برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Thursday, November 27, 2008

أهداف التصعيد العسكري ضد القطاع


البيادر السياسي، 22 نوفمبر 2008


(التصعيد العسكري ضد قطاع غزة أهدافه انتخابية.. وإيهود باراك يسعى لتحسين صورته بعد تدني شعبيته).. هكذا لخصت مجلة البيادر السياسي الهدف من وراء الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها إسرائيل على منطقةٍ في قطاع غزة المحاصر بدون سابق إنذار بداية الشهر الجاري؛ بذريعة منع "حماس" من بناء نفق في تلك المنطقة، والقيام بعملية نوعية جديدة، وأسفر حادث الاجتياح عن سقوط أربعة شهداء من المقاومين، فكان الرد على ذلك بإطلاق قذائف القسام على الأراضي الإسرائيلية.
الاجتياح الإسرائيلي لم يكن البداية، فقد سبقه حصار قاتل، وإغلاق للمعابر، مما أدى إلى تدهور الوضع الحياتي المعيشي في القطاع، وإلى توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل، ليعيش أبناء القطاع في ظلمة حالكة. أضف إلى ذلك توقف خدمات وكالة (غوث) الدولية، وعدم وصول مساعداتها الإنسانية إلى القطاع بسبب إغلاق المعابر.
ورأت المجلة أن التساؤل الذي يطرح نفسه الآن: لماذا هذا التوقيت بالذات؟
اختار إيهود باراك، وزير الدفاع، توقيت التصعيد بعد ساعات من إعلان فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية، وفي خضم اهتمام عالمي بهذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية على الساحة الأميركية، وقبل أيام معدودة من التئام اللجنة الرباعية في شرم الشيخ في مصر، وقبل أيام من انطلاق الحوار الفلسطيني الذي تعطل عقده فيما بعد، وقبل أيام من توجه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى منطقة الشرق الأوسط، وبُعَيد بدء الأحزاب الإسرائيلية في الاستعداد للانتخابات العامة، والتي أظهرت استطلاعات الرأي العام في إسرائيل أن مقاعد حزب العمل ستراجع عددها خلالها.
وهكذا لم يجد باراك طريقة لتحسين صورته، وإظهار قوته وعضلاته وخبرته العسكرية إلا بتصعيد الوضع على جبهة القطاع تحت ذرائع وهمية، وهي أن حركة "حماس" تخطط لعملية نوعية!
ومن هنا بدأ يصعّد التوتر ويخلق البلبلة، وينتهك اتفاق التهدئة؛ من خلال إغلاق المعابر، ومن خلال شن اجتياحات محدودة داخل القطاع، والعودة إلى الأسلوب القديم في تنفيذ الاغتيال والتصفية عبر الجو.. وكان الرد الفلسطيني إطلاق المزيد من قذائف القسام على البلدات الإسرائيلية المجاورة لحدود القطاع..
براك يظن أنه عبر التصعيد العسكري يستطيع أن يستفز حماس أكثر وأكثر، من أجل إطلاق صواريخ القسام، وبالتالي القيام بعملية عسكرية شاملة، وإذا نجحت في إطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط، فإنه سيوصف بالبطل، وقد يحسّن صورته الانتخابية أمام الشعب، ويظن أيضا أن التصعيد العسكري قد يجبر أبناء منطقة الجنوب على التمسك به، ليبقى زعيماً عسكرياً قادرا على مواجهة حماس.
ولربما يعتقد بأن هذا التصعيد العسكري قد يشكل ضغطاً على حماس للقبول بتمديد التهدئة لستة أشهر أخرى؛ من خلال التلويح بأن الجيش الإسرائيلي يجري كافة الاستعدادات لشن عملية اجتياح كاملة إن فرض الوضع في القطاع عليه للقيام بذلك.
من يتابع تصريحات باراك وممارساته يجد أنه يحاول قدر الإمكان تحقيق مكاسب انتخابية من خلال منصبه كوزير للدفاع؛ إذ قرر السماح ببناء العشرات من المستوطنات في الضفة وحول القدس، للحصول على رضا اليمين الإسرائيلي، وتحييد المستوطنين قدر الإمكان.
وقضية الاستيطان والتصعيد في القطاع، وموضوع القدس، ستكون كلها من القضايا المتداولة والمطروحة في الحملات الانتخابية لكل الأحزاب، وسيحاول كل حزب "المزايدة" على الأحزاب الأخرى، لأن هذه الفترة هي فترة وعود ومزايدات وتصريحات من أجل كسب المزيد من الأصوات في المعركة الانتخابية. ولا يستبعد أحد أن يدفع شعبنا الفلسطيني ثمنا باهظاً لهذه الحملة الانتخابية في هذه الفترة الحساسة.
لكن التجارب علمتنا أنهم يألمون كما نألم، وربما أكثر، في كل هجمة تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني.
المزايدة الكبيرة قد تحرق من يتبناها؛ لأن الهجوم على القطاع ليس بالأمر السهل واليسير، وكذلك مواصلة الممارسات القمعية ضد شعبنا لن يكون لصالح إسرائيل على المدى البعيد.
إن التعنت الإسرائيلي، وطرح الأمور بصورة غير واقعية على الناخب الإسرائيلي، قد تحرق الأحزاب الإسرائيلية مستقبلاً؛ لأن من يقدم وعودا عليه تنفيذها. وإذا بقي الاحتلال الإسرائيلي، فإنه لن يكون حملاً ثقيلا ومعاناة كبيرة على الشعب الفلسطيني فقط، بل ستكون له تداعيات خطيرة على إسرائيل كدولة، وخاصة أن القضية الديموغرافية تتفاقم، وقد تصبح كارثة لإسرائيل على المدى البعيد.
باراك يحاول تبني قضايا، وينفذ سياسة يظن أنها ستحسن من وجهه أمام الناخب الإسرائيلي. وكذلك الأحزاب الإسرائيلية الأخرى.. ولكن كل الحذر من أن مثل هذه الممارسات قد تنقلب على الساحر، ويفشل براك في تحقيق أمنياته على أرض الواقع، وكذلك على الساحة الانتخابية الإسرائيلية.
كل الحذر مطلوب أيضا من الجانب الفلسطيني، وخاصة في هذه المرحلة السياسية التي تسبق الانتخابات.. وعلى الجميع أن يكون مستعدا لأي طارئ، والتعامل بحذر وهدوء وعقلانية واتزان، وفي هذه الفترة الصعبة والعصيبة والحساسة.

