مجلة "البيئة والتنمية، عدد يوليو- أغسطس 2008
مجلة "البيئة والتنمية" رصدت آخر مستجدات الصراع بين أرباب الوقود الحيوي ومناهضيه، في ظل تحذيرات من أن العالم يتجه نحو فترة اضطرابات طويلة جدًا، ونزاعات متعلقة بارتفاع أسعار ونقص المواد الغذائية.
هلل كثيرون للوقود الحيوي؛ باعتباره بديلا أخضر للبترول. لكن بعد إنشاء الولايات المتحدة مصانع عملاقة لتحويل الذرة إلى إيثانول، اقتداءً بالبرازيل التي تصنعه من قصب السكر، وترويج هذه الصناعة في أنحاء العالم لإنتاج وقود من الحبوب والبذور الزيتية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد بعدما دخل الوقود حلبة المنافسة على محاصيل الحبوب.
لقد دخل الوقود الحيوي مؤخرا، مرحلة التشكيك والتدقيق، بعد أن كيل له المديح كمصدر بديل للوقود الأحفوري. إذ بينت دراسات عدة أنه أكثر ضررا للبيئة وللبشرية، مما كان يعتقد أصلا. فهو يزيد الطلب على المحاصيل الغذائية، ويرفع أسعارها، ويوجه الإنتاج إلى الغابات والأراضي العشبية، ويدمر الحياة الفطرية، ويطلق الكربون المخزن إلى الغلاف الجوي.
لذلك يجري التركيز حاليا على "الجيل الثاني" من الوقود الحيوي، الذي يمكن صنعه من الأعشاب وفضلات الزراعة والخشب والطحالب وروث الحيوانات ومياه المجاري ومصادر عضوية أخرى، لكن الخبراء يقولون: إن طرق ومصادر التصنيع هذه لن تصبح جدية تجاريا قبل خمس إلى عشر سنوات.
يتعرض الوقود الحيوي لانتقادات متزايدة؛ إذ تبين أن له بصمة بيئية أكبر مما كان يعتقد في البداية. فزراعة المحاصيل التي تنتجه يمكن أن يؤدي إلى زيادة نسبة الكربون في الغلاف الجوي. ثم إن ارتفاع شهية العالم لاستعماله يعني حوافز اقتصادية لتدمير البراري والغابات المطيرة أو حرقها لتوفير المزيد من الأراضي الزراعية، فتنطلق مقادير كبيرة من الغازات الدفيئة نتيجة التعرية والحرائق، وهذا ما يعتبره بعض العلماء كافيا لإبطال أي مفعول إيجابي.
ويتطلب الإنتاج المكثف للوقود الحيوي - الموجه للتصدير - زراعات أحادية كبرى للأشجار وقصب السكر والذرة ونخيل الزيت والصويا وغيرها، وهذا يزيد التنافس على الأراضي، ويهمش الصناعات الصغيرة، ويؤدي لنزوح سكان الأرياف.
وقد حذر تقرير الفاو في أبريل الماضي من أن إبدال المحاصيل المحلية بمزارع لمحاصيل أحادية لإنتاج الطاقة يهدد التنوع الحيوي الزراعي، والمعارف التقليدية الواسعة، ومهارات صغار المزارعين في إدارة المحاصيل المحلية.
لذلك تعلو دعوات لتجميد كل الأهداف الحكومية والحوافز الداعمة لتجارة الوقود الحيوي، ريثما يصبح الجيل الثاني متوافرا بشكل تجاري.
No comments:
Post a Comment