برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, December 30, 2008

الحذاء الذي أدخل الصحافي منتظر الزيدي صفحات التاريخ


الأفكار، 22 ديسمبر 2008


(فردة حذاء تساوي صاروخا).. تعليق ساخر استهلت به مجلة الأفكار اللبنانية موضوع غلافها، الذي خصصته لتكريم "منتظر الزيدي"، مالئ الدنيا، وشاغل الناس، والمتساوي في الوهج مع الرئيس بوش. ولكلٍ وجهةٌ هو موليها!
باسم فقراء العالم، وأمهات العراق الثكالى، ويتامى الصواريخ الأمريكية، حمل الصحافي العراقي الشريف منتظر الزيدي فردة حذائه السميك، وقذف بها وجه الرئيس الأميركي "جورج بوش"، وهو يتحدث على منصة المؤتمر الصحفي، من بغداد مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ثم أتبعها بالفردة الثانية.
أمام الأساطيل ذات الرءوس الذرية، والطائرات المقاتلة المعربدة في فضاء العراق، لا يملك الصحافي العراقي إلا فردة حذائه ليعبر بها عن قضية انتهكتها الإدارة الأميركية، وحقوق قومية ووطنية عبثت بها يد الرئيس المنتهية ولايته "جورج دبليو بوش".
وفردة الحذاء من حيث الرجع والصدى كانت أقوى من الطائرات والصواريخ والأساطيل السابحة في بحر العرب، ولقنت رئيس أقوى دولة في العالم درسًا سيحمله معه إلى مزرعته المسماة "كراوفورد"، وسيسجله التاريخ، مع اسم "منتظر الزيدي"، كما سجل من قبل اسم "مالكولم إكس" في نضاله ضد الفرز العنصري الأميركي، وحمل هذه الرسالة إلى بيروت، حيث دخل الجامعة الأميركية زمان الستينات، وأقام فيها صلاة الظهر.
العراق بلد حضاري يختزن تراث الخالدين من خلفاء وفلاسفة وأساطين طب وشعراء وعلماء، وليس من طبع أهله إهانة الناس، أو الاستهزاء بهم، لكن لابد من إبداء الرأي الذي هو قبل شجاعة الشجعان، وقد جاء هذه المرة على متن حذاء سميك تعامل معه الرئيس الأميركي بسخرية حين قال: "إنه حذاء مقاس 10"، لم يُشعرني بأي تهديد. بل أعتبره محاولة للفت الأنظار إلى صاحب الحذاء، وهذا دليل على حرية الرأي".. إنها حقًا مكابرة على أعلى مستوى!
ما قاله الزيدي بصوت هادر للرئيس بوش وهو يقذفه بالحذاء: "هذه هدية العراقيين إليك.. إنها قُبْلَةُ الوداع، أيها الكلب، لم يكن سوى تعبير متواضع عن مدى الألم الذي خلفه الاحتلال الأميركي الذي دخل العراق في ربيع 2003، وخلَّف حتى الآن مئات الآلاف من القتلى العراقيين، وحوَّل شوارع بغداد والموصل والمدن الأخرى إلى حمامات دم.
وهاهو بوش نفسه يعترف على الهواء مباشرة، عبر شاشات التلفاز الأميركية، أن المخابرات ضللته حين أكدت له في تقاريرها أن صدام حسين يمتلك أسلحة تدمير شامل!
لقد عملت القوات الأميركية في العراق على نشر الشقاق ضمن الطائفة الواحدة، وبث بذور الشرور الطائفية، عملا بنظرية (فرِّق تسُد)، وقتل مليون ونصف المليون عراقي. أما في فلسطين فقد كانت وعود بوش كالبخار، وإلا فأين وعوده للرئيس محمود عباس بأن دولة فلسطين ستكون جاهزة قبل نهاية هذا العام؟.
ما كان جاهزًا هو الآتي: حصار إسرائيلي جهنمي لقطاع غزة، وطائرات بدون طيار تقصف القطاع، وجوع وظلام دامس وبنوك بلا مال وأسواق بلا سلع غذائية، وأفران بدون خبز!
ثم يسألونك بعد ذلك عن حذاء الصحافي العراقي منتظر الزيدي. لقد حمل هذا الحذاء كل آلام الأمة العربية، وقذف بها وجه الرئيس بوش، وهو ينعته بـ "الكلب".
لقد كان الحذاء الطائر موجهًا ضد الخطايا الأميركية في العراق وفلسطين، خاصة الاتفاقية الأمنية الملغومة. وقد تجاوز شخص "بوش" إلى هيبة الرئاسة الأميركية. هيبة يتحمل سقوطها الرئيس بوش شخصيًا، لأنه لم يحافظ عليها كسلطة لها احترامها ووزنها العالمي.
والآن هاهو منتظر الزيدي خلف القضبان، بعدما خلف في قاعة المؤتمر الصحفي بقعة دم على الأرض، نتيجة الانقضاض عليه من قبل رجال أمن رئيس الوزراء نوري المالكي.
لقد قال الزيدي كلمته ومشى.. إلى السجن، قالها بالحذاء على فردتين.

لاجئو الصومال.. المواجهة الحرة مع الموت


المجلة، 20 ديسمبر 2008


لم يدر في خلد الصوماليين أنهم سيصبحون الغذاء الرئيس لأسماك القرش المنتشرة بكثرة في خليج عدن، بعد أن أضحت الأخبار التي تتحدث عن غرق أو فقدان العشرات منهم في عرض البحر خبرًا روتينيًا لا يحتل صدر النشرات الإخبارية.
حول قضية اللجوء الصومالي، والفرار من الموت إلى الموت المؤجل، كتبت مجلة "المجلة".
أضحى الفرد الصومالي في ذيل الاهتمامات الدولية بعد أن خيضت على أرض بلادهم حروب منسية استمرت منذ مطلع التسعينات، عندما أطيح بنظام زياد بري، لتتحول أرض الصومال إلى مساحة من الأرض تغيب عنها القوانين، الأمر الذي جعلها بسهولة شديدة لقمة سائغة للقوى الكبرى، وجعلت من سكانها كتلة بشرية فائضة عن حاجة القوى الدولية، بحيث أضحى موت الصومالي خبرًا مألوفًا في كل أذن.
ولأن الصومالي يشعر بأنه مستباح، وعرضة للقتل لأدنى الأسباب، وأحيانًا بلا سبب محدد؛ لم يجد الألوف وربما الآلاف بدًا أمامهم سوى التفكير في الهجرة طلبًا لحياة أخرى أقل عنتًا وخوفًا، لكن حال الصومالي يشبه حال المستجير من الرمضاء بالنار. فإذا كانت الحياة لا تُحتمل في الصومال، فإن رحلة الهرب هي الأخرى لا تقل هولا من البقاء على اليابسة.
وبحسب المصادر السياسية الصومالية فإن أكثر من 45 ألف لاجئ صومالي تمكنوا من الوصول إلى اليمن خلال العام الحالي 2008، في حين أن ما يزيد على 3500 شخص إما توفوا قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى سواحل اليمن، وإما حُسبوا في عداد المفقودين.

الطوفان المنتظر


الأهرام العربي، 20 ديسمبر 2008


أضحت التغييرات المناخية حديث العالم اليوم. في ظل تقارير ودراسات شتى تحذر من دمار شامل ينتظر البشرية، أو على الأقل تتنبأ بمشكلات بالغة الخطورة على صحة ورفاهية الإنسان بنهاية الألفية الثالثة إذا ما استمرت الممارسات الخاطئة تجاه البيئة.
مجلة الأهرام العربي أطلقت صيحة تحذيرية، وصفت فيها التغيرات المناخية بـ (الطوفان المنتظر)، الذي يهدد حاضر البشرية ومستقبلها. مشيرة إلى أن الاحتباس الحراري زاد عن حده، فانقلب إلى كارثة تهدد الزراعة وتُغرق مدنًا بكاملها وتشرد الملايين من البشر وتضرب السياحة في مقتل. ورغم أن المسئولية الكبرى في ذلك تتحملها الدول الغنية، فإن الدول الفقيرة هي التي تدفع الثمن.
تُجمع تقارير الخبراء ونتائج المؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية التي انعقدت على مدى عقدين من الزمان، على أن قضية التغيرات المناخية تعد الآن من أخطر التحديات البيئية التي يواجهها العالم خلال تاريخه المعاصر، كما تعد أيضًا تحديًا أساسيًا لعملية التنمية المستدامة، تلك التنمية التي تهتم بتحقيق الجوانب الاقتصادية والاجتماعية دون إغفال البعد البيئي.
في الزمن البعيد كان هناك توافق بين قوى الطبيعة والبشر، نعم فيه الإنسان بالخير العميم، لكن هذه القاعدة تحطمت على أيدي الإنسان نفسه، بما اقترفه من سلوكيات جائرة تفوق قدرة أي نظام بيولوجي أو إيكولوجي على التحمل، فانفجرت الطبيعة في وجه البشرية بما يعاني منه العالم اليوم من استمرار مسلسل الزلازل والعواصف والأعاصير والفيضانات المدمرة، فضلا عن انتشار الأمراض والأوبئة وانقراض الكائنات وموجات الجفاف وازدياد مساحات التصحر.
ولخطورة الوضع الراهن، ذكر الخبير المصري د. محمد العشري أنه لم يعد أمام العالم من سبيل سوى التوقيع على معاهدات دولية تحافظ على كوكب الأرض من أجل الأجيال المقبلة. وأضاف أنه من الظلم أن يفكر الفقراء في مشكلة بيئية عالمية وأمامهم أولويات ذات أهمية قصوى، تتمثل في توفير رغيف الخبز!

محمود عباس: فشلت


المشاهد السياسي، 14-20 ديسمبر 2008


قبل ثلاثة أسابيع، انعقد المجلس المركزي الفلسطيني لمنظّمة التحرير الفلسطينية في رام الله، واتُّخذت مجموعة قرارات تكرّس الطلاق القائم بين السلطة وقطاع غزّة، وتؤكّد بصورة علنية سقوط الحوار القائم في القاهرة، وفشل المفاوضات بين السلطة وإسرائيل.
قرارات دفعت مجلة المشاهد السياسي إلى التساؤل: ما هي المفاعيل السياسية والأمنيّة الحقيقية لما خرج به المجلس؟ وكيف يبدو المشهد الفلسطيني، قبل ثلاثة أسابيع من موعد انتهاء الولاية الدستورية لمحمود عباس؟
تكفي القراءة في محضر اجتماعات اللجنة المركزية، وهي أعلى سلطة فلسطينية في غياب المجلس الوطني، لتبيّـن حجم الانهيارات التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وهي مرشّحة لمزيد من التعقيد بعد انتهاء ولاية عباس في ١٨/١/٢٠٠٩.
فالمقرّرات التي أعلن عنها تكرس الطلاق الفلسطيني - الفلسطيني بصورة قاطعة؛ لأنها لا تأخذ في الاعتبار، من قريب أو بعيد، مطالب حركة "حماس" التي ترفض الاعتراف بشرعية الرئاسة الفلسطينية، وترفض النهج التفاوضي الذي تمارسه السلطة حتى الآن.
بكلام آخر، تنطلق "فتح" في الدعوة إلى الحوار من مبدأ تمديد ولاية الرئيس محمود عباس عبر مؤسّسات المجلس المركزي، من دون أن تأخذ في الاعتبار الشرط الأساسي الذي تضعه "حماس" لاستئناف الحوار، وهو إجراء انتخابات رئاسية جديدة بصورة مستقلّة عن الانتخابات التشريعية.
ورغم اعتراف "فتح" بعقم المفاوضات التي حصلت حتى الآن، لم تقرّر العودة إلى المقاومة لاستنهاض طاقات الشعب الفلسطيني، وإلزام إسرائيل باحترام تعهّداتها، والمجتمع الدولي بمواصلة الضغط لوضع هذه التعهّدات موضع التنفيذ.
وتستطرد المجلة فيما اعتبرته "كشف حساب"، لتسلط الضوء على اعتراف الرئيس الفلسطيني بأنه فشل في كل مراحل التفاوض مع إسرائيل، وأن مؤسّسات السلطة الفلسطينية والوضع الفلسطيني ككل يحتاجان إلى إصلاحات عاجلة.
وقد اعتبرت المجلة رهن الرئيس كل هذه الخطوات بمرحلة ما بعد الانتخابات، أي المرحلة التي لم يتحدّد موعدها بعد، بمثابة (فشل على فشل) لا يثمر إلا مزيدًا من التعقيد!
يقول عباس بالحرف الواحد: إن قوى وفعاليات منظّمة التحرير الفلسطينية مصمّمة على إطلاق عملية شاملة لتجديد بنية مؤسّسات المنظّمة وإنهاء مظاهر الترهّل والتفرّد واحتكار القرار.
وفي اعتراف صريح بأن كل اللقاءات التي عقدها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، لم تسجّل أي تقدّم يذكر على مستوى التفاوض، يقول عباس: بالنسبة لإسرائيل كلنا نعلم، وكذلك العالم كلّه يعلم، وأميركا تعلم، واللجنة الرباعية تعلم، أن إسرائيل لم تتوقّف لحظة واحدة عن الاستيطان وعن بناء جدار الفصل العنصري ولا عن الاجتياحات، ولم تلغ حاجزاً واحداً، ولم تلغ بؤرة من البؤر الاستيطانية التي كانوا يطلقون عليها البؤر غير القانونية بالمرّة، ولم يفتحوا مؤسّسة واحدة من مؤسّسات القدس!