الرئيس الأميركي الجديد: الفكر اليهودي جزء من ثقافتي


المشاهد السياسي، 22 نوفمبر 2008


حول الأولويات الأوبامية في الشرق الأوسط تساءلت مجلة المشاهد السياسي: ما الذي سيتغيّر؟ وما الذي لن يتغيّر بعد وصول الرئيس الذي رفع التغيير شعاراً لمعركته إلى البيت الأبيض؟.
وتؤكد "المشاهد السياسي" أن الأولوية الأوبامية الأولى ستكون أمن إسرائيل كما يراه كيان الاحتلال، وهو من الثوابت الثابتة والأركان الركينة جداً في الاستراتيجية الأميركية، والتي لن يستطيع لا أوباما ولا سواه تغييرها، أما السياسات الأميركية الأخرى فقابلة للتعديل في ضوء ما يسمّيه صانعو القرار الأميركي "مستلزمات الأمن القومي".
ما أوردته المجلة في هذا العدد يقول: إن أوباما ربما يكون كيني الأصل أميركي المنشأ، لكنه أيضًا يهودي الثقافة والهوى! عسى قومنا يسمعوا بآذان قلوبهم هذا الكلام الصريح؛ ليعوا ويتأكدوا أن التغيير لن يأتينا على طبق أميركي، وأن طريقه الوحيد لن يكون إلا من عند أنفسنا، وهي السنة الكونية التي قال عنها ربنا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
هل يحب باراك أوباما إسرائيل واليهود بما فيه الكفاية كي يتم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة؟
السؤال طرحه أحد محرّري صحيفة "نيويورك تايمز" على إحدى المواقع الإلكترونية الأميركية وهو "أتلانتيك مانثلي"، وأجاب عنه نفس المحرر وهو جيفري غولدبرغ، وكان الجواب الذي أورده عبارة عن حوار طويل مع الرئيس الأميركي الجديد حول نظرته إلى الفكرة الإسرائيلية العنصرية.
فماذا قال أوباما؟
قال بالحرف الواحد: عندما أعود إلى الفكر الإسرائيلي العنصري أستعيد مشاعر نمت عندي تجاه إسرائيل منذ كنت طفلاً. تعرّفت وأنا في الحادية عشرة من عمري إلى مدرّس أميركي من أصل يهودي كان يمضي إجازاته في إسرائيل، وقد شرح لي مطوّلاً نظرية "أرض الميعاد" وعودة اليهود إلى إسرائيل، بعدما عانوا المحرقة، وفهمت منه أنه حريص على هذا التراث وأنه يحلم بهذه العودة. وأنا الذي كنت دائماً أبحث عن جذوري وجدت نفسي بالغ الاهتمام بهذه النظريّة، والفكرة الإسرائيلية شكّلت جزءاً من ثقافتي منذ كنت طفلاً، وهذه هي الحقيقة الأولى التي أحتفظ بها في ذاكرتي كلّما فكرت بإسرائيل!
ويضيف: ثم إن إسرائيل كدولة تعتبر مرادفًا للعدالة الاجتماعية التي أؤمن بها، وما سعى إليه الإسرائيليون في النهاية هو أن يجدوا أرضا لهم، وأن يبدؤوا من الصفر في بناء وطن ليتجاوزوا معه آلام الماضي، وأنا منجذب بقوّة إلى هذه الفكرة.
وسئُل: هل هذا يعني أن الفكر اليهودي ساعد في بلورة قناعاتك السياسية؟
فأجاب: لقد كنت دائماً أقول ـ ولو على سبيل المزاح أحياناً ـ: إن شخصيتي الفكرية هي حصيلة تفاعلي مع الأساتذة الجامعيين اليهود، وأبرز المفكّرين اليهود الذين أُعجبت بهم هما فيليب روث و ليون يوريس. وعندما توسّع أفقي السياسي أدركت أن الفكر الذي أنطلق منه في كلّ مرة أفكّر في الشرق الأوسط، هو تعلّقي الكبير وتعاطفي العميق مع إسرائيل. إنني أدرك تماماً الآلام التي عاناها الشعب اليهودي، وأدرك أكثر، أهميّة أن يعود اليهود إلى الأرض التي يحلمون بها، وإلى تراثهم الحقيقي، وكلّ هذا يتقاطع مع التراث الأفرو ـ أميركي!
بوضوح أكثر أقول: إن فكرة إسرائيل ووجودها مهمّة جداً بالنسبة إليّ شخصيا؛ لأن هذا الوجود يتقاطع مع تكويني كمهاجر يبحث عن جذوره. أفكّر هنا في المهاجرين الأفارقة الذين قصدوا هذه الأرض التي اسمها الولايات المتحدة، وعملوا على ازدهارها. أحد أهم الأمور التي لفتت انتباهي عندما زرت إسرائيل، النهضة التي حقّقتها، والطموحات التي يتلاقى عليها الإسرائيليون. بعضهم ينتقدني في وسائل الإعلام لأنني أفكّر كثيراً، وفريق العمل الذي يتعاون معي يأخذ عليّ أنني أشدّد على الجانب الأخلاقي في السياسة، وأعتقد أنني تعلّمت من الفكر اليهودي أن علينا أن نأخذ الجوانب الأخلاقية في الاعتبار. وإذا قرأتم كتاباتي فلا شك أنكم ستلاحظون أن التزامي تجاه إسرائيل ليس سياسياً فقط، وإنما هو شخصي وأخلاقي أيضاً، وهو ليس مناورة سياسية في أي حال.
ربما صدمت هذه الكلمات كثيرين ممن لم يكونوا يعرفون حقيقة هذا الرجل، وليزداد هؤلاء من الشعر بيتًا فليستمعوا إلى رأيه في حركات المقاومة الفلسطينية التي تسعى لتحرير الأرض، والدفاع عن المقدسات، وعلى رأسها حماس، التي وصفها بأنها "منظّمة إرهابية".
إنها إسرائيل يا سادة، التي قال هذا الأوباما: إن أمنها متعلق بشخصه، ولا يمكن المساومة عليه! ولبطيئي الفهم أعاد الرئيس الجديد وكرر - لكن هذه المرة بما لا يدع مجالا للبس أو لسوء فهم- قائلا: أفهم أن في العالم العربي من يقول: إن هذا الرجل (الذي هو أنا) عاش في بلد إسلامي واسم والده حسين، وهو لن يكون نسخة طبق الأصل عن الكاوبوي الذي اسمه جورج بوش. هذا يعطيهم ربما بعض الأمل، وهو أمل مشروع، لكن عليهم أن يفهموا من البداية أن دعمي لإسرائيل لا يتزعزع، وأمن إسرائيل مسألة لن أساوم في شأنها، ويفترض أن يكون هذا واضحاً للجميع!
وإذا كان العالم العربي يظن أنني سوف أتخلّى عن سياسات جورج بوش فإنه يخطئ جداً، أنا أكثر من بوش مصرّ على صيانة أمن إسرائيل وتحصين التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي، ومحاربة الإرهاب، ولن يشهد أحد أي قرار في عهدي يتعارض مع أمن إسرائيل!
مثل هذه التصريحات لا تترك مجالاً للشك في مدى تعلّق الرئيس "التغييري" باللاتغيير فيما يتصل بإسرائيل. وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن باراك أوباما بوشيٌّ أكثر من البوشيين، وهو إذا تعهّد يوماً بإيجاد حلّ للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتحديداً الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فإن هذا "الحلّ" لن يخرج على المنطق الإسرائيلي، ولن يختلف عن مضامين النهج البوشي، وأوباما الذي تشبّع بالفكر اليهودي منذ طفولته لا يرى فارقاً بين يهودي يعود إلى "أرضه" في فلسطين، وأفريقي يبحث عن جذوره فيجدها في الولايات المتحدة، أرض الأحلام الكبيرة!
وإذا كانت البدايات تعني شيئاً، أو إذا كانت الرسالة تُقرأ من عنوانها، فإن التعيين الأول الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي الجديد له دلالات عميقة، فقد اختار أوباما رام عمانوئيل رئيساً لجهازه التنفيذي في البيت الأبيض، بصفته كبير الموظّفين، ومن شأن هذا التعيين أن يبدّد الكثير من الأوهام التي ساقها فريق من العرب والمسلمين الذين يتوقّعون أن تكون إدارة أوباما مختلفة. وعمانوئيل يهودي ناشط في الحزب الديمقراطي، سبق أن خدم في قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل، وهو من أم يهودية. ومن الواضح ـ كما تقول صحيفة «معاريف» الإسرائيلية ـ أنه سوف يمارس تأثيراً خاصاً على أوباما كي يكون قريباً من إسرائيل، وفي أي حال، هو لم يقبل هذا المنصب إلا لأنه مقتنع بأن الرئيس الأميركي الجديد من أنصار إسرائيل.
انطلاقاً من هذه المسلّمات يسهل تصوّر "خارطة التغيير" التي يتوقّعها بعضهم في الشرق الأوسط على الأقلّ. وفي مراجعة تصريحات أوباما المتعلقة بالإسلام والمسلمين ما يساعد على فهم أوضح لنهجه السياسي. الرجل لا ينكر أنه نشأ في بيئة مسلمة، إلا أنه يشدّد ـ وسيظلّ يشدّد ـ على أنه سوف يوظّف ثقافته الأولى (الإسلامية) التي اكتسبها من بيئته الإندونيسية في خدمة الأمن الأميركي وأمن إسرائيل. ويستدل من تصريحاته أن التهديد الحقيقي الذي يواجه إسرائيل هو إيران، وهو يؤكد أنه سيعتمد استراتيجية قويّة في التعامل مع طهران؛ من أجل منعها من امتلاك أسلحة نووية، ووقف تهديداتها لإسرائيل. ومن الواضح أنه لن يسلّم ببرنامج نووي إيراني يوصل إيران إلى اكتساب سلاح نووي، لكن السياسة الخارجية في الولايات المتحدة ليست من صنع الرئيس وحده، وهي سياسة مؤسّساتية مطلوب منها أن تحمي المصالح الأميركية أولاً، وأي رئيس لا يستطيع تجاوزها.

