برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Saturday, January 31, 2009

غزة في قلب المحرقة


البيادر السياسي، 24 يناير


رغم امتلاك إسرائيل لأسلحة متطورة وفتاكة.. لم تستطع كسر شوكة المجاهدين في غزة، أو حتى ثني عزيمتهم، بل بقوا صامدين حتى لحظة إطلاق النار. مما دفع مجلة البيادر السياسي إلى الإجابة عن التساؤل الذي يطرحه الكثيرون: ما هي عوامل وأسباب صمود المقاومين أمام هذا العدوان الإسرائيلي الشرس؟!
لا بدّ من المرور على العوامل والأسباب التي ساهمت في صمود المقاومة رغم امتلاك الجيش الإسرائيلي لأسلحة فتاكة ومتطورة، لم يبخل بتاتاً في استخدامها. ويمكن حصر عوامل الصمود في الآتي:-
* عامل الإيمان، إذ أن من يقاوم الاحتلال ويُستشهد فله الجنة، وهناك كثيرون نتيجة إيمانهم وعقيدتهم يطلبون الشهادة أو الاستشهاد، وبالتالي لا يهابون الموت بتاتا.
* الإرادة القوية والصلبة للمقاوم الذي يدافع عن وطنه، ولا يقوم بعدوان.
* المقاوم يعرف أرضه ووطنه أفضل بكثير مما يعرفه الأعداء، رغم أنهم يملكون جهاز استخبارات، أو استطلاعا قويا، ويعرفون جيدا قطاع غزة، لأنهم احتلوه لحوالي 38 عاماً.
*لم تعرف الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية كل شيء عن حماس، وخاصة بعد الانسحاب من القطاع قبل حوالي 40 شهراً (أكثر من 3 سنوات)، ولم تستطع اختراق حماس جيدا.
* الاستعدادات لمواجهة أي هجوم إسرائيلي كانت متواصلة، وكانت هناك خنادق وأنفاق، وكانت هناك مواجهة "كَرّ و فَرّ" في الميدان، وهذه المعارك صعبة وشرسة وقاسية، وخاصة في مناطق مأهولة سكانيا.
* استطاعت المقاومة تجاوز إمكانية قطع الأوصال بين مناطق القطاع، وكذلك قطع الاتصالات اللاسلكية والهاتفية، من خلال تقسيم قطاع غزة إلى مناطق عدة كل منطقة لها قيادتها وتتصرف بكل حرية، وتقاتل حسب الظروف المتوفرة، وتبين أن المقاومة توقعت جيدا تقسيم القطاع، وتجاوبت مع ذلك بكل ذكاء.
وترى المجلة أن هؤلاء المجاهدين توافرت فيهم عوامل النصر فانتصروا، وكانت لديهم إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره.
يمتلك قطاع غزة كثافة سكانية هي الأعلى في العالم؛ إذ يقطنه حوالي 1.5 مليون نسمة على أرض مساحتها حوالي 350 كم مربعا، وهذا بالطبع يجعل مهمة الجيش الإسرائيلي صعبة جدا في التحرك أو دخول مناطق مأهولة، وفي الوقت نفسه يسهّل مهمة القتال والمقاومة للمقاومين.
كما أن سلاح الجو لا يستطيع حسم المعركة بتاتا، بل إن القوات البرية هي التي تستطيع ذلك، وفي حالة العدوان على القطاع فإن الهجوم البري لم يكن شاملا وواسعا، بل محدودا، ووصل إلى مناطق محاذية لمدينة غزة وبعض المدن، إلا أنه لم يدخلها، وخاصة مناطق المخيمات الكبيرة.
ولا شك أن الحرب العدوانية إذا ووجهت بإعلام مرتّب ومنظم يكشف المجازر الفظيعة التي ترتكبها قوات الاحتلال، وترفع معنويات المقاومين، فإن هذا السلاح له فعاليته وأثره على المعركة.. إذ أن الإعلام العربي المستقل والممانع، لعب دورا كبيرا في حشد دعم الرأي العام العربي، وحتى العالمي، إلى جانب المقاومة، وهذا بالطبع أثَّر – ولو من بعيد – على الجيش الإسرائيلي ومعنوياته وقراراته.
من هنا يمكن الاستنتاج أن مجموعة عوامل كانت لصالح المجاهدين، واستثمرتها المقاومة، ولذلك صمدت لـ 23 يوما، وكانت قادرة على الصمود أكثر من ذلك.. وهذه العوامل لربما كانت غائبة عن عقلية المخطط الإسرائيلي لهذا الهجوم الذي يخطئ دوما في حساباته، وفي تفهُّم الذهنية والعقلية العربية بشكل عام، والفلسطينية بشكل خاص.

محرقة غزة


المجتمع، 3 – 26 يناير 2009


الجميع في "غزة" ذرف الدموع.. الكبار والصغار، النساء والرجال، والحالات التي تُدمي القلوب لم تعد تُحصَى. ورغم محاولة وسائل الإعلام المرئية نقل صورة مقربة للمحرقة التي ارتكبها الصهاينة في غزة، لا زال هناك الكثير من القصص والمآسي خلف الدخان والأنقاض لم ترصدها عدسات الفضائيات.
مجلة "المجتمع" حاولت أن تنقل الجزء الآخر من الصورة التي لم تصل إليها الكاميرات

من بين المكلومات كانت امرأة لم تكد تمر دقائق على تعرُّفها على جثة زوجها، حتى جاءها نبأ استشهاد شقيقها؛ لتتنقل من وداع إلى وداع، وأخرى فقدت أربعة من أبنائها، فيما ارتقت عائلة كاملة إلى العلياء!
لحظات صعبة عاشتها عائلة "بعلوشة".. أطقم الإنقاذ أخرجت الطفلة الأولى من تحت قبر صنعته طائرات الاحتلال بعدما قصفت مسجد "عماد عقل" في مخيم "جباليا" ليلا. الطفلة كانت على قيد الحياة، كانت مصدومة، ولكنها سألت عن شقيقاتها وأمها، وعندها تم الكشف عن جثث شقيقاتها بجانبها على السرير نفسه، وهكذا قضت الأربعةُ شقيقات وأمُّهن.
لم تسلم المساجد في "غزة" من القصف، ولكنها واصلت نعي الشهداء، وتلاوة آيات القرآن الكريم، وتشييع جثث الشهداء منها.. وفي كل صلاة كانت الدعوات المرافقة لدموع المصلين المكلومين تخرج إلى الله؛ ترحُّما على الشهداء.
ليل غزة الهادئ تحولت أحلامه إلى كوابيس هزّت المواطنين، وأفقدتهم الرغبة في النوم جرّاء تواصل دوي الانفجارات. ما أن يُسمع صوت انفجار يهزّ أرجاء غزة حتى تُهرَع سيارات الإسعاف والدفاع المدني إلى المكان، وما أن تصل هناك حتى يكون انفجار آخر قد وقع، ممّا أثار حالة من الارتباك وعدم التركيز مع تسارع الأحداث.. ويبدو أن قوات الاحتلال قد اعتمدت في ضرباتها على تكتيك "الصدمة".