خطة صقور أوباما للتعامل مع إيران


الوطن العربي، 17 ديسمبر 2008


هل حسم باراك أوباما موقفه من إيران، واختار استراتيجيته المقبلة للتعامل مع نظام الملالى؟ سؤال طرحته مجلة الوطن العربي، كان محور تساؤلات وتحليلات المراقبين الذين استمعوا لمقابلة الرئيس الأميركى الجديد الأخيرة مع محطة "إن. بى. سى" الأميركية.. حيث كشف أوباما - للمرة الأولى منذ انتخابه - عن توجهات "مهمة" يبدو أنه قرر اعتمادها مع طهران عندما تحدث عن دبلوماسية متشددة ومباشرة لإقناع الإيرانيين بوقف تطور السلاح النووي، ووقف تمويل ما أسماه "الإرهاب" وتهديد إسرائيل. وذلك مقابل وعد بتقديم حوافز اقتصادية لإيران، ومساعدتها على الاندماج في الاقتصاد العالمي، بعد رفع الفيتو عن انضمامها إلى منظمة التجارة الدولية.وفي حال رفْض إيران تلك الجزرة، فإن أوباما سرعان ما سيُشهِر العصا، بالعمل على تشديد العقوبات، وتوسيع الائتلاف الدولي ضدها.الواقع أن واشنطن كانت تعيش منذ إعلان فوز أوباما بالرئاسة سباقًا حادًا بين "المستشارين" و"المقربين" ومراكز الأبحاث؛ لنيل شرف إقناع الرئيس الجديد بتبني تقاريرها أو توصياتها، وذلك في موازاة سباق حاد بين هؤلاء للحصول على مكافأة للانضمام إلى فريق الإدارة الجديدة.واللافت أن السباق بين هؤلاء لم ينحصر عند "الديمقراطيين" الموزعين بين يسار الحزب ويمينه ووسطه، بل انضم إليهم "جمهوريون" راهنوا على رغبة أوباما الانفتاحية. ولعل المفاجأة كانت في دخول المحافظين الجدد، الذين ورطوا بوش في استراتيجية "تغيير الأنظمة" و"الفوضى الخلاقة"، و"الحرب ضد الإرهاب"، وحرب العراق.وعندما أعلن أوباما عن تركيبة فريق أمنه القومي، وسياسته الخارجية، ازدادت قناعة المراقبين بأن سياسة أوباما الخارجية لن تشكل انقلابًا حقيقيًا على سياسات بوش، بل ستسمح بإعادة اختراق الإدارة الأميركية الجديدة، والرهان مجددًا على فريق صقور يقود الرئيس أوباما في اتجاه مواقف حازمة مع إيران.وكان واضحًا أن هؤلاء يراهنون على وزيرة الخارجية الجديدة، التي سبق أن هددت أثناء حملتها الانتخابية بمحو إيران عن الخريطة إذا ما هاجمت إسرائيل.. وبالتالي فإن العارفين بخفايا ما يدور في الكواليس بدأوا يتطلعون بعد تعيين هيلاري كلينتون إلى سباق صامت يدور في الخارجية حول توزيع المناصب الرئيسية، لمعرفة مدى سيطرة الصقور.مجلة الوطن العربي كشفت عن معلومات وردت إليها تقول: إن الأنظار كانت تتوجه بشكل خاص لمعرفة الدور الذي سيلعبه دنيس روس، والموقع الذي سيحتله في الإدارة الجديدة، لاسيما في ظل المخاوف بأن يقود روس وفريقه من الصقور إدارة أوباما إلى مستنقع الحرب ضد إيران.ورغم فشل روس في الحصول على منصب هام وحساس في إدارة أوباما، تشير آخر التقارير إلى أن مخاوف الاختراق لا زالت قائمة. خاصة وأن ما جاء على لسان أوباما في التصريح الأخير هو في رأي البعض مقتطفات من تقرير روس الموسع، الذي شارك في إعداده، خلال شهر يونيو الماضي، ومن وحي أجوائه، بما يُنذر بتوقع الأسوأ إذا تبين بعد أسابيع أن إدارة أوباما قد تبنت هذا التقرير.اللافت في تقرير "روس"، الذي يتحدث عن (تعزيز علاقات الشراكة والتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة لمواجهة التحدي النووي الإيراني)، أنه يقدم الكثير من الجزر، لكنه في الوقت نفسه يشهر عصًا أغلظ!؛ فقد كشفت مصادر أوروبية وأميركية مطلعة على تقرير "روس"، وعلى الأجواء الأميركية والدولية المرافقة لإعداد الاستراتيجية الأميركية وأيضًا الدولية للتعامل مع إيران، أن ما جاء في التقرير وتصريحات أوباما الأخيرة، وحتى في التقارير الأخرى الأكثر اعتدالا، يصب في خانة تصور متشائم بات يسود عواصم اتخاذ القرار بالنسبة لمصير الملف النووي الإيراني.ويضيف هؤلاء أن الاستراتيجية التي قرر أوباما انتهاجها بتوافق دولي هي فتح حوار مباشر، واعتماد سياسة جديدة بمفهوم العصا والجزرة؛ بمعنى تقديم جزر أكثر، ولكن مع الاستعداد لاستخدام "عصًا أكبر".وهذه العصا الكبيرة مرشحة للمرور بمراحل تدريجية تصاعدية تقود إلى تكرار الحالة العراقية الإيرانية، ولكن بدون الغزو العسكري، وتهدف إلى بناء ائتلاف دولي شبيه بالتحالف الذي تم تدشينه أثناء الغزو العراقي للكويت، ويشمل دولا تعتبر حاليًا صديقة أو حليفة لإيران، من الهند والصين مرورًا بروسيا.

ليالي مومباي الدامية


المشاهد السياسي، 7-13 ديسمبر 2008

سمعنا عن حجر يضرب عصفورين، لكننا لم نسمع قط عن حجر واحد نجح في اصطياد ثلاثة!
لغزٌ هنديّ فسرته مجلة المشاهد السياسي، فقالت: إن "الحجر" هو هجمات بومباي الأخيرة، و"الطيور الثلاثة" كانوا هم (الهندوس وأوباما والمصالحة مع باكستان)!
وترى المجلة أن تلك الأحداث التي شهدتها الهند على مدى ثلاثة أيام من الأسبوع الفائت، والتي أطلق عليها اسم "حرب مومباي"، يتعدى تأثيرها مجرد عدد الذين سقطوا فيها، وتطرح بقوّة، المشاكل التي يعانيها المسلمون في الهند، وطبيعة العلاقة بين النظام القائم والأقلّيات، بقدر ما تعيد طرح مستقبل العلاقات الهندية ـ الباكستانية، وملف النزاع حول كشمير، فضلاً عن أنها تعيد رسم الخطط الأميركية ـ الأوبامية تحديداً ـ في هذه المنطقة قبل تسلّم مهامّه.
إنها أحداث ١١/٩/٢٠٠١ الأميركية بنسختها الهندية، مع الأخذ في الاعتبار فارقين أساسيين على الأقل: الأول أن مسلمي الهند يشكّلون ١٣ في المائة من سكانها، والثاني أن المسلّحين الذين هاجموا منطقة الفنادق في مومباي - رمز الازدهار الهندي وعاصمة الهند الاقتصادية والمالية - لم يأتوا من الجو. لقد جاءوا من الداخل، إذا لم تثبت التحقيقات أنهم وصلوا بحراً من باكستان.
ومتابعة الأحداث من خلال محطّات التلفزة العالمية تكشف أولاً عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن المسلّحين العشرة الذين خاضوا معركتهم في منطقة الفنادق قاموا بالعملية انتقاما "للاضطهاد الذي يتعرّض له المسلمون في الهند". أحد المسلّحين الذين سيطروا على فندق أوبيريو استطاع، قبل مصرعه، أن يطلق صرخة أمام إحدى وسائل الإعلام المحلّيّة قال فيها: "نحن نحب بلدنا، لكن أين كان الجميع عندما كانت أخواتنا وأمّهاتنا يتعرّضن للقتل؟"
عن أي قتل يتحدّث هذا المسلّح؟
إنه يعني بالتحديد المظالم التي يمارسها الهندوس، الذين يشكّلون ٨٠ في المائة من سكان الهند، بحق المسلمين الذين يعيشون أوضاعاً اجتماعية صعبة، والذين لم يندمل بعد جرحهم الكبير الذي خلّفته مواجهات مدينة جوغارات في العام ٢٠٠٢، والتي راح ضحّيتها أكثر من ألف شخص، من دون أن يأخذ القضاء مجراه بشكل عادل في معاقبة الجناة!
أما جذور الخلاف الهندوسي ـ الإسلامي فتعود إلى العام ١٨٥٧، عندما وقعت حرب الاستقلال الأولى في الهند، إثر إعدام جندي هندوسي على يد الإنجليز. ورغم أن الجندي لم يكن مسلماً، فقد دفع المسلمون الثمن الأكبر؛ إذ سقطت إمبراطورية المغول في نيودلهي لتنتهي بذلك حقبة سيطر فيها المسلمون على السلطة طوال خمسة قرون. تبع ذلك ضمور عام في وضع الطائفة الإسلامية، خصوصاً بعدما فرض الإنجليز لغتهم كلغة رسمية في البلاد، فتراجعت معدّلات التعليم بين المسلمين من ١٠٠% إلى ٢٠%، وخلال الفترة الواقعة بين ١٨٥٧ و١٨٧٨ لم يتخرّج في جامعة كلكوتا سوى ٧٥ مسلماً من بين ٣١٠٠ خريج، وسط تزايد الاضطهاد من قبل الهندوس والإنجليز على السواء.
وتكمِل المجلة لترصد ردود الفعل الأميركية، باعتبار العم سام هو "شرطي العالم الذي يدس أنفه في كل صغيرة وكبيرة". وتستطرد لتكتشف المستفيد الأول من هذه الهجمات، وتسلط الضوء على الخاسر الأكبر منها، مترددة في ذلك بين محاولة إضعاف الحزب الحاكم، والمصالحة بين الجارتين النوويتين، ووضع العراقيل أمام المرشح الجديد باراك أوباما.
أبرز ردود الفعل الأميركية نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز" التي قالت: إن التفجيرات حصلت في لحظة حاسمة تتحرّك فيها الجارتان النوويتان الهند وباكستان نحو تطوير علاقاتهما بتشجيع من الولايات المتحدة، وتحديداً الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب باراك أوباما، مما يعني أن هناك متضرّرين من هذا التقارب، وهم الذين يسعون إلى منع حصوله.
وبعضهم يرى في العملية محاولة لإضعاف حزب المؤتمر الحاكم، وهو حزب علماني، لمصلحة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتشدّد، لأن في مصلحة التنظيمات الإسلامية المتطرّفة التعامل مع حركات سياسية معادية. وفي هذه الحال تكون الإنجازات التي حقّقها "المؤتمر" - ومنها إرسال مركبة فضائية إلى القمر، وإبرام اتفاق النووي مع إدارة الرئيس جورج بوش - قد سقطت في ليالي مومباي الدامية إلى جانب مئات القتلى والجرحى، وهناك من يتوقّع أن يكون لهذه الهجمات تأثير حاسم في نتائج الانتخابات المحلّيّة في عدد من الولايات الهندية الرئيسية ومنها نيودلهي، كما في الانتخابات التشريعية في العام المقبل، لأن حزب بهاراتيا جاناتا سوف يستفيد من الأحداث للعودة مجدّداً إلى الواجهة.

غزة تختنق


الكفاح العربي، 1 ديسمبر 2008


منذ أربعة أسابيع وغزة تختنق بحبال الحصار، وصيصانها يُعدمون قبل أن يكبروا, ومخابزها تُغلق، بعد أن اضطر أهلها لطحن علف الحيوانات كي يصنعوا خبزًا لأطفالهم الذين يتضورون جوعًا، ليس هذا وفقط بل تَقفل مصانعها، وتُشيِّع موتاها، وتَسهر على ضوء الشموع، وعبثا تبحث عن دواء لشيوخها المرضى، وهي تشرب بصمت المياه الملوثة.. وتنتظر. والانتظار في غزة صار مرادفا للموت البطيء، وهو موت يتواصل على نار التهديدات الإسرائيلية والخلافات الفلسطينية ­ الفلسطينية المستعرة، وفي الأفق ما يؤشر إلى أيام أسوأ، إذا لم تتم المصالحة في زمن قياسي.
إنها حقًا مأساة تجعل الحجر يتحرك، لم تجد الكفاح العربي أمامها بدًا من أن تصرخ في وجه العالم المتفرج قائلة: (غزة تختنق)، لتعلِّق بكلامها الموجع ذنب مليون ونصف فلسطيني في رقبة الصامتين.. كل الصامتين! ولم لا؟!! فمأساة غزة أضحت أغرب من الخيال.
آخر السفن التي وصلت إلى مرفأ غزة لكسر الحصار القاتل كانت سفينة ليبية، لكن العدوى لم تصل بعد إلى العرب الآخرين. الأوروبيون وحدهم قاموا بمبادرات رمزية, والعرب لم يسمعوا بقصة غزة حتى الآن!ولكم تمنى القادة الإسرائيليون أن يستفيقوا ذات صباح ليجدوا أن البحر ابتلع غزة ومن فيها, لكن البحر لم يستجب حتى الآن للأمنيات الإسرائيلية, وعش الدبابير لا يزال يعكر على المحتلين صفو عيشهم, والنتيجة كانت أن القطاع يجد نفسه في أتون الحرمان والمرض والفقر, وعبثا يصرخ الغزاويون "وامعتصماه" لأن الأشقاء لا يسمعون, بل إن بعضهم ­- كما تقول الرواية - "يشاركون في تضييق الخناق."وحصار غزة ليس كأي حصار آخر. إنه حصار شامل يستهدف الأجنة في أرحام أمهاتهم، والمرضى والطلبة والشيوخ والعجائز وحجاج بيت الله الحرام. حتى أن المخابز بدأت طحن حبوب الأعلاف لإنتاج الخبز, بعدما تم التبليغ عن الأنفاق وهدم ما تبقى منها وإحكام إغلاق المعابر.وفي تقرير أصدرته اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار حول آثار الخنق المفروض على غزة، نقرأ: إن المعابر التجارية ومنذ الحصار المشدد الذي فُرض منذ 14/6/2007 مغلقة بشكل عام, وما يدخل منها من سلع وبضائع تتراوح نسبته بين 10 إلى 15 % من حاجات قطاع غزة، والتي تقدر بـ600 شاحنة يومية, ومنذ الرابع من الشهر الحالي أغلقت إسرائيل المعابر بشكل تام من دون السماح لأي كميات تذكر حتى كمية الـ15% المسموح بها, مما أثر في القطاعات الصحية والبيئية والاجتماعية بشكل خطير.
وأوضح التقرير أن الأدوية الأساسية ناقصة بنسبة أكثر من 50% من الأصناف, خصوصا لمرضى ارتفاع ضغط الدم والقلب والربو والسكري والأمراض المزمنة الأخرى, إلى جانب نقص الأدوية المكملة، خصوصا لمرضى السرطان والفشل الكلوي والكبدي. وهناك نقص في المستهلكات الطبية كما في لوازم الغيار والعمليات والتعقيم, بما فيها الأدوات الجراحية اللازمة للعمليات الطارئة والعادية, وهناك نقص أكثر من 30% فيها. ويؤدي قطع الكهرباء المتواصل - بسبب أعطال برمجة الأجهزة - إلى إعطاء معايير خاطئة ونتائج تؤثر في سير علاج المرضى.
كل ما سبق ذكره لم يكن إلا غيضًا من فيض معاناة أهل غزة، ورغم أن الكلمات تقف عاجزة عن وصف ما يواجهه القطاع الصامد، زادتنا المجلة من الشعر أبياتا، فقالت: لم يعد هناك مخزون من الغازات الطبية اللازمة لغرف العمليات؛ مما أدى إلى نقص عمل المطابخ وسوء جودة الأغذية وتوقف المغاسل المركزية وأجهزة التعقيم. كما أن هناك نقصا حادا في التطعيمات اللازمة للأطفال، مما ينجم عنه نقص المناعة وانتشار الأمراض, وقد تجاوز عدد ضحايا الحصار 260 ضحية. ولعل أهالي غزة المحاصرين في انتظار كارثة أخرى تتمثل في تلوث مياه الشرب، بسب نقص مادة الكلور، التي ينذر عدم ضخها في آبار المياه بزيادة التلوث البكتيري في مياه الشرب.
قائمة المعاناة لازالت طويلة، تكمل المجلة سردها لعل العرب والمسلمين يتحركون!
هناك 77 مليون لتر من مياه الصرف الصحي تُضخ يوميا في البحر من دون معالجة، مما يسبب كوارث بيئية وتلوثا بحريا خطيرا. ومخازن السلع الغذائية توشك على النفاد، إن لم تكن قد نفدت بالفعل، خصوصا حليب الأطفال والدقيق والأرز والبقوليات والزيوت والمجمدات والألبان واللحوم والمواد الخام للصناعات المعدنية البلاستيكية والكيميائية والإنشائية والورقية, إضافة إلى الأدوات الكهربائية وأدوات الصرف الصحي وقطع غيار السيارات وزيوت السيارات. لذا لم تأت صرخة مسؤول عمليات الأونروا في غزة جون كينغ في وجه المجتمع الدولي (عارٌ عليكم) من فراغ!
لقد خلف الحصار خسائر مباشرة فاقت 750 مليون دولار، و جعل 140 ألف عامل يتعطلون من عملهم جراء إغلاق المعابر والحصار المستمر على غزة منذ عامين، ورمى بـ 80% من سكان القطاع إلى ما دون خط الفقر, ورفع معدل البطالة إلى 65 %، وأدى إلى إصابة 60% من أطفال غزة بأمراض سوء التغذية وفقر الدم.
ومع صدور هذا العدد ستغرق مناطق في شمال وجنوب القطاع ومدينة غزة بمياه الصرف الصحي, علما بأن 40% من الأدوية الأساسية رصيدها صفر, والمستهلكات الطبية 80% من رصيدها صفر أيضا.

