، في الوقت الذي يتحدّث نتنياهو عن مفاوضات سورية ـ إسرائيلية عندما يتم حسم الملف الإيراني.
في موازاة هذا الكلام، لا يزال الجرح الفلسطيني ينزف. ويلاحظ أن الفلسطينيين جرّبوا حتى الآن كل أنواع الحوار في المساحة الممتدة من غزّة الى داكار مروراً بالقاهرة وصنعاء ومكة والدوحة، وأمضوا مئات الساعات يتناقشون في مشاكلهم الداخلية من دون جدوى.
ورغم كل الجهود التي تقول القاهرة إنها بذلتها حتى الآن، فإن شيئاً لا يدل على أن هناك بوادر اتفاق... وكل ما يحصل هو أن الفلسطينيين متفاهمون على متابعة الحوار سعياً الى اتفاق محاصصة لم يتم التوصّل إليه حتى الآن. وما يطفو على السطح هو وجود رؤيتين متناقضتين في الساحة الفلسطينية، الأولى تدعو الى المقاومة وتمثّلها «حماس» و«الجهاد»، والثانية تدعو الى السلم وتمثّلها «فتح». وبين الرؤيتين مساحة ضبابية تمثّلها الفصائل الباقية. وأطراف الصراع لا تريد الاعتراف علناً بأن التحدّي الخارجي يتمثّل في الفيتو الأميركي على خيار المقاومة، وهو العقبة الرئيسية أمام ما يسمّى «الوفاق» الفلسطيني، إذ عندما تقتنع الفصائل المقاومة بمبدأ نبذ «العنف» سوف يؤدّي ذلك الى التوافق الداخلي ولو لم ينعقد أي حوار.
وتتساءل المجلة: ماذا يعني هذا كلّه؟ لتجيب مسرعة: إنه يعني أن فريق نتنياهو- ليبرمان ليس مستعجلاً على أي حل سلمي مع الفلسطينيين ولا مع العرب، رغم وجود مبادرة السلام العربية التي توسّعت أخيراً الى ما بات يسمّى «حل الـ٥٧»، وهو يعني أيضاً أنه لم يعد أمام العرب ما يعرضونه على الأميركيين أو على الإسرائيليين. هذا في الوقت الذي لا يزال معه الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني قائماً، وتستمر الأمور كلّها في عنق الزجاجة المفخّخ.
والصراع بين الأطراف الفلسطينية مرصود على خمس قضايا كبيرة كل واحدة منها كفيلة بتفجيره في أي لحظة، هي: مستقبل منظّمة التحرير، إعادة تشكيل الأجهزة الأمنيّة، البرنامج السياسي للحكومة الفلسطينية الوفاقية (إذا تشكّلت) قضايا المعتقلين السياسيين في غزة والضفة، والانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. وقد تردّد أن وثيقة الوفاق الفلسطيني التي صاغها الأسرى الفلسطينيون في المعتقلات الإسرائيلية، كما اتفاق مكة، كفيلان بدفع الحوار الى نهاياته، لكن ما يحدث على الأرض يوحي بأن المخارج التي ترسمها هاتان الوثيقتان ليست كافية للتوصّل الى تسوية.
يعزّز الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني أن «فتح» التي كانت منذ العام ١٩٦٩ حزب المقاومة والثورة، تحوّلت بعد تأسيس السلطة في العام ١٩٩٤ الى حزب السلطة، الأمر الذي أحدث خللاً لا يزال يتعمّق في الجسم الفلسطيني المقاوم، ورغم حصول «حماس» على ٧٦ مقعداً من أصل ١٣٢ في انتخابات ٢٠٠٦ (نصيب فتح كان ٤٣ مقعداً وبقيّة الفصائل ١٣)، فإن هذه الأكثرية لم تحلّ المشكلة، لأن «حماس» تملك برنامجاً سياسياً ونضالياً لا ينسجم مع التطلّعات الأميركية ـ الإسرائيلية للحل، الأمر الذي أدّى الى تراجع الآمال بالتسوية المرتقبة، وهذا يعني أن ٢٦٨ جولة (وفاق المصادر الفلسطينية الرسمية) من المحادثات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، أوصلت الأمور في نهاية المطاف الى عنق الزجاجة، علماً أن هذه الجولات ـ على امتداد عام ونصف العام ـ لم توقف بناء المستعمرات، أو هدم البيوت، أو إجراءات التهويد في القدس وخارجها.