Monday, January 19, 2009

العدوان العربي


الكفاح العربي، 19 يناير 2009


بكل بساطة, إنه "عدوان" عربي أيضا، هذا الذي جرى ويجري على أرض غزة وفي بحرها وفضائها. والمحرقة التي يتعرض لها القطاع ليست فقط إسرائيلية بتغطية أميركية­ غربية, و إنما هي أيضا، بل أولا، حرب عربية على الفلسطينيين لأول مرة بهذا الشكل المفجع.
اتهامٌ صريح علَّقت به مجلة الكفاح العربي دماء الأبرياء في غزة في رقبة دول عربية، لم تسمها؛ ربما لأن الأمور أصبحت أوضح من فلق الصبح.
لكن في المقابل أظهر المواطن الفلسطيني صمودًا صار مضرب الأمثال وحديث المجالس، وبرزت المقاومة الباسلة بصورة فشلت جيوش العرب مجتمعة أن تظهر بها.
غزة الصامدة التي تتحدى بأجساد أطفالها الصلف الإسرائيلي والتجاهل العالمي, تدرك تماماً أن ما يجري لم يكن ممكنا لولا موافقة أطراف إقليمية -بينها أطراف عربية- على المجزرة؛ بدليل أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية أعلنت الحرب من عاصمة عربية, واعترفت أنها حصلت على موافقات عدة قبل بدء العملية.والمفارقة الأولى في المحرقة التي تتواصل منذ ثلاثة أسابيع, أن الجيش الأسطورة (رابع جيش في العالم), الذي حقق أكثر من مرة، النصر على أكثر من جيش عربي, يجد نفسه بعد كل هذا الوقت, ومع كل هذه الأسلحة التي يملكها - غير المحرمة منها والمحرمة - عالقا في منطقة ساقطة عسكريا هي أطراف غزة, في الوقت الذي يشهد المطبخ السياسي­ العسكري الإسرائيلي خلافات حادة حول جدوى مواصلة الحرب وما بعدها. والتقارير كلها تتقاطع على أن الإسرائيليين استطاعوا التقدم في مناطق منبسطة عسكرياً, وهم قابعون داخل مجنزراتهم, وأن الحركة الراجلة التي تظهر على شاشات التلفزة حركة استعراضية فقط من خارج دائرة المواجهة.وصمود "حماس" ليس وحده المفارقة, رغم أسلحة إسرائيل الفتاكة, لأن المفارقة الكبرى في مكان آخر، وتحديداً في الموقف العربي من العدوان, وهو موقف معيب في أكثر من جانب, بعد أن تجاوز عدد الشهداء الـ1200 شهيد, وتجاوز عدد الإصابات الـ5 آلاف, بينهم قياديون، آخرهم وزير الداخلية سعيد صيام وأفراد من عائلته, كان الموقف العربي ولا يزال منقسما بين من يدعو إلى القمة الطارئة ومن لا يدعو, ومن يتصدى لهذه الدعوة ومن يدعمها.. في انتظار أن تنعقد "القمة الاقتصادية" في الكويت, وكأن بورصة المال العربي تتقدم وبأشواط على بورصة الدم الفلسطيني في زمن الهزائم العربية.
وأشارت المجلة إلى أنه في الوقت الذي بادرت كل من فنزويلا وبوليفيا إلى طرد السفيرين الإسرائيليين احتجاجا على الحرب, لم يجرؤ أي حاكم عربي على التعرض للروابط التي تجمع بلاده بإسرائيل, ولم يجمد أي من الذين أقاموا علاقات دبلوماسية واتفاقات سلام أيا من هذه الاتفاقات، اللهم إلا ما جاء متأخرًا من تجميد قطر وموريتانيا علاقاتهما مع الكيان الصهيوني.
هكذا انشغل معظم المسئولين العرب في الأسابيع الأخيرة بـ "حرب القمم" في مواكبة "حرب البرابرة" التي تواصلت على غزة بتأييد 78 بالمائة من الرأي العام الإسرائيلي، في الوقت الذي كان 78 بالمائة من العرب والمسلمين ينددون بما يجري على امتداد المساحة العربية والإسلامية وصولا إلى الشوارع الأوروبية والأميركية والآسيوية بلا استثناء.وقد بدا المشهد أكثر من محزن بين القاهرة والدوحة والرياض والكويت, على خلفية اكتمال أو عدم اكتمال نصاب القمة, في الوقت الذي كانت الجامعة العربية - التي يفترض أن تكون المؤسسة الجامعة - تترنح تحت وطأة الضغوط والانقسامات والتجاذبات في مهب المعارك الكلامية والسياسية الدائرة. وليس سرا أن عواصم عربية عدة تواجه صدمة انهيار دورها الإقليمي وصدقيته, مع تراجع الموقف العربي بشكل عام، وتزايد العدوانية الإسرائيلية بعنصرية لم يسبق لها مثيل. وفي انتظار انتهاء العملية العسكرية العدوانية هناك من يتكهّن بتغييرات عميقة على المستويين؛ السياسي والعسكري، في أكثر من عاصمة عربية.كيف يبدو المشهد بعد انطفاء الحرائق؟!

أما آن لجهود الأمة أن تتكاتف؟


الفرقان، 12 – 18 يناير


مجلة الفرقان الكويتية استعرضت بعض الوسائل التي يمكن للشعوب العربية والإسلامية من خلالها مناصرة إخوانهم في غزة، وإضعاف العدو الصهيوني، بعدما لم تجد نداءات الدول العربية وعقلاء العالم جميعا، سمعا من ذلك الكيان المجرم. متسائلة في استنكار: من يأبه للضعيف ويسمع توسلاته؟!
نحن نملك كثيراً من مقومات القوة التي نستطيع عن طريقها إضعاف العدو ومحاصرته، ومنها:
أولاً: سلاح المقاطعة السياسية والاقتصادية، وهذا من أقوى الأسلحة؛ حيث يمكن للدول العربية قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وطرد سفرائه، بدلاً من سياسة التطبيع البغيضة التي أثبتت أنها دلالة على الرضا، والتي شجعته على التمادي في غيه وعدوانه.
كذلك فإن استخدام سلاح النفط للضغط على الدول التي تدعم الكيان الصهيوني، قد أثرت بقوة في حرب أكتوبر 73، ولابد من تفعيلها مرة أخرى.
أما مكتب مقاطعة إسرائيل الذي تبنته الدول العربية سابقا؛ فقد أسهم بقوة في محاصرة ذلك الكيان المجرم، فلماذا استبعدته الدول العربية اليوم؟!
ولاشك أن فنزويلا التي لا دخل لها بقضايا العرب، قد ضربت مثلا رائعا ؛ بطرد السفير الإسرائيلي، ومقاطعة ذلك الكيان، بينما لا زالت بعض البلدان العربية تحتضن سفراءه وتقيم معه العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
ثانياً: استخدام السلاح القانوني، وهو من أقوى الأسلحة، وكثيرا ما استخدمه العدو الصهيوني لجرجرة أعدائه ومعاقبتهم عن طريق رفع القضايا القانونية في المحاكم الدولية، والإصرار على اعتبار القيادات الصهيونية مجرمي حرب.
ثالثاً: سلاح الإعلام، وهو من أمضى الأسلحة في هذا العصر، ويملك العرب والمسلمون قوة لا يستهان بها في الإعلام، ويمكنهم تسخيرها لحرب عدوهم، وكشف خططه والتصدي له.