تهويد القدس يكتمل في العام ٢٠٢٠


المشاهد السياسي، 29 نوفمبر


في الوقت الذي توظّف فيه السلطات الإسرائيلية كل إمكانياتها من أجل استكمال خططها الرامية إلى تهويد القدس بصورة كاملة في العام ٢٠٢٠، يغط العرب والمسلمون في سبات عميق!
الخطّة الإسرائيلية لتهويد المدينة المقدسة كشفها لـ"المشاهد السياسي" مدير دائرة الخرائط في بيت المشرق، عضو الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات الحلّ النهائي خليل التفكجي، منوّها بأن الانتخابات المقبلة تشكّل فرصة ذهبية لتصعيد الخطاب السياسي الإسرائيلي المتعلّق بالقدس.
وأوضح الخبير الفلسطيني أن مؤتمر آنابوليس شكّل انطلاقة مجنونة في مشروع الاستعمار الاستيطاني في الضفّة والقدس، مشيرا إلى أن عدد التجمّعات الفلسطينية من مدن وقرى في الضفة يبلغ ٤٥٠ تجمّعا تضم ٢.٥ مليون نسمة، في حين أن عدد مستعمرات الضفّة يصل إلى ١٤٥ مستعمرة تضم ٢٨٠ ألف مستعمرة، ومساحة مخطّطها الهيكلي يساوي مساحة مخطّط التجمّعات الفلسطينية نفسه، بمعنى أن ٢.٥ مليون فلسطيني شأنهم شأن ٢٨٠ ألف مستعمر يهودي.
ولدى حديثه عن النشاط الاستعماري - الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة، أوضح الخبير الفلسطيني أنه ازداد بشكل ملحوظ بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، مشيرا إلى أن عدد سكان المستعمرات في العام ١٩٩٢ كان ١٠٥ آلاف شخص، فيما يصل عددهم اليوم إلى ٢٨٢ ألفا في الضفّة، كما أن عدد المستعمرين في القدس كان ١٥٣ ألف شخص، ووصل عددهم اليوم إلى ١٩٣ ألفا، وأن عدد الوحدات السكنية اليهودية في الضفة في العام ١٩٩٢ كان ٣٢ ألف وحدة فيما يبلغ اليوم ٦٤ ألفا، إضافة إلى ٦٤ ألف وحدة أخرى في القدس.
ووصف التفكجي الصراع الدائر حاليا بأنه ديمغرافي بالدرجة الأولى، موضحا أن أبحاثا إسرائيلية خلصت إلى أن أغلبية فلسطينية ستنشأ بين البحر والنهر، ما أدّى بشارون إلى التخلّص من قطاع غزّة، كما أنهم حاليا يتحدّثون عن خطط ضم تجمّعات لفلسطينيي ٤٨ - وفي مقدّمتها أم الفحم ووادي عارة - إلى السلطة الفلسطينية، مقابل تلك الكتل الاستعمارية في الضفّة، ضمن التبادلية المطروحة، موضحا أن فلسطينيي ٤٨ متخوّفون من نتائج المفاوضات وإعلان إسرائيل دولة يهودية.كما طالب بالعودة إلى قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، منوّها إلى أنه وحتى أميركا لم تعترف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، ومع هذا نجد أن المفاوض الفلسطيني يذهب للتفاوض مع الإسرائيليين في تلك المنطقة.

Thursday, November 27, 2008

أهداف التصعيد العسكري ضد القطاع


البيادر السياسي، 22 نوفمبر 2008


(التصعيد العسكري ضد قطاع غزة أهدافه انتخابية.. وإيهود باراك يسعى لتحسين صورته بعد تدني شعبيته).. هكذا لخصت مجلة البيادر السياسي الهدف من وراء الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها إسرائيل على منطقةٍ في قطاع غزة المحاصر بدون سابق إنذار بداية الشهر الجاري؛ بذريعة منع "حماس" من بناء نفق في تلك المنطقة، والقيام بعملية نوعية جديدة، وأسفر حادث الاجتياح عن سقوط أربعة شهداء من المقاومين، فكان الرد على ذلك بإطلاق قذائف القسام على الأراضي الإسرائيلية.
الاجتياح الإسرائيلي لم يكن البداية، فقد سبقه حصار قاتل، وإغلاق للمعابر، مما أدى إلى تدهور الوضع الحياتي المعيشي في القطاع، وإلى توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل، ليعيش أبناء القطاع في ظلمة حالكة. أضف إلى ذلك توقف خدمات وكالة (غوث) الدولية، وعدم وصول مساعداتها الإنسانية إلى القطاع بسبب إغلاق المعابر.
ورأت المجلة أن التساؤل الذي يطرح نفسه الآن: لماذا هذا التوقيت بالذات؟
اختار إيهود باراك، وزير الدفاع، توقيت التصعيد بعد ساعات من إعلان فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية، وفي خضم اهتمام عالمي بهذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية على الساحة الأميركية، وقبل أيام معدودة من التئام اللجنة الرباعية في شرم الشيخ في مصر، وقبل أيام من انطلاق الحوار الفلسطيني الذي تعطل عقده فيما بعد، وقبل أيام من توجه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى منطقة الشرق الأوسط، وبُعَيد بدء الأحزاب الإسرائيلية في الاستعداد للانتخابات العامة، والتي أظهرت استطلاعات الرأي العام في إسرائيل أن مقاعد حزب العمل ستراجع عددها خلالها.
وهكذا لم يجد باراك طريقة لتحسين صورته، وإظهار قوته وعضلاته وخبرته العسكرية إلا بتصعيد الوضع على جبهة القطاع تحت ذرائع وهمية، وهي أن حركة "حماس" تخطط لعملية نوعية!
ومن هنا بدأ يصعّد التوتر ويخلق البلبلة، وينتهك اتفاق التهدئة؛ من خلال إغلاق المعابر، ومن خلال شن اجتياحات محدودة داخل القطاع، والعودة إلى الأسلوب القديم في تنفيذ الاغتيال والتصفية عبر الجو.. وكان الرد الفلسطيني إطلاق المزيد من قذائف القسام على البلدات الإسرائيلية المجاورة لحدود القطاع..
براك يظن أنه عبر التصعيد العسكري يستطيع أن يستفز حماس أكثر وأكثر، من أجل إطلاق صواريخ القسام، وبالتالي القيام بعملية عسكرية شاملة، وإذا نجحت في إطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط، فإنه سيوصف بالبطل، وقد يحسّن صورته الانتخابية أمام الشعب، ويظن أيضا أن التصعيد العسكري قد يجبر أبناء منطقة الجنوب على التمسك به، ليبقى زعيماً عسكرياً قادرا على مواجهة حماس.
ولربما يعتقد بأن هذا التصعيد العسكري قد يشكل ضغطاً على حماس للقبول بتمديد التهدئة لستة أشهر أخرى؛ من خلال التلويح بأن الجيش الإسرائيلي يجري كافة الاستعدادات لشن عملية اجتياح كاملة إن فرض الوضع في القطاع عليه للقيام بذلك.
من يتابع تصريحات باراك وممارساته يجد أنه يحاول قدر الإمكان تحقيق مكاسب انتخابية من خلال منصبه كوزير للدفاع؛ إذ قرر السماح ببناء العشرات من المستوطنات في الضفة وحول القدس، للحصول على رضا اليمين الإسرائيلي، وتحييد المستوطنين قدر الإمكان.
وقضية الاستيطان والتصعيد في القطاع، وموضوع القدس، ستكون كلها من القضايا المتداولة والمطروحة في الحملات الانتخابية لكل الأحزاب، وسيحاول كل حزب "المزايدة" على الأحزاب الأخرى، لأن هذه الفترة هي فترة وعود ومزايدات وتصريحات من أجل كسب المزيد من الأصوات في المعركة الانتخابية. ولا يستبعد أحد أن يدفع شعبنا الفلسطيني ثمنا باهظاً لهذه الحملة الانتخابية في هذه الفترة الحساسة.
لكن التجارب علمتنا أنهم يألمون كما نألم، وربما أكثر، في كل هجمة تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني.
المزايدة الكبيرة قد تحرق من يتبناها؛ لأن الهجوم على القطاع ليس بالأمر السهل واليسير، وكذلك مواصلة الممارسات القمعية ضد شعبنا لن يكون لصالح إسرائيل على المدى البعيد.
إن التعنت الإسرائيلي، وطرح الأمور بصورة غير واقعية على الناخب الإسرائيلي، قد تحرق الأحزاب الإسرائيلية مستقبلاً؛ لأن من يقدم وعودا عليه تنفيذها. وإذا بقي الاحتلال الإسرائيلي، فإنه لن يكون حملاً ثقيلا ومعاناة كبيرة على الشعب الفلسطيني فقط، بل ستكون له تداعيات خطيرة على إسرائيل كدولة، وخاصة أن القضية الديموغرافية تتفاقم، وقد تصبح كارثة لإسرائيل على المدى البعيد.
باراك يحاول تبني قضايا، وينفذ سياسة يظن أنها ستحسن من وجهه أمام الناخب الإسرائيلي. وكذلك الأحزاب الإسرائيلية الأخرى.. ولكن كل الحذر من أن مثل هذه الممارسات قد تنقلب على الساحر، ويفشل براك في تحقيق أمنياته على أرض الواقع، وكذلك على الساحة الانتخابية الإسرائيلية.
كل الحذر مطلوب أيضا من الجانب الفلسطيني، وخاصة في هذه المرحلة السياسية التي تسبق الانتخابات.. وعلى الجميع أن يكون مستعدا لأي طارئ، والتعامل بحذر وهدوء وعقلانية واتزان، وفي هذه الفترة الصعبة والعصيبة والحساسة.

الرئيس الأميركي الجديد: الفكر اليهودي جزء من ثقافتي


المشاهد السياسي، 22 نوفمبر 2008


حول الأولويات الأوبامية في الشرق الأوسط تساءلت مجلة المشاهد السياسي: ما الذي سيتغيّر؟ وما الذي لن يتغيّر بعد وصول الرئيس الذي رفع التغيير شعاراً لمعركته إلى البيت الأبيض؟.
وتؤكد "المشاهد السياسي" أن الأولوية الأوبامية الأولى ستكون أمن إسرائيل كما يراه كيان الاحتلال، وهو من الثوابت الثابتة والأركان الركينة جداً في الاستراتيجية الأميركية، والتي لن يستطيع لا أوباما ولا سواه تغييرها، أما السياسات الأميركية الأخرى فقابلة للتعديل في ضوء ما يسمّيه صانعو القرار الأميركي "مستلزمات الأمن القومي".
ما أوردته المجلة في هذا العدد يقول: إن أوباما ربما يكون كيني الأصل أميركي المنشأ، لكنه أيضًا يهودي الثقافة والهوى! عسى قومنا يسمعوا بآذان قلوبهم هذا الكلام الصريح؛ ليعوا ويتأكدوا أن التغيير لن يأتينا على طبق أميركي، وأن طريقه الوحيد لن يكون إلا من عند أنفسنا، وهي السنة الكونية التي قال عنها ربنا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
هل يحب باراك أوباما إسرائيل واليهود بما فيه الكفاية كي يتم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة؟
السؤال طرحه أحد محرّري صحيفة "نيويورك تايمز" على إحدى المواقع الإلكترونية الأميركية وهو "أتلانتيك مانثلي"، وأجاب عنه نفس المحرر وهو جيفري غولدبرغ، وكان الجواب الذي أورده عبارة عن حوار طويل مع الرئيس الأميركي الجديد حول نظرته إلى الفكرة الإسرائيلية العنصرية.
فماذا قال أوباما؟
قال بالحرف الواحد: عندما أعود إلى الفكر الإسرائيلي العنصري أستعيد مشاعر نمت عندي تجاه إسرائيل منذ كنت طفلاً. تعرّفت وأنا في الحادية عشرة من عمري إلى مدرّس أميركي من أصل يهودي كان يمضي إجازاته في إسرائيل، وقد شرح لي مطوّلاً نظرية "أرض الميعاد" وعودة اليهود إلى إسرائيل، بعدما عانوا المحرقة، وفهمت منه أنه حريص على هذا التراث وأنه يحلم بهذه العودة. وأنا الذي كنت دائماً أبحث عن جذوري وجدت نفسي بالغ الاهتمام بهذه النظريّة، والفكرة الإسرائيلية شكّلت جزءاً من ثقافتي منذ كنت طفلاً، وهذه هي الحقيقة الأولى التي أحتفظ بها في ذاكرتي كلّما فكرت بإسرائيل!
ويضيف: ثم إن إسرائيل كدولة تعتبر مرادفًا للعدالة الاجتماعية التي أؤمن بها، وما سعى إليه الإسرائيليون في النهاية هو أن يجدوا أرضا لهم، وأن يبدؤوا من الصفر في بناء وطن ليتجاوزوا معه آلام الماضي، وأنا منجذب بقوّة إلى هذه الفكرة.
وسئُل: هل هذا يعني أن الفكر اليهودي ساعد في بلورة قناعاتك السياسية؟
فأجاب: لقد كنت دائماً أقول ـ ولو على سبيل المزاح أحياناً ـ: إن شخصيتي الفكرية هي حصيلة تفاعلي مع الأساتذة الجامعيين اليهود، وأبرز المفكّرين اليهود الذين أُعجبت بهم هما فيليب روث و ليون يوريس. وعندما توسّع أفقي السياسي أدركت أن الفكر الذي أنطلق منه في كلّ مرة أفكّر في الشرق الأوسط، هو تعلّقي الكبير وتعاطفي العميق مع إسرائيل. إنني أدرك تماماً الآلام التي عاناها الشعب اليهودي، وأدرك أكثر، أهميّة أن يعود اليهود إلى الأرض التي يحلمون بها، وإلى تراثهم الحقيقي، وكلّ هذا يتقاطع مع التراث الأفرو ـ أميركي!
بوضوح أكثر أقول: إن فكرة إسرائيل ووجودها مهمّة جداً بالنسبة إليّ شخصيا؛ لأن هذا الوجود يتقاطع مع تكويني كمهاجر يبحث عن جذوره. أفكّر هنا في المهاجرين الأفارقة الذين قصدوا هذه الأرض التي اسمها الولايات المتحدة، وعملوا على ازدهارها. أحد أهم الأمور التي لفتت انتباهي عندما زرت إسرائيل، النهضة التي حقّقتها، والطموحات التي يتلاقى عليها الإسرائيليون. بعضهم ينتقدني في وسائل الإعلام لأنني أفكّر كثيراً، وفريق العمل الذي يتعاون معي يأخذ عليّ أنني أشدّد على الجانب الأخلاقي في السياسة، وأعتقد أنني تعلّمت من الفكر اليهودي أن علينا أن نأخذ الجوانب الأخلاقية في الاعتبار. وإذا قرأتم كتاباتي فلا شك أنكم ستلاحظون أن التزامي تجاه إسرائيل ليس سياسياً فقط، وإنما هو شخصي وأخلاقي أيضاً، وهو ليس مناورة سياسية في أي حال.
ربما صدمت هذه الكلمات كثيرين ممن لم يكونوا يعرفون حقيقة هذا الرجل، وليزداد هؤلاء من الشعر بيتًا فليستمعوا إلى رأيه في حركات المقاومة الفلسطينية التي تسعى لتحرير الأرض، والدفاع عن المقدسات، وعلى رأسها حماس، التي وصفها بأنها "منظّمة إرهابية".
إنها إسرائيل يا سادة، التي قال هذا الأوباما: إن أمنها متعلق بشخصه، ولا يمكن المساومة عليه! ولبطيئي الفهم أعاد الرئيس الجديد وكرر - لكن هذه المرة بما لا يدع مجالا للبس أو لسوء فهم- قائلا: أفهم أن في العالم العربي من يقول: إن هذا الرجل (الذي هو أنا) عاش في بلد إسلامي واسم والده حسين، وهو لن يكون نسخة طبق الأصل عن الكاوبوي الذي اسمه جورج بوش. هذا يعطيهم ربما بعض الأمل، وهو أمل مشروع، لكن عليهم أن يفهموا من البداية أن دعمي لإسرائيل لا يتزعزع، وأمن إسرائيل مسألة لن أساوم في شأنها، ويفترض أن يكون هذا واضحاً للجميع!
وإذا كان العالم العربي يظن أنني سوف أتخلّى عن سياسات جورج بوش فإنه يخطئ جداً، أنا أكثر من بوش مصرّ على صيانة أمن إسرائيل وتحصين التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي، ومحاربة الإرهاب، ولن يشهد أحد أي قرار في عهدي يتعارض مع أمن إسرائيل!
مثل هذه التصريحات لا تترك مجالاً للشك في مدى تعلّق الرئيس "التغييري" باللاتغيير فيما يتصل بإسرائيل. وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن باراك أوباما بوشيٌّ أكثر من البوشيين، وهو إذا تعهّد يوماً بإيجاد حلّ للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتحديداً الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فإن هذا "الحلّ" لن يخرج على المنطق الإسرائيلي، ولن يختلف عن مضامين النهج البوشي، وأوباما الذي تشبّع بالفكر اليهودي منذ طفولته لا يرى فارقاً بين يهودي يعود إلى "أرضه" في فلسطين، وأفريقي يبحث عن جذوره فيجدها في الولايات المتحدة، أرض الأحلام الكبيرة!
وإذا كانت البدايات تعني شيئاً، أو إذا كانت الرسالة تُقرأ من عنوانها، فإن التعيين الأول الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي الجديد له دلالات عميقة، فقد اختار أوباما رام عمانوئيل رئيساً لجهازه التنفيذي في البيت الأبيض، بصفته كبير الموظّفين، ومن شأن هذا التعيين أن يبدّد الكثير من الأوهام التي ساقها فريق من العرب والمسلمين الذين يتوقّعون أن تكون إدارة أوباما مختلفة. وعمانوئيل يهودي ناشط في الحزب الديمقراطي، سبق أن خدم في قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل، وهو من أم يهودية. ومن الواضح ـ كما تقول صحيفة «معاريف» الإسرائيلية ـ أنه سوف يمارس تأثيراً خاصاً على أوباما كي يكون قريباً من إسرائيل، وفي أي حال، هو لم يقبل هذا المنصب إلا لأنه مقتنع بأن الرئيس الأميركي الجديد من أنصار إسرائيل.
انطلاقاً من هذه المسلّمات يسهل تصوّر "خارطة التغيير" التي يتوقّعها بعضهم في الشرق الأوسط على الأقلّ. وفي مراجعة تصريحات أوباما المتعلقة بالإسلام والمسلمين ما يساعد على فهم أوضح لنهجه السياسي. الرجل لا ينكر أنه نشأ في بيئة مسلمة، إلا أنه يشدّد ـ وسيظلّ يشدّد ـ على أنه سوف يوظّف ثقافته الأولى (الإسلامية) التي اكتسبها من بيئته الإندونيسية في خدمة الأمن الأميركي وأمن إسرائيل. ويستدل من تصريحاته أن التهديد الحقيقي الذي يواجه إسرائيل هو إيران، وهو يؤكد أنه سيعتمد استراتيجية قويّة في التعامل مع طهران؛ من أجل منعها من امتلاك أسلحة نووية، ووقف تهديداتها لإسرائيل. ومن الواضح أنه لن يسلّم ببرنامج نووي إيراني يوصل إيران إلى اكتساب سلاح نووي، لكن السياسة الخارجية في الولايات المتحدة ليست من صنع الرئيس وحده، وهي سياسة مؤسّساتية مطلوب منها أن تحمي المصالح الأميركية أولاً، وأي رئيس لا يستطيع تجاوزها.