أمريكا ومصر.. تصحيح المسار


الأهرام العربي، 30 مايو 2009


من القاهرة يخاطب الرئيس أوباما العالم الإسلامي عما قريب داعيًا إلى حوار حضارات لا صدام حضارات، مكفرًا عن خطيئة المحافظين الجدد وإدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش
هذه الزيارة المرتقبة اعتبرتها مجلة الأهرام العربي بمثابة تصحيح للمسار، وتدشين لمرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين
بالأمس البعيد أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن (من ليس معنا فهو ضدنا)، وبالغد القريب سيحاول الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما نفيها، أو الالتفاف حولها، وربما الاعتذار بالنيابة عن قائلها، إلا أن جميع الخبراء قد أجمعوا على أن إعلان "حسن النيات" الذي سوف يطلقه أوباما من قلب القاهرة لا يكفي لمحو آثارها، فالعالم الإسلامي الذي يقدر تلك المبادرة الطيبة لا يمكن مداواة جرحه الممتدة بطول فترة بوش الابن، بكلمات تحذير على طريقة نابليون بونابرت الذي أعلن احترامه للإسلام، لكنه يحتاج إلى تغيير جذري في السياسات الأمريكية تجاهه سواء في الداخل الأمريكي أو عبر الحدود
لن يكون الخطاب وحده كافيًا، لأن هناك مشاكل كثيرة تعاني منها الولايات المتحدة في علاقاتها بالعالم الإسلامي أهمها ما يجري في أفغانستان وباكستان فضلا عن التطورات الأخيرة فيما يخص النووي الإيراني الذي بدأ يتحرك في أكثر من اتجاه، هذه الاتجاهات بينها رابط واحد هو الدخول في حوار مع العالم الإسلامي، والخطاب في حد ذاته يعطي مؤشرًا قويًا في هذا الاتجاه لكنه لا يكفي
ونقلت المجلة عن الدكتور حسين أمين، الأستاذ بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية، قوله: إن اختيار أوباما للقاهرة ليطل من خلالها على العالم الإسلامي يمثل رد اعتبار للدور المصري الرائد في منطقة الشرق الأوسط بعد حملة التشكيك التي تعرضت لها إبان محرقة غزة، فكان لابد أن يحدث في لحظة ما نوعًا من التوازن وإعادة الأمور إلى نصابها. وهو اختيار كان مرجحًا بنسبة 80%، كما يتبين في الأوراق التي قدمتها المراكز البحثية الأمريكية لأوباما، وفي مقدمتها الدراسة التي أعدها جون ألترمان –رئيس برنامج الشرق الأوسط-حول محورية الدور المصري في عملية السلام. وإن كنتُ أرى أن الزيارة كان يجب أن تمتد لأكثر من يومين، فيوم واحد فقط لا يكفي
وعزفًا على ذات النغمة ترى ميشال دان –الخبيرة في معهد كارنيجي للسلام الدولي-أن الزيارتين تعكسان رغبة الإدارة الأمريكية في تحسين العلاقة مع مصر، بعد أن مرت العلاقة بينهما بمراحل متشنجة بسبب حرب العراق والسياسات الأمريكية المتشددة ضد العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكانت أبرز محظات هذا الخلاف خطاب وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في الجامعة اللأمريكية بالقاهرة في يونيو 2005 حول نشر الديمقراطية، أما الإدارة الأمريكية الحالية فلم تضع بعد آلية واضحة للدفع بقضايا حقوق الإنسان أو نشر الديمقراطية في السياسة الخارجي. رغم ما حفلت به الصحافة الأمريكية من المقالات التي تدعوا أوباما لاقتناص تلك الفرصة للتبشير بالديمقراطية الأمريكية المزعومة على غرار سلفه بوش