!حرب غزة.. هل سقطت كل الأقنعة؟


المشاهد السياسي، 17 يناير 2009


القطاع المحاصر منذ ١٨ شهراً في قلب المحرقة، يتحمّل عبئاً هو بالتأكيد فوق طاقته على الاحتمال. كيف يمكن قراءة حرب غزّة؟ وماذا بعدها؟
تساؤل حاولت مجلة المشاهد السياسي الإجابة عليه، في ظل عجز دولي وانقسام عربي ومذبحة إسرائيلية يدفع ثمنها الفلسطينيون الأبرياء؛ من دمائهم تارة، ومن أشلاء أحبتهم تارة أخرى. والمؤلم أن هذا كله لم يكن سوى ورقة انتخابية يحاول القادة الإسرائيليون بها كسب المزيد من الأصوات في انتخاباتهم القادمة
الدم الفلسطيني هو الأساس، والشعب الفلسطيني هو الذي يدفع الثمن غاليا، ويصارع الاحتلال وحده، في الوقت الذي تنشط الدِبلوماسيات المنحازة سلفا إلى إسرائيل من أجل وقف العدوان
لكن هذا كله لا ينفي أن للحرب أسبابها الإسرائيلية الداخلية في موسم الانتخابات المبكرة، على خلفية الحقيقة القائلة: إن الزعيم الإسرائيلي الذي يقتل أكثر من الفلسطينيين هو "زعيم تاريخي" بامتياز. ويُستدَلّ من استطلاعات الرأي التي أجريت مع أيام الحرب الأولى، على أن شعبية تسيبي ليفني وإيهود باراك كانت في صعود، وأن الإسرائيليين، يمينا ويسارا، يتقاطعون على أمر واحد: أمن إسرائيل العنصرية كما يرونه، والإمعان في تقسيم الفلسطينيين والعرب كي يسهل فرض الحلول الاستسلامية عليهم
في هذه اللحظة قرّرت إسرائيل، ومعها حلفاؤها الغربيون (وبعض العرب)، أن الوقت قد حان كي يتنازل الفلسطينيون عن حقوقهم التاريخية، وكي يتنازل العرب الرافضون عن رفضهم، وأن مبرّرات التسوية، كما يراها الإسرائيليون، قائمة، وأن المشروع الإسرائيلي قادر على تحقيق أهدافه على أرض الواقع
وتردف المجلة: حتى الآن يبدو إيهود باراك أكثر المستفيدين، لأنه يعدّ جثثا في غزّة ومقاعد في الكنيست. فبعد اليوم الأول فقط من الهجوم الجوّي كان رصيده قد ارتفع خمسة مقاعد، وفق استطلاع أجرته القناة العاشرة. وهنا تبدو غزّة ساحة تنافس انتخابي، ولو لم يكن حزب "العمل" في الحضيض لما خرج باراك إلى الحرب"
أما العرب.. فانضمت المجلة إلى القائلين بوجوب التكبير عليهم أربعًا! ويبدو بالفعل أن هذه الحرب أسقطت كل الأقنعة!
وصل النظام العربي، أي الرسميّون العرب، في أواخر العام الفائت إلى نقطة حرجة، بل بالغة الحرج، في التعامل مع المسألة الفلسطينية، عبّرت عنها كلمات الغضب التي صدرت عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وأمين عام الجامعة عمرو موسى، عقب الاجتماع الـ١٣٠ لوزراء الخارجية العرب. وكان مثيرا أن يتضمّن بيان مجلس الجامعة إشارات إلى توقيع عقوبات على الفصيل أو الفصائل التي ترفض المصالحة الفلسطينية أو تعوقها ولا تتعاون بصورة كافية مع الجهود المصرية. ومما قاله موسى بوضوح كامل: العقوبات ستكون ضد الجميع إذا لم يتصالحوا، نحن ندرس الإجراءات التي سوف تتّخذ إزاء الفوضى الفلسطينية القائمة، وكلّها في إطار مشاورات مغلقة في داخل النظام العربي الآن. وفهم من كلام موسى أن هناك مبادرة عربية معلنة بشأن التسوية الشاملة، تتضمّن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وتواصل جغرافي، مقابل السلام مع إسرائيل
النظام العربي بدا في نهاية الأمر عاجزا عن رفع الحصار الذي تعانيه غزّة، في الوقت الذي استطاع ناشطون أوروبيون أن يكسروا هذا الحصار، ولو في تحرّكات رمزية. والسبب أن العرب ككل، باتوا محكومين بوجهة نظر دولية تقول: إن رفع الحصار مرهون بشروط أربعة: أن تتخلّى "حماس" عن العنف، وتعترف بإسرائيل، والاتفاقات الموقّعة مع السلطة - وهذا ما ترفضه الحركة - ، وأن تلتزم التهدئة بعد إنهاء صفقة تبادل الأسرى. وهكذا فإن العرب ككل، يرون في إنجاز المصالحة طريقا إلى رفع الحصار، الأمر الذي لم يحصل، وطالما أنه لا يحصل فإن العجز العربي مرشّح للاستمرار، وكذلك المحنة الفلسطينية

النازيون الجدد: الحرب على الأطفال


المجلة، 17 يناير 2009


ليس كما قالت إسرائيل أنها قامت بعدوانها على غزة في إطار حربها على ما يسمى بـ "الإرهاب"... ما يجري يؤكد كذبة آلة الدعاية الصهيونية والأمريكية، فهي حرب على الأطفال والنساء والشيوخ، إنها حرب التدمير الشامل التي تذكرنا بالنازية، وكم هي مقارنة أن يكون ضحايا النازية بالأمس هم نازيو هذا العصر بكل تفوق..
كلمات سطرتها مجلة المجلة السعودية في عددها الصادر من لندن في السابع عشر من يناير الجاري، في موضوع غلافها الذي عنونته بـ (النازيون الجدد: الحرب على الأطفال)، وكشفت فيه عن أعتى أنواع الأسلحة التي شهرتها إسرائيل في وجه المدنيين العزل!
استعملت إسرائيل في حربها سلاح الجو من طائرات F-16 الأميركية وطائرات الأباتشي والهليكوبتر، والأسلحة المحرمة دوليًا، والصواريخ الأمريكية التي حصلت عليها بموافقة الكونجرس. وكما كشف الباحث الفرنسي جاك فيليب فإن إسرائيل كانت تريد استخدام أسلحة محظورة دوليًا في عملية ممر فيلادلفيا الواقع على الحدود المصرية – الفلسطينية بطول 11 كم لتدمير الأنفاق التي يبلغ عددها 300 نفق، كلفة الواحد منها 60 ألف دولار، وهي المتنفس الاقتصادي الفلسطيني في ظل الحصار المضروب على القطاع.
وتوصف الأسلحة التي استعملتها إسرائيل بأنها قنابل ماصة للهواء، استخدمتها القوات الأميركية في كهوف أفغانستان، وصواريخ ذكية، وقنابل من اليورانيوم المنضب مصنوعة من نفايات مفاعلاتها النووية، زنة الواحدة منها 5 كيلوجرامات تستطيع تدمير كتلة خرسانية وزنها 200 طن. وفي دراسة أجراها علماء بريطانيون مؤخرًا على عينات من حفر أحدثتها قنابل إسرائيلية خلال حرب يوليو عام 2006 على لبنان، أثبتت وجود نشاط إشعاعي بنسبة مرتفعة، مما يشير إلى استخدام أسلحة تحوي مادة اليورانيوم.
هذه هي الترسانة العسكرية الضخمة التي واجهت بها إسرائيل الطفل الفلسطيني، وأمه وجدَّه. صحيح أنها استطاعت سحق أجسادهم تحت ركام بيوتهم، لكنها في الوقت ذاته لم تستطع تحقيق أي نصر عسكري يُذكر على الأرض.
يؤكد ذلك تقرير أمريكي استراتيجي صدر مؤخرًا حول قدرة الردع الإسرائيلية، أكد أن إسرائيل دخلت حرب غزة بهزيمة واحدة، وستخرج بهزيمتين.
فشلت إسرائيل في استعادة قوة ردعها وهيبتها، رغم استخدامها مئات الطائرات في قصفها للقطاع، واجتياحها لغزة، ودعوتها لجنود الاحتياط.
ويقول تقرير أمريكي استراتيجي عن قوة الردع الإسرائيلية: لن تستطيع تل أبيب تحقيق نصر مؤزر يساعدها في تجاوز العقدة النفسية التي صدمت بها في حرب 2006، وأنها في حاجة إلى 10 سنوات من الآن كي تستعيد قوتها، وبالتالي ينصح التقرير الأميركي بأن تنجر إسرائيل اتفاقيات سلام مع القوى التي تتصارع معها في المنطقة.
وكشفت بعض المصادر أن التقرير الاستراتيجي الأميركي الذي سيكون بعد أيام قليلة على طاولة باراك أوباما يدعو الإدارة الأميركية الجديدة إلى إجراء اتصالات مباشرة مع إيران وسوريا لحل المشاكل العالقة.
وبحسب التقرير الاستخباري الأميركي، فإن امتصاص حماس الضربة الأولى كان مفاجئًا لإسرائيل، التي تعهدت أمام واشنطن بالإجهاز على حركة حماس في غضون ثلاثة أيام فقط.