لكن هل أميركا القادرة على تغيير نفسها قادرة على تغيير العالم؟
الظن الراجح أن لا، وحالة الترقّب والانتظار التي يعيشها العالم العربي قد لا تكون في محلّها، لأن جورج بوش يترك وراءه كثيراً من الهموم الاقتصادية والحروب المفتوحة التي لا تكفي السنوات الأربع المقبلة لإيجاد حلول ملائمة لها، علماً بأنه أهمل تماماً تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وتاجر بقضية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، والنتيجة كانت تزويد الأنظمة العربية، أو معظمها على الأقلّ، بمناعة خاصة ضد التحوّل الديمقراطي. وفي نهاية العهد البوشي يلاحظ فريق من المحلّلين الأميركيين أن "الشريك" الأميركي في التسوية لم يكن يوماً وسيطاً حياديّاً!

صانعوا الاستقلال على الخط العسكري


الأفكار، 24 نوفمبر 2008


بلد بلا جيش.. جسم بلا مناعة، حكمة بدأت بها مجلة الأفكار اللبناني موضوع غلافها الأخير والذي خصصته للحديث عن عيد استقلال لبنان، تلك الذكرى التي رأت المجلة أنها "تستدعي من الجميع وقفة لمحاسبة النفس".
والمجلة إذ تُذَكِّر اللبنانيين بنعم الله التي حباهم إياها حين أنعم عليهم بوطن عريق تاريخيًا، بديع جغرافيًا، تلفت أنظارهم إلى أن التوترات التي تحدث في الداخل اللبناني إنما هي دليل على أن أبناء هذا الوطن "لا يعرفون قيمة العيش تحت سمائه".
والمجلة في هذا العدد لا تعيد لأذهاننا ذكرى الاستقلال اللبناني وفقط، بل تستلهم عبق الماضي، لتستشرف آفاق المستقبل؛ وذلك بتسليط الضوء على عظماء هذا البلد الذين تألقوا في المهجر قبل الاستقلال، وتألقوا في الكون كله بعد الاستقلال، من أمثال إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران والرئيس الحاج حسين العويني ونعمان الأزهري ومروان سليم خير الدين، وغيرهم من عباقرة المهجر.
لكن ماذا فعلنا بهذه الوردة؟
اختلفنا على انتمائها في منتصف السبعينات؛ فحصدنا أربعة عشر عامًا من الحرب والاقتتال والدم والتهجير!
والآن.. ماذا نفعل بهذا الورد التي يعبق أريجه في كل أنحاء الدنيا؟
نتناكف لأتفه سبب، ونتشاتم لأتفه سبب، ونتعبأ ضد هذا الزعيم أو ذاك، حسب مصالح القادة والزعماء، برغم أن الحكومة هي حسب اتفاق الدوحة، حكومة وحدة وطنية!
لم نتعلم حتى الآن الموضوعية في التعامل مع أي صوت، بل تغلبنا العاطفة وخطب الزعماء وتصريحاتهم.
بهذا الثوب السياسي الرث أطل علينا يوم الاستقلال، وهو مختلف عما سبقه في ماضي السنوات.
ورغم ذلك من حقنا أن نفاخر بأن عندنا كل مقومات الاستقلال: شعب حي لا تهزمه الشدائد، يكبر وينهض أقوى مما كان، وعندنا مؤسسات أولها رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء، وحاكمية مصرف مركزي، وصحافة حرة تقول كلمتها ولو بين يدي سلطان جائر، وجامعات تفاخر بأنها خرّجت جيلا عربيا هو الآن في موقع الحكام، بدءا من حكام البحرين، ومستشفيات لا تقل كفاءة طبية وتقنية في المعاجلة عن كبرى مستشفيات العالم. بل عندنا قبل ذلك كله ما هو عماد لكل هذه المكتسبات، وهو الجيش اللبناني، حيث وحدة النسيج الوطني، وسند المقاومة في الجنوب، كما المقاومة سنة للجيش، والكل في فلك واحد يسبحون.

واشنطن – دمشق: العودة إلى المواجهة


المشاهد السياسي، 9-15 نوفمبر 2008

عدد غير قليل من القطع البحرية الأميركية يواصل انتشاره منذ أواخر الأسبوع الفائت قبالة الساحل السوري في المتوسط، وأسراب من المقاتلات الأميركية في حالة تأهّب في شمال العراق، كما في قاعدة إنجرليك الجوية داخل الأراضي التركية، ومئات الرعايا الأميركيين والأوروبيين بدئوا يغادرون سورية، وقوّات عراقية تتحرّك في اتجاه الحدود الشمالية لسدّ الفراغ الذي أحدثه انسحاب وحدات من الجيش السوري في اتجاه الحدود الجنوبية الشرقية من لبنان.
تداعياتٌ رأت مجلة المشاهد السياسي أنها تُدَشِّن لمرحلة جديدة من المواجهة بين أمريكا وسوريا، رغم استبعاد أن تقوم الأخيرة برد مباشر يستهدف القوّات الأميركية، بعد قصف منطقة البوكمال السورية.

في الوقت الذي يستبعد فيه المسؤولون العسكريون الأميركيون ردًّا سوريًا مباشرًا يستهدف القوّات الأميركية، تنشغل دمشق بحسابات أخرى مفادها أن واشنطن قد تكون بدأت تنتهج أسلوب "العمليات الخاصة" في المناطق التي تُسبب لها صداعاً أمنيّاً، دون اللجوء إلى المواجهات العسكرية المباشرة، مما يعني أن عملية البوكمال مرشّحة للتكرار!
وقد جاءت الضربة في لحظة حسّاسة يتحدّد من خلالها مستقبل القوّات الأميركية في العراق، ومصير المحادثات الأميركية ـ العراقية الرامية إلى توقيع الاتفاقية الأمنيّة الطويلة الأمد، في ما يعني أن المقصود ردع دمشق وحلفائها في المنطقة عن التدخّل في الشأن العراقي خلال هذه المرحلة، فضلاً عن إفهام الحكومة العراقية بأن الأخطار التي تحدق بالعراق ليست قليلة، وأن دول الجوار جزء أساسي من هذه الأخطار، والقوّات العراقية لا تملك حتى الآن الجهوزية المطلوبة لحماية العراق من التحدّيات التي لا تزال تواجهه في الداخل والخارج!
وفي سياق هذه الاجتهادات كتب أندرو أكسوم، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي خدم في العراق وأفغانستان، أن البنتاغون بدأ يطبّق مع سورية التكتيك الذي يطبّقه على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية؛ فبعدما أصبحت عمليات عبور الحدود لضرب الأماكن الآمنة التي يتجمّع فيها المقاتلون الأجانب جزءا من العمل الميداني الأميركي في باكستان، أصبح القادة الميدانيون الأميركيون يتساءلون: إذا كنا نفعلها في باكستان فلماذا لا نفعلها في سورية؟
وتضيف «التايمز»: إن سورية هي حجر الزاوية في المنطقة، وهي صلة الوصل بين طهران و«حزب الله» اللبناني، وهي تستخدم الجماعات الإسلامية المتشدّدة كصمّام أمان لشغل القوّات الأميركية في العراق، كما أنها تسعى بأقصى ما تستطيع للّعب بالأوراق في التفاوض غير المباشر مع إسرائيل عبر تركيا، وفي الوقت نفسه الإبقاء على علاقاتها الوثيقة بإيران، والعملية الأخيرة رسالة استراتيجية أميركية مفادها أن على دمشق أن تختار وبعناية مَن تدعم ومن لا تدعم في هذه المرحلة.

وهنا تساءلت المجلة: كيف يبدو مستقبل العلاقات السورية ـ الأميركية بعد الغارة؟، وأين يمكن أن تردّ دمشق من دون أن تتورّط في مواجهة عسكرية مباشرة؟
المراقبون يتفقون على أن الرد لن يكون هذه المرة في لبنان، وإنما سوف يتوزّع بين العراق وفلسطين، وليس سرًّا أن دمشق تملك ما يكفي من الأوراق العراقية والفلسطينية واللبنانية، إلا أنها سوف تعمل على تحييد الساحة اللبنانية على الأرجح؛ من أجل كسب مساحة زمنية هادئة خلال الأشهر المقبلة تخدم حلفاءها المحلّيين في المعركة التي يتهيّئون لها في الانتخابات المقبلة.

مصدر سوري مطّلع يتوقّع أن تنفض دمشق يديها من الالتزامات التي أخذتها على عاتقها في اجتماعات دول الجوار، واللقاءات المباشرة مع المسؤولين العراقيين، وأبرز هذه الالتزامات: ضبط الحركة والمعاملات على طول الحدود، وإقامة علاقات دبلوماسية، واستضافة مئات آلاف اللاجئين العراقيين، وضبط نشاطات شبكات التهريب العراقية، والتنسيق مع السلطات العراقية فيما يتصل بالاتفاقية الأمنيّة على قاعدة حسن الجوار. وهذه الالتزامات كلّها مهدّدة جملة وتفصيلاً، بصورة خاصة على مستوى تهريب الأسلحة والعناصر المدرّبة عبر الحدود، الأمر الذي قد يعيد العراق عامين إلى الوراء على مستوى الوضع الأمني، وأن يعيد حجم الخسائر الأميركية إلى ما يقارب المائة قتيل في الشهر، بعدما تقلّص إلى ١٣ قتيلاً في أكتوبر الفائت، وهو أدنى معدّل وصل إليه منذ خمس سنوات.
تبدو المواجهة اليوم، كما في الأمس القريب، مواجهة بين مشروعين: الدور السوري كما تراه دمشق منذ السبعينيات، والدور ذاته كما تراه واشنطن. فمنذ قيام كولن باول بجولته في المنطقة في أيار (مايو) ٢٠٠٣، والولايات المتحدة تصرّ على إلغاء أي دور لسورية في العراق، إلا إذا كان لمصلحة السياسات الأميركية، بنفس القدر من الإصرار على نزع سلاح "حزب الله"، وقطع الصلات القائمة بين دمشق و«حماس» و«الجهاد» وإخراج قيادتيهما من الأراضي السورية. وقد طالب باول في حينه بانسحاب سورية من لبنان، لكن بعد تجريد «حزب الله» من سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي، وقال: إن مبدأ تبادل المنافع والخدمات لن يطبّق في الحقبة المقبلة على العلاقات الأميركية ـ السورية، وإن أميركا لن تكافئ سورية في لبنان على الخدمات التي يمكن أن تقدّمها في العراق أو فلسطين، وستراقب عن كثب مدى التزامها بما طلب منها، وسوف تصعّد مواقفها إن هي أحجمت عن هذا التنفيذ.
هذه المراقبة لا تزال قائمة، ودمشق تواجه الاستهداف الأميركي بالسياسات نفسها، وتبحث عن سند خارجي لمعاندة الرغبات الأميركية. وما حدث في البوكمال جزء من هذا الاستهداف، ولو تبدّلت أشكال المواجهة.