عصر الكوراث البيئية


البيئة والتنمية، مايو 2009


الكوارث الطبيعية ازدادت ثلاثون ضعفًا، والثروة السمكية انخفت بنسبة تسعون بالمائة، والأنظمة البيئية تدهورت بنسبة 90%. هذا بعض مااقتبسته مجلة البيئة والتنمية في صدر موضوع غلافها الأخير من كتاب "يونيب" السنوي 2009، الذي يعرض تقدم العمل حيال التغير البيئي العالمي وما قد يتحقق مستقبلا، ويوضح إمكانية الانتقال: من الزراعة الصناعية إلى الزراعة الأيكولوجية، ومن مجتمع مبذر إلى مجتمع مقتصد بالموارد، ومن تنافس بين المجتمع المدني والقطاع الخاص والحكومة إلى نموذج أكثر تعاونًا قائم على الفوائد المشتركة.
وفي خضم الأزمة الاقتصادية يضيء الكتاب على مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة، من خلال اقتصاد عالمي أخضر جديد يعزز كفاءة الموارد ويحسن إدارة الأصول الطبيعية ويُؤّمِّن فرص عمل لائقة في العالمين المتقدم والنامي.
يتم توليد أكثر من بليوني طن من النفايات سنويًا في أنحاء العالم. ويرمي الفرد في بلد متقدم حوالي 1,4 كيلوجرام من النفايات الصلبة يوميًا. هذه الكمية تتقلص وتستقر نتيجة تدابير تقليل النفايات وإعادة تدويرها.
(بجانب ذلك) هناك تطورات إيجابية في قطاع البناء والإنشاء بشكل خاص، أهمها تحسينات كفاءة الطاقة التي تهدف إلى خفض 30 إلى 4 % من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.
ويبين الكتاب السنوي كيف أن تقليد الطبيعة، أي ما يُدعى المحاكاة الأحيائية، يمكن أن يقدم حلولا مذهلة. على سبيل المثال، مبنى (إيست جيت) في العاصمة الزيمبابوية هراري يعتمد نظام تبريد سلبي ذاتي صُمِّم على غرار بيوت النمل الأبيض. وهو يضم مكاتب ومتاجر ومواقف سيارات، ويستهلك طاقة أقل بنسبة 90% من المباني المماثلة؛ ما وفَّر أكثر من 3,5 ملايين دولار منذ افتتاحه في تسعينات القرن العشرين.
أما المياه النظيفة فيفتقر نحو 880 مليون شخص حاليًا إلى إمدادات وافية منها، وهناك 2,5 بليون شخص من دون خدمات صرف صحي محسنة في منازلهم. وبحلول سنة 2030 قد يعيش نحو أربعة بلايين شخص في مناطق تعاني نقصًا حادًا في المياة، خصوصًا في جنوب آسيا والصين. وتستهلك الصناعة 10 في المائة من المياه في البلدان القليلة والمتوسطة الدخل، ونحو 60% في البلدان مرتفعة الدخل. لذا تُدخِل مصانع حول العالم تحسينات على عملياتها للاقتصاد في استهلاك المياه والتقليل من تلويثها. ففي فنلندا، حوَّل مصنع للورق من معاجلة عجينة الورق كيميائيًا إلى معالجتها حراريًا وميكانيكيًا، وأنشأ مِرفقًا لمعالجة المياة المبتذلة بيولوجيًا، فحقق توفيرات في المياة بنسبة 90%.
