برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, August 18, 2009

الأغذية المعدلة وراثيًا


البيئة والتنمية، يوليو - أغسطس 2009

أثارت الهندسة الوراثية عددًا من المخاوف، منها الهمُّ الأخلاقي من التدخل في خلق الله، والهمُّ البيئي من إفلات كائنات غريبة من المختبرات وغزوها التنوع البيولوجي الطبيعي، والهمُّ الطبي من مخاطرها على صحة البشر.
مجلة البيئة والتنمية قدمت إضاءة عل تاريخ البيوتكنولوجيا ومحدودية الدور العربي في أبحاثها وفي المفاوضات الدولية المتعلقة بتنظيم مداولة الكائنات المعدلة وراثيًا.

التكنولوجيا الأحيائية أو البيوتكنولوجيا هي "علم الكيمياء البيولوجية وتطبيقاته الرامية إلى توفير منتجات وخدمات لرفاه الإنسان. وتشمل هذه الكيانات النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة ومكوناتها دون الخلوية. وقد استخدم الإنسان تكنولوجيات أحيائية منذ القدم لإنتاج الغذاء والألياف والأدوية والعديد من المنتجات "الصناعية" كالخبز والخبز وأنواع شتى من الأطعمة والسلع المختمرة.
لكن حداثة الهندسة الوراثية أثارت عددًا من المخاوف مكمنها أن الكائنات التي لم تنشأ بانسجام مع الطبيعة، وبالتالي لا يمكن التنبؤ كيف يمكن تصرفها في نظام بيئي طبيعي، وقد يشكل تصرفها هذا خطرًا على البشر وغيرهم من الكائنات، وربما كان احتواؤه عبًا أو مستحيلا, ولئن يكن التفاعل بين الكائنات الحية الموجودة طبيعيًا والتي تتبع مبادئ البيولوجيا الطبيعية قد جُرِّب على مدى آلاف السنين، فإن التفاعل مع الكائنات المعدلة وراثيًا، ليس معروف النتائج لا سيما مع انتهاك تلك المبادئ في المختبر.
وبمرور السنين، خفَّ الكلام عن هروب كائنات ممسوخة من المختبرات، وازدادت ثقة الرأي العام؛ مما حفز الاستغلال التجاري لكثير من المنتجات المهندسة وراثيًا على نطاق واسع. إلا أن انطلاقها في البيئة الطبيعية أثار تخوُّفًا جديدًا: يتعلق بتأثير هذا "الغزو" الواسع على التنوع البيولوجي الطبيعي.

وأشارت المجلة إلى خطورة هذه الأطعمة المعدلة وراثيًا على الصحة، مستدلة بدعوة الأكاديمية الأميركية للطب البيئي في يونيو الماضي إلى تعليق إنتاج الأطعمة المعدلة وراثيًا، لأنها "تشكل خطرًا جديًا على الصحة". ونشرت بهذا الخصوص بيانًا جاء فيه: إن "هناك أكثر من مجرد ترابط عرضيّ بين الأطعمة المعدلة وراثيًا وتأثيرات سلبية على الصحة"، وأن دراسات عديدة أجريت على حيوانات أظهرت أن الأطعمة تشكل "خطرًا صحيًا جديًا في مجالات السمية والحساسية ووظيفة جهاز المناعة والصحة التناسلية والأيضية والفيزيولوجية والجينية". ودعت إلى القيام فورًا باختبارات على هذه الأطعمة تتعلق بالسلامة في المدى البعيد، ووضع ملصقات عليها تبين خصائصها. كما دعت الأطباء إلى رصد دورها في إصابات مرضاهم وتوعية الجمهور بضرورة تجنبها.
لكن المجلة في الوقت ذاته لم تُغفِل الإشارات الإيجابية لمستقبل هذا التطور العلمي.

على رغم هذه الملاحظات السلبية يمكننا أن نستنتج أن النقاشات الدولية حول السلامة الأحيائية، بالإضافة إلى المشاريع المدعومة من مرفق البيئة العالمي في عدة بلدان عربية، حفزت عمل الهيئات الحكومية، وهي تشجع على دراسة وبتّ مسألة التنسيق على الصعيد الوطني. وقد سامت الاستقصاءات وورش العمل التي أجريت خلال مشاريع مرفق البيئة العالمي في زيادة التوعية الحكومية والشعبية حول هذه المسائل، حتى إن بعض الدول التي لم تستوفِ شروط المرفق قامت من تلقاء نفسها بأنشطة شبيهة، وكانت فعالة في الوفاء بأهداف مماثلة. وهناك خطط للمزيد. وقد نظمت جامعة الدول العربية عام 2006 ورشة عمل لمراجعة أوضاع اتفاقية التنوع البيولوجي وبروتوكول قرطاجة للسلامة الأحيائية، وطُرِح اقتراح إقامة "شبكة" للعمل المنسق يستضيفها المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة، لكنهالم تُفَعَّل حتى الآن. أما مواقف الدول العربية من الكائنات المعدلة وراثيًا، فيتلخص في أن أيًّا منها لا تنتج حاليًا منتجات التكنولوجيا الأحيائية، باستثناء بض مواد العناية الصحية القليلة. ولدى بعضها برامج بحثية جارية لتطوير مثل تلك المنتجات. لكن على عكس دول أخرى مثل البرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا ، ليس هناك دلائل على أن هذا الإنتاج يمكن أن يبدأ في القريب العاجل، أي بعد 5 أو 10 سوات. لذلك من المتوقع أن تصبح الدول العربية مستوردًا لا مصدرًا لمنتجات التكنولوجيا الأحيائية، في جميع الحقول باستثناء الرعاية الصحية.