القصة الكاملة لخلافات فتح وحماس


الكفاح العربي، 17 نوفمبر 2008

(الحوار الفلسطيني ولو حصل لن يقود إلى حلول).. وجهة نظر متشائمة نقلتها مجلة الكفاح العربي، مستشهدة بترنح اتفاق أوسلو المتواصل منذ الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة، وتعمق الانقسامات الفلسطينية ­ الفلسطينية منذ فترة.
صحيح أن هذا هو الانطباع الغالب في الساحة الفلسطينية بعد تعثر حوار القاهرة, وسقوط الاتفاقات السابقة، لكن هل يمكن, رغم كل شيء، و بمعزل عن العواطف والأحقاد المتراكمة، حصر الخلاف الفتحاوي ­ الحمساوي في نقاط واضحة, وتعيين الممكن والمستحيل في هذه النقاط؟
سؤال طرحته المجلة، وجاءت الإجابة عنه تحمل تحاملاً واضحًا ضد حركة حماس، وكأنها هي من تحتل الأرض، وتستبيح العرض!

لأن الحطب لا يشتعل إلا بالنار, فقد ظهرت على السطح أخيرا تقلبات وتحالفات جديدة، أهمها أن الأردن, وحسب ما يظهر في وسائل الإعلام, فك تحالفه مع رئيس السلطة محمود عباس, بعد اتهامات له بأنه يتآمر مع إسرائيل ضد الأردن, وهذا ما يفسر المصالحة الجارية بين الأردن و"حماس".
كل هذا أسهم في تعقيد الأمور, ولا أحد يتجاهل مجريات الأمور في لبنان، حيث "فتح الإسلام" وجند الشام, وما يجري في سوريا، حيث التفجيرات الإرهابية وقصف الطائرات الأميركية للمنطقة الحدودية مع العراق.. كل ذلك أسهم بشكل أو بآخر في تصعيب المهمة على المصريين في المصالحة, ناهيك عن وجود من ينتظر فشل القاهرة في تحقيق الحوار الفلسطيني ليتلقفه ويعقد مؤتمراً جديداً وهو الأقدر بكل تشديد على ذلك، لارتباطه بعلاقات مميزة مع أطراف إقليمية معروفة.
والأمر ليس قراءة في فنجان أو ضرباً في الرمل, فهناك قضايا باتت واضحة أهمها: انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس في التاسع من يناير المقبل, وتشدد قيادة "حماس" في عدم السماح له بتمديد ولايته. ولعل مخاوف كثيرة تطل برأسها في هذا الموضوع، ولا أحد يجزم بما ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء الولاية, مع أن الرئيس عباس يهدد بالانتخابات المبكرة أو الاستفتاء.

القنابل العنقودية في السياسة اللبنانية


الأفكار، 17 نوفمبر 2008

الجنوب اللبناني مازال يغرق في بحر من القنابل العنقودية، يربو عددها على 4 ملايين، ألقتها إسرائيل على الجنوب اللبناني خلال عدوان 2006، الأمر الذي دفع المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام إلى تنظيم المؤتمر الإقليمي عن القنابل العنقودية في لبنان الذي استمر يومين الأسبوع الماضي.
مجلة الأفكار اللبنانية رأت أن القنابل العنقودية ليست موجودة فقط تحت التراب في الجنوب، لكنها موجودة أيضًا في السياسة اللبنانية والعربية.

لقد برزت قنبلة عنقودية سياسية في العشاء الكبير الذي دعا إليه في هيئة الأمم أمينها العام "بان كي مون"، وضم العشاء الرئيس اللبناني ميشال سليمان والملك عبد الله بن عبد العزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، إضافة إلى ضيف ثقيل ما كان ينبغي أن يُدعى إلى مؤتمر ثقافة الحوار، هو الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز.
وقد حاول بان كي مون أن يقرب المسافة في العشاء بين شيمون بيريز وكلاً من ميشال سليمان والملك عبد الله والشيخ صباح الأحمد، لكن محاولته باءت بالفشل، ولم يفلح تمامًا في إتمام أية مصافحة بين بيريز وهؤلاء القادة العرب!
والقنبلة العنقودية الأخرى كامنة بين العماد ميشيل عون والدكتور جعجع وبعض الحلفاء؛ فالعلاقة بين الفريقين متوترة إلى آخر مدى، وخصوصًا بعد جلسة الحوار الأخيرة التي قدم فيها عون مشروعه للاستراتيجية الدفاعية، الذي يبشر بالشعب المقاوم، حيث خلية مقاومة لإسرائيل في كل بلدة لبنانية.
وقد وعد عون بإبقاء أبحاث هذا الاجتماع في منأى عن الأضواء، إلا أن الدكتور جعجع وحلفاءه – كما يقول عون – تكفلوا بتسريب مشروعه للاستراتيجية الدفاعية، مثيرين بذلك القيل والقال، لدرجة أن العماد عون وقف الاثنين الماضي ليقول: "لا يريدون إذًا شعبا مقاوما! يريدون شعبًا مستسلما!".

ومجلة الأفكار إذ تتحرك بحذر في حقل الألغام هذا، تدعو إلى "فتح كل الملفات، ووقف كل التغطيات، حتى يأخذ العدل مجراه، ويُنصف المظلوم، ويُعاقب الظالم، وبذلك يكون لبنان، ليس منارة للحوار كما وصفه منذ أيام الرئيس ميشال سليمان، بل كذلك منارة العدالة، وبذلك تنقطع السبل على كل مصطاد في الماء العكر، وكل من يهدد بكشف الأوراق المستورة، دون أن يفعل".
وبعد أن تطرقت المجلة لقنبلتين، استطردت لتسلط الضوء على قنابل أخرى، يتمنى الجميع ألا تنفجر في وجه أحد.

والقنبلة العنقودية الثالثة هي الاختلاف على قانون الانتخاب الذي سيجري على أساسه انتخاب برلمان مايو المقبل.
أما القنبلة العنقودية الرابعة فهي العلاقات اللبنانية - السورية التي حاول وزير الداخلية زياد بارود مع مدير عام الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي واللواء وفيق جزيني مدير عام الأمن العام، أن يفككوا فيها الألغام مع وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبد المجيد، بخريطة طريق عبر لجنة مشتركة لمكافحة الإرهاب، ولجنة ثانية لضبط الحدود اللبنانية – السورية، ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات، ولجنة ثالثة لمتابعة التنسيق، مع متابعة الاتصالات حول المفقودين اللبنانيين في سوريا، والمفقودين السوريين في لبنان.
هذه القنابل العنقودية في السياسة اللبنانية لا تسهل مهمة العماد سليمان وهو يبشر من منبر هيئة الأمم بلبنان كمركز لحوار الحضارات. وكلما كسحنا هذه الذخائر العنقودية، كلما هيأنا لدعوة الرئيس سليمان أن تأخذ مجراها، وتحقق قطوفها.

Tuesday, November 11, 2008

سقطت "أميركا الهيمنة"، وانتصرت "أميركا الحوار" ، بفارس التغيير الديمقراطي





الأفكار، 10 نوفمبر 2008

(باراك أوباما ليس "المسيح القادم" ولا حُسَين العرب والمسلمين.. لكنه أفضل من عصابة الموتورين). هكذا نظر بنو جلدتنا للنصر الذي حققه باراك أوباما، خاصة بعدما حذر الكثير من العقلاء أن (أحبب حبيبك هونًا ما؛ عسى أن يكون بغيضك يومًا ما)!
مجلة الأفكار اللبنانية تحدثت عن النصر الديمقراطي من زاوية المصالح اللبنانية، موجهة رسالة للرئيس الأميركي الجديد أن "تعلم من أخطاء من سبقك، ولا تحذو حذوه فتلقى مصيره".
المؤلم في الأمر أن أحلامنا أصبح تحقيقها بيد غيرنا، وآمالنا أضحت معلقة بمصائر الآخرين!

طبيعي جدًا أن تمر الأشهر الأربعة من ولاية أوباما في الدراسة والاستقصاء، ومعاينة الملفات في وزارة الخارجية الأميركية وجهاز الأمن القومي في البيت الأبيض، لكن بإمكان الرئيس الجديد إعطاء (وعد أوباما) لدراسة ملف مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وإعطاء لبنان حقه الجغرافي والقومي في هذه المناطق المحتلة.
ومن حق اللبنانيين أن يطالبوا أوباما بنمط أميركي جديد في التعامل مع لبنان، فلا يكون المسئول الأميركي مجرد "بائع كلام"، ولا مصدّرًا لتجهيزات الجيش اللبناني بأسلحة تقليدية كالتي أعلنت عنها مؤخرًا السفيرة الأميركية "ميشيل سيسون"، بل أن يتأمل في قمة لقاء الحضارات التي ستنعقد في الأمم المتحدة هذا الشهر، ليعرف أي دور يمكن للبنان أن يضطلع به، بحكم تركيبته، في حوار الحضارات، ويبني معه علاقات على هذا الأساس.
في مطلع العشرينيات من القرن الماضي تعرض الرئيس الأميركي تيودور روزفلت لحملة شعواء؛ لأنه دعا شخصا أسود إلى عشاء في البيت الأبيض، واليوم لم يعد الشخص الأسود مدعوًا إلى العشاء هناك، بل أصبح يمتلك مقاليد البيت الأبيض، أورأيتم كيف يتغير الزمن؟!

الغارة الأمريكية على سوريا



الكفاح العربي، 3 نوفمبر ، 2008

يبدو أن أميركا بدأت تنظر إلى سوريا وكأنها المنطقة الحدودية الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، الأمر الذي دفعها للقيام بغارتها الجوية وعملية الإنزال على مزرعة السكرية داخل منطقة البوكمال السورية الحدودية؛ بزعم استهداف أفراد القاعدة.
ويبدو أيضًا أن انتهاك الحدود السورية لن يتوقف، "ولن تكون هذه العملية هي الأخيرة"، استنادًا إلى تصريحات مسئول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول دلالات العملية العسكرية، وتقييم الرد السوري عليها.
مجلة الكفاح العربي حاولت فك طلاسم هذه الأحجية الكبيرة، مؤكدة أن العراق سيكون الميدان الأول لتصفية الحسابات، عن طريق مواجهة مفتوحة، مع استبعاد الرد العسكري من قبل دمشق.

في أعقاب الغارة الأميركية على مزرعة السكرية في منطقة البوكمال السورية, بدأت "الإجراءات المؤلمة" بإلغاء اجتماع اللجنة السورية - العراقية المشتركة، الذي كان مقررا عقده في بغداد, وتجميد اجتماعات لجنة المتابعة الأمنية المنبثقة عن دول جوار العراق, وسحب أعداد من الجنود السوريين من منطقة الحدود العراقية.
كما استدعى القائم بالأعمال العراقي للغرض إياه, وطالبت سوريا الحكومة العراقية بتحمل مسؤولياتها، وبالتحقيق الفوري في هذا الانتهاك الخطير، ومنع استخدام الأراضي العراقية للعدوان على سوريا. مع صدور بيان عن مجلس الوزراء شديد اللهجة استنكر العدوان ووصفه بـ "الجريمة الوحشية", رأى أنها تمثل "ذروة إرهاب الدولة الذي تمارسه الإدارة الأميركية، منتهكة بذلك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والشرعية الدولية".
في تلك الأثناء كان تشييع ضحايا الاعتداء في البوكمال قد تحول إلى تظاهرات غاضبة تم خلالها إحراق العلمين الأميركي والإسرائيلي, ورُفِعت لافتات تحمل شعارات العداء لأميركا, وامتدت مشاعر الغضب المشتعل إلى مناطق أخرى في البلاد.

هذه الغارة شكلت فرصة سانحة لم تفوِّتها سوريا، فسارعت بزيادة نشاط دبلوماسيتها في إطار الترويج لسياستها المناهضة لاستراتيجية العدوان والحروب, وتأكيد مصداقيتها جراء حماقة ارتكبها الجانب الأميركي.
أما ردود الفعل العربية والدولية فلم تعجب سوريا؛ حيث تعمدت بعض الدول العربية تجاهل الغارة، ولم تعلق على ما جرى. أما الدول الغربية, فجاءت مواقفها خجولة باستثناء الموقف الروسي الذي كان واضحًا في رفضه سياسة الاعتداء الأميركية, والموقف الفرنسي الذي أدان الغارة. أما بان كي مون فقد وصف مراقبون موقفه بأنه "لا يليق به كأمين عام للمنظمة الدولية التي تعنى بشؤون حماية القانون الدولي وحياة المدنيين".

لم تكن سوريا تتوقع في أي حال مواقف أفضل بكثير من المواقف السالفة, ولم تكن تراهن عليها بقدر ما راهنت على يقظتها وحذرها من تزايد الأعمال العدائية الموجهة ضدها, مع تواصل نجاحها في صياغة حالة من الهدنة الدبلوماسية, بما يؤهلها للعمل على استعادة عناصر قوة دورها الإقليمي, والعمل من خلال الانفتاح الأوروبي على إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
وبالعودة إلى توقيت الغارة الأميركية نجد أنها تزامنت مع زيارة مسئولين أوروبيين لسوريا وزيارة وزير الخارجية السوري إلى لندن, وقبل شهر تمامًا في 27 سبتمبر, تزامن تفجير القزاز الذي أودى بحياة 17 مواطنًا وإصابة 14 آخرين, مع مشاركة وزير الخارجية في الاجتماع الدوري للجمعية العامة في الأمم المتحدة, ولقائه على الهامش مع عدد من وزراء الخارجية الغربيين, ناهيك عن اللقاء مع كوندوليزا رايس. وقبلها تزامن اغتيال العميد محمد سليمان مع زيارة الرئيس السوري إلى طهران بهدف نقل حصيلة مشاوراته في باريس في ما يتعلق بمعالجة الملف النووي الإيراني.
وتبقى الهدنة التي تسعى سوريا إلى تكريسها في هذه المرحلة تبدو كأرض مزروعة بالألغام, ومع كل خطوة هناك تفجير أو تهديد. ويتوجب على سوريا ليس فقط إجادة السير في حقل الألغام, أو السيطرة على التفجيرات وحسب, بل الرقص المتواصل على رؤوس الأصابع بين الفخاخ الكبيرة والصغيرة.

الكارثة المالية تتواصل والخسائر 25 تريليون دولار



المجتمع، 18 أكتوبر – 2 نوفمبر 2008

لم تستحوذ الأزمة المالية على اهتمام المجلات الغربية وفقط، بل والعربية أيضًا؛ فهاهي مجلة "المجتمع" تلقي الضوء على
الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على مستقبل النظام الرأسمالي، في ظل ارتفاع الدين الحكومي الداخلي والخارجي في الولايات المتحدة إلى أكثر من 11 تريليون دولار، وبلوغ العجز في الموازنة الأمريكية 450 مليار دولار، وزيادة العجز التجاري على 65 مليار دولار، إضافة إلى الارتفاع المستمر لمؤشرات البطالة والتضخم والفقر.