Wednesday, January 14, 2009

الجرح النازف في قلب الأمة العربية


البيادر السياسي، 10 يناير 2009


بالرغم من التهديدات الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من عامين بشن هجوم واسع النطاق على قطاع غزة، ورغم تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، إلا أن أحدا لم يكن يتوقع أن تفاجئ قوات الاحتلال الفلسطينيين بهذه الجرائم التي تعد الأشرس والأعنف منذ عام 1967.
مجلة البيادر السياسي تساءلت: هل سيستطيع الاحتلال تركيع الشعب الفلسطيني وإنهاء المقاومة بعد سلسلة الجرائم هذه؟ وهل ستكسر هذه المذبحة شوكة المقاومة الفلسطينية ؟
تصدى الفلسطينيون للعدوان بإمكاناتهم البسيطة، وأطلقت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الصواريخ محلية الصنع، والعشرات من صواريخ جراد، على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة. بل وصلت صواريخ المقاومة هذه المرة، إلى عمق أبعد داخل كيان الاحتلال، وأصبحت تهدد أكثر من سبعمائة ألف إسرائيلي يقطنون في المناطق الجنوبية لفلسطين المحتلة، حسب تقديرات الجانب الإسرائيلي والمحللين السياسيين والعسكريين، لكن الفارق كبير بين الصواريخ الفتاكة التي تطلقها طائرات الاحتلال ودباباته وبوارجه البحرية، وبين صواريخ المقاومة التي لا تصل إلى أهدافها في بعض الأحيان، ولا تحدث ما نسبته 1% من الضرر الذي تحدثه صواريخ الاحتلال، لكن الفلسطينيين يجدون في هذه الصواريخ الوسيلة الوحيدة القادرة على الرد والتصدي للعدوان، والتي أرهبت - رغم محدودية تأثيرها- المحتلين، وأدخلتهم الملاجئ، وقضت مضاجعهم، وبالرغم من إدراك العالم ودعاة الإنسانية وحقوق الإنسان للفارق بين صواريخ المقاومة الفلسطينية وصواريخ الاحتلال، إلا أن ما يسمى بالمجتمع الدولي غض بصره وبصيرته كالعادة، وساوى بين الضحية والجلاد، وخرجت التصريحات الخجولة عن دول الاتحاد الأوروبي التي تطالب بوقف إطلاق النار، وكأن هناك جيشين يتقاتلان..!! وبالرغم من هذا الانحياز السافر للاحتلال من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتواطؤ الكبير من المجتمع الدولي، إلا أن هذا الموقف لم يفاجئ الفلسطينيين كثيرًا؛ من منطلق إدراكهم لحقيقة هذه الدول التي تُسخّر كل إمكاناتها لخدمة ودعم دولة الاحتلال، لكن الأمر المحزن الذي صدم الفلسطينيين هو الموقف العربي الرسمي الهزيل، الذي لم يخرج -كعادته- عن الإدانة والاستنكار في أحسن حالاته، بل إن الأخطر من ذلك هو ورود أنباء عن علم بعض الدول العربية مسبقا بموعد الضربة العسكرية الإسرائيلية لقطاع غزة، وأن هذا العدوان جاء بموافقة ومباركة هذه الدول..!!، مما جعل الفلسطينيين يتساءلون.. متى يستيقظ الضمير العربي من سباته العميق ؟ وهل ينتظرون أن يموت الشعب الفلسطيني بأكمله حتى يتحركوا ؟!.
هذه المعطيات جعلت المجلة تخلص إلى نتيجة مفادها أن شوكة المقاومة لن تنكسر، وهذا ما ستؤكده الأيام القادمة؛ فالوقائع على الأرض تشير إلى تصاعد وتيرة المقاومة من خلال ازدياد عدد الصواريخ التي تطلقها على كيان الاحتلال والتي تصل في كل مرة إلى عمق أبعد من السابق، وهو ما يدلل على مدى قدرة المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه تغيير قواعد اللعبة لصالح الشعب الفلسطيني.
والبيادر السياسي إذ تؤكد أن جرح غزة النازف في جسد الأمة الإسلامية لن يلتئم بسهولة، تحذر كل من صمت أو تآمر بأن عاقبته ستكون وخيمة، ذلك أن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى.
ما يتعرض له قطاع غزة من عدوان ونزيف دم وهتك للممتلكات وقتل وتصفيات ومداهمات واجتياحات، يمثل جرحا عميقا في قلب الأمة العربية، هذه الأمة التي كان لها وجود على الساحة الدولية، وكانت كلمتها مسموعة، إلا أنها الآن، وبفضل حنكة القادة المعتدلين، أصبح وجودها على الساحة الدولية مغيباً، ومرتهنًا للإدارة الأميركية، توجهه كيف تشاء.
هذا الجرح النازف سيسجل في تاريخ أمتنا العربية هذا الموقف الضعيف، وسيذكر التاريخ أن قادة عربا تنازلوا عن عروبتهم لصالح مصالح فردية، ولتمرير مخططات أعداء الأمة.
جرح غزة يجب أن يتوقف.. ومن يتقاعس لن يرحمه التاريخ، ولن ترحمه شعوبنا العربية، وسيدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً، لأن تداعيات هذا الجرح ستطال كل أمتنا العربية من دون أي استثناء. وسيسقط عدد من الزعماء عن عروشهم.. وهذا ما سنراه قريبا، وهذا ما توقعه عدد كبير من المراقبين السياسيين.
جرح غزة النازف لن يرحم من سمح به، ولم يفعل شيئا لوقفه، بل تآمر لكي يكون!

لبنان خارج نطاق التدخل العسكري في غزة


الأفكار، 12 يناير 2009


لقد حصرت الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين نارها في قطاع غزة، ولم تمتد إلى الحدود الشمالية مع لبنان. وربما أرادت إسرائيل توسيع هذه الرقعة، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن الصواريخ الخمسة من طراز الكاتيوشا التي عثر عليها الجيش اللبناني عند منطقة وادي دير حامول ربما كانت بفعل فاعل إسرائيلي مخابراتي، بهدف جر لبنان إلى هذه الحرب.
حول هذه الزاوية خصصت مجلة الأفكار اللبنانية موضوع غلافها الأخير، والذي استهلته بالحديث عن شيمون بيريز، بطل مجزرة قانا، كما وصفته.
تلفتنا المقابلة التي أُعطيت في قناة الجزيرة للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، بطل مجزرة قانا، عندما كان رئيسًا للحكومة الإسرائيلية عام 1996، وكان ضحل الحجة حين قال: إن إسرائيل لا تقتل الأطفال، وحين تساءل: لماذا تقصفنا حماس بصواريخها وقنابل الهاون؟
إنه منطق أعوج مماثل لقول الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر حين قال: لماذا يكرهنا العرب إلى هذا الحد؟
لن تمتد هذه النيران إلى لبنان، ذلك أن إسرائيل تريد ذلك؛ لتنتقم من قدرها السيئ الذي لاقته في حرب عام 2006، بل وحدت أحداث غزة الفرقاء السياسيين في لبنان، فكان خطابهم حيال هذه الأحداث واحدًا، لأن أي لوم لحركة حماس يعتبر خدمة لإسرائيل.