لكن هل أميركا القادرة على تغيير نفسها قادرة على تغيير العالم؟
الظن الراجح أن لا، وحالة الترقّب والانتظار التي يعيشها العالم العربي قد لا تكون في محلّها، لأن جورج بوش يترك وراءه كثيراً من الهموم الاقتصادية والحروب المفتوحة التي لا تكفي السنوات الأربع المقبلة لإيجاد حلول ملائمة لها، علماً بأنه أهمل تماماً تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وتاجر بقضية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، والنتيجة كانت تزويد الأنظمة العربية، أو معظمها على الأقلّ، بمناعة خاصة ضد التحوّل الديمقراطي. وفي نهاية العهد البوشي يلاحظ فريق من المحلّلين الأميركيين أن "الشريك" الأميركي في التسوية لم يكن يوماً وسيطاً حياديّاً!

صانعوا الاستقلال على الخط العسكري


الأفكار، 24 نوفمبر 2008


بلد بلا جيش.. جسم بلا مناعة، حكمة بدأت بها مجلة الأفكار اللبناني موضوع غلافها الأخير والذي خصصته للحديث عن عيد استقلال لبنان، تلك الذكرى التي رأت المجلة أنها "تستدعي من الجميع وقفة لمحاسبة النفس".
والمجلة إذ تُذَكِّر اللبنانيين بنعم الله التي حباهم إياها حين أنعم عليهم بوطن عريق تاريخيًا، بديع جغرافيًا، تلفت أنظارهم إلى أن التوترات التي تحدث في الداخل اللبناني إنما هي دليل على أن أبناء هذا الوطن "لا يعرفون قيمة العيش تحت سمائه".
والمجلة في هذا العدد لا تعيد لأذهاننا ذكرى الاستقلال اللبناني وفقط، بل تستلهم عبق الماضي، لتستشرف آفاق المستقبل؛ وذلك بتسليط الضوء على عظماء هذا البلد الذين تألقوا في المهجر قبل الاستقلال، وتألقوا في الكون كله بعد الاستقلال، من أمثال إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران والرئيس الحاج حسين العويني ونعمان الأزهري ومروان سليم خير الدين، وغيرهم من عباقرة المهجر.
لكن ماذا فعلنا بهذه الوردة؟
اختلفنا على انتمائها في منتصف السبعينات؛ فحصدنا أربعة عشر عامًا من الحرب والاقتتال والدم والتهجير!
والآن.. ماذا نفعل بهذا الورد التي يعبق أريجه في كل أنحاء الدنيا؟
نتناكف لأتفه سبب، ونتشاتم لأتفه سبب، ونتعبأ ضد هذا الزعيم أو ذاك، حسب مصالح القادة والزعماء، برغم أن الحكومة هي حسب اتفاق الدوحة، حكومة وحدة وطنية!
لم نتعلم حتى الآن الموضوعية في التعامل مع أي صوت، بل تغلبنا العاطفة وخطب الزعماء وتصريحاتهم.
بهذا الثوب السياسي الرث أطل علينا يوم الاستقلال، وهو مختلف عما سبقه في ماضي السنوات.
ورغم ذلك من حقنا أن نفاخر بأن عندنا كل مقومات الاستقلال: شعب حي لا تهزمه الشدائد، يكبر وينهض أقوى مما كان، وعندنا مؤسسات أولها رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء، وحاكمية مصرف مركزي، وصحافة حرة تقول كلمتها ولو بين يدي سلطان جائر، وجامعات تفاخر بأنها خرّجت جيلا عربيا هو الآن في موقع الحكام، بدءا من حكام البحرين، ومستشفيات لا تقل كفاءة طبية وتقنية في المعاجلة عن كبرى مستشفيات العالم. بل عندنا قبل ذلك كله ما هو عماد لكل هذه المكتسبات، وهو الجيش اللبناني، حيث وحدة النسيج الوطني، وسند المقاومة في الجنوب، كما المقاومة سنة للجيش، والكل في فلك واحد يسبحون.