هذه الأزمة المالية التي خلفت خسائر بلغت 2.4 تريليون دولار، جعلت قرابة 70 شركة رهن عقارية أمريكية تعلق عملياتها، أو تُصفى منذ بداية العام 2006م وحتى الآن، كما اختفى أكثر من 11 بنكا كبيرا من السوق.
ويتوقع "كريستوفر والين" العضو المنتدب لشركة أبحاث "تحليلات المخاطر المؤسسية" أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنوك تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار وذلك بحلول منتصف العام القادم.هذه الأزمة المالية العالمية يمكن حصرها في كلمتين هما: العولمة، والخصخصة، التي يقف وراءها صندوق النقد الدولي، الذي تمتلك الولايات المتحدة 40 % من أسهمه، ولها الكلمة الأولى في سياساته، فالاستجابة الكبيرة للعولمة والخصخصة جعلت الضحايا هذه المرة باتساع العالم، وتحديدا من استجابوا بلا ضوابط في السنوات العشر الأخيرة للعولمة والخصخصة.
والعولمة تعني: تراجع الدولة عن أية ضوابط مقررة لدخول وخروج رأس المال الأجنبي. أما الخصخصة فتعني: بيع القطاع العام في كل دولة بسرعة، وبأقل سعر لمن يرغب في الشراء، خصوصاً إذا كان المشتري أجنبياً، تختاره أو توصي به المؤسسات الأمريكية نفسها التي تتابع انكشافها أخيراً بفضائح مدوية.

أضف إلى ذلك تشكيك الكثير من الخبراء في الخطة المعدَّلة التي عرضها الرئيس "جورج بوش" لشراء ما قيمته 700 مليار دولار من المساكن والرهون العقارية التجارية لتحقيق الاستقرار في البنوك بسحب الأصول الخطرة من كشوف حساباتها.ويقول هؤلاء: إن الخطة جاءت لمساعدة الفاسدين الجشعين ضيقي الأفق الاقتصادي في سوق "وول ستريت" على إسقاط أصول عقارية متعثرة من دفاترهم؛ ليعيد البسمة إلى وجه حي المال الذي فيه من الموت أكثر مما فيه من الحياة.هذا المبلغ (700 مليار دولار) على ضخامته لا يعادل سوى 5 % من قيمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة، وضخّه في المصارف والمؤسسات المالية المفلسة، أو التي قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، لن يعالج الأزمة، لأنَّ جوهرها يكمن في أنَّ المال ما إن يخرج من المصرف، على شكل قرض يُمْنح لفرد أو شركة، حتى تصبح عودته إلى المصرف في علم الغيب.
لقد أحسن الوصف من قال: إنَّ ضخ مبلغ 700 مليار دولار في شرايين "وول ستريت" يشبه، بحسب نتائجه وعواقبه، أن تنقل دما لمريض ينزف. إنَّ "وول ستريت" تشبه الآن كومة من الأوراق تحترق، فهل يُطفأ الحريق إذا ما ألقيت فيه 700 مليار ورقة جديدة؟!
إنَّها كنارٍ يريدون إطفاءها بصبِّ مزيد من الزيت عليها!إن نتائج خطة الإنقاذ الموجهة أصلاً لحماية العمالقة في "وول ستريت" تقيم الدليل على أن قطار الانهيار قد انطلق بلا كوابح، لأن المواطن الأمريكي بسبب الغلاء ما عاد يسمح له بالعيش وتسديد القروض فـ"وول ستريت" تستعبد الأفراد والشركات.
وقد أكدت هذه الأزمة على عاملين اثنين، هما:* أن الولايات المتحدة الأمريكية - رغم أنها الدولة الأولى في العالم - لا تقف على أرضية صلبة من الاستقرار المالي والاقتصادي.* أن الاعتقاد السائد أن أوروبا، أو غيرها، تطورت وحققت كيانات اقتصادية متميزة يمكن أن تنافس الاقتصاد الأمريكي في المستقبل غير حقيقي، وهاهي هذه الأسواق مكشوفة على تداعيات الأزمة المالية الأمريكية!

انقلاب أميركي لإنقاذ أميركا



الكفاح العربي، 27 كتوبر – 3 نوفمبر 2008

تغيرت الولايات المتحدة بصورة جذرية بين عامي 2000 و 2008, ما شكل مرحلة تغيير أقرب ما تكون إلى "الثورة الداخلية".
مجلة "الكفاح العربي" حاولت أن تستكشف عناوين هذا التغيير, الذي يبدأ بالعالمين العربي والإسلامي في مبادرة أميركية جديدة يفترض أن تشكل خطة عمل لباراك أوباما ­ في حال وصوله لسدة الحكم­ شارك في وضعها أكثر من ثلاثين مسؤولا أميركيا بينهم رجال كونغرس ودبلوماسيون سابقون أبرزهم مادلين أولبرايت ودنيس روس وريتشارد أرميتاج، وخبراء في الشؤون الإسلامية والمسيحية واليهودية, من أجل تقليص رقعة العداء بين الولايات المتحدة والمسلمين.
فما هي الملامح العامة لهذا التقرير؟

قبل أيام, أطلق "مركز البحث عن أرضية مشتركة" في واشنطن بالاشتراك مع معهد "التوصل إلى إجماع" في بوسطن مبادرة "مشروع التواصل الأميركي­ الإسلامي" الذي تضافرت فيه جهود 30 من المسؤولين ورجال الكونغرس والدبلوماسيين السابقين
وخرج المشروع بتقرير وقع في 150 صفحة، تضمنت الخطوط العامة لاستراتيجية هدفها إنقاذ علاقات أميركا مع العالم الاسلامي وتقليص العداء المتنامي بين الطرفين. وقد رفع المؤتمرون توصيات إلى الرئيس الأميركي الجديد، لخّصها ديفيد فيرمان, الذي أشرف على التقرير, في مقابلة مع "سويس إنفو"على النحو الآتي:أولاً, أن يسلط الضـوء في خِـطاب تنصيبه على الأهمية القصوى لتحسين العلاقات الأميركية مع العالم الاسلامي.ثانياً, أن يؤكّـد فوراً إلتِـزام الولايات المتحدة بحظْـر استخدام أشكال التعذيب كافة.ثالثاً, أن يبادر خلال ثلاثة أشهر من تنصيبه إلى طرح مبادرات رئيسة لحل الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط, وعلى رأسها الصـراع العربي ­ الاسرائيلي والمجابهة مع ايران.رابعاً, أن يدعو بحلول شهر تموز من العام 2009 إلى عقد مؤتمر موسّـع يضُـم وكالات الحكومة ورجال الأعمال, لمناقشة الإصلاح الاقتصادي والتنمية وخلْـق فرص العمل في الشرق الأوسط.خامساً, أن يقود الرئيس الأميركي الجديد مبادرة بالتّـعاون مع الكونغرس وقيادات هيئة التعليم في الولايات المتحدة ورجال الأعمال, لتحسين العلاقات مع العالم الاسلامي, وإطلاق مبادرة للتبادل والتعليم بين المُـواطنين الأميركيين ومواطني الدول الاسلامية".

هذا على المستويات الفكرية­ والثقافية، أما على الصعيد الاستراتيجي, فقط سبق أن بلور الديمقراطيون خلال الأشهر القليلة الماضية ما يمكن أن يكون خريطة طريق جديدة لهم في العالمين العربي والاسلامي, ظهرت في ثلاثة أوجه:الأول: ­ مبادرة مجلس العلاقات الخارجية الأميركي برئاسة مادلين أولبرايت.الثاني: تقرير بيكر­ هاملتون المشترك بين الديمقراطيين والجمهوريين, ومبدأ الاندماج الجديد الذي طرحه ريتشارد هاس الباحث الإستراتيجي البارز والمسؤول الحكومي السابق.الثالث: جدول أعمال السياسة الخارجية الذي نشره باراك أوباما في "فورين أفيرز" في تموز 2008.
أخطر هذه الأطروحات، و أشملها و أوضحها كانت مبادرة أولبرايت المسماة "دعماً للديموقراطية العربية"، التي صدرت العام 2007.

إن التوجهات الجديدة التي يفترض أن يعمل أوباما في حال فوزه على هديها، تبدأ وتنتهي بجملة واحدة: ضرورة إدماج الشرق الأوسط وبقية الدول الصاعدة في العالم؛ من خلال عوامل ثلاثة: الاقتصاد, والتحولات الديمقراطية التدريجية, واستبعاد سياسة الإقصاء والعزل.لكن, ماذا لو فشلت هذه القوة الناعمة في تحقيق أهداف كل من الولايات المتحدة وقوى العولمة الرأسمالية ؟
هنا تطل برأسها القبضة الحديدية التي تتخفى وراء القفازات الحريرية التي سيضعها أوباما: وفي حال فشل الإغراء والإقناع, فلن يكون هناك مفر من الحرب واستخدام القوة. ربما بات جلياً الآن أن المحك الرئيس لسياسة القبضة المخملية الأميركية الجديدة ستكون في إيران. الأشهر الستة الأولى وربما أيضا السنة الأولى وحتى الثانية من ولاية "الرئيس" أوباما -في حال فوزه- ستشهد بدء تطبيق مبدأ القبضة المخملية هذا عبر إطلاق مفاوضات مباشرة بين البلدين.بالطبع, لن تتطرق المحادثات بين الطرفين منذ اللحظة الأولى إلى القضايا الكبرى الشائكة بينهما, وعلى رأسها المسألة النووية وموقف إيران الإسلامية من وجود إسرائيل، إضافة إلى دورها في المشرق العربي الداعم لـ"حزب الله" و"حماس", بل ستحاول أولاً العثور على قواسم مشتركة.

Tuesday, October 28, 2008

٣ سيناريوهات إذا فشل حوار القاهرة


المشاهد السياسي، 25 أكتوبر 2005

ما الذي يمكن أن يحصل إذا فشل الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني في القاهرة، ودخلت السلطة الفلسطينية اعتبارا من ٩/١/٢٠٠٩ مرحلة الفراغ الدستوري؟
مجلة المشاهد السياسي طرحت ثلاثة سيناريوهات متوقعة كإجابة على هذا التساؤل، كان أولها: حدوث حرب أهليّة طاحنة في الضفة بين "فتح" و"حماس" تعمل إسرائيل على تزكيتها بكل الوسائل المتاحة. وثانيها: عودة إسرائيل إلى السيطرة على الضفة كما على القطاع. وثالثها: التمهيد للبدء في ترحيل فلسطينيي ٤٨ واستكمال تهويد القدس، وإلغاء اتفاقات أوسلو وكلّ الاتفاقات اللاحقة بما فيها مشروع حلّ الدولتين.

الثلاث أجوبة كارثيّة، ولنبدأ بالأول:
قبل أيام بدأ الإعداد لانتخاب رئيس فلسطيني جديد ـ قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس ـ أو هكذا يُفترض دستوريا على الأقلّ. لكن ليس في الأفق ما يشير إلى أن هذا الاستحقاق سوف يحدث، خاصة والصحف الإسرائيلية باتت تتحدّث علنا عن تنسيق فتحاوي ـ إسرائيلي لعمليات عسكرية مشتركة ضد "حماس" تقود في النهاية ـ إذا نجحت ـ إلى تمكين "فتح" من إعادة السيطرة على غزة. لكن المواجهة سوف تبدأ في الضفة خلال يناير المقبل على الأرجح، وبعدها يعلن الرئيس محمود عباس غزة قطاعا متمرّدا... ثم من يدري، قد يتّسع نطاق المواجهة، وقد يشارك فيها الإسرائيليون، وقد تنتهي المسألة إلى غالب ومغلوب. أما الغالب فهو بالتأكيد إسرائيل، والمغلوب هو الفلسطينيون جميعا، فتحاويون وحمساويون وما بينهما.
كلّ المؤشّرات تقول: إن المهمّة بالغة التعقيد، وإن الصراع في بعده الحقيقي إقليمي ـ دولي لا فلسطيني فقط، وإن المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية لا تحتاج إلى تدخّل مصري فحسب، وإنما إلى تدخّل قطري، على طريقة حلّ المشكلة اللبنانية، ومثل هذا التدخّل يفترض أن توظّف خلاله قطر التوافق الإقليمي ـ الدولي على الحلّ قبل أن تحرّك دبلوماسيتها لإنجازه.

في تقدير الفلسطينيين جميعاً، دون استثناء، أن انتهاء ولاية الرئيس عباس من دون حلّ سياسي، سيُدخِل الأزمة في نفق أعمق، وربما في المجهول، لأن الحوار الفلسطيني وحده يمكن أن يحصّن المؤسّسات الفلسطينية القائمة.
لذلك تعتبر مشاورات القاهرة مصيرية، لكن الجلسات الاستكشافية التي أنجزتها القيادة المصرية حتى الآن، انطلاقاً مما تعتبره مصلحة الفلسطينيين والقضية، لا تبشّر بتسويات قريبة، خاصة وأن حماس متمسكة بضرورة توقُّف عباس عن التنسيق مع الأميركيين والإسرائيليين، وأن تتم إعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس جديدة، بعدما وصلت السلطة إلى الحائط المسدود، ولم يبق أمامها إلا العودة إلى استراتيجية المقاومة.
وهو مايطرح تساؤلا جديدًا، مفاده: هل زال مشروع الدولتين مطروحًا؟

الأشهر الأخيرة من الولاية البوشيّة أكدت بما لا يقبل الشك أن الأُطر العملية التي يمكن أن يستند إليها مشروع الدولتين، قد تفكّكت، وأن الإدارة الأميركية المقبلة سوف تجد نفسها في مواجهة خيارات أخرى. وعملية السلام التي بدأت في العام ١٩٩١ (مع مؤتمر مدريد) واستُكمِلت في أوسلو عام ١٩٩٣، تمر بحالة انهيار متواصل نتيجة ما انتهت إليه من انسداد في الأفق، واستراتيجية "الأرض مقابل السلام" التي ترمي إلى إنشاء كيان فلسطيني سياسي في الضفة وغزة لم تعد قابلة للتطبيق، والذين يدّعون العمل على إنجاحها هم أنفسهم الذين يشاركون في تقويضها، عن قصد حينا، أو بغير قصد أحيانا.
وفي الجانب الإسرائيلي يبدو واضحا أن رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا خلال السنوات العشرين الأخيرة، اتّخذوا العديد من الخطوات التي تجعل حلّ الدولتين مستحيلاً. والإسرائيليون اليوم يعارضون هذا الحلّ بطريقة أو بأخرى، مرة عن طريق توسيع المستوطنات ومرات عن طريق تمييع المفاوضات، رغم كلّ الإيحاءات المختلفة في زمن أولمرت وما بعده.
لكن لماذا نبالغ في التشاؤم؟
قد تكون إعادة إحياء مسار الدولتين ممكنة إذا ظهرت قيادة فلسطينية جديدة موحّدة وقابلة للاستمرار، وإذا قرّرت الإدارة الأميركية الجديدة أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر، وأن الفوضى الفلسطينية ـ إذا تفشّت ـ يمكن أن تُسيء إلى ما تبقّى من مصالحها في المنطقة.
على كل حال لن تنقشع الرؤية قبل يناير المقبل، وفي انتظار انقشاعها تظلّ كلّ السيناريوات الموجعة مطروحة في الساحة الفلسطينية... وعلى الأسوأ.