تواطؤ العلمانيين الجدد مع الأعداء في مجزرة غزة


الفرقان، 5 - 11 يناير 2009


ولأنها معركة الفرقان، التي يتميز فيها الخبيث من الطيب؛ فضَّلت مجلة الفرقان تناول هذه الحرب من منظور آخر، كشفت فيه حقيقة الصراع العلماني في هذه القضية ومجريات أحداثها في غزة، مستشهدة بالمقالات المنثورة في الصحف العربية لكتّاب يدَّعون العلمانية والعقلانية والليبرالية، واصفة إياهم بأنهم "جنَّدوا أقلامهم لخدمات يعجز عنها كتّاب الصحف العبرية أنفسهم".
هؤلاء لم يُبقوا ثناء ولا دفاعا إلا قالوه في الكيان اليهودي؛ مدحوا قادته ودستوره وديمقراطيته وعدله وإنصافه، حتى تظن أنك تقرأ عن دولة العدل في عهد الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم .
كما أعطوا هذا الكيان الحق في إقامة دولته على أرض فلسطين، والحق في الاحتفال بقيام كيانه، وأن من يقاتلهم ويعاديهم هو إرهابي ظالم؛ متحدين بذلك الأمة الإسلامية بأكملها.
ولم يكتفوا بذلك، بل أرادوا تعميم السلام، وأن نحسن التعامل مع اليهود مهما تجبروا أو تكبروا أو مارسوا أو ساسوا!! لأنهم "الشعب المختار" الذي ينبغي مصادقته مهما كان!! وأن نبتعد عن تخوفنا من اليهود، ومن هواجس التآمر، ومن وساوس الخيانة، واتهامات العمالة، وبعضهم خلط بين عدائه الدائم لكل ما يمت للإسلام بصلة، وبين حقوق العرب والمسلمين في أرضهم!! بمقالات وعبارات لا أظن أن يتقبلها اليهود!!
يقف المسلم مذهولا من سوء ما يكتبون ويقولون، من أجل الدفاع عن اليهود ووجودهم في أرض فلسطين، يستدلون بآيات من كتاب الله تعالى، وإن دعت الحاجة فبنصوص من التوراة المحرّفة، ويستعينون بالتاريخ وبالجغرافيا إن لزم الأمر.

Sunday, January 11, 2009

! غزة تتعرض لأسوأ مجزرة في التاريخ.. والأمة تتفرج


مجلة الفرقان الكويتية، 29 ديسمبر 2008 – 5 يناير 2009


ماذا سنقول لأبنائنا وأحفادنا عن حصار ابتدأه الصهاينة المجرمون وشارك فيه العرب والمسلمون؟ سؤال مؤلم طرحته مجلة الفرقان الكويتية على كل من ينظُر صامتًا إلى وضع مليون ونصف مليون إنسان على بقعة أرض محتلة، اسمها غزة.
ورغم أن القاصي والداني يعرف خلفيات هذا العدوان الغاشم، وأسبابه، استطردت المجلة في شرح ذلك، موضحة أن أهل غزة حُرِموا من الماء والكهرباء، والغذاء والدواء، والكساء، وأُغلقت دونهم المعابر والحدود البحرية والجوية والبرية، ومُنِعوا من التجول في الليل، والعمل وطلب العلم في النهار، ثم تطور الأمر، فصمتت كل الألسنة وصارت الطائرات والبوارج الحربية والدبابات هي وحدها التي تخطب على منابر الرقاب؛ لا لشيء إلا لأن القوم اختاروا "حماس"، ورفضوا تسليم الجندي الصهيوني، وإيقاف الصواريخ.
إن هذا الحصار الجائر الظالم الكلُّ محاسبٌ أمام الله تبارك وتعالى عنه، فقد قتل الاحتلال خلال 17 شهرا الماضية من الحصار 130 فلسطينيًا خلال الغارات الجوية، وهدم أكثر من 50 منزلا، ورفع عدد العاطلين إلى مليون وأربعمائة ألف، وقذف بـ1700 مريض قلب وفشل كلوي إلى حافة بالموت، وتسبب في مقتل350 مريضا قضوا تحت وطأة الحصار.90، بينما لا يزال 900 آخرون يسعون للحصول على إذن سفر.
لقد أصدرت المنظمة الدولية قرارات عدة لم يُنفَّذ منها شيء من عهد كامب ديفيد مرورًا بأوسلو إلى أنابولس وغيرها. إن المجتمع الدولي يعيش في تناقض غريب، ففي الوقت الذي ينادي فيه بحقوق الإنسان في دارفور، ويطالب بالعدل والمساواة، نجده يصمت بل ويشجع ما يفعله الصهاينة في فلسطين.
من يصدق أنه في القرن الحادي والعشرين مع التقدم التكنولوجي والتشريعات المتعددة ودعوات حقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان، من يصدق أن شعبا كاملا، يزيد عدد سكانه عن مليون ونصف، يتم إغلاق حدوده عن العالم الخارجي ومحاصرته كما يُحاصَر الحيوان في قفصه. ولكن الفرق هو أن حصار غزة لا يقتصر على سجن الشعب الفلسطيني فقط، ولكن بتجويعه ومنعه من استيراد المواد الغذائية من الخارج، ناهيك عن قمع المدنيين الأبرياء يوميا، وقتل أطفالهم ونسائهم، وهدم بيوتهم ومزارعهم!
وتُردِف المجلة: السؤال الذي نوجهه إلى دول العالم المتحضر ومنظمات حقوق الإنسان، الذين ملئوا الدنيا صراخا حول انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وزيمبابوي وأفغانستان، كيف سكتوا وصمتوا صمت القبور على انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة، وكأنما هؤلاء الفلسطينيون ليسوا من البشر؟! ألا يدلنا ذلك على أن هذا العالم هو عالم منافق لا يملك أي قدر من المصداقية، ويقتصر على رفع الشعارات البراقة، لكي يحقق أهدافه المنحرفة من خلالها؟!
ويبدو أن المجلة قد نفضت أيديها من الغرب، فتوجهت بالخطاب إلى العرب والمسلمين، الذين من المفترض أن يكونوا نعم العون لإخوانهم في فلسطين.
لئن كان الغرب قد تخلى عن أهدافه المعلنة تجاه العالم؛ تحقيقا لمصالحه، فكيف نُفسِّر الصمت العربي والإسلامي تجاه ما يحدث في قطاع غزة، وكأنما الأمر لا يعنيهم؟! وأين ذهبت شعارات: "أمة عربية واحدة"، و "تحرير كامل التراب الفلسطيني"، وغيرها من الشعارات؟!
ولماذا نجد بعض الشخصيات الغربية تخاطر بنفسها لتتحدى حصار غزة، وتقوم بتجهيز بواخر محملة بالغذاء والدواء لسكان القطاع، بينما يتم منع العرب حتى من محاولة الاتصال بإخوانهم أو إرسال الحوالات المالية لهم؟!
لكن بالرغم من مأساوية الوضع في قطاع غزة، إلا أننا يجب ألا نيأس من إمكانية كسر الحصار ومساعدة إخواننا هناك، وأول خطوة يجب علينا سلوكها هي تكثيف الحملة الإعلامية ضد الأوضاع المتدهورة، وولوج جميع وسائل الإعلام لبيان حقيقة الظلم القائم على أهل غزة وطرق التصدي له، حتى الإعلام الغربي الذي يهيمن عليه الصهاينة وأعداء الإسلام يجب طرقه والإعلان عن طريقه؛ ليسمعنا العالم كله.
كذلك لابد من تحريك الشعوب العربية والمسلمة لبحث طرق التصدي للحصار عن طريق تكثيف الحوالات المالية وكفالة الفقراء والأيتام، وتسيير السفن والقوافل لتوصيل المساعدات إلى الشعب المحاصر بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان التي يهمها كسر الحصار.
ولابد من رفع القضايا على الكيان الصهيوني، والتحرك الجاد لمحاكمة قادته بوصفهم مجرمي حرب، أما الدول العربية فيقع على كاهلها دور كبير في تحويل الكلام الكثير إلى فعل، والكف عن الإدانة دون تحريك ساكن، وإلا فإن الدور سيأتي عليها ولابد!