وأشارت المجلة إلى أن التقرير السنوي يناقش الصلات بين الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي والنزاعات وسرعة التأثر البشري والاجتماعي، فضلا عن أهمية الاستعداد للكوارث، إذ تُصبح هذه القضايا موضع قلق متزايد في عالم يربكه تغير المناخ.
وبينما بقيت الكوارث الجيولوجية، مثل الكوارث والبراكين، مستقرة تقريبًا خلالا القرن الماضي، فإن الكوارث المائية والمناخية، كالعواصف والأعاصير والفياضانات وموجات الجفاف، ازدادت بشكل مثير منذ 1950، وازداد عدد هذه الحوادث بمعدل 8,4 في المائة سنويًا بين عامي 2000 و 2007.
وأشار تقييمٌ حديثٌ إلى أن إجمالي عدد الكوارث ازداد من نحو 100 في كل عقد خلال الفترة بين عامي 1900 و 1940 إلى نحو 3000 كارثة في كل عقد بحلول تسعينات القرن العشرين. وأوردت دراسة أخرى أن إجمالي عدد الكوارث بين عامي 2000 و 2005 بلغ 4850 حادثة، وربطت ذلك بأمرين: "كوارث تكنولجية" مثل تحطم القطارات وانهيار المباني، و "حوادث مناخية".
وكانت سنة 2008 سنة أزمات الغذاء وتلوث المتجات، فقد هزَّت إيطاليا في مارس حوادث تلوث جبن الموتزاريلا بالدَيوكسينات، وهي مواد ذات علاقة بأمراض السرطان تنتج عن مجموعة من العمليات الصناعية بما فيها الاحتراق.
وفي سبتمبر من نفس العام تورطت الصين في حوادث خطيرة حيث تبين أن الحليب، بما فيه حليب الأطفال، ملوث بمادة الميلامين الكيميائية السامة.
وفي اليابان استردت شركتان كبريان في أكتوبر من العام نفسه أنواعًا من المعكرونة من الأسواق بعدما تبين أنها ملوثة بمبيدات حشرية. وبعد ذلك بأيام استردت أكبر شركة لتصنيع اللحوم في البلاد منتجات من الأسواق، إذ تبين أن المياه الجوفية المستعملة في مصنع قرب طوكيو احتوت على مستويات من مركبات السيانيد السامة.
وفي ديسمبر 2008 سحبت السلطات الأيرلندية من الأسواق منتجات من لحوم الخنزير بعد اكتشاف تلوثها بالديوكسين عن طريق العلف.
وخلال العقدين الماضيين، تم اكتشاف تلوث بالزرنيخ في عدد متزايد من البلدان في جنوب آسيا، فقد سجلت في نحو 30 بالمائة من الآبار الخاصة في بنجلاديش مستويات عالية من الزرنيخ، بمعدل يزيد على 0,5 مليغرامات في اللتر، وتأثُّر أكثر من نصف الوحدات الإدارية في البلاد بمياه شرب ملوثة.