واشنطن – دمشق: العودة إلى المواجهة


المشاهد السياسي، 9-15 نوفمبر 2008

عدد غير قليل من القطع البحرية الأميركية يواصل انتشاره منذ أواخر الأسبوع الفائت قبالة الساحل السوري في المتوسط، وأسراب من المقاتلات الأميركية في حالة تأهّب في شمال العراق، كما في قاعدة إنجرليك الجوية داخل الأراضي التركية، ومئات الرعايا الأميركيين والأوروبيين بدئوا يغادرون سورية، وقوّات عراقية تتحرّك في اتجاه الحدود الشمالية لسدّ الفراغ الذي أحدثه انسحاب وحدات من الجيش السوري في اتجاه الحدود الجنوبية الشرقية من لبنان.
تداعياتٌ رأت مجلة المشاهد السياسي أنها تُدَشِّن لمرحلة جديدة من المواجهة بين أمريكا وسوريا، رغم استبعاد أن تقوم الأخيرة برد مباشر يستهدف القوّات الأميركية، بعد قصف منطقة البوكمال السورية.

في الوقت الذي يستبعد فيه المسؤولون العسكريون الأميركيون ردًّا سوريًا مباشرًا يستهدف القوّات الأميركية، تنشغل دمشق بحسابات أخرى مفادها أن واشنطن قد تكون بدأت تنتهج أسلوب "العمليات الخاصة" في المناطق التي تُسبب لها صداعاً أمنيّاً، دون اللجوء إلى المواجهات العسكرية المباشرة، مما يعني أن عملية البوكمال مرشّحة للتكرار!
وقد جاءت الضربة في لحظة حسّاسة يتحدّد من خلالها مستقبل القوّات الأميركية في العراق، ومصير المحادثات الأميركية ـ العراقية الرامية إلى توقيع الاتفاقية الأمنيّة الطويلة الأمد، في ما يعني أن المقصود ردع دمشق وحلفائها في المنطقة عن التدخّل في الشأن العراقي خلال هذه المرحلة، فضلاً عن إفهام الحكومة العراقية بأن الأخطار التي تحدق بالعراق ليست قليلة، وأن دول الجوار جزء أساسي من هذه الأخطار، والقوّات العراقية لا تملك حتى الآن الجهوزية المطلوبة لحماية العراق من التحدّيات التي لا تزال تواجهه في الداخل والخارج!
وفي سياق هذه الاجتهادات كتب أندرو أكسوم، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي خدم في العراق وأفغانستان، أن البنتاغون بدأ يطبّق مع سورية التكتيك الذي يطبّقه على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية؛ فبعدما أصبحت عمليات عبور الحدود لضرب الأماكن الآمنة التي يتجمّع فيها المقاتلون الأجانب جزءا من العمل الميداني الأميركي في باكستان، أصبح القادة الميدانيون الأميركيون يتساءلون: إذا كنا نفعلها في باكستان فلماذا لا نفعلها في سورية؟
وتضيف «التايمز»: إن سورية هي حجر الزاوية في المنطقة، وهي صلة الوصل بين طهران و«حزب الله» اللبناني، وهي تستخدم الجماعات الإسلامية المتشدّدة كصمّام أمان لشغل القوّات الأميركية في العراق، كما أنها تسعى بأقصى ما تستطيع للّعب بالأوراق في التفاوض غير المباشر مع إسرائيل عبر تركيا، وفي الوقت نفسه الإبقاء على علاقاتها الوثيقة بإيران، والعملية الأخيرة رسالة استراتيجية أميركية مفادها أن على دمشق أن تختار وبعناية مَن تدعم ومن لا تدعم في هذه المرحلة.

وهنا تساءلت المجلة: كيف يبدو مستقبل العلاقات السورية ـ الأميركية بعد الغارة؟، وأين يمكن أن تردّ دمشق من دون أن تتورّط في مواجهة عسكرية مباشرة؟
المراقبون يتفقون على أن الرد لن يكون هذه المرة في لبنان، وإنما سوف يتوزّع بين العراق وفلسطين، وليس سرًّا أن دمشق تملك ما يكفي من الأوراق العراقية والفلسطينية واللبنانية، إلا أنها سوف تعمل على تحييد الساحة اللبنانية على الأرجح؛ من أجل كسب مساحة زمنية هادئة خلال الأشهر المقبلة تخدم حلفاءها المحلّيين في المعركة التي يتهيّئون لها في الانتخابات المقبلة.