من هو الرئيس القادم لأميركا ماكين أم أوباما؟


البيادر السياسي، 25 أكتوبر 2008

يوم الثلاثاء القادم الموافق 4 نوفمبر، يتوجه الناخب الأميركي إلى صناديق الاقتراع لينتخب الرئيس الأميركي الجديد ونصف أعضاء الكونغرس الأميركي، وبالتالي تنتهي حملة الانتخابات الرئاسية المتواصلة منذ حوالي العام، ويعرف الأميركيون، وكذلك العالم كله، من هو الرئيس الجديد لأميركا: جون ماكين (المرشح الجمهوري) أم باراك أوباما (المرشح الديمقراطي)، وليبدأ الانتظار لما ستفعله الإدارة الجديدة برئاسة الرئيس الجديد.
صحيح أن استطلاعات الرأي الأميركي ترجّح وباما، إلا أن الكلمة الأولى والأخيرة تبقى في ذلك للناخب أمام صندوق الاقتراع.

الحملة الانتخابية الرئاسية مكلفة مادياً ومرهقة جسدياً ونفسياً؛ إذ أنها تمر بمراحل عديدة ينتخب خلالها الحزبان الجمهوري والديمقراطي مرشحيهما لخوض هذه الانتخابات، وقبل ذلك تجري عمليات انتخابات داخلية في كل حزب، وبعدها تبدأ عملية المناظرات التلفزيونية بينهما، وعادة هي ثلاث مناظرات وجها لوجه، وقد استطاع خلالها أوباما أن يفوز على ماكين بسبب مواقفه الأكثر وضوحاً، وهمته الأكثر اندفاعاً لخدمة أميركا، ومعايشته الأكثر فهما لما تعاني منه السياسة الأميركية الخارجية.
ورغم ذلك لايزال الفارق بين موقف المرشحين تجاه القضايا الحساسة في العالم، متواضعًا للغاية، فالمرشحان متفقان على عدة أمور، هي:
* ضرورة دعم إسرائيل والحفاظ على أمنها.
* وجوب العمل على مكافحة ما يُسمى بـ "الإرهاب الدولي".
* عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
* وضع خطة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من الانهيار بعد الأزمة الحالية، ودعم خطة بوش الحالية الطارئة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي.
* العمل على الخروج بصورة مشرفة من المستنقعين الأفغاني والعراقي، مع الخلاف الكبير في أسلوب التعاطي مع هذا الوضع أو هذه "الورطة"؟!
أما الخلاف بينهما فيتركز على الأسلوب في التعاطي مع كل بند من بنود الاتفاق.

يقول كثيرون: إن لأوباما حظا كبيرا في الفوز برئاسة الولايات المتحدة؛ لأن الشعب الأميركي يفضل التغيير، ويريد أن يعاقب الإدارة الجمهورية السابقة لما ارتكبت من أخطاء، كما أنه يبحث عن زعيم شاب، مندفع ومتحمس. كذلك يلعب الوضع الاقتصادي دورًا كبيرًا في ترجيح كفة أوباما، فالشعب الأمريكي قد يفعل أي شيء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه اقتصاديا.
لكن ذلك لا يعني وجود سلبيات لأوباما تقف حجر عثرة أمام عبوره إلى البيت الأبيض، فهناك جذوره الأفريقية، واللوبي الصهيوني الفعال واليمين المتطرف اللذان يفضلان فوز ماكين. مما يطرح استفهامًا حول دور إسرائيل داخل هذه المعركة الانتخابية، ويبرز غياب التأثير العربي على مجرياتها.
وسواء أتى أوباما أم ماكين، يبقى التساؤل الأكثر أهمية في هذا السياق هو: ما المتوقع من الرئيس الجديد؟!

يجب أن يكون المرء واقعياً، ومدركاً للظروف التي يتولى فيها الرئيس الأميركي منصبه ويديره. ولذلك على المرء ألا يتوقع تغييرا جوهريا وأساسيا وكبيرا في السياسة الأميركية الخارجية، وخاصة أن اللوبي الصهيوني ما زال قويا، وله نفوذه على الساحة الأميركية. وإذا أراد الرئيس الجديد التغيير في أسلوب تعامله، فإنه قد يصطدم بعرقلة قوية، وقد يكون التغيير طفيفا، لأن التحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي قوي، ولا يستطيع أي رئيس جديد أن يمس هذا التحالف.
كما أن العالم العربي ضعيف وليس له أي تأثير يذكر على سياسة الرئيس الأميركي الجديد.
ورغم أن التغيير الكبير غير متوقع، إلا أن الإدارة الجديدة لن تكون أسوأ من الادارة الأميركية الحالية التي تعتبر أسوأ إدارة عبر التاريخ الأميركي؛ لأنها أضاعت الهيبة الأميركية على الساحة الدولية، وورطت الشعب الأميركي في مستنقعات صعبة، من المستحيل الخروج منها بسلام ومن دون دفع ثمن باهظ.
يجب علينا عدم استباق الأحداث.. فلننتظر لنعرف أولاً من هو الرئيس القادم لأميركا: ماكين أو أوباما، وبعدها فقط يمكننا الانطلاق في التحليلات كما نشاء، اعتماداً على شخصية ومواقف الرئيس الجديد المنتخب.

Wednesday, October 22, 2008

اليونسكو والأقصى: قرارات على ورق


المشاهد السياسي، 11 أكتوبر 2008

تُنفِّذ إسرائيل منذ فترة مخطّطا يهدف إلى هدم المسجد الأقصى بعد تهويد القدس. وقد كان التطوّر الأبرز على هذا الصعيد هو تبنِّي الحكومة الإسرائيلية مشاريع حفريات لهدم طريق باب المغاربة، أحد المعابر الرئيسية للوصول إلى المسجد.
حول هذه القضية حاورت مجلة المشاهد السياسي أحد المهتمِّين بإعمار المسجد الأقصى المبارك، وهو وزير الأوقاف الأردني السابق المهندس رائف نجم، والذي تحدث عن الاجتماع الجديد الذي تعقده لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو في باريس في تموز (يوليو) ٢٠٠٩، لاتخاذ قرار يتَّصل بباب المغاربة، بعدما تبيَّـن لها أن الحفريات فيه مستمرَّة، علما أن الجهة الشرقية للمسجد لم تَسلَم هي الأخرى من الاعتداءات.
لقد رفضت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو المشروع الإسرائيلي القاضي ببناء جسر حديدي فوق الجسر الموجود، بأساسات خرسانية مسلّحة، تبلغ مساحة كل قاعدة منها ستة أمتار مربعة، بمعنى أنها ستدمّر الآثار الموجودة بكاملها، ولذلك لم توافق اليونسكو على المشروع الإسرائيلي.
لكن ذلك لن يوقف رغبات الاحتلال في توسيع مساحة الصلاة لليهود أمام حائط البراق، وإزالة تلّة المغاربة.
وتحت باب المغاربة، باب النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي دخل منه ليلة الإسراء والمعراج، وهذا الأمر لا يعرفه الكثير من المسلمين، وهناك قوس الباب لكنه مقفل بالحجر، ولذلك يريد اليهود اختراق باب النبي (صلى الله عليه وسلم) عن طريق نفق يسير تحت الأرض، بسبب انخفاض باب النبي نحو ستة أمتار تحت باب المغاربة. وقد بدأوا بالحفريات على بعد مائة متر من الباب منذ مدة باتجاه باب المغاربة، من أجل الدخول الى المسجد الأقصى المبارك.
وبحسب المخطّط فإن ذلك الطريق سيكون بديلاً لباب المغاربة داخل الأقصى. وقد أعلنوا عن هدفهم بمخطّط تسنّى لنا الحصول على صورته، وهو مختوم بموافقة البلدية الإسرائيلية. واتّضح لنا أنهم سيستمرّون في الحفر من أسفل باب المغاربة في اتجاه قبّة الصخرة، مع أنهم وحتى يومنا هذا لم يعثروا على أي أثر لها، لأن القبّة لم تُنشأ على آثار يهودية.
وكما هو معروف، فإن هناك ٦٠ حفرية داخل القدس القديمة أسفرت كلها عن فشل ذريع في الكشف عن آثار يهودية في المدينة المقدّسة، وذلك باعتراف علماء آثارهم العاملين في الميدان، وجلّ ما اكتشفوه كان آثارا إسلامية ورومانية وبيزنطية ويبوسية، حيث أن اليبوسيين العرب هم الذين بنوا القدس سنة ٣٠٠٠ قبل المسيح.
وأوضح الوزير نجم أن إسرائيل تريد من وراء هذه الجهود المتواصلة إقناع يهود العالم بالقدوم إلى القدس، وهي تريد أن تثبت لهم أن حكوماتها المتعاقبة متمسّكة بالقدس، خصوصاً البلدة القديمة.
كما أكد أن إسرائيل تحاصر المسجد الأقصى بالكنس اليهودية، فهناك كنيس على بعد ٥٠ متراً من باب سوق القطانين عند حمام العين انتهى بأربعة أدوار، وهم يريدون بناء قبّة فوقه وهو يطلّ على المسجد الأقصى. وهناك كنيس آخر في النفق الغربي في منطقة الآثار الأموية، وقد أعلنوا أخيراً عزمهم على بناء أكبر كنيس في العالم، فوق المحكمة الشرعية الواقعة عند مدخل النفق الغربي، وسيتم تشييده من المعادن والزجاج، ويطلّ على المسجد الأقصى، وهو فوق سور القدس. كما توجد خمس كنس أخرى داخل البلدة القديمة وتحيط بالأقصى، والهدف منها هو تدمير المسجد .
منظمة اليونسكو تعرف الحقيقة الكاملة حول المسجد الأقصى، ولكنها لا تمتلك القدرة التنفيذية لقراراتها، ولذلك تلجأ لإصدار قرارات متوازنة لا تغضب ولا ترضي أحدا. ولذلك طلبت في قرارها الأخير في يوليو الماضي من إسرائيل استمرار التعاون مع الأردن والسلطة الفلسطينية للوصول إلى حلّ يرضي الجميع في باب المغاربة، وهذا أمر لا يمكن التوصُّل إليه. وقد عقدنا اجتماعين سابقين مع الإسرائيليين شاركتُ فيهما في القدس في العام ٢٠٠٧، ولم نتوصّل إلى حلّ، فطلبنا رفع الموضوع إلى لجنة التراث العالمية، لاعتقادنا بأنها ستقرّر أي المشروعين أفضل للتنفيذ، لكنها لم تستطع اتّخاذ قرار من هذا النوع، وكان قرارها الطلب من إسرائيل التعاون، ومن مركز التراث العالمي في باريس تقديم تقرير كل ثلاثة أشهر يبيّـن الوضع القائم في باب المغاربة وعرضه مرة أخرى في يوليو ٢٠٠٩ على اللجنة، وبذلك تكون إسرائيل قد كسبت الوقت والاستعداد من أجل تحضير المخصّصات اللازمة، وستكون مستعدّة للتنفيذ في أي وقت.
وكما هو واضح، فإن إسرائيل تتجاهل مشاعر المسلمين كافة، اعتماداً على القوّة الأميركية والڤيتو الأميركي، مع أن الحق يجانبها في ما تفعله، ولم تتمكّن من خلال حفرياتها المستمرة بإثبات أي حق قانوني أو تاريخي أو ديني لها في فلسطين والقدس، ومحاولاتها كافة باءت بالفشل، وبالتالي لم يبق لها إلا القوّة والدعم الأميركي اللامحدود.ويجب ألا نُغفِل هنا التخاذل العربي والإسلامي الشديد، ذلك بأن القدس لم تشكِّل بالنسبة إلى العرب حافزا على التضامن، وعلى العرب والمسلمين أن يعوا خطورة الأمر، إذ لا يجب ترك القدس في يد الاحتلال يعبث فيها كما يشاء، ولا شك في أن ما يجري هو امتحان كبير من الله عزّ وجلّ للأمتين العربية والإسلامية.

تكنولوجيا الـ«نانو» ترسم مستقبل العالم


المجتمع، ... أكتوبر 2008

مجلة "المجتمع" سلطت الضوء في عددها الأخير على شبه إجماع في الأوساط العلمية يقول: إن محرّك التقدم العلمي سيكون مرتبطا بنسبة كبيرة بالتقدم العلمي في مجالين، هما: الهندسة الجينية، وتكنولوجيا الـ "نانو".
ولما كانت الهندسة الجينية مرتبطة بشكل مباشر مع تكنولوجيا "النانو" (أي الأشكال المتناهية الصغر)، فإنه يمكن القول: إن تكنولوجيا الـ"نانو" هي التي تملك مفتاح التقدم العلمي للمستقبل بمقياس كبير، وهذا التقدم التكنولوجي سيغيّر معالم الحياة الإنسانية في هذا العالم تغييراً كبيراً، وإلى درجة قد لا نستطيع الآن تصور جميع أبعادها.
كانت الصناعة حتى الآن تقوم بالتعامل مع الأجزاء الكبيرة لصنع أشياء أصغر، فمثلاً تقوم بقطع شجرة لصنع منضدة، وكانت تترك وراءها كمية كبيرة من المخلفات التي تُعد خسارة من ناحية وتلويثاً للبيئة من ناحية أخرى، بينما تقوم الصناعة التي تستخدم تكنولوجيا الـ«نانو» بتركيب ذرة مع ذرة وجزيء مع جزيء لصنع جهاز ما، مثلما تضع طابقاً فوق طابق عند بناء حائط أو بناية.. لذا فليس هناك أي ضياع في المادة ولا أي مخلفات تلوث البيئة، كما أن الأجهزة المصنوعة بهذه التكنولوجيا لا تحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة.
وفي هذه التكنولوجيا يمكن تركيب ذرة مع ذرة مختلفة للحصول على خواص جديدة لم تكن موجودة سابقا؛ فمثلا أصبح في الإمكان الآن صنع قماش يقوم بتصليح نفسه عندما يحدث فيه ثقب أو شق، وذلك بوضع مادتين في القماش لهما قابلية إظهار ردود فعل سريعة وتفاعل عند حدوث الشق أو الثقب.