الكويت: مجلس التغيير


المشاهد السياسي، 22-30 مايو 2009


ثلاثة عناوين كبيرة استخرجتها مجلة المشاهد السياسي من انتخابات الكويت الأخيرة: الأول دخول المرأة مجلس الأمّة في التجربة الانتخابية الثالثة (منذ العام ٢٠٠٥). الثاني: تراجع الإسلاميين لمصلحة المستقلّين. والثالث: فتح الطريق أمام إقرار الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، نتيجة الصراع بين مجلس الأمّة والوزراء، من خلال التصويت على برنامج التحفيز الذي يتجاوز حجمه ٥ مليارات دولار في المجالين المالي والاستثماري. لكن كيف كان ذلك ممكنا؟!
"سترون شيئاً مختلفاً هذه المرة"، صرَّحت بذلك المرشّحة الليبرالية الدكتورة رولا الدشتي، متوقعة أن تصل أربع نساء إلى الندوة البرلمانية، وصدقت. أربع وصلن هن: الدشتي، معصومة المبارك، أسيل العوضي وسلوى الجسار، ودخلن التاريخ السياسي الكويتي من أوسع الأبواب في ما بات يسمّى «مجلس التغيير».
وكان التغيير الأبرز، إلى جانب الاختراق النسائي، هو تراجع قوّة الإسلاميين السنّة من ٢١ مقعداً في البرلمان السابق إلى ١١ مقعداً في البرلمان الجديد، في الوقت الذي عزّز الليبراليون حضورهم وفازوا بمقعد إضافي. الشيعة حقّقوا تقدّماً لافتاً وضاعفوا حضورهم تقريباً في مجلس الأمّة. وقد بلغ عدد النواب الشيعة تسعة من أصل خمسين، يتوزّعون بين منتمين إلى تجمّعات سياسية دينية ومستقلّين ليبراليين (بينهم معصومة المبارك)، وتراجعت الحركة الدستورية (الإخوان المسلمون) إلى مقعد واحد للنائب جمعان الحربش، بعدما كانت تملك ثلاثة مقاعد في المجلس السابق، كما تراجع التجمّع الإسلامي السلفي من خمسة مقاعد إلى مقعدين، وبات الإسلاميون في المجلس الحالي يشكّلون ١٠ إلى ١١ مقعدًا.
ومن المفاجآت التي شهدتها المعركة سقوط أسماء بارزة لها ثقلها في الوسط السياسي الكويتي، أبرزها عبد الله النيباري (أمين عام المنبر الديمقراطي)، وأحمد المليفي الذي سبق أن أثار قضية نفقات مكتب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، والنائب السابق عبد الواحد العوضي، وأحمد لاري (العضو في التحالف الإسلامي الوطني، كذلك سقط النائب السابق عبد العزيز الشاريجي من الإخوان المسلمين، وسقط معه النائب السابق محمد الكندري (من التجمّع السلفي).
هناك تساؤل هام يشغل الجميع الآن: ماذا بعد المعركة؟
وللإجابة عليه استعانت المجلة بدراسة مطوّلة أعدّها مركز كارنيجي للسلام، جاء فيها: إن فوز الليبراليين والمستقلّين والإصلاحيين بالأكثرية البرلمانية، قد يكون رد الفعل المتوقّع على حالة الإحباط التي أصابت الكويت في المرحلة الأخيرة، نتيجة الصدامات المتواصلة بين الحكومة والإسلاميين، لكن هذا الفوز لن يقود بالضرورة إلى إصلاح حقيقي.

وتضيف الدراسة: تحتاج الكويت إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميَّيْن، فالكويت على مسار إيجابي بشكل عام، وأخطر ما يتهددها هو زعزعة الاستقرار في المنطقة وليس المشاكل الداخلية، ومن المهم أن يفهم المجتمع الدولي ويقدّر حقائق الحياة السياسية الكويتية. وستتيح السنوات المقبلة فرصة هامّة لإجراء المزيد من الإصلاحات في الحكم والسياسة في الكويت، ويجب تشجيع هذا المسار؛ لأن تأثيره سيكون كبيراً على الاقتصاد والمجتمع. أما على مستوى الإصلاح السياسي، فيبدو من الأهميّة بمكان مساعدةُ الكويت في معرفة تطوير جمعيات أو أحزاب سياسية أكثرَ فعالية وإنتاجية، يمكنها أن تكون أكثر فعالية في مجال تطوير التشريعات والسياسات العامة.
وتنتهي الدراسة إلى القول: قد يكون أيضاً من الأهميّة بمكان للأنظمة الملكية الدستورية في العالم، أن تتشارك في شرح تاريخ تطوّرها، وفي النقاشات الداخلية التي قادتها إلى حيث هي اليوم، وقد تكون الإمارة الدستورية هي وجهة الكويت على المدى البعيد، شأنها شأن العديد من الأنظمة الملكية الحالية في العالم العربي، لكن اللاعب الغربي الأكثر حضوراً في الشرق الأوسط، أي الولايات المتحدة، لا يملك هذا الفهم لطبيعة نشُوء الأنظمة الملكية الدستورية، وفهمه للديمقراطية الجمهورية لا يتناسب مع واقع الكويت ومستقبلها.