مصدر سوري مطّلع يتوقّع أن تنفض دمشق يديها من الالتزامات التي أخذتها على عاتقها في اجتماعات دول الجوار، واللقاءات المباشرة مع المسؤولين العراقيين، وأبرز هذه الالتزامات: ضبط الحركة والمعاملات على طول الحدود، وإقامة علاقات دبلوماسية، واستضافة مئات آلاف اللاجئين العراقيين، وضبط نشاطات شبكات التهريب العراقية، والتنسيق مع السلطات العراقية فيما يتصل بالاتفاقية الأمنيّة على قاعدة حسن الجوار. وهذه الالتزامات كلّها مهدّدة جملة وتفصيلاً، بصورة خاصة على مستوى تهريب الأسلحة والعناصر المدرّبة عبر الحدود، الأمر الذي قد يعيد العراق عامين إلى الوراء على مستوى الوضع الأمني، وأن يعيد حجم الخسائر الأميركية إلى ما يقارب المائة قتيل في الشهر، بعدما تقلّص إلى ١٣ قتيلاً في أكتوبر الفائت، وهو أدنى معدّل وصل إليه منذ خمس سنوات.
تبدو المواجهة اليوم، كما في الأمس القريب، مواجهة بين مشروعين: الدور السوري كما تراه دمشق منذ السبعينيات، والدور ذاته كما تراه واشنطن. فمنذ قيام كولن باول بجولته في المنطقة في أيار (مايو) ٢٠٠٣، والولايات المتحدة تصرّ على إلغاء أي دور لسورية في العراق، إلا إذا كان لمصلحة السياسات الأميركية، بنفس القدر من الإصرار على نزع سلاح "حزب الله"، وقطع الصلات القائمة بين دمشق و«حماس» و«الجهاد» وإخراج قيادتيهما من الأراضي السورية. وقد طالب باول في حينه بانسحاب سورية من لبنان، لكن بعد تجريد «حزب الله» من سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي، وقال: إن مبدأ تبادل المنافع والخدمات لن يطبّق في الحقبة المقبلة على العلاقات الأميركية ـ السورية، وإن أميركا لن تكافئ سورية في لبنان على الخدمات التي يمكن أن تقدّمها في العراق أو فلسطين، وستراقب عن كثب مدى التزامها بما طلب منها، وسوف تصعّد مواقفها إن هي أحجمت عن هذا التنفيذ.
هذه المراقبة لا تزال قائمة، ودمشق تواجه الاستهداف الأميركي بالسياسات نفسها، وتبحث عن سند خارجي لمعاندة الرغبات الأميركية. وما حدث في البوكمال جزء من هذا الاستهداف، ولو تبدّلت أشكال المواجهة.

القصة الكاملة لخلافات فتح وحماس


الكفاح العربي، 17 نوفمبر 2008

(الحوار الفلسطيني ولو حصل لن يقود إلى حلول).. وجهة نظر متشائمة نقلتها مجلة الكفاح العربي، مستشهدة بترنح اتفاق أوسلو المتواصل منذ الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة، وتعمق الانقسامات الفلسطينية ­ الفلسطينية منذ فترة.
صحيح أن هذا هو الانطباع الغالب في الساحة الفلسطينية بعد تعثر حوار القاهرة, وسقوط الاتفاقات السابقة، لكن هل يمكن, رغم كل شيء، و بمعزل عن العواطف والأحقاد المتراكمة، حصر الخلاف الفتحاوي ­ الحمساوي في نقاط واضحة, وتعيين الممكن والمستحيل في هذه النقاط؟
سؤال طرحته المجلة، وجاءت الإجابة عنه تحمل تحاملاً واضحًا ضد حركة حماس، وكأنها هي من تحتل الأرض، وتستبيح العرض!

لأن الحطب لا يشتعل إلا بالنار, فقد ظهرت على السطح أخيرا تقلبات وتحالفات جديدة، أهمها أن الأردن, وحسب ما يظهر في وسائل الإعلام, فك تحالفه مع رئيس السلطة محمود عباس, بعد اتهامات له بأنه يتآمر مع إسرائيل ضد الأردن, وهذا ما يفسر المصالحة الجارية بين الأردن و"حماس".
كل هذا أسهم في تعقيد الأمور, ولا أحد يتجاهل مجريات الأمور في لبنان، حيث "فتح الإسلام" وجند الشام, وما يجري في سوريا، حيث التفجيرات الإرهابية وقصف الطائرات الأميركية للمنطقة الحدودية مع العراق.. كل ذلك أسهم بشكل أو بآخر في تصعيب المهمة على المصريين في المصالحة, ناهيك عن وجود من ينتظر فشل القاهرة في تحقيق الحوار الفلسطيني ليتلقفه ويعقد مؤتمراً جديداً وهو الأقدر بكل تشديد على ذلك، لارتباطه بعلاقات مميزة مع أطراف إقليمية معروفة.
والأمر ليس قراءة في فنجان أو ضرباً في الرمل, فهناك قضايا باتت واضحة أهمها: انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس في التاسع من يناير المقبل, وتشدد قيادة "حماس" في عدم السماح له بتمديد ولايته. ولعل مخاوف كثيرة تطل برأسها في هذا الموضوع، ولا أحد يجزم بما ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء الولاية, مع أن الرئيس عباس يهدد بالانتخابات المبكرة أو الاستفتاء.

القنابل العنقودية في السياسة اللبنانية


الأفكار، 17 نوفمبر 2008

الجنوب اللبناني مازال يغرق في بحر من القنابل العنقودية، يربو عددها على 4 ملايين، ألقتها إسرائيل على الجنوب اللبناني خلال عدوان 2006، الأمر الذي دفع المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام إلى تنظيم المؤتمر الإقليمي عن القنابل العنقودية في لبنان الذي استمر يومين الأسبوع الماضي.
مجلة الأفكار اللبنانية رأت أن القنابل العنقودية ليست موجودة فقط تحت التراب في الجنوب، لكنها موجودة أيضًا في السياسة اللبنانية والعربية.

لقد برزت قنبلة عنقودية سياسية في العشاء الكبير الذي دعا إليه في هيئة الأمم أمينها العام "بان كي مون"، وضم العشاء الرئيس اللبناني ميشال سليمان والملك عبد الله بن عبد العزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، إضافة إلى ضيف ثقيل ما كان ينبغي أن يُدعى إلى مؤتمر ثقافة الحوار، هو الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز.
وقد حاول بان كي مون أن يقرب المسافة في العشاء بين شيمون بيريز وكلاً من ميشال سليمان والملك عبد الله والشيخ صباح الأحمد، لكن محاولته باءت بالفشل، ولم يفلح تمامًا في إتمام أية مصافحة بين بيريز وهؤلاء القادة العرب!
والقنبلة العنقودية الأخرى كامنة بين العماد ميشيل عون والدكتور جعجع وبعض الحلفاء؛ فالعلاقة بين الفريقين متوترة إلى آخر مدى، وخصوصًا بعد جلسة الحوار الأخيرة التي قدم فيها عون مشروعه للاستراتيجية الدفاعية، الذي يبشر بالشعب المقاوم، حيث خلية مقاومة لإسرائيل في كل بلدة لبنانية.
وقد وعد عون بإبقاء أبحاث هذا الاجتماع في منأى عن الأضواء، إلا أن الدكتور جعجع وحلفاءه – كما يقول عون – تكفلوا بتسريب مشروعه للاستراتيجية الدفاعية، مثيرين بذلك القيل والقال، لدرجة أن العماد عون وقف الاثنين الماضي ليقول: "لا يريدون إذًا شعبا مقاوما! يريدون شعبًا مستسلما!".