نهاية عصر المؤسسات الإعلامية


أبيض وأسود، 8- 15 أغسطس 2009

ما هو دور الإعلام؟ هل انتهى عصر المؤسسات الإعلامية الكبرى؟ وما هو البديل الذي سيتمكن من كسب السيطرة الإعلامية؟ وهل هذه التغييرات الثورية لصالح المجتمعات أم عليها؟
أسئلة طرحتها أسبوعية (أبيض وأسود) السورية، سنحاول استعراض إجاباتها في السطور التالية من خلال موضوع غلافها الأخير والذي حمل عنوان (نهاية عصر المؤسسات الإعلامية).

لقد لعب الإعلام أدوارا مختلفة باختلاف درجة تطور المجتمعات ونمو نضجها الثقافي والسياسي والمؤسساتي، وبشكل عام يلعب الإعلام دور التواصل الفكري بين شرائح اجتماعية مختلفة، كالمثقف والموظف والسياسي والعسكري والطالب ورجل الأعمال والمواطن العادي، وغيرهم من القوى الفاعلة في المجتمع، وبينما تختص بعض الوسائل الإعلامية بالتوجه لشرائح محددة، فإن المنظومة الإعلامية (إن صحت التسمية) تغطي جميع شرائح المجتمع، وبالتالي يتم تأمين التواصل وتبادل الأخبار والتحليلات والحوارات، مما يؤدي لضمان عدم وجود شروخ فكرية واسعة في المجتمع (من جهة)، أو معالجة مبكرة لهذه الشروخ، ولتأمين تطوير وتحفيز للأفكار المتعلقة بالقضايا الهامة، بطريقة تضمن مساهمة مجتمعية واسعة في النهضة المجتمعية.
وتصاب المنظومة الإعلامية بالفشل حينما لا تتمكن من لعب الدور المبين سابقا، وبالتالي تحاول إحدى الجهات إقصاء الأفكار الواردة من الجهات الأخرى، أو تعتقد إحدى الجهات بأن أفكارها قد وصلت لقمة النضج، وبالتالي لا ترى ضرورة لهذه العملية التفاعلية مع باقي الجهات، وهكذا، فإن كانت تلك الجهة تمتلك الحوامل الإعلامية المناسبة، فستحاول ضخ أرائها التي تعتقد بكمالها لباقي الجهات، أما إن لم يكن لدى هذه الجهة حامل إعلامي مناسب، فستنغلق على نفسها، وتطور (نظريتها) ضمن مجموعة ضيقة من الأفراد، وفي كلتا الحالتين نكون أمام نموذج مشوه لمنظومة إعلامية تعاني من شرخ عميق، ويؤدي لشروخ فكرية واسعة في المجتمع، وعلى الغالب لا تتمكن المنظومة الإعلامية الفاشلة من إبراز هذه الشروخ في الوقت المناسب، وبذلك لا تتمكن المجتمعات وقواها الفكرية من معالجة هذه الشروخ قبل أن تصبح غير قابلة للمعالجة.
إن هذا الحجم من التغييرات يفترض تطوير سياسات إعلامية وطنية تتناسب مع التحديات الجديدة، وبينما تعمل بعض الجهات على المعالجة التقنية قصيرة المدى لهذا الموضوع، فإن رسم سياسة إعلامية فعالة ينطلق من الفهم الواضح لدور الإعلام، فالمعالجة التقنية لا تنتج إلا إعلاماً مشوها مليئا بالتجمعات الفكرية المتباعدة، والمعزولة عن بعضها البعض، وبالتالي لا تحتاج هذه التجمعات إلا إلى الشرارة التي تشعل خلافات فكرية حادة قد تتطور لما هو أبعد من ذلك، بينما تمتاز التجمعات الفكرية التي تحفز النقاش وتبادل الأفكار بمناعتها ضد الشرارة التي قد تفجر الخلافات، ومن هنا نعتقد بأنه لابد من قراءة واعية لآليات التفاعل الإعلامي في عصر الشبكات الاجتماعية، وصياغة آليات لتطوير منظومات إعلامية عالية الكفاءة.

الوعي.. إداركنا لأنفسنا والواقع المحيط بنا


آفاق العلم، يوليو - أغسطس 2009

إنه شيء يحدد فهمنا للواقع ويخبرنا بأننا موجودون... نحن نعرف أننا نملكه؛ إلا أن علماء الجهاز العصبي والفلاسفة وخبراء الكمبيوتر لا يزالون مستمرين في مجهوداتهم الهادفة إلى تحديد ماهيته وفك شيفرة الدماغ الخاصة بكيفية عمله
إنه (الوعي) الذي أوقفت مجلة آفاق العلم موضوع غلافها الأخير للحديث عنه

تحديد المعنى الفعلي والدقيق للوعي كان صعباً على مر التاريخ ... في القرن الخامس الميلادي، حدد أوغسطين إدراك الذات كأحد العوامل الرئيسية للوعي؛ وذلك بقوله "أنا أفهم أنني أفهم" وقد استغرق الأمر اثني عشر قرنا، قبل أن يقدم الفيلسوف الإنجليزي جون لوك تعريفاًً جديداً للوعي؛ على أنه "إدراك الإنسان لما يدور في عقله
أنواع الوعي كثيرة؛ فهناك – إضافة للأنواع المذكورة أعلاه –الوعي الأخلاقي؛ أي نظام المثل والقيم الذي يمكننا من تمييز الأعمال الحسنة من السيئة... وهذا النظام يختلف من ثقافة إلى أخرى، ومن دين إلى آخر. وبقدوم فيلهلم فوندت في ستينيات القرن التاسع عشر، عرفنا أن الوعي هو المحصلة النهائية لنشاطات الدماغ؛ ما يعني أنه من الممكن دراسته... ولهذا يؤكد سيرل أن الوعي عبارة عن ظاهرة بيولوجية طبيعية، كعملية الهضم... وهي ظاهرة سنتمكن من فهمها بصورة كلية عندما نفهم الكيفية التي يعمل وفقها الدماغ
اليوم، وبفضل دراسة نشاطات الدماغ، فقد توصلنا إلى معرفة بعض وظائف هذه الخاصية التي لا يزال الجزء الأكبر منها غامضاً. ومع أن الإجابات حول الوعي البشري لم تكتمل بعد؛ إلا أن هناك قدراً كبيراً من التفاؤل فيما يتعلق بفهم الآلية التي يعمل وفقها دماغ مكون من أنسجة رخوة يبلغ وزنه نحو1400 غرام قادر على إعطائنا إمكانية التعرف على ذاتنا كأفراد منفصلين ، ثم إدراك مدى اتصالنا ببعضنا البعض ومعرفة مكاننا على هذا الكوكب وفي هذا الكون