العودة إلى نقطة الصفر


المشاهد السياسي، 17 – 23 مايو 2009


بين العام ١٩٩٦ يوم انتُخب رئيسا للحكومة لأول مرّة، والعام ٢٠٠٩ يوم عاد إلى رئاسة الحكومة بدعم يميني متطرّف، لم يتبدّل بنيامين نتنياهو، الذي قصد واشنطن لتمزيق كل الاتّفاقات التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية السابقة وإعادة خلط الأوراق، الأمر الذي اعتبرته مجلة المشاهد السياسي يمثل مراوحةً في العنف والتشدّد، وإبقاء المنطقة ككل في حمّى التجاذبات المتفجّرة.
إنه بنيامين نتنياهو، لا إيهود أولمرت أو تسيبي ليفني، وهو ينطلق من موقع الرفض لا القبول. إنه يصرّ على الاحتفاظ بمرتفعات الجولان على أساس أنها تضمن لإسرائيل تقدّما استراتيجيا "في حال قيام نزاع مع سورية"، وهو يرفض أي تنازل مسبق مع "حماس" أو مع "حزب الله"، ويرفض المحادثات المباشرة أو غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، ويرفض مراجعة السياسات الاستيطانية بقدر ما يرفض الاتّفاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية السابقة. ومع أنه ذهب إلى واشنطن الأوباميّة لا البوشيّة، فقد بدا مستعدًّا للمواجهة، معتمداً على اللوبي الإسرائيلي داخل الكونغرس، وهو ما انفكّ يتنامى في صفوف الديمقراطيين كما في صفوف الجمهوريين.
لكن شيئاً ما تبدّل على أي حال. على مستوى التعاطي الأميركي ـ الإسرائيلي الرسمي، يمكن الاستدلال إليه من خلال طبيعة الحضور الأميركي في مؤتمر «إيباك» الأخير الذي شارك فيه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وخاطبه نتنياهو عبر الأقمار الصناعية. فقد درج المسؤولون الأميركيون على المشاركة في هذا المؤتمر على مستوى الرئيس الأميركي نفسه ونائبه ووزيري الخارجية والدفاع، لكن ما كان لافتاً هذا العام هو غياب أوباما وغياب كلينتون. وقد اكتفت الإدارة الأميركية بإرسال رام إيمونويل رئيس هيئة موظّفي البيت الأبيض ليكون ممثّلاً في المؤتمر، والشيء نفسه يمكن معاينته على صعيد أعضاء الكونغرس، إذ لوحظ غياب عدد كبير من الشخصيات، بينهم نانسي بيلوسي زعيمة الأكثرية في مجلس النواب وجو بايدن رئيس مجلس الشيوخ.
في الوقت نفسه، ترتفع وتيرة الشكوى الإسرائيلية من تراجع مستوى التنسيق الأمني والسياسي بين إسرائيل والإدارة الأميركية الجديدة، حتى بات بعض صانعي القرار في تلّ أبيب يتحدّثون عن "خلل" في العلاقات الثنائية بين البلدين. وتقول مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى: إنه منذ تولَّى أوباما مهمّاته، وتحديداً منذ شكّل بنيامين نتنياهو حكومته، سُجّل تراجع حادّ على مستوى التنسيق بين البلدين.
وبصرف النظر عن مؤتمر «إيباك»، اعتبرت مجلة المشاهد السياسي رحلة نتنياهو الأولى إلى واشنطن، بعد أربعة أشهر على تسلّم أوباما مهمّاته، محطّة مهمّة، في ظلّ التناقض المعلَن في توجّهات الطرفين الأميركي والإسرائيلي.
هذا الانسداد الكامل لأفق أي تسوية فلسطينية في إطار خيار الدولتين، شكّل صدمة للرئيس الأميركي الجديد أوباما، الذي سارع فور صدور نتائج الانتخابات الإسرائيلية إلى الاتصال بشيمون بيريز لـ«حثّه على مواصلة الالتزام بخيار الدولتين». بيد أن هذا سيكون من الآن فصاعداً، مجرّد تفكير رغائبي، إذ حتى في ظلّ حكومة كاديما ـ العمل، كان خيار الدولتين يتبدّد هباء منثوراً، بفعل وتائر الاستيطان اليهودي العالية في الضفّة والقدس.