ومجلة الأفكار إذ تتحرك بحذر في حقل الألغام هذا، تدعو إلى "فتح كل الملفات، ووقف كل التغطيات، حتى يأخذ العدل مجراه، ويُنصف المظلوم، ويُعاقب الظالم، وبذلك يكون لبنان، ليس منارة للحوار كما وصفه منذ أيام الرئيس ميشال سليمان، بل كذلك منارة العدالة، وبذلك تنقطع السبل على كل مصطاد في الماء العكر، وكل من يهدد بكشف الأوراق المستورة، دون أن يفعل".
وبعد أن تطرقت المجلة لقنبلتين، استطردت لتسلط الضوء على قنابل أخرى، يتمنى الجميع ألا تنفجر في وجه أحد.

والقنبلة العنقودية الثالثة هي الاختلاف على قانون الانتخاب الذي سيجري على أساسه انتخاب برلمان مايو المقبل.
أما القنبلة العنقودية الرابعة فهي العلاقات اللبنانية - السورية التي حاول وزير الداخلية زياد بارود مع مدير عام الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي واللواء وفيق جزيني مدير عام الأمن العام، أن يفككوا فيها الألغام مع وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبد المجيد، بخريطة طريق عبر لجنة مشتركة لمكافحة الإرهاب، ولجنة ثانية لضبط الحدود اللبنانية – السورية، ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات، ولجنة ثالثة لمتابعة التنسيق، مع متابعة الاتصالات حول المفقودين اللبنانيين في سوريا، والمفقودين السوريين في لبنان.
هذه القنابل العنقودية في السياسة اللبنانية لا تسهل مهمة العماد سليمان وهو يبشر من منبر هيئة الأمم بلبنان كمركز لحوار الحضارات. وكلما كسحنا هذه الذخائر العنقودية، كلما هيأنا لدعوة الرئيس سليمان أن تأخذ مجراها، وتحقق قطوفها.

Tuesday, November 11, 2008

سقطت "أميركا الهيمنة"، وانتصرت "أميركا الحوار" ، بفارس التغيير الديمقراطي





الأفكار، 10 نوفمبر 2008

(باراك أوباما ليس "المسيح القادم" ولا حُسَين العرب والمسلمين.. لكنه أفضل من عصابة الموتورين). هكذا نظر بنو جلدتنا للنصر الذي حققه باراك أوباما، خاصة بعدما حذر الكثير من العقلاء أن (أحبب حبيبك هونًا ما؛ عسى أن يكون بغيضك يومًا ما)!
مجلة الأفكار اللبنانية تحدثت عن النصر الديمقراطي من زاوية المصالح اللبنانية، موجهة رسالة للرئيس الأميركي الجديد أن "تعلم من أخطاء من سبقك، ولا تحذو حذوه فتلقى مصيره".
المؤلم في الأمر أن أحلامنا أصبح تحقيقها بيد غيرنا، وآمالنا أضحت معلقة بمصائر الآخرين!

طبيعي جدًا أن تمر الأشهر الأربعة من ولاية أوباما في الدراسة والاستقصاء، ومعاينة الملفات في وزارة الخارجية الأميركية وجهاز الأمن القومي في البيت الأبيض، لكن بإمكان الرئيس الجديد إعطاء (وعد أوباما) لدراسة ملف مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وإعطاء لبنان حقه الجغرافي والقومي في هذه المناطق المحتلة.
ومن حق اللبنانيين أن يطالبوا أوباما بنمط أميركي جديد في التعامل مع لبنان، فلا يكون المسئول الأميركي مجرد "بائع كلام"، ولا مصدّرًا لتجهيزات الجيش اللبناني بأسلحة تقليدية كالتي أعلنت عنها مؤخرًا السفيرة الأميركية "ميشيل سيسون"، بل أن يتأمل في قمة لقاء الحضارات التي ستنعقد في الأمم المتحدة هذا الشهر، ليعرف أي دور يمكن للبنان أن يضطلع به، بحكم تركيبته، في حوار الحضارات، ويبني معه علاقات على هذا الأساس.
في مطلع العشرينيات من القرن الماضي تعرض الرئيس الأميركي تيودور روزفلت لحملة شعواء؛ لأنه دعا شخصا أسود إلى عشاء في البيت الأبيض، واليوم لم يعد الشخص الأسود مدعوًا إلى العشاء هناك، بل أصبح يمتلك مقاليد البيت الأبيض، أورأيتم كيف يتغير الزمن؟!

الغارة الأمريكية على سوريا



الكفاح العربي، 3 نوفمبر ، 2008

يبدو أن أميركا بدأت تنظر إلى سوريا وكأنها المنطقة الحدودية الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، الأمر الذي دفعها للقيام بغارتها الجوية وعملية الإنزال على مزرعة السكرية داخل منطقة البوكمال السورية الحدودية؛ بزعم استهداف أفراد القاعدة.
ويبدو أيضًا أن انتهاك الحدود السورية لن يتوقف، "ولن تكون هذه العملية هي الأخيرة"، استنادًا إلى تصريحات مسئول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول دلالات العملية العسكرية، وتقييم الرد السوري عليها.
مجلة الكفاح العربي حاولت فك طلاسم هذه الأحجية الكبيرة، مؤكدة أن العراق سيكون الميدان الأول لتصفية الحسابات، عن طريق مواجهة مفتوحة، مع استبعاد الرد العسكري من قبل دمشق.

في أعقاب الغارة الأميركية على مزرعة السكرية في منطقة البوكمال السورية, بدأت "الإجراءات المؤلمة" بإلغاء اجتماع اللجنة السورية - العراقية المشتركة، الذي كان مقررا عقده في بغداد, وتجميد اجتماعات لجنة المتابعة الأمنية المنبثقة عن دول جوار العراق, وسحب أعداد من الجنود السوريين من منطقة الحدود العراقية.
كما استدعى القائم بالأعمال العراقي للغرض إياه, وطالبت سوريا الحكومة العراقية بتحمل مسؤولياتها، وبالتحقيق الفوري في هذا الانتهاك الخطير، ومنع استخدام الأراضي العراقية للعدوان على سوريا. مع صدور بيان عن مجلس الوزراء شديد اللهجة استنكر العدوان ووصفه بـ "الجريمة الوحشية", رأى أنها تمثل "ذروة إرهاب الدولة الذي تمارسه الإدارة الأميركية، منتهكة بذلك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والشرعية الدولية".
في تلك الأثناء كان تشييع ضحايا الاعتداء في البوكمال قد تحول إلى تظاهرات غاضبة تم خلالها إحراق العلمين الأميركي والإسرائيلي, ورُفِعت لافتات تحمل شعارات العداء لأميركا, وامتدت مشاعر الغضب المشتعل إلى مناطق أخرى في البلاد.