تهويد القدس


أبيض وأسود، 2 – 9 أغسطس 2009

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن الخطوط العامة للملحق الأمني المتمم لوثيقة جنيف - البحر الميت، التي تم إشهارها والتوقيع عليها في (1/12/2003)، وملخصه (شرعنة الاستيطان وتهويد القدس).
وبدورها سلطت مجلة أبيض وأسود الضوء على أبرز ما ورد في هذا الملحق الأمني، الذي قاد الطاقم الفلسطيني المفاوض عليه الوزير والرئيس السابق لطاقم المفاوضات الفلسطيني في ملف الحدود سميح العبد، بمتابعة حثيثة من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، بناء على تكليف من رئيس السلطة محمود عباس.

ينطوي مضمون الملحق الأمني على أربعة اقتراحات رئيسية (تُشَرعِن) الاستيطان وتُهَوِّد معظم القدس الشرقية المحتلة في العام (1967) وتجهض السيادة الفلسطينية: الاقتراح الأول: ضمان حرية الحركة لأجهزة الأمن الإسرائيلية والمستوطنين بين الكتل الاستيطانية حول القدس، وبين هذه الكتل الاستيطانية والمستوطنات في غور الأردن.
الاقتراح الثاني: في التسوية النهائية ستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية تحت السيطرة الإسرائيلية التامة.
الاقتراح الثالث: استقدام قوة دولية متعددة الجنسيات ومسلحة، للمرابطة في الضفة الفلسطينية وعلى طول حدود الضفة مع الأردن. وتتكون القوة من أربع كتائب، يبلغ تعدادها (3000) مقاتل، ومهمتها ردع أي مقاومة فلسطينية للاحتلال الإسرائيلي. الاقتراح الرابع: الجداول الزمنية المعدة لتطبيق الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية تمتد لـ(30) شهرًا بعد التوقيع على الاتفاق. وهي بمثابة تنفيذ مكثف للمرحلتين الأولى والثانية من (خطة خارطة الطريق الدولية). الأشهر الثلاثة السابقة للتوقيع على الاتفاق تعمل خلالها خمس لجان مشتركة (فلسطينية ـ إسرائيلية ـ دولية) على وضع آليات لتطبيق ما يتم الاتفاق عليه، وخلال الفترة ذاتها تنشط أجهزة أمن رئاسة السلطة بمطاردة الأجنحة العسكرية للقوى والفصائل الفلسطينية وتفكيكها، بدعم لوجستي إسرائيلي ودولي. وبعد ستة أشهر من التوقيع يتم إنشاء مقر قيادة للقوة الدولية.

وتُكمِل المجلة في توضيح الكارثة التي تضمنها هذا الملحق الأمني، فتقول: وخلال تسعة أشهر من التوقيع على الاتفاق يتم الانتهاء من رسم الحدود على شكل أولي، ونشر طلائع القوة متعددة الجنسيات، واستكمال الاتفاق حول محطات الإنذار، والمرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي من بعض مناطق الضفة، وتشكيل غرفة متابعة مشتركة (إسرائيلية ـ فلسطينية ـ دولية)، واستكمال اتفاق الطرق المخصصة لتنقل أجهزة الأمن الإسرائيلية والمستوطنين، واتفاق الدخول والخروج من القدس القديمة. وحتى (20) شهرًا من الاتفاق يتم الانتهاء من تنفيذ المرحلة الثانية من الانسحاب الإسرائيلي نحو جدران الضم والفصل العنصرية، ويتم نشر باقي القوة الدولية. وبعد ثلاثين شهرًا يصل الجانبان إلى رسم الحدود الدائمة للدولة الفلسطينية كما حددت في جنيف (2003)، على أن يسبق ذلك تطبيق مبدأ تبادل الأراضي، وإنجاز الممر الواصل بين قطاع غزة والضفة، وتحديد نقاط الحدود والمعابر بين (إسرائيل) والدولة الفلسطينية.

لإدراك المخاطر التي حملها الملحق الأمني لا بد من العودة إلى النص الكامل لوثيقة جنيف ـ البحر الميت، فالوثيقة أسقطت حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وأجازت ضم الكتل الاستيطانية الكبرى تحت ما يسمى تبادل الأراضي، وأكدت على أن الكيان الفلسطيني الموعود سيكون منزوع السلاح، واستبدلت عنوان سيادة الدولة الفلسطينية الموعودة بعنوان الأمن ضمن المنظور الإسرائيلي، وهذا بحد ذاته مؤشر يدلل على الغاية من مثل هكذا وثيقة. وتحدثت الوثيقة عن القدس كـ(عاصمة للدولتين)، وهذا يحمل في طياته إقرارًا بالسيطرة الدائمة للاحتلال الإسرائيلي على الأحياء التي تم تهوديها في المدينة، وكذلك على الكتل الاستيطانية التي تخنق المدينة من كل الجهات، ضمن المخطط الصهيوني لتهويدها نهائيًا. ولا يتم الحديث في الملحق الأمني عن القدس كجزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام (1967)، حيث يفرد لها الملحق حلًا خاصًا يفرط بمعظم أراضيها وأحيائها، ويعطي الغلبة للمستوطنين الصهاينة في السيطرة على منطقة جوار المسجد الأقصى، التي اصطلح على تسميتها في أدبيات أوسلو بـ(الحوض المقدس). ويتنازل الفريق الفلسطيني في الملحق الأمني عن كل مقومات السيادة الفلسطينية، ويضع أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة تحت انتداب قوات متعددة الجنسيات، مهمتها حماية دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن بين هذه القوات قوات عربية وإسلامية. ويحشر الحل السياسي في زاوية المطالب والإدعاءات الأمنية الإسرائيلية وأهدافها الاستيطانية التوسعية. وبهذا يستكمل الفريق الأوسلوي درب التنازلات التي بدأها في مؤتمر مدريد (1991)، وانحدر فيها للتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني في اتفاقيات أوسلو وما تناسل عنها من اتفاقيات، فالملحق الأمني لوثيقة جنيف ـ البحر الميت يمهد لمنزلق جديد وشديد الخطورة على مضمون التسوية السياسية.