هذا الحديث يقودنا إلى سؤال آخر: لماذا هذا التطرّف المتواصل في المجتمع الإسرائيلي؟ لندع مفكّراً إسرائيلياً، هو ماكسيم غيلان، الكاتب والصحافي والشاعر الإسرائيلي المعروف، يردّ على هذا السؤال. فقد أورد غيلان في مقابلة مع دورية «إيكزيكيوتيف إنتليجنس ريفيو»، النقاط الرئيسَة الآتية: في إسرائيل، هناك مجتمع يتحكّم الجيش (خصوصاً هيئة الأركان) بمصائره السياسية والاقتصادية والدينية. في هذا الجيش، توجد أخطر عصبة من الرجال على وجه الأرض. ليس هناك على وجه البسيطة قادة وجنرالات متطوّرون للغاية، ويمتلكون كميّات هائلة من أسلحة الدمار الشامل، كما في إسرائيل. إنهم متطرّفون للغاية، وقوميّون متعصّبون للغاية. وثمّة أنظمة مجنونة أخرى في العالم، لكن ليس كما في النظام الإسرائيلي. فهذا الأخير يعتبر «العالم كلّه ضدّنا»، ويعلّم أطفاله أغنية تقول هذا الشيء بالذات. ليس ثمّة دولة أخرى كإسرائيل، تهدّد بتدمير العالم من خلال حرب نوويّة، أو من خلال ارتكاب انتحار جماعي (عقدة الماسادا). نعم، الإسرائيليون يستطيعون تدمير العالم أو إشعال حرب عالمية تدمّره. والمؤسّسة العسكرية الإسرائيلية تمتلك الوسائل الضرورية لذلك.
إنهم جنرالات إسرائيل الذين يمثّلون التيار اليميني المتطرّف العنيف الذي أسّسه زئيف جابوتنسكي في مطلع القرن العشرين، هم الذين يقودون المرحلة الحالية، وهذا يعني وضع التسوية الفلسطينية في الثلاّجة من الآن وحتى إشعار آخر. والذين يراهنون على «ضغوط» أوباما يراهنون على وَهْم كبير.