هذه الغارة شكلت فرصة سانحة لم تفوِّتها سوريا، فسارعت بزيادة نشاط دبلوماسيتها في إطار الترويج لسياستها المناهضة لاستراتيجية العدوان والحروب, وتأكيد مصداقيتها جراء حماقة ارتكبها الجانب الأميركي.
أما ردود الفعل العربية والدولية فلم تعجب سوريا؛ حيث تعمدت بعض الدول العربية تجاهل الغارة، ولم تعلق على ما جرى. أما الدول الغربية, فجاءت مواقفها خجولة باستثناء الموقف الروسي الذي كان واضحًا في رفضه سياسة الاعتداء الأميركية, والموقف الفرنسي الذي أدان الغارة. أما بان كي مون فقد وصف مراقبون موقفه بأنه "لا يليق به كأمين عام للمنظمة الدولية التي تعنى بشؤون حماية القانون الدولي وحياة المدنيين".

لم تكن سوريا تتوقع في أي حال مواقف أفضل بكثير من المواقف السالفة, ولم تكن تراهن عليها بقدر ما راهنت على يقظتها وحذرها من تزايد الأعمال العدائية الموجهة ضدها, مع تواصل نجاحها في صياغة حالة من الهدنة الدبلوماسية, بما يؤهلها للعمل على استعادة عناصر قوة دورها الإقليمي, والعمل من خلال الانفتاح الأوروبي على إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
وبالعودة إلى توقيت الغارة الأميركية نجد أنها تزامنت مع زيارة مسئولين أوروبيين لسوريا وزيارة وزير الخارجية السوري إلى لندن, وقبل شهر تمامًا في 27 سبتمبر, تزامن تفجير القزاز الذي أودى بحياة 17 مواطنًا وإصابة 14 آخرين, مع مشاركة وزير الخارجية في الاجتماع الدوري للجمعية العامة في الأمم المتحدة, ولقائه على الهامش مع عدد من وزراء الخارجية الغربيين, ناهيك عن اللقاء مع كوندوليزا رايس. وقبلها تزامن اغتيال العميد محمد سليمان مع زيارة الرئيس السوري إلى طهران بهدف نقل حصيلة مشاوراته في باريس في ما يتعلق بمعالجة الملف النووي الإيراني.
وتبقى الهدنة التي تسعى سوريا إلى تكريسها في هذه المرحلة تبدو كأرض مزروعة بالألغام, ومع كل خطوة هناك تفجير أو تهديد. ويتوجب على سوريا ليس فقط إجادة السير في حقل الألغام, أو السيطرة على التفجيرات وحسب, بل الرقص المتواصل على رؤوس الأصابع بين الفخاخ الكبيرة والصغيرة.

الكارثة المالية تتواصل والخسائر 25 تريليون دولار



المجتمع، 18 أكتوبر – 2 نوفمبر 2008

لم تستحوذ الأزمة المالية على اهتمام المجلات الغربية وفقط، بل والعربية أيضًا؛ فهاهي مجلة "المجتمع" تلقي الضوء على
الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على مستقبل النظام الرأسمالي، في ظل ارتفاع الدين الحكومي الداخلي والخارجي في الولايات المتحدة إلى أكثر من 11 تريليون دولار، وبلوغ العجز في الموازنة الأمريكية 450 مليار دولار، وزيادة العجز التجاري على 65 مليار دولار، إضافة إلى الارتفاع المستمر لمؤشرات البطالة والتضخم والفقر.

هذه الأزمة المالية التي خلفت خسائر بلغت 2.4 تريليون دولار، جعلت قرابة 70 شركة رهن عقارية أمريكية تعلق عملياتها، أو تُصفى منذ بداية العام 2006م وحتى الآن، كما اختفى أكثر من 11 بنكا كبيرا من السوق.
ويتوقع "كريستوفر والين" العضو المنتدب لشركة أبحاث "تحليلات المخاطر المؤسسية" أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنوك تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار وذلك بحلول منتصف العام القادم.هذه الأزمة المالية العالمية يمكن حصرها في كلمتين هما: العولمة، والخصخصة، التي يقف وراءها صندوق النقد الدولي، الذي تمتلك الولايات المتحدة 40 % من أسهمه، ولها الكلمة الأولى في سياساته، فالاستجابة الكبيرة للعولمة والخصخصة جعلت الضحايا هذه المرة باتساع العالم، وتحديدا من استجابوا بلا ضوابط في السنوات العشر الأخيرة للعولمة والخصخصة.
والعولمة تعني: تراجع الدولة عن أية ضوابط مقررة لدخول وخروج رأس المال الأجنبي. أما الخصخصة فتعني: بيع القطاع العام في كل دولة بسرعة، وبأقل سعر لمن يرغب في الشراء، خصوصاً إذا كان المشتري أجنبياً، تختاره أو توصي به المؤسسات الأمريكية نفسها التي تتابع انكشافها أخيراً بفضائح مدوية.

أضف إلى ذلك تشكيك الكثير من الخبراء في الخطة المعدَّلة التي عرضها الرئيس "جورج بوش" لشراء ما قيمته 700 مليار دولار من المساكن والرهون العقارية التجارية لتحقيق الاستقرار في البنوك بسحب الأصول الخطرة من كشوف حساباتها.ويقول هؤلاء: إن الخطة جاءت لمساعدة الفاسدين الجشعين ضيقي الأفق الاقتصادي في سوق "وول ستريت" على إسقاط أصول عقارية متعثرة من دفاترهم؛ ليعيد البسمة إلى وجه حي المال الذي فيه من الموت أكثر مما فيه من الحياة.هذا المبلغ (700 مليار دولار) على ضخامته لا يعادل سوى 5 % من قيمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة، وضخّه في المصارف والمؤسسات المالية المفلسة، أو التي قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، لن يعالج الأزمة، لأنَّ جوهرها يكمن في أنَّ المال ما إن يخرج من المصرف، على شكل قرض يُمْنح لفرد أو شركة، حتى تصبح عودته إلى المصرف في علم الغيب.
لقد أحسن الوصف من قال: إنَّ ضخ مبلغ 700 مليار دولار في شرايين "وول ستريت" يشبه، بحسب نتائجه وعواقبه، أن تنقل دما لمريض ينزف. إنَّ "وول ستريت" تشبه الآن كومة من الأوراق تحترق، فهل يُطفأ الحريق إذا ما ألقيت فيه 700 مليار ورقة جديدة؟!
إنَّها كنارٍ يريدون إطفاءها بصبِّ مزيد من الزيت عليها!إن نتائج خطة الإنقاذ الموجهة أصلاً لحماية العمالقة في "وول ستريت" تقيم الدليل على أن قطار الانهيار قد انطلق بلا كوابح، لأن المواطن الأمريكي بسبب الغلاء ما عاد يسمح له بالعيش وتسديد القروض فـ"وول ستريت" تستعبد الأفراد والشركات.
وقد أكدت هذه الأزمة على عاملين اثنين، هما:* أن الولايات المتحدة الأمريكية - رغم أنها الدولة الأولى في العالم - لا تقف على أرضية صلبة من الاستقرار المالي والاقتصادي.* أن الاعتقاد السائد أن أوروبا، أو غيرها، تطورت وحققت كيانات اقتصادية متميزة يمكن أن تنافس الاقتصاد الأمريكي في المستقبل غير حقيقي، وهاهي هذه الأسواق مكشوفة على تداعيات الأزمة المالية الأمريكية!