بغداد ـ أربيل: هل تنفجر الحرب؟


المشاهد السياسي، 2-8 أغسطس 2009

خمسة عناوين كبيرة رأت مجلة المشاهد السياسي أنها تندرج تحت رحلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى واشنطن: القرار الأميركي (المنفرد) ببدء الحوار مع المقاومة العراقية، الخلافات المتصاعدة بين بغداد وأربيل، الآليّات الممكنة لإخراج العراق من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الوضع الأمني بعد استكمال الانسحابات الأميركية، ودور الجيش العراقي الجديد وما يقتضيه هذا الدور من تسليح وتجهيزات.

هذه العناوين مجتمعة تشكّل عبئًا أكثر من ثقيل على كاهل الحكومة العراقية، في مرحلة الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، وتزايد الضغوط الأمنيّة المواكبة لهذا الإعداد. لكن الخطر الأكبر الذي يتهدّد العراق يبقى، في اقتناع المالكي ومعظم المراقبين، أن الخلاف بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، وهو متشعّب الجوانب، يمكن أن ينفجر في شكل حرب أهليّة إذا استعصى حلّه في الأشهر المقبلة.
وقبل تفصيل العناوين الكبيرة في الرحلة، نتوقّف عند هذا الخلاف بالذات، في محاولة لاستكشاف أبعاده الحقيقية، وفي رأي مراقبين أميركيين غير حكوميين أنه بلغ في المرحلة الأخيرة، عشيّة الانتخابات الكردية، مستويات خطرة شكّلت أحد الدوافع الرئيسية لاستدعاء المالكي إلى واشنطن، بقصد التشاور معه في ما يتعلّق بملف "المصالحة الوطنية العراقية"، علمًا أن الأميركيين يسجّلون على الأداء الحكومي العراقي أكثر من ملاحظة كبيرة في ما يتّصل به تحديدًا. وقد تزامنت انتخابات الإقليم مع مصادقة برلمان أربيل على مسودة دستور كردي خاص، ومع تدشين مصفاة كرديّة لتكرير النفط، وتصريحات لرئيس وزراء الإقليم نتشيروان بارزاني أكّد فيها أن الحرب باتت وشيكة بين القوّات الكردية (البشمركة) وقوّات الحكومة العراقية في منطقة مخمور المتنازع عليها، داعيًا الأميركيين إلى التدخّل بغية حلّ النزاعات القائمة بشكل سلمي.
هذه المعطيات لا تصبُّ في أي حال في مصلحة المركز (بغداد) الذي أرجأ حتى الآن البتّ بالمشاكل العالقة مع الأكراد، على أمل أن تفضي الانتخابات إلى زعزعة مواقع بارزاني وطالباني والتفويض الشعبي الذي يتمتّعان به، وذلك عبر قيام معارضة كرديّة قويّة لسلطتهما في برلمان أربيل الجديد، يمكن أن تؤدّي إلى انكفاء أو تراجع في مواقفهما المعلنة.

الملف الثاني الكبير الذي حمله المالكي إلى واشنطن، والذي ترى المشاهد السياسي أنه يحتاج هو الآخر إلى تدخّل الإدارة الأميركية، هو الملف العراقي ـ الكويتي الذي يشكّل حتى الآن عقبة أساسية في وجه رفع العقوبات الدولية عن العراق، وتحريره من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أخضع لها بعد اجتياح الكويت. ومعروف أن الجوانب الجغرافية والمالية متشعّبة في هذا الملف، وأن الكويت تصرّ إصرارًا كاملًا على التعويضات، واستعادة المسروقات ورفات الأسرى، وترسيم الحدود بشكل نهائي قبل أن توافق على تطبيع علاقاتها، وبالتالي تطبيع العلاقات الدولية مع العراق.