ومن العجيب أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ببحوث مكثفة باستخدام تقنية النانو لصنع ملابس «عاقلة» للجنود، حيث تقوم هذه الملابس عند إصابة الجندي بجرح بتعيين مكان الجرح ومدى خطورته، وإرسال رسالة إلى المركز مع المعلومات الضرورية، مثل: نبض الجندي، ودرجة حرارة جسمه، وقياس ضغطه، ثم تقوم بإعطاء الدواء اللازم في جسم الجندي، وكذلك بتسليط ضغط على مكان الجرح لوقف النزيف، وإذا توقف نبض القلب تقوم بتدليك منطقة القلب لإعادة النبض.. ومع خفة وزن هذه الملابس إلا إنها ستكون بمثابة درع قوي ضد الرصاص!
كما بدأت هذه التكنولوجيا حالياً بصنع أنابيب شعرية دقيقة جداً، إلى درجة أنها تستطيع الحلول محل الشعيرات الدموية الدقيقة المتضررة للدماغ.
وهي الطفرة التي دفعت الصحيفة لإطلاق صيحة تحذير في وجه العرب والمسلمين أن استيقظوا أثابكم الله!
ونحن هنا ندق ناقوس الخطر، فإن لم تبدأ الدول العربية والإسلامية، وبسرعة، بجمع كفاءاتها الموجودة في الدول الغربية (وعددهم كبير) في هذا المجال، واستخدامهم وتيسير سبل البحث أمامهم، وتمويل هذه البحوث بملايين الدولارات، فإن هناك مستقبلاً أكثر ظلاماً من الوضع الحالي، وأخطر بكثير؛ إذ قد تصل إلى مرحلة العبودية الكاملة للغير، لأنها ستضطر اضطراراً للركوع أمام هذه الدول التي تستخدم هذه التكنولوجيا، ومنها «إسرائيل» التي بدأت الأبحاث في هذا المجال.
لذا فالحل يكمن في تشكيل هيئة علمية من العلماء العرب والمسلمين، وتوفير المختبرات العلمية لبحوثهم في هذا المجال، وتمويل المشروع من قِبَل دول الخليج الغنية.
ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية هما الجهتان المؤهلتان لتنفيذ هذا المشروع الحيوي، وستكونان مسؤولتين أمام الله وأمام الشعوب الإسلامية وأمام التاريخ إن أهملتا هذا الموضوع.
ألا هل بلغت؟ اللهمَّ فاشهد

العرب تحت أنقاض الانهيارات الأمريكية


الكفاح العربي، 13- 19 أكتوبر 2008

كان الأسبوع الماضي الأسوأ في تاريخ البورصات العربية منذ إنشائها, عقب التراجعات الحادة التي سجلتها الأسواق المالية الأميركية والآسيوية والأوروبية.
مجلة "الكفاح العربي" سلطت الضوء على الثمن الباهظ الذي يدفعه العرب الآن نتيجة ربط اقتصاداتهم بالدورة المالية الأميركية, لدرجة أن خسروا في أيام ما حصَّلوه طيلة عقود؛ ففي الرياض وأبو ظبي ودبي ومسقط والكويت تجاوزت نسبة الخسائر عشرات المليارات من الدولارات خلال أيام, رغم محاولات الطمأنة. فيما ذهبت بعض التقديرات إلى أن خسارة بلدان النفط الخليجية لن تقل عن 170 مليار دولار في التقديرات الأكثر تفاؤلاً، ولا يدري أحد.. فربما كان القادم أسوأ!
تباينت ردات فعل الأسواق في المنطقة العربية حيال الأزمة المالية العالمية بتباين الإجراءات التي اتخذتها الحكومات والمؤسسات الاستثمارية الرسمية من جهة، وتباين الروابط بين المؤسسات المالية والمصرفية والاستثمارية لهذه الدول والسوق الأميركية من جهة أخرى. وبالإجمال تفيد أحدث التقارير المالية، والتي تصدرها المؤسسات البحثية، أن قيمة الاستثمارات في البورصات الخليجية تراجعت بمقدار 120 مليار دولار، فيما وصلت خسائر مؤسسات مالية عريقة إلى عشرات المليارات من الدولارات.
وعلى مستوى دول الخليج العربي كانت ردة فعل الأسواق "عنيفة"؛ فمعظم الأسواق شهدت تراجعا حادا وقياسيا أعاد إلى الأذهان هزات كبيرة في تاريخ هذه الأسواق.
ومن أجل تخفيف آثار الأزمة اتخذت حكومات في المنطقة إجراءات تمثلت في الإيعاز لمؤسسات استثمارية ضخ أموال كبيرة في السوق المالية لضمان عدم الانهيار مثلما فعلت الحكومة الكويتية, فيما عملت الإمارات العربية المتحدة على خفض أسعار الفائدة على الدرهم نصف نقطة مئوية لخفض كلفة الاقتراض وجعل نافذة الاستثمار بالأسهم أكثر جدوى من الاستثمار في الودائع المصرفية.
وفي الأردن... ورغم تأكيد مسؤولين رفيعي المستوى أن الأردن بعيد عن تأثير الأزمة المالية العالمية, إلا أن السوق المالية تجاوبت بشكل عكسي مع هذه التصريحات وتراجعت خلال 4 أيام نحو 16 بالمئة وفقدت نحو5,3 مليار ات دينار أي حوالى 5 مليارات دولار.
ومع استمرار مسلسل التراجعات والخسائر الفادحة في الأسواق المالية العالمية نقلت المجلة عن خبراء ماليين واقتصاديين خليجيين قولهم: إن الأزمة الراهنة تمثل فرصة ذهبية للقطاع المالي الإسلامي وأدواته, وقد كشفت مصادر مطلعة أن هذه الأدوات غدت قبلة أنظار المستثمرين؛ باعتبار أنها كانت الأقل ضررا مقارنة بالمنتجات الأخرى.
كما تشهد الصيرفة الإسلامية نموا متسارعا في الوقت الحاضر؛ ليس بسبب تنامي السيولة المالية في دول المنطقة فحسب, بل بسبب توسع رقعة الحلول والمنتوجات المالية الإسلامية التي تواكب حاجات قطاعات واسعة من المستثمرين، سواء الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المالية الإسلامية نفسها.
لقد أظهرت الصكوك الإسلامية بأنواعها نجاحا متميزا خلال السنوات الماضية من انتشار واسع, والذي يظهر جليا من خلال نمو القطاع حجما وتطورا, حيث لم يبدأ المستثمرون في شراء المنتجات المطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية فقط، بل بدأت أيضا الشركات والمؤسسات غير الإسلامية بالتفكير في جمع الأموال عن طريق استخدام الوسائل الإسلامية.
من جانب آخر, قالت"سواتي تانيجا"، مديرة مؤتمر منتدى التمويل الإسلامي الذي عُقد في اسطنبول بين 13­17 أكتوبر الحالي: إن هذه الفرصة الذهبية تتمثل في بروز قطاع التمويل الإسلامي كبديل اقتصادي ناجح بطبيعته, وهو النموذج الذي يحتاج إليه العالم الآن. مضيفة: إن الفرصة لم تكن مواتية للمستثمر الحذر الذي اكتوى بنار الأزمة الائتمانية العالمية أكثر من الآن حتى يبدأ باستكشاف ما الذي يمكن للأسواق الإسلامية أن تقدمه، خصوصا وأن المنتجات المالية الإسلامية تتجنب تماما أساليب المضاربات, وهو بالضبط ما يهدف إليه المشرعون في الحقبة الجديدة التي بدأنا بدخولها.

Sunday, October 19, 2008

!وهل ينجح الحوار هذه المرة؟


"البيادر السياسي"، 11 أكتوبر 2008


هل سينجح الحوار بين الفرقاء الفلسطينيين؟ وهل سيختلف عن جلسات الحوار السابقة؛ فيعيد اللحمة إلى هذا الشعب الصامد؟ أم هو مجرد حوار لرفع العتب؟
هل سينتهي الانقسام الفلسطيني؟ أم أن كل ما يُبذل من جهد هو لتهدئة المواطن وتخديره فقط ؟!
تساؤلات عديدة تدور في عقول كل المسلمين والعرب، وهم يراقبون عن كثب الاتصالات المصرية الحثيثة من أجل استئناف الحوار الفلسطيني - الفلسطيني في القاهرة سواء تحت رعاية مصرية أم تحت رعاية الجامعة العربية.
عدة جهات معادية لشعبنا الفلسطيني لا ترغب في نجاح هذا الحوار، حتى أنها لا تريد أن تعقد ولو جلسة واحدة له، ولذلك نراها تحاول بث شائعات ودس السموم في فبركاتها العديدة للإيقاع بين الأخوة أبناء الشعب الواحد.
لكن بعد فترة من التشاور والاستفسار وإجراء لقاءات مع قادة الفصائل، ذكرت مصادر عديدة أن مصر استطاعت وضع الخطوط العريضة للحوار الفلسطيني من أجل التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي.. ومن هذه الخطوط العريضة:
* وقف جميع أعمال الاتهامات والتصريحات التي تصب الزيت على النار، وأهمها وقف الحملات الاعلامية المتبادلة.
* تشكيل حكومة انتقالية أو مرحلية أو مؤقتة تضم وزراء من المستقلين المحسوبين على مختلف الفصائل تكون مهمتها الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية على حد سواء.
* إجراء الانتخابات الفلسطينية الشاملة للرئاسة والمجلس التشريعي في موعد أقصاه الصيف القادم.
* تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل على ضم حماس والجهاد الاسلامي والأحزاب الأخرى إلى هذه المنظمة كي تمثل كافة فصائل وشرائح المجتمع الفلسطيني.
* تأكيد الالتزام باتفاق الوفاق الفلسطيني وكذلك باتفاق القاهرة لعام 2005، وتأكيد إيجاد حل لأي خلاف أو سوء فهم عبر التحاور والتشاور، ومنع استخدام القوة العسكرية لحسم أي خلاف.
هذه الخطوط العريضة لاقت استحسان جميع الفصائل الفلسطينية، لكن الخلاف الأكبر يبقى حول آلية التنفيذ لهذه المبادىء أو الخطوط العريضة.
على كل حال سيكون الحوار مركزاً على آلية تنفيذ الافكار والآراء والخطوط العريضة، ويبقى التساؤل: هل يمكن التوصل إلى صيغة تفاهم حول هذه الآلية أمام هواجس وتحفظات واجواء عدم الثقة القائمة حالياً بين طرفي النزاع الأساسيين حماس وفتح!؟
تطالب فتح بضرورة تراجع حماس عما تسميه "انقلابها" العسكري وتسليم كل ما سيطرت عليه للسلطة، في حين أن حركة حماس ترفض ذلك.
وترى الفصائل الأخرى أن آلية تنفيذ الاتفاق يمكن أن تكون أو تمثلها الحكومة الانتقالية أو المرحلية التي تتسلم كل الأمور والمؤسسات، وتعمل على تفعيل نشاطات هذه المؤسسات وإعادة بناء هيكلها العام وخاصة المؤسسات الأمنية التي يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن الصراع الداخلي الفلسطيني، وبعيدة عن التحزبات أو الانتماءات الفصائلية، وعليها أن تكون الدرع الواقي للوطن من الأعداء في الداخل و الخارج... ولا تتدخل في أي سوء فهم حزبي أو فصائلي.
لكن حماس تصر على معرفة آلية التنفيذ والتطبيق، وتصر على عدم مصادرة ما حققته من إنجاز سياسي نتيجة ما قامت به من إجراء استباقي في القطاع قبل حوالي العام والنصف تقريبا.
رغم هذه الصعاب الموضوعة أمام استئناف هذا الحوار، إلا أن الجانب المصري مصمم على مواصلة الجهود لاستئناف الحوار الفلسطيني، ومصمم على إنجاحه لأن الوفاق الفلسطيني يصب في مصلحة مصر. ولأنه لا مفر من إجراء الحوار، ولا مفر من الوفاق، فالمطلوب هو توفير الوقت والجهد، والتوصل إلى اتفاق يحيي الحوار الجاد الذي يؤدي إلى النتائج والقرارات المرجوة.

يوم النصر العظيم


"الأهرام الاقتصادي"، 6-12 أكتوبر 2008


لم يكن السادس من أكتوبر نصرًا عسكريا فقط‏..‏ ولحظة العبور العظيم في العاشر من رمضان لم تكن لحظة ساد فيه جيش علي العدو‏.‏. والشهداء الذي روت دماؤهم أرض سيناء العطشي لم يقدموا أرواحهم فداء لأرض أو تبة أو سهل فحسب‏.‏. لقد كان السادس من أكتوبر لحظة المحك والاختبار لإرادة الأمة.
بهذه الكلمات بدأت مجلة الأهرام الاقتصادي موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته لذكرى انتصارات أكتوبر، وكتب تقدمته ا‏.‏ د يوسف بطرس غالي - وزير الاقتصاد آنذاك ـ ووزير المالية حاليا.
إننا اليوم نخاطب جيلا جديدا لم يشهد الحرب ولم يذق ويلاتها أو يصطلي بنارها‏,‏ لكي نذكره بهذا النصر، وبالمعاني النبيلة التي حملها في طياته‏.‏ وقد حان الوقت لكي يعرف كل شاب وشابة أن عليهم الوفاء بالدين‏,‏ وحمل راية لم تنتكس‏,‏ والاستمرار في مسيرة بدأها أجدادهم منذ سنين‏.
إن السادس من أكتوبر لم يكن نصرا عسكريا فحسب‏,‏ لقد كان علامة تحول فارقة,‏ وفيصلا بين الهزيمة والنصر‏,‏ بين الانكسار والكرامة‏,‏ بين التراجع والتقدم‏,‏ ولو تأملنا في آثاره الاقتصادية فقط لوجدناها أكثر من أن تحصي.
‏‏

الحشود السورية شمال لبنان مجرد انتشار سياسي!


"الأفكار"، 7- 13 أكتوبر 2008


على الساحة اللبنانية.. أصبح ساركوزي في الواجهة بدل بوش، معتقدًا أن سورية لن تُخلف معه الوعد في لبنان، وثمة من يقول إن بوش لا يريد أن يتورط في مساعدة لبنان أكثر من ذلك.
لكن مالفارق بين أن يكون الذي يتدخل هو بوش أو ساركوزي؟ أوليس هذا الأخير هو الذي قال غير مرة عن نفسه: إنه يشعر في فرنسا وكأنه مواطن أمريكي.
مجلة الأفكار استنبطت من هذا التحول أن الأسرار أصبحت تُستقى من فرنسا لا من واشنطن؛ فسلطت الضوء على زيارة قام بها وفد من قوى الرابع عشر من آذار إلى باريس نهاية الشهر الماضي.
رغم أن المثل يقول: (خذوا أسرارهم من صغارهم)، فإنه في الموضوع الأمريكي - السوري يُحتَّم أخذ الأسرار من فرنسا أفضل حليف للولايات المتحدة في هذه المرحلة.
وجاء أخذ الأسرار بقرار من قوى الرابع عشر من آذار، حيث توجه كلا من النائبان مروان حمادة، وسمير فرنجية، والنائب السابق فارس سعيد، ورئيس تجمع الوطنيين الأحرار المهندس دوري شمعون إلى باريس نهاية الشهر الماضي لمعرفة ما إذا كان هناك تحولا في الموقف الفرنسي، أو استطرادًا في الموقف الأمريكي من سورية، خصوصا بعدما نشرت الأخيرة قواتها العسكرية على الحدود الشمالية مع لبنان.
هذا الانتشار اعتبره وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، «لا يهدد أحدا»، في محاولة منه لتطمين "أصدقائه اللبنانيين".
كما أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن الانتشار يهدف إلى قطع دابر تهريب المخدرات والسلاح.
ورغم هذه التطمينات تملكت قوىالرابع عشر من آذار الهواجس من أن يكون هذا الانتشار العسكري مقدمة لدخول عكاروالوصول إلى طرابلس، عندما تدق الساعة المناسبة على الطريقة التركية في شمال العراق! وأن هذا الدخول إذا حصل سيكون -كما ذكرت وكالات الأنباء- بغطاء فرنسي أوروبي، كما كان الدخول السوري العسكري إلى لبنان عام 1976 بغطاء أمريكي.
ماذا سمع رباعي قوى الرابع عشر من آذار، وهو يحمل هذه الهواجس إلى دوائر (قصر الإليزيه)، ودوائر قصر (الكي دورسيه)، مقر وزارة الخارجية الفرنسية عند جادة (كليبر)، حيث تقع السفارة اللبنانية في أحد منعطفاته المسمى شارع (كوبرنيك)؟!
ماسمعوه هو الأتي:
* أولا: الرئيس ساركوزي هو الآن رئيس الاتحاد الأوروبي حتى أول يناير عام 2009، وكلمته هي كلمة أوروبا.
* ثانيًا: الرئيس ساركوزي – وخصوصا بهذه الصفة- لن يكون غطاء لأي تدخل عسكري سوري في لبنان.
* أي انفتاح فرنسي-أوروبي على سوريا لن يكون على حساب لبنان.
* يجب وضع النقاط فوق حروفها فيما يتعلق بالعلاقات الأوروبية-الفرنسية-السورية.
ورغم ذلك عاد رباعي 14 آذار ولم يطمئن قلبه للانتشار العسطري السوري على الحدود الشمالية.