انقلاب أميركي لإنقاذ أميركا



الكفاح العربي، 27 كتوبر – 3 نوفمبر 2008

تغيرت الولايات المتحدة بصورة جذرية بين عامي 2000 و 2008, ما شكل مرحلة تغيير أقرب ما تكون إلى "الثورة الداخلية".
مجلة "الكفاح العربي" حاولت أن تستكشف عناوين هذا التغيير, الذي يبدأ بالعالمين العربي والإسلامي في مبادرة أميركية جديدة يفترض أن تشكل خطة عمل لباراك أوباما ­ في حال وصوله لسدة الحكم­ شارك في وضعها أكثر من ثلاثين مسؤولا أميركيا بينهم رجال كونغرس ودبلوماسيون سابقون أبرزهم مادلين أولبرايت ودنيس روس وريتشارد أرميتاج، وخبراء في الشؤون الإسلامية والمسيحية واليهودية, من أجل تقليص رقعة العداء بين الولايات المتحدة والمسلمين.
فما هي الملامح العامة لهذا التقرير؟

قبل أيام, أطلق "مركز البحث عن أرضية مشتركة" في واشنطن بالاشتراك مع معهد "التوصل إلى إجماع" في بوسطن مبادرة "مشروع التواصل الأميركي­ الإسلامي" الذي تضافرت فيه جهود 30 من المسؤولين ورجال الكونغرس والدبلوماسيين السابقين
وخرج المشروع بتقرير وقع في 150 صفحة، تضمنت الخطوط العامة لاستراتيجية هدفها إنقاذ علاقات أميركا مع العالم الاسلامي وتقليص العداء المتنامي بين الطرفين. وقد رفع المؤتمرون توصيات إلى الرئيس الأميركي الجديد، لخّصها ديفيد فيرمان, الذي أشرف على التقرير, في مقابلة مع "سويس إنفو"على النحو الآتي:أولاً, أن يسلط الضـوء في خِـطاب تنصيبه على الأهمية القصوى لتحسين العلاقات الأميركية مع العالم الاسلامي.ثانياً, أن يؤكّـد فوراً إلتِـزام الولايات المتحدة بحظْـر استخدام أشكال التعذيب كافة.ثالثاً, أن يبادر خلال ثلاثة أشهر من تنصيبه إلى طرح مبادرات رئيسة لحل الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط, وعلى رأسها الصـراع العربي ­ الاسرائيلي والمجابهة مع ايران.رابعاً, أن يدعو بحلول شهر تموز من العام 2009 إلى عقد مؤتمر موسّـع يضُـم وكالات الحكومة ورجال الأعمال, لمناقشة الإصلاح الاقتصادي والتنمية وخلْـق فرص العمل في الشرق الأوسط.خامساً, أن يقود الرئيس الأميركي الجديد مبادرة بالتّـعاون مع الكونغرس وقيادات هيئة التعليم في الولايات المتحدة ورجال الأعمال, لتحسين العلاقات مع العالم الاسلامي, وإطلاق مبادرة للتبادل والتعليم بين المُـواطنين الأميركيين ومواطني الدول الاسلامية".

هذا على المستويات الفكرية­ والثقافية، أما على الصعيد الاستراتيجي, فقط سبق أن بلور الديمقراطيون خلال الأشهر القليلة الماضية ما يمكن أن يكون خريطة طريق جديدة لهم في العالمين العربي والاسلامي, ظهرت في ثلاثة أوجه:الأول: ­ مبادرة مجلس العلاقات الخارجية الأميركي برئاسة مادلين أولبرايت.الثاني: تقرير بيكر­ هاملتون المشترك بين الديمقراطيين والجمهوريين, ومبدأ الاندماج الجديد الذي طرحه ريتشارد هاس الباحث الإستراتيجي البارز والمسؤول الحكومي السابق.الثالث: جدول أعمال السياسة الخارجية الذي نشره باراك أوباما في "فورين أفيرز" في تموز 2008.
أخطر هذه الأطروحات، و أشملها و أوضحها كانت مبادرة أولبرايت المسماة "دعماً للديموقراطية العربية"، التي صدرت العام 2007.

إن التوجهات الجديدة التي يفترض أن يعمل أوباما في حال فوزه على هديها، تبدأ وتنتهي بجملة واحدة: ضرورة إدماج الشرق الأوسط وبقية الدول الصاعدة في العالم؛ من خلال عوامل ثلاثة: الاقتصاد, والتحولات الديمقراطية التدريجية, واستبعاد سياسة الإقصاء والعزل.لكن, ماذا لو فشلت هذه القوة الناعمة في تحقيق أهداف كل من الولايات المتحدة وقوى العولمة الرأسمالية ؟
هنا تطل برأسها القبضة الحديدية التي تتخفى وراء القفازات الحريرية التي سيضعها أوباما: وفي حال فشل الإغراء والإقناع, فلن يكون هناك مفر من الحرب واستخدام القوة. ربما بات جلياً الآن أن المحك الرئيس لسياسة القبضة المخملية الأميركية الجديدة ستكون في إيران. الأشهر الستة الأولى وربما أيضا السنة الأولى وحتى الثانية من ولاية "الرئيس" أوباما -في حال فوزه- ستشهد بدء تطبيق مبدأ القبضة المخملية هذا عبر إطلاق مفاوضات مباشرة بين البلدين.بالطبع, لن تتطرق المحادثات بين الطرفين منذ اللحظة الأولى إلى القضايا الكبرى الشائكة بينهما, وعلى رأسها المسألة النووية وموقف إيران الإسلامية من وجود إسرائيل، إضافة إلى دورها في المشرق العربي الداعم لـ"حزب الله" و"حماس", بل ستحاول أولاً العثور على قواسم مشتركة.