يرى الخبراء السياسيين والقانونيين، أن فتح الملف العراقي ـ الكويتي على خلفية الآثار المترتّبة على اجتياح الكويت في الثاني من أغسطس ١٩٩٠، يُدخِل العراق في حقل واسع من الألغام، بعدما استصدرت الولايات المتحدة حزمة من القرارات استنادًا إلى الفصل السابع، وهاجمت العراق مع ٣٣ دولة حليفة في ١٥/١١/١٩٩١، وتسبّب الحصار في وقت لاحق بكل الويلات التي عرفها العراقيون. ومجرّد البحث عن دفع التعويضات التي تقدّر بعشرات مليارات الدولارات، وإعادة ترسيم الحدود، يُقحِم الحكومة العراقية في متاهة لا نهاية لها. من هنا يُعَوِّل نوري المالكي على واشنطن في إقناع الكويت بالتنازل عن كل أو بعض الشروط التي وضعتها لإخراج العراق من الفصل السابع، في الوقت الذي تُصرُّ فيه الإدارة الأميركية على تسريع المصالحة مع البعثيين، وتذهب إلى حد فتح خطوط حوار مباشرة مع الجناح السياسي في المقاومة العراقية، وكأنها تمهّد لصيغة حكم جديدة في العراق يعيد البعث إلى مواقع القرار، عبر التفاهم مع حكّام العراق الجدد، ويعيد تركيب السلطة والأجهزة الأمنيّة بدءًا بالجيش.
ويبقى أبرز ما يهدّد الوضع الأمني والعملية السياسية ككل، خصوصًا في المناطق السنّيّة، هو التوتّر المتزايد بين الحكومة العراقية والصحوات، أضِف إلى ذلك المسائل الخلافية الناتجة عن التعديلات الدستورية العالقة، والتي تتناول أكثر من ٥٥ فقرة في الدستور الحالي، والخلافات المستمرّة حول مشروع قانون النفط والغاز الذي يوزّع الثروة على مختلف المناطق، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي لم تجد حلًا ولا حتى بداية حلّ منذ ست سنوات.
ويبقى السؤال: هل تنفجر كل هذه المشاكل العالقة في وجه المالكي دفعة واحدة، قبل أن يهتدي إلى شراكة استراتيجية واضحة مع الحكومة الأميركية، و إلى آليّات دستورية واضحة لتحويل النظام الحالي إلى نظام رئاسي، وتسويات واضحة مع البعث كما مع الأكراد، وصيغ تعاون ملائمة مع دول الجوار بدءًا بتركيا وسورية وإيران، أم أنه يستطيع إدارة الوقت وتدارك الألغام الكبيرة والصغيرة بحدّ كافٍ من المرونة والدهاء في المرحلة المقبلة، على أمل توظيف الحوار في حلحلة كل هذه المشاكل؟

Tuesday, August 4, 2009

حركة فتح تتهاوى


المشاهد السياسي، 26 يوليو – 1 أغسطس


ما الذي يجري داخل "فتح"؟ تساؤل طرحته من لندن مجلة المشاهد السياسي، قائلة إنها: حرب (فتح ـ فتح) تشتعل بمناسبة تعيين موعد انعقاد المؤتمر السادس للحركة في بيت لحم، وكل شيء يدل على أن التراكمات والأحقاد التي حفلت بها السنوات الأخيرة تهدّد مستقبل الحركة الغارقة في همومها السلطويّة، وهي على درجة كبيرة من التداخل والتعقيد. إنه التزاحم على النفوذ بين المحاربين القدامى، والتنافر الشديد بين سلطة الداخل ومناضلي الخارج، والنشطاء الجدد ومعظمهم من خرّيجي السجون الإسرائيلية.

فجأة ألقى فاروق القدومي أمين سرّ حركة "فتح" قنبلته: محمود عباس ومحمد دحلان وأريـيل شارون وشاؤول موفاز هم الذين أعدّوا خطة اغتيال ياسر عرفات بالسم، في حضور وليام بيرنز الموفد الأميركي وعدد من ضباط المخابرات الإسرائيلية! ولأول مرة ظهر بوضوح أن النخبة الفلسطينية السياسية تعيش صراعات باتت خارج دائرة السيطرة، من خارج الإطار الوطني الذي كان يحكمها في العقود الخمسة الأخيرة.
والسؤال الكبير الذي طرح بعد مؤتمر القدومي الصحفي، الذي انعقد في عمان كان: هل فتح ذاهبة إلى الانهيار؟
وللسؤال ما يبرّره في ضوء الصراع الطويل الذي تعيشه "فتح" (ممثّلة بالسلطة)، والصراعات الكامنة والظاهرة بين أجنحة فتح نفسها.
وعلى هامش قنبلة القدومي وبيان خمسة أجنحة عسكرية تابعة لحركة "فتح" في الضفة والقطاع مبايعتها له، وقرار اللجنة التنفيذية للمنظّمة ـ التي يهيمن عليها الرئيس الفلسطيني ـ الذي يدعو إلى انعقاد المجلس المركزي من أجل اتّخاذ قرار في حق القدومي. بات واضحاً أن ما تشهده "فتح" يمثّل مثالاً حيّاً على الضياع الفلسطيني في هذه المرحلة، بعد خمس سنوات على غياب "أبي عمار"، والأسئلة التي تطرحها المرحلة الراهنة كبيرة وخطرة في آن ولعل أبرزها:
ـ هل يمكن أن يتطوّر الصراع إلى انشقاق داخلي وتمرّد على قيادة عباس ـ فياض؟
ـ ماذا ستكون المواقف الفتحاوية في الخارج (الأردن، لبنان، سورية والخليج)، وهل يمكن أن تسكت عن محاولة عباس تحويل الحركة إلى حركة ضِفّاويّة؟
ـ ماذا سيكون تأثير الانشقاق الجديد إذا حدث على مشروع التسوية بشكل عام؟
ـ كيف ستتوزّع مواقف الدول العربية المعنيّة بين القدومي والسلطة؟