غزة تحت ركام الموت


مجلة "المجلة" 4 – 10 يناير 2009


"غزة تحت ركام الموت" ، "غزة تحترق" صرختان أطلقتهما مجلة "المجلة" لعلها تجد آذانًا مصغية، توقف هذا الشلال من الدماء الطاهرة التي تسيل على ثرى غزة المحاصرة.
وتؤكد المجلة أن القصف الدموي لقطاع غزة يعد ضربة قاصمة لأيه جهود لإحياء السلام تتضمنها أجندة الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، خاصة وأن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد قطاع غزة تأكد أن أمدها سيطول.
لم يعد خافيًا على أحد أن عملية "الرصاص المصبوب" - الأعنف منذ احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1967 - التي استهدفت غزة، إنما هي جزء من المعركة الانتخابية البرلمانية في إسرائيل، كما يرى البعض أنها فرصة اللحظات الأخيرة التي يجب اغتنامها قُبيل مغادرة الرئيس الأمريكي بوش، ودون انتظار جس نبض الإدارة الجديدة.
وتبذل تل أبيب قصارى جهودها الدبلوماسية لتجنب الانتقادات الدولية، ولكن تلك الحملات فشلت في ظل القوة الغاشمة التي تعامَلَ بها جيش الاحتلال مع قطاع غزة، وعدد الضحايا المتزايد.
ويرى مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات جواد الحمد أن الغارات التي أسقطت مئات الشهداء ومئات الجرحى ستزيد من شعبية حماس، وستعمل على رفع نصاب شرعيتها؛ لكونها الوحيدة التي تبدو في مواجهة إسرائيل، حتى لو اشتركت معها فصائل أخرى.

غزة تُلقي بلحمها المحترق في وجوه العرب


مجلة عقيدتي المصرية، 30 ديسمبر 2008 – 6 يناير 2009


(غزة تُلقي بلحمها المحترق على وجوه العرب) جملة أشد إيلاما من الضرب بالسياط، والقرض بالمقاريض، لمن كان له له قلب، وبقيت لديه ذرة من إباء، بدأت بها مجلة "عقيدتي" المصرية موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته لغزة هاشم، وما يحدث لها.
البداية كانت مؤلمة، ونخشى أن تكون النهاية أشد إيلامًا.
نفذت القوات الصهيونية تهديدها وبدأت أشرس عملية اعتداء على قطاع غزة؛ لتحصد خلال ساعات قليلة ما يزيد علي المائتي شهيد، بخلاف الجرحى. وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا يعلو في سماء غزة سوى صوت القذائف، وتصاعد سحب الغبار والدخان وصرخات الأرامل وبكاء الأطفال، ومن الواضح أن العدو اليهودي الغاشم استلهم من عقيدته الفاسدة كل قيم الجبن والخسة ليضرب أناسًا لا يملكون إلا الصبر ونطق الشهادتين، ردًا على قذائف الطائرات الحديثة والسفن المدمرة.
وفي الوقت الذي انطلقت فيه الاتصالات الهاتفية من كل مكان إلى كل مكان في العالم؛ في محاولة لوقف الاعتداءات الهمجية، لم يصل أي اتصال إلى عاصمة العدو الغاشم، الذي أغلق كل هواتفه وفق مصادر صحفية صهيونية، حتى لا يتلقى أي اتصال يثنيه عن تحقيق نصر زائف على حساب شعب أعزل.
ووفقاً للأخبار القادمة من القطاع فقد تحولت غزة لأرض الموت؛ فمن يحاول إنقاذ الجرحى يفاجأ بطائرات الموت تحلق فوق رأسه لتحوله هو أيضا لقتيل أو جريح ينتظر من ينقذه. والمستشفيات عجزت عن استيعاب جثث الشهداء والجرحى، مما اضطر إدارتها للتوصية بضرورة دفن الشهداء بسرعة، منعا لحدوث كارثة بيئية وصحية في القطاع.
وهكذا أصبح سكان غزة يحملون الشهيد من مكان استشهاده لمكان دفنه مباشرة، وهكذا أصبح ليل غزة أليما، ونهارها أليما، وعيونها ترقب من يرفع الظلم والقصف عنها، وكل من فيها يصرخ: إنني أحتضر فهل من مغيث عربي؟، عجمي؟، لا يهم.. المهم أن أُغاث.
ومما أثار دهشة المجلة أن صحيفة معاريف الإسرائيلية حرصت على نقل ما يحدث في غزة بدم بارد؛ حيث كتب مراسلها في غزة - وهو للأسف فلسطيني يدعى صفوت كحلوت - أن الموت يتحرك في كل مكان في غزة، والناس في بيوتها تنتظر الموت في كل ساعة، وفي كل ركن من القطاع يرقد جريح على شفا الموت، وبجواره أحد أقاربه يلقنه الشهادتين.
ولمَ العجب؟ ألم يكن من بني جلدتنا من هو أشد برودا من معاريف اليهودية؟!
لكن المجلة آثرت أن تفرغ غضبها في الساحة الإسرائيلية، بدلا من تفريغه في وجوه الصامتين من بني يعرُب.
لم ينس الإعلام الصهيوني أن ينشر مقالات لكُتَّاب يدعون لوقف القتال في محاولة لإظهار الرأي العام الصهيوني وكأنه من الحمائم. فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالاً لكاتب يدعى يونا برجور جاء فيه: إن الحرب ليست هي الحل، ولا تأتي بالسلام. وأنا أقول لكل عسكري إسرائيلي: من فضلكم توقفوا قبل أن يفقد الفلسطينيون قتلاهم ويقتلوا أيضا في اليهود، فنحن نساهم من خلال هذه الحرب في تغذية روح الكراهية والعداء ضد كل ما هو يهودي، فالعامة اليهود والعامة الفلسطينيون أبرياء، ولا يجوز الزج بهم في الصراع بين الساسة والعسكريين من كلا الطرفين.
على الجانب الآخر شنت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية انتقادًا لاذعًا على القيادة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني؛ بسبب ما وصفته بالعجز في التوجيه الإعلامي للحرب على غزة، حيث نجح الإعلام العربي في فضح المجازر التي تعرضت لها غزة، ونشر آلاف الصور التي كشفت المجازر الصهيونية، ووصفت الصحيفة العبرية قيادات إسرائيل بأنها قيادات فاشلة إعلاميًا، ورغم إجادتها للغات أجنبية عديدة، فالرأي العام الدولي يري فيما فعلته إسرائيل حربا دموية ضد سكان قطاع غزة.
واعترفت صحيفة هاآرتس بأن العدوان على غزة هو مجرد وسيلة دعائية انتخابية يريد بها الموجودون في السلطة حصد أصوات الناخبين اليهود الذين أثبتت الأحداث أنهم ينتخبون المرشح الإسرائيلي الأكثر دموية.