أوباما ونتانياهو.. اتفقا على ألا يتفقا


الأهرام العربي، 23 مايو 2009

انتهت الجولة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الاثنين الماضي في البيت الأبيض (صفر – صفر)، فكل طرف هاجم في ملعب الطرف الآخر، إلا أن أيا منهما لم يُحرز أهدافًا حقيقية، وخرجا معا بعد المباراة وكل منهما متمسك بمواقفه وكأنهما اتفقا على ألا يتفقا.
ملخصٌ مفيد، قدمته مجلة الأهرام العربي بين يدي حديثها عن دلائل وتداعيات زيارة نتانياهو إلى واشنطن منذ أيام.
حاول نتانياهو استخدام طريقة الهجوم فقط بدلا من الدفاع فقط. حيث أشار إلى أن أمن إسرائيل في خطر في ظل السعي الإيراني للحصول على سلاح نووي، وأكد أهمية الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، كما سرب اللاعبون في فريقه أن الدول العربية تخشى إيران النووية وليس إسرائيل، وأن العدو هو التطرف والإرهاب اللذان تمثلهما إيران؛ لأن الصراع المقبل هو بين الاعتدال والتطرف.
كلها كانت محاولات للمراوغة في وجه أوباما الذي رمى بالكرة في الملعب الإسرائيلي مجددًا؛ عندما أكد أن تحقيق السلام يقع في إطار المصلحة القومية الأمريكية، وأنه يقوي مكانة الولايات المتحدة في المجتمع الدولي، وعند التعامل مع التهديد الإيراني المحتمل، مشيرًا إلى أن تحقيق التقدم الدولي نحو دولة فلسطينية وإصلاح الصورة الأمريكية في الخارج مترابطان مع بعضهما البعض، كما تمسك أوباما بحل الدولتين ووقف الاستيطان الإسرائيلي وإرجاء البت في الملف النووي الإيراني لإعطاء الحوار مع طهران فرصة إلى ما بعد انتخاباتها الرئاسية، أي وضع جدول زمني للتعاطي الدبلوماسي مع إيران، مع التأكيد على أهمية التعامل الأمريكي مع هذا الملف، لأنه مؤثر على الأمن القومي الأمريكي، وليس الإسرائيلي فقط.
واستمرت المباراة أو اللقاء بين أوباما ونتانياهو حوالي الساعتين، لم يتفقا خلالها إلا على إمكانية تشكيل آلية لبحث الاستيطان وضرورة إرجاء المستوطنات، وهي فكرة إسرائيلية يمكن احتسابها كمحاولة فاشلة للتسديد بعد احتساب ضربة جزاء، لأن أوباما أكد بوضوح رفضه توسيع المستوطنات في المؤتمر الصحفي المشترك مع نتانياهو.
وطرحت المجلة تساؤلا هامًا: ماذا يمكن للعرب أن يفعلوا (الذين يلعبون حاليًا دور المشاهد لهذه المباراة مع تشجيعهم لفريق أوباما)، لمحاولة تثبيت مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة، وعدم السماح بهزيمة تلك المواقف في المباريات المقبلة مع الجانب الإسرائيلي؟ خصوصًا أن جماعات الضغط الإسرائيلية بدأت في شحذ أدواتها للهجوم على إدارة أوباما في الفترة المقبلة، مما سيعرض الأخيرة لضغوط كبيرة وادعاءات بأنها لا تهتم بأمن إسرائيل بالشكل الكافي، وأن اليهود معرّضون لمحرقة جديدة على يد طهران وأحمدي نجاد لتَكرار لعبة هتلر معهم.
الأمر المؤكد هنا أن الإدارة الأمريكية لا تتخذ المواقف الإيجابية لسواد عيون الفلسطينيين أو العرب؛ بل لأن تجاربها على مدى السنوات الأخيرة أثبتت أنه من المهم حماية الولايات المتحدة والعالم العربي من خطر (ما يُسمى بـ) التطرف، وأن وعد الوصول لحل للقضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي سيؤثر بالإيجاب على أسلوب المواجهة الأمريكية مع (ما يسمى بـ) الإرهاب، وكذلك في زيادة مصداقيتها في مواجهة إيران وإضعاف الكروت العربية التي تلعب بها طهران مباراتها المقبلة مع واشنطن، والتي من المنتظر أن تبدأ قريبًا.
لكن نتانياهو، الذي يدرك أن مستقبله قد يكون في يد أوباما على الأقل في الفترة الحالية، حاول عدم إيصال المباراة إلى درجة الصدام؛ حتى لا ترفع الإدارة الأمريكية الكارت الأحمر في وجهه، لهذا حاول المراوغة بالكرة طوال المباراة والتركيز على ملف إيران النووي، إلا أنه لم يمتلك معلومات مؤكدة حوله. كما حاول التلويح بإمكانية توجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة في حالة لم تتحرك ملفات التهدئة والجندي الأسير جلعاد شاليط.
ولأن العرب يجب ألا يكتفوا بدور المشاهدين للمباراة كان لابد من طرح هذا السؤال: ماذا يمكن أن تفعل الدول العربية لارتداء الملابس الرياضية والتسخين ثم النزول إلى أرض الملعب للمشاركة واغتنام الفرصة الحالية التي قد لا تتكرر أبدًا في المستقبل؟ خصوصًا أن الاكتفاء بدور المشاهد فقط قد يؤدي لاستجابة أوباما لضغوط الموالين لإسرائيل.