قد تكون "فتح" على عتبة انشقاق جديد، يشبه الانشقاق الذي شهدته في العام ١٩٨٣ على يد أبي موسى الذي أنشأ "فتح الانتفاضة"، كما قد تكون على عتبة عملية "تنظيف" تنقذها من التفتّت والتشظّي، بعد الوهن والتراخي اللذين أصاباها على مستوى الشارع الفلسطيني، وبعدها فقدت زعامتها ومكانتها التاريخيتين في هذا الشارع.
ويبقى السؤال الكبير الذي طرحته المجلة في النهاية: هل يقوم من داخل "فتح" الفتحاوية، في هذه اللحظة التاريخية، رجل يعلن "الأمر لي" ويقود المرحلة النضالية الجديدة على حساب قيادات الداخل والخارج معا.
في انتظار أن تتبلور المواقف بصيغتها النهائية، يمكن القول إن خمسة عوامل داخلية سوف تحكم مستقبل الحركة، إلى جانب خمسة عوامل خارجية. أما العوامل الداخلية فهي:
* وجود قيادات فتحاويّة ذات خبرة ومعرفة ترغب في إعادة بناء الحركة. وهي وفيّة لتاريخها ونهجها في مقاومة الاحتلال، ويمكن أن تدفع باتجاه التغيير على المستوى القيادي.
* وجود عناصر وكوادر فتحاويّة متحمّسة لفكرة التجديد والنهوض بالحركة على مستوى المواجهة.
* تراجع رصيد القيادات الفاسدة داخل الحركة في ضوء أحداث غزّة في العام ٢٠٠٧ وما انتهت إليه من انشقاقات.
* تراجع رصيد القيادات الفتحاوية التي وظّفت السلطة في خدمة مصالحها الخاصة، وانعطاف القاعدة المؤيّدة لـ"فتح" في اتجاه محاسبة المنتفعين.
* تعاظم تأثير "حماس" على المستوى الشعبي بعد حرب غزّة الأخيرة.
أما العوامل الخارجية التي يمكن أن تلعب دوراً مباشراً أو غير مباشر في تقرير مستقبل "فتح" فهي الآتية:
* احتمال قيام حركة من صفوف "فتح" الخارج تنقلب على القيادات التاريخية، وتؤسّس لانتفاضة تعيد بناء الحركة وهياكلها التنظيمية والإدارية والسياسية.
* احتمال قيام الجهات العربية والدولية المموّلة بمبادرة ما تشكّل ضغطا كافيا على قيادات الداخل والخارج، من أجل تأمين مصالحة سريعة بين الأجنحة المتصارعة.
* قيام نظام إقليمي جديد يعيد ترتيب موازين القوى لمصلحة الاعتدال الفلسطيني أو لمصلحة المقاومة المسلّحة.
* إعادة بناء الحركة وفاق الرغبات الأميركية والأوروبية وارد أيضا في ضوء الحاجة إلى مفاوض فلسطيني يوقّع التسوية المطلوبة.

يهودية الدولة: معركة قناعات لا معركة حقوق


الرائد، يوليو 2009


بين الإلحاح الإسرائيلي المتصاعد مؤخرًا على انتزاع اعتراف عربي بإسرائيل كـ "دولة يهودية"، والرفض العربي الحاد – وإن بدا أقل صخبًا – لفكرة يهودية إسرائيل، تبقى القضية معركة قناعات لا معركة حقوق.
مجلة الرائد، أطلَّت على هذا المشهد، ولخصت هذه الإضاءات.
البعض يركز على التأثيرات المحتملة لهذا الاعتراف على الحقوق الفلسطينية في الأرض وعودة اللاجئين، وهو في الحقيقة جزء صغير جدًا من الحقيقة، فقضية يهودية إسرائيل تشكل في نظر أطراف عربية وأوروبية كثيرة خطرًا نوعيًا أكبر بكثير من وجود إسرائيل نفسه. وفي الحقيقة فإن هذا الجدل ينطوي على عدة دلالات شديدة الأهمية. فهو:
أولًا : يعني أن العرب تجاوزوا نهائيا قضية الاعتراف بوجود إسرائيل من عدمه .
ثانيًا : أن خيار التسوية والتعايش أصبح شبه نهائي لا تعارضه إلا قوى سياسية ودينية محدودة.
والجدل بشأن يهودية الدولة يعني أن "هوية إسرائيل" ليست شأنًا صهيونيًا محضًا بل هو – بناءًا على الرفض العربي المعلن –موضوع إقليمي أو حتى عالمي. فالطبيعي أن قبول مبدأ مشروعية الدولة تترتب عليه بالضرورة نتائج في مقدمتها حقها في إعمال سيادتها وفي مقدمة نتائج هذه السيادة تقرير هويتها يهودية كانت أو علمانية.
ويشير هذا النقاش أيضًا إلى تحول تاريخي خطير بكل معنى الكلمة هو أن إسرائيل اختارت طريقها لأول مرة منذ بدأ المشروع الصهيوني بين مشروعين تعايشا داخلها لعقود هما:
(1) المشروع الصهيوني العلماني.
(2) المشروع الصهيوني الديني.
وتاريخيًا كان المشروعان متكاملين "عمليًا" متنافرين "أيديولوجيا"، فالصهيونية الدينية وفرت الأساس القادر على جمع الجماهير والجنود الذي شكلوا قاعدة المشروع الصهيوني، والصهيونية العلمانية كانت قادرة على التواصل مع القوى الكبرى الغربية التي وفرت الحماية والدعم للمشروع والدولة، وحتى ظهور أميركا كقوة كبرى منخرطة في الشأن العالمي بعد الحرب العالمية الثانية كانت هذه القوى علمانية.
لكن جفاف مصادر الهجرة اليهودية التقليدية لإسرائيل والتفاوت الكبير بين معدل زيادة اليهود الشرقيين والغربيين أسفر – لأول مرة عن – تحول اليهود ذوي الأصول الغربية "الإشكيناز" إلى أقلية مقابل أغلبية من اليهود الشرقيين "السفارديم". وتضيف المجلة : لأسباب ثقافية وتاريخية كان السفارديم داعمين لتأكيد يهودية إسرائيل مقابل انحياز واضح من أغلبية اليهود الإشيكناز لخيار الدولة العلمانية. وقد فتش الإسرائيليون عن "صمغ" يحقق التماسك بين الروس والألمان والبولنديين والإثيوبيين والهنود والعراقيين والمغاربة والبولنديين واليمنيين و... يعيشون في محيط معادٍ فلم يجدوا – بالمنطق البراجماتي – سوى الدين
ولم يتصور أحد من علمانيي إسرائيل أبدًا أن يتحول الدين من "وسيلة" إلى دعامة وحيدة
ما تثيره التحولات الجديدة في إسرائيل من قضايا تتجاوز آثاره بكثير ملفات التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية، فمن ناحية، يعني قبول العرب بإسرائيل كـ "دولة يهودية" أول تحول من نوعه عن الثورة الفرنسية التي أرست مبدأ الفصل التام بين الدين والحياة العامة وبالتالي سيكون العالم قد شهد للمرة الأولى نشوء دولة على أساس ديني وهو ما يشكل أمرًا مرفوضًا تمام الرفض في أوروبا التي تعتبر قوى رئيسة فيها أنها "حارس لقيم الثورة"، ومن ناحية أخرى سيعنى هذا الاعتراف استحضارًا غير مسبوق للبعد الديني في الصراع على فلسطين بكل ما يعنيه ذلك من تبعات خطيرة (على مستقبل إسرائيل بالطبع
ويضاف إلى ما سبق أن إسرائيل التي أُنشِئت تلبية لأشواق دينية عند اليهود للعودة إلى أرض يقدسونها دينيا سيعطي مشروعية لإنشاء الدول على أساس ديني، وبالتالي سيعطي مشروعية لسعي الحركات الإسلامية لإزالة الأنظمة الحاكمة في بلادها لبناء نظم حكم إسلامي بدلًا منها. وإذا مددنا الخط على استقامته فسنكتشف أن مثل هذا التحول سيكون مقدمة - مجرد مقدمة-لمرحلة تالية من الإحياء الديني ستجعل هدفها إعادة الخلافة الإسلامية كسلطة جامعة لشعوب الأمة، وإذا كان اليهود قد عادوا بعد حوالي أربعة آلاف سنة إلى الأرض التي يقدسونها وتمكنوا من تأسيس "دولة يهودية"، فما الذي يمنع المسلمين من التفكير الجدي في إعادة تأسيس سلطة كانت موجودة قبل أقل من مئة سنة؟