صرخة الدم العربي


مجلة الأفكار اللبنانية، 6 يناير 2009


لمَّا كانت الحرب على غزة، لا تعدو أن تكون ورقة انتخابية، يستخدمها القادة الإسرائيليون في دغدغة مشاعر ناخبيهم، حذرت مجلة الأفكار اللبنانية من أن الفترة القادمة وحتى موعد الانتخابات الإسرائيلية في فبراير المقبل لن تشهد أي انفراجة، أو حتى إشارة إيجابية من القادة في إسرائيل حيال الإعصار الدموي الذي أعلنوه على قطاع غزة.
تسمعون كلمات مهدئة من ألسنة القادة الإسرائيليين، بدءًا من إيهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني، كالقول بأنهم يريدون رؤوس قادة حماس، ولا يريدون إيذاء المدنيين!!! وأنهم حريصون على مد المعابر الإسرائيلية في غزة بالأدوية والمواد الغذائية، وهي وسيلة لترضية الرأي العام العالمي، ولاسيما الاتحاد الأوروبي، حيث أدان مسئولون أوروبيون بالجملة عمليات إسرائيل العسكرية في غزة، ومن هؤلاء جورودن براون، رئيس وزراء بريطانيا، وديفيد ميليباند وزير خارجيته. بعكس الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي حمَّل حماس تهمة المجازر الجارية في غزة بحق الفلسطينيين، دون أن يدين ولو بكلمة واحدة إسرائيل!
والواقع يقول بأن مليون ونصف مليون إنسان يعيشون تحت الحصار، برغم ما سُمي بـ 6 أشهر تهدئة مع إسرائيل، لا هم يعرفون نعمة الكهرباء، ولا نعمة الدواء، ولا نعمة الغذاء. قدرهم كل يوم أن يشيعوا إخوانًا لهم قصفتهم الطائرات الإسرائيلية بطيار وبدون طيار. قدرهم أن يكونوا كَسمَك علب السردين عند المعابر، وأولها معبر رفح، طلبًا لتمرير جريح، أو تلقفًا لدواء. وهاهم أطباء المستشفيات في غزة يعلنون أن مخزون الأدوية وأمصال المواد الطبية قد نفد، وأنهم مقبلون على حالة من التردي لا يعلم بها إلا الله.
ونحن الآن في ساعة الحقيقة نشجب هذه المجازر التي تغطي الأفق، ونستصرخ الضمير العالمي، لكي يوقف المذبحة المستمرة. ولكننا نسأل: لماذا وصلنا إلى هذا المنعطف التاريخي الرهيب، أو "اللحظات الخطرة" كما قال وزير خارجية بريطانيا، ديفيد ميليباند؟!
ربما أخطأ هذا الطرف أو ذاك، لكن الخطأ الأكبر أن نقف متفرجين على مجازر غزة وكأننا أرامل لا حول لنا ولا طول.

Sunday, January 4, 2009

حذاء أحد الشرفاء أجبر بوش على الانحناء


البيادر السياسي، 27 يسمبر 2008


حادث هزّ العالم، ولاقى ترحيبا عارما، ودخل التاريخ حاضرا ومستقبلا؛ ثأرا للشعب العراقي وكل المظلومين على الأرض.. إنه "حذاء أحد الوطنيين الشرفاء الذي أجبر الرئيس الأميركي على الانحناء".
ويبدو أن الأيام لن تستطيع طيّ هذه الصفحة من وجدان الملايين، بل سترفع من لهيب المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، وتحيي روح وحدة الشعب العراقي، بحسب ما أوردته مجلة البيادر السياسي.
إلقاء الحذاء على بوش، رئيس أكبر دولة في العالم، له دلالاته وأبعاده وتداعياته، رغم أن بوش نفسه حاول ظاهريا عدم الاكتراث به. طبعاً لم يصب بوش بأي أذى جسدي، ولكن أصيب بأذى معنوي كبير؛ إذ أن المؤتمر الصحفي كان يبث بصورة حيّة، وعشرات الملايين إن لم نقل مئات الملايين، راقبوا وشاهدوا هذا الحادث.
السؤال الذي تبادر للأذهان وأخذ طابع النقاش والجدال والسجال: هل مثلُ هذا التصرف مسموح به لصحفي كان يحضر لنقل وقائع مؤتمر صحفي!
هناك من رحّب بهذا العمل الذي وصفه كثيرون بأنه شجاع، ولربما انتحاري بامتياز، في حين لم يرحب به الصحفيون المرتمون في الأحضان الأميركية، بل وعبّروا عن امتعاضهم منه؛ تضامنا مع رئيسهم بوش الذي تعرّض لأكبر إهانة ومذلّة في حياته، وخاصة في أواخر أيام ولايته الثانية والأخيرة في البيت الأبيض الأميركي.
لقد تغلبت مشاعر الزيدي الوطنية على كل القيود والخطوط والقوانين لمهنة الصحافة تماما، كما تجاوز بوش الرئيس كل القوانين والمواثيق الدولية وكذب وخدع العالم واحتل العراق، ولكن الفرق هنا كبير؛ إذ أن هذا الفرد لم يؤذِ أحداً، بل ألقى بنعليه على رئيس "عربد" كثيراً، وأساء للشعب العراقي ومزّقه وبث بذور الفتنة فيه.
الصحفي الزيدي لم يضحِّ بقوانين المهنة، بل ضحى بحياته، لأنه كان يعرف أن قيامه بهذا العمل قد يعرّضه للقتل فوراً من قبل الحراس. ولذلك سمح لعواطفه ولانتماءاته الوطنية أن تتخطى كل الحدود ليوجّه "صفعة" شديدة لشخص الرئيس جورج بوش وشتمه، معبّرا بذلك عن مشاعر الملايين من أبناء الشعب العراقي ومئات الملايين من أبناء الوطن العربي والعالم الإسلامي الذين كفروا بسياسة بوش العدائية لهم وللعالم كله.
لقد حاول الرئيس الأميركي بوش التقليل من أهمية هذا الحادث، لكن تأثيره النفسي عليه لا يخفى على ذي لب، بعد أن أخذ العالم كله "يضحك" عليه، وبدأت وسائل الإعلام المختلفة باختصار ولايتيه الرئاسيتين في هذه الحادثة، وبالقول بأن بوش ترك الحكم بعد أن ضُرب بالحذاء.
وفي النهاية يبقى السؤال الأهم الذي طرحته المجلة، وتواتر على الألسنة: هل جنى الزيدي شيئًا من وراء ذلك؟ أم أنه ببساطة جنى على نفسه؟!
قد يقول قائل: إن الزيدي أهان جورج بوش، ولكن ماذا جنى من وراء ذلك؟
لقد أهان بالفعل بوش، وأعطاه "قبلة" على الطريقة العراقية، تقديرا لما اقترفته يداه الملطختان بدماء أبناء العراق الشقيق، وأعطى رسالة واضحة لهذا الطاغية بأن حكمه المناوئ لكل قوانين الإنسانية انتهى بإلقاء الحذاء عليه.
وجاء هذا الحادث رسالة واضحة إلى كل الظالمين في العالم، مفادها أن القوة قد تحميهم، ولكن كرامتهم لن تحميها هذه القوة من حذاء طفل بريء يقتل بسبب الظلم والطغيان.
أما من الناحية الواقعية على أرض العراق، فقد أثار من جديد المشاعر الوطنية التي خفت مظاهرها مؤخراً ضد الاحتلال الأميركي، وأكد أن الشعب العراقي يضمر الكراهية لأعدائه والمعتدين على وطنه والسالبين لخيراته وموارده وثرواته الطبيعية. كما وحّد جميع العراقيين بكافة قومياتهم ومذاهبهم ضد احتلال بلدهم.
كما عرّى هذا الحدث حكومة الاحتلال، وحرَّض على مقاومتها. وشجَّع المواطن على التصويت بالرفض في الاستفتاء المقرر حول الاتفاقية الموقعة بين حكومة المالكي والإدارة الأميركية. وربما تلحق هذا الحادث وقائع فريدة مستقبلاً.
هذا الفيلم الوطني الحقيقي الذي قام ببطولته الصحفي منتظر الزيدي دخل التاريخ، ولن ينساه أحد، لا حاضراً ولا مستقبلاً. ويمثل بطولة حقيقية عطرة ومشرقة لأحد أبطال العروبة الشرفاء والميامين، والذي عبّر بحق عما يجيش في صدر كل مناضل وشريف ووطني عربي من إرادة قوية ضد أعداء أمتنا، وضد المعتدين على أوطاننا وسيادة أراضينا.