أوباما.. نتنياهو يفصحان عن رؤيتهما للسلام في الشرق الأوسط


الهدف، يوليو 2009


تحت عنوان ("أوباما.. نتنياهو"يفصحان عن رؤيتهما للسلام في الشرق الأوسط).. تسائلت مجلة الهدف، باستهجانٍ: لماذا قامت الدنيا ولم تقعد عند اعتلاء باراك حسين أوباما سدة الحكم في الإدارة الأمريكية؟ أهي سياساته النقدية لسلفه الإرهابي بامتياز والحاضن الأمين للعدوانية الصهيونية وممارساتها الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية؟ أم إعلانه في البيت الأبيض عن مقاربة للحل في العالمين العربي والإسلامي؟ وهل يَصدُق ذلك في ظل استمرار لعب اللوبي الصهيوني دورًا مركزيًا في تحديد اتجاه السياسات الأمريكية في المنطقة؟
المقاربة الأمريكية والتي تبنت في الجوهر الموقف والرؤية الصهيونية لآفاق حل المشكلة الفلسطينية والتي هلَّلَ لها- وللأسف- العالم أجمع باستثناءات قليلة، كانت شكلية ولم تغير قيد أنملة المواقف الأمريكية التقليدية المتنكرة للحقوق العربية والداعمة بلا نقاش للأطماع والمصالح الصهيونية. فحديث أوباما الذي تُوِّج بحرص أمريكي على عدم إدارة الظهر لتطلعات الشعب الفلسطيني نحو الدولة تضمن موقفًا واضحًا من حق العودة وتجاهلا لحقوق اللاجئين والقدس والحدود وموقفا ملتبسا من الاستيطان الذي يقوض أركان الدولة الفلسطينية ورغبة في أن تكون الدولة الفلسطينية جسرًا لعبور إسرائيلي مجاني للعالمين العربي والإسلامي، فكما يقولون كلام جميل ومنمق وغير عادي بالنسبة للخطاب الأمريكي لكنه مليء بالمخاطر والأهوال (كدسِّ السم في العسل). هذا لاحديث قابله يوم الأحد الموافق 14/6/2009 رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو في خطابه في جامعة "بار إيلان" في تل أبيب في قاعة (السادات ـ بيجين) بمقاربة مقززة من حيث المضمون حيث انطلق من تشويه للتاريخ وتجاوز وتجاهل لحقائقه الدامغة ليصل إلى نتيجة مؤداها أنه يتكرم على الشعب الفلسطيني بإعطائه سجنًا منمقًا من خلال القبول والاستسلام للإرادة الصهيونية وما خلفته من دمار وانتهاكات للحقائق والوقائع على الأرض الفلسطينية. فيريدنا أن نعترف بأن دولته المصطنعة والكيان صاحب الدور والمهمة الاستعمارية، الدولة القومية للشعب اليهودي وأن نوفر لها الأمن من خلال دولة منزوعة السلاح وبضمانات دولية وتغييب حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها ولسان حاله يدعونا إلى نسيان حقوقنا في العودة إكرامًا لصلفه وصفاقته المعهودة دون أن ينسى بأن القدس عاصمة أبدية لكيانه العنصري الإرهابي. وانطلاقًا من هذه المقاربة الأمريكية الصهيونية والتي عبرت من خلالها إدارة أوباما على أن خطاب نتنياهو خطوة إلى الأمام وخطوة في الاتجاه الصحيح.

من محركات البحث إلى محركات المعرفة


لغة العصر، يوليو 2009


ما هو الهدف الأصلي لاستخدام الانترنت؟ وما مصير كنوز المعرفة المخزنة في المليارات من صفحات الويب؟ كيف يمكن الاستفادة منها واستخراج ما في بطونها من لآلئ وجواهر؟ وما هي محركات المعرفة وقدراتها ومستوى النجاح الذي حققته حتى الآن والتغيير المتوقع أن تحدثه عبر الشبكة، والوجه الجديد الذي تعدنا به؟ وهل تتنافس مع محركات البحث الحالية وعلى رأسها جوجل، أم تتكامل معها؟ ماهي محركات المعرفة أصلا، وكيف تعمل وما الجديد الذي تحمله؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وأكثر سبرت مجلة لغة العصر أغوار محركات المعرفة التي توفر المعلومة بدلا من أن تدلك عليها.
الطريقة الحالية للوصول إلى هذه المعارف هي استخدام محركات البحث التي تكتب فيها كلمة فتقودك إلى النصوص الموزعة على الآلاف من الصفحات والمواقع التي تذكر فيها هذه الكلمة، ومن ثم تجعلنا هذه المحركات قادرين على البحث بكفاءة عن مصطلحات وعبارات معينة في هذه النصوص، وتمكننا من الكشف عن هذه الحقائق الموجودة بها، لكن حتى الآن لم تمكننا هذه المحركات من استنباط معلومة جديدة من النصوص القائمة ولهذا ظهرت الحاجة الماسة إلى وجود نوع جديد من المحركات يلبي أشواق المستخدمين والعلماء الذين يبحثون عن معلومات في العلوم والفلك والرياضيات وغيرها من المجالات، ويرغبون في استنباط وعرض معلومات محددة من نصوص متاحة. من هنا بدأ الاتجاه إلى تطوير محركات تكتب فيها سؤالا محددًا فتحصل على معلومات ومعارف محددة عن سؤالك المحدد مباشرة بدلا من الإحالة إلى المواقع تحتوي إلى نصوص أو صور تناسب ما تبحث عنه، ولذلك أُطلِق عليها "محركات المعرفة".
وقد تشكل الاتجاه نحو هذه المحركات بقوة من خلال موقعين تم إطلاقهما مؤخرًا، وهما موقع ترو نوليدج، و موقع وولفرام، وقد صاحبت الأخير ضجة كبيرة حتى أن البعض وصفه بأنه فاتحة عصر جديد على الانترنت، وأيًا ما كان الأمر فنحن أمام تطور يمكن أن يصبح نقطة تحول كبرى في تاريخ الانترنت، وقد يصنع لها وجهًا جديدًا.
غني عن الذكر أن هذا النوع من البحث المتطور ما زال أمامه سنوات طويلة لكي يصل
إلى مرحلة النضج والدقة. وفي عام 2002 حدد مجموعة من الباحثين أبرز العقبات والتحديات التي تواجه الإجابة عن الأسئلة، ومنها: فئات الأسئلة ومعالجتها واستخراج الإجابات وصياغتها، وإجابات الأسئلة الفورية والإجابة عن السؤال بعدة لغات، والاستدلال المتقدم لإجابة الأسئلة، واستنباط المعلومات عن المستخدم من أسئلته.
وتكمل المجلة بالإشارة إلى أن محركات المعرفة –كما سبق القول- تَوُجُّهٌ جديد في عالم الانترنت واستخدامها مختلِف والاستفادة منها تتطلب الإلمام ببعض المهارات المختلفة اختلافا كليًا عن مهارات استخدام محركات البحث العادية؛ ولذلك فإن الفهم الصحيح لكيفية التعامل مع محركات المعرفة يعد خطوة أساسية للاستفادة القصوى منها والحصول على نتائج مرضية.
ثم قدمت المجلة أمثلة سريعة لاستعلامات البحث التي يكن إدخالها في محرك "وولفرام ألفا" كنموذج يوضح كيفية الاستفادة من محركات المعرفة عمومًا باعتبار هذا المحرك هو الأحدث والأكثر شهرة بين محركات المعرفة.
يرى بعض الخبراء أن "وولفرام ألفا" يُعَدّ مناسبًا جدا لطلاب العلوم في الثانوية العامة، وطلاب كليات وأقسام العلوم بالمرحلة الجامعية، وممتازًا بالنسبة لكل المتخصصين والمهتمين بالمجالات العلمية والحسابية والتطبيقية والجغرافية، حيث يتألق "وولفرام" مع أي استفسار في الرياضيات أو الفيزياء أو الإحصاء أو الكيمياء أو الهندسة أو الفلك أو علوم الأرض أو عالم التكنولوجيا أو العلوم الحوسبية وأنظمة الكمبيوتر والويب والوحدات والقياسات وتحويل العملات والنقود والتمويل والأماكن والجغرافيا والصحة والطب والتغذية واللغويات والتاريخ والألعاب الرياضية الموسيقى والألوان.
وهناك نقاط مهمة تتعلق بالمحرك وطريقة تفاعله مع مستخدميه، يجب على من يستخدم "وولفرام ألفا" أن يتعرف عليها ويعيها، ومنها ما يلي: يكوِّن وولفرام إجابات الأسئلة من خلال العمليات الحسابية التي ستمدها من قاعدته المعرفية الداخلية بدلا من البحث في الويب وعرض الروابط والنتائج. إذا لم يتمكن المستخدم من العثور على إجابته في وولفرام ألفا فيمكنه تجربة تكرار السؤال بصيغ مختلفة أو ربما لم يُغَطّ وولفرام ألفا مجال السؤال. ويمكن في هذا الصدد تخفيض عدد كلمات الاستعلام المطلوبة وتجربة كلمات وتعليقات مختلفة، ويفضل استخدام أقل عدد ممكن من الكلمات مع ضرورة الحرص على استخدام كلمات غير غامضة.
يناسب وولفرام ألفا جميع الأعمار بدءًا من الحضانة حتى مستويات التخرج والعمل ويقدم المعلومات التي يحتاجها المستخدم المبتدئ والعالم الخبير، وبيمكن استخدام وولفرام ألفا في الأبحاث الأكاديمية والعلمية وكمصدر علمي موثوق للإحصائيات والأرقام.