٢٠٠٩.. عام الانقلاب على البوشيّة


المشاهد السياسي


إنها مرحلة ما بعد بوش، تبدأ على مستوى العالم كلّه، في الشهر الأول من العام الجديد، وهي التي أطلقت عليها مجلة المشاهد السياسي "مرحلة ما بعد الحذاء". وللمرحلة، بحسب المجلة، ثلاثة عناوين كبيرة: التهيئة للانسحاب من العراق، و تسريع حرب أفغانستان، وتغليب "الدبلوماسية الحازمة" على العمل العسكري في مقاربة الملفّات الساخنة. ولأن صناعة القرار الخارجي في الولايات المتحدة فعل مؤسّساتي لا فعل شخص واحد، هو شخص الرئيس، تساءلت المجلة: ماذا يحمل جدول أعمال باراك أوباما للعام المقبل، بالشراكة مع هيلاري كلينتون؟ وما هي الفرص المتاحة أمام سيد البيت الأبيض الجديد؟ الملفّات المطروحة بقوّة على الفريق الأوبامي الجديد هي: ملف أفغانستان، ملف العراق، ملف الهند وباكستان، الملف النفطي، ملف كوريا الشمالية، بالإضافة إلى الملف الاقتصادي - المالي، وملفّات التجارة العالمية، والنظام النقدي العالمي، وضبط التسلّح وانتشار السلاح النووي، وقضايا البيئة والمناخ.. وما إليها. ومن الواضح حتى الآن، أن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تنتهج سياسة مغايرة - أو تغييرية أحياناً - في مقاربة هذه الملفّات، لكنها سوف تلتزم، مثلها مثل الإدارات السابقة جميعها، بأمن إسرائيل قبل أي اعتبار آخر.والسؤال: من أين يبدأ الرئيس الجديد وفريق عمله؟ وأين موقع الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي بشكل عام من هذه البدايات؟إن مراجعة مواقف الرجل القادم تحت عنوان: "التغيير" تسمح بالتوقّف عند مجموعة من الحقائق، لعلّ أبرزها:١ - إغلاق معتقل غوانتانامو، الذي يضمّ ٢٥٠ سجينًا، وتسبّب حتى الآن في استياء عالمي كبير من طريقة أميركا في التعاطي مع حقوق الإنسان، وسيكون إغلاق المعتقل وإخضاع من فيه لمحاكمة عادلة خطوة أوبامية في الاتجاه الصحيح.٢ - المحطّة الثانية في التغيير هي - إذا صحّ التعبير - المرحلة الهيلارية في القرار الخارجي؛ ذلك أن السيدة التي تعرف جيّدا خفايا البيت الأبيض، تتّفق مع أوباما على ضرورة سحب القوّات الأميركية أو معظمها من العراق، وعلى ضرورة إنهاء هذه الحرب. كما تتفق معه على اعتبار أفغانستان هي الجبهة الأولى للحرب الأميركية على الإرهاب، وعلى حشد المزيد من القوّات هناك لهذا الغرض.ورغم اختلاف هيلاري عن أوباما حول طريقة التعامل مع إيران، فسيبقى التوافق قائمًا حول ضرورة منع إيران من امتلاك أسلحة نوويّة تهدّد إسرائيل، والدفاع عن الأخيرة في حال تعرّضها لأي خطر إيراني.وعلى صعيد القضية الفلسطينية، ترفض هيلاري حتى الآن، الحوار مع "حماس"، وهي تشترط من أجل إقامة هذا الحوار تخلّي "حماس" عن (لاءاتها) الثلاث، لجهة الاعتراف بإسرائيل، ونبذ القوّة المسلّحة، والاعتراف بالاتفاقيات السابقة التي وقّعتها إسرائيل مع منظّمة التحرير الفلسطينية. الذين يعرفون آليّات اتخاذ القرار الخارجي يقولون: إن السياسة الخارجية سوف تخضع في النهاية لبصمات ثلاث شخصيات هي: الرئيس الجديد، ونائبه جوزف بايدن، الخبير في الشؤون الدولية، والذي تفوق خبرته خبرة وزيرة الخارجية، وجيمس جونز، مستشار الأمن القومي الجديد. وربما الذي دفع المجلة لتبني قناعة التغيير الذي وعد بها أوباما، هو أن جونز معروف بانتقاده اللاذع لأساليب بوش في التعاطي مع القضايا الخارجية، وقد كان مسؤولاً عن تحقيقين طلب الكونغرس فتحهما حول حربي العراق وأفغانستان، وهذا كلّه يفرض على هيلاري التنسيق مع هذه المواقع.وتستطرد المجلة لتتحدث عن تقويض عدوانية البنتاغون، التي تجلت بوضوح خلال السنوات الثماني الماضية.العنوان الثالث في "التغيير" الذي وعد به أوباما، على مستوى السياسة الخارجية، يمكن اختصاره في فتح صفحة جديدة مع العالم، بعد أن تضرّر مظهر الولايات المتحدة بصورة دراماتيكية خلال سنوات العهدين البوشيّين، بفعل اعتمادها على عسكرة السياسة الخارجية، أي اعتماد الحلّ العسكري بدلاً من القوّة الناعمة في معالجة الأزمات الدولية. والمسألة تختصر في تحويل السياسة الخارجية من طابعها الهجومي إلى تفعيل الدور الدبلوماسي الأميركي، والمساعدات الاقتصادية، وإعادة الإعمار، فضلاً عن عمليات التدريب لأغراض التنمية.وتُظهر مراجعة ميزانيّتي الدفاع والخارجية حجم الهُوّة التي تفصل بينهما؛ ففي الوقت الذي تمّ تخصيص ٥٧٢ مليار دولار لوزارة الدفاع من ميزانية العام ٢٠٠٩، إلى جانب ١٥ مليارا كل شهر لحربي العراق وأفغانستان، لا تتعدّى ميزانية وزارة الخارجية الـ٤٠ مليارا، وهي بذلك تقترب من ميزانية أجهزة المخابرات. وهذا يعني أن الميزانية العسكرية تعادل ١٣ ضعفا الميزانية الدبلوماسية، الأمر الذي يعكس حجم اهتمام المحافظين الجدد بتغليب الخيار العسكري على الخيار الدبلوماسي.والمقارنة التاريخية بين ميزانيتي الوزارتين تُظهر بطبيعة الحال تقدّم أرقام وزارة الدفاع، وذلك منذ العام ١٩٤٧، لكن ميزانية الدفاع بلغت مستويات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، مما يعزّز عدائية البنتاغون. وقد طالب جنرالات الجيش أخيرا بزيادة مخصّصات وزارتهم ٤٥٠ مليار دولار إضافية للسنوات الخمس المقبلة، تبدأ بزيادة ١٠ في المائة على الميزانية الأساسية لتصل إلى ٦٠٠ مليار دولار في العام ٢٠١٠، في حين لم تتجاوز الزيادة المطلوبة على ميزانية وزارة الخارجية ٣.٣ مليارات دولار.وليس سرًّا أن السياسات البوشيّة اعتمدت طوال ولايتين على القوّة العسكرية أكثر مما اعتمدت على العمل الدبلوماسي. وكثيرون باتوا ينظرون إلى الولايات المتحدة كقوّة استعمارية لا تقيم وزنا للقانون الدولي، بعدما كانت نموذجا رائعا لنشر الحرّيّة والديمقراطية في العالم. والأسلوب العسكري رتّب خسائر فادحة، اقتصادية وأخلاقية معاً على مستوى الداخل الأميركي، كما أوجد كمّا كبيرا من الكراهية للولايات المتحدة في العالم كلّه. ومن هنا فإن الرئيس الأميركي الجديد مطالب باعتماد سياسة خارجية تقوّض عدوانية البنتاغون، وتحوّل العمليات العسكرية من عمليات قتالية إلى عمليات يقصد منها حفظ الأمن والاستقرار في مناطق النزاع، إلى جانب الاستعانة بقوّة محدودة لمواجهة الأخطار المستقبلية الناتجة من العمليات الإرهابية.