مجلة / المشاهد السياسي
تتواتر التحذيرات يومًا بعد يوم من التدخل الأميركي المخيف في شئون القارة السمراء، فيما انتقدت الرابطة الدولية للاجئين "ريفيوجيز إنترناشونال" زيادة الطابع العسكري للمساعدات الأميركية الخارجية في أفريقيا.
ومع اقتراب القوّات الأميركية المخصّصة لأفريقيا (أفريكوم) من بدء مهامّها انطلاقاً من جيبوتي مطلع سبتمبر المقبل، أوصت الرابطة، في تقرير لها، قيادة "أفريكوم" بالمحافظة على تركيزها في مهامها الأمنية ومهام حفظ السلام، بدلا من الاهتمام بتعقب المشتبه بهم في تهم مزعومة، بدعوى ما يسمى الإرهاب، تحت عباءة مساعدة الأفارقة إنسانيا.
مجلة "المشاهد السياسي"، سلطت الضوء على العسكرة الأميركية في القارة الأفريقية، ربما لاعتبارات، لعل أبرزها اكتشاف النفط في المنطقة.
تقول التوقّعات: إن واردات النفط الأميركي من جنوب الصحراء سوف تصل إلى ٢٥ % من مجموع الواردات بحلول العام ٢٠١٥. لذلك وجهت شركات النفط الأميركية أنظارها صوب السودان، ولا تزال تتحيّن الفرص - السياسية والأمنية - لإيجاد موطئ قدم لها في دارفور، ومواجهة التمدد الصيني في المنطقة.
وحتى الآن لم تساعد الأوضاع الأمنية في السودان على تسهيل مهمة الأميركيين؛ فقد تم تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي بكينيا، ودار السلام بتانزانيا، في السابع من أغسطس ١٩٩٨، وفي أعقاب هذه التفجيرات قامت الطائرات الأميركية بضرب «مصنع الشفاء» للأدوية في السودان، بدعوى أنه يستخدم في تصنيع أسلحة كيميائية لمصلحة أسامة بن لادن والنظام السوداني، وثبت بعد ذلك خطأ هذه المزاعم.
وفي أعقاب أحداث ١١ من سبتمبر ٢٠٠١ شنت الولايات المتحدة حربا مفتوحة على الإرهاب، وأعلن مسئولون أميركيون أن الصومال والسودان واليمن تقع ضمن أهداف هذه الحرب في مرحلتها الثانية، بدعوى أنها وفرت الملجأ لفلول ابن لادن الفارين من أفغانستان. وفي إطار هذا التوجه أنشأت واشنطن قاعدة عسكرية جديدة في جيبوتي تضم ١٨٠٠ جندي.
في وقت لاحق، وبالتحديد في حزيران (يونيو) ٢٠٠٣، طرحت الولايات المتحدة مبادرة لـ«مكافحة الإرهاب» في شرق أفريقيا أكدت مركزية القرن الأفريقي فيما سمي «أفريكوم»، ومن المقرر أن تبدأ مهامها بحلول أيلول (سبتمبر) المقبل.
لكن الولايات المتحدة ليست وحدها في الساحة السودانية، وليست بالتأكيد الطرف الوحيد في الساحة الأفريقية؛ فالصين تخطط للحصول على ٢٥ % من حاجاتها النفطية من أفريقيا، كما أن التعاون الصيني ـ السوداني لم يقتصر على قطاع النفط، بل شمل مجالات أخرى، أهمها محطات توليد الكهرباء، وإقامة السدود (مثل سد كاجبار)، وإنشاء خطوط أنابيب لنقل المياه من النيل إلى بورسودان.
ومما يزيد الاهتمام الأميركي أن الصين توسّع نفوذها بهدوء، بعيدا عن الضجيج الإعلامي، في أكثر من بلد أفريقي، وبعيدا عن فرض الإرادات، معتمدة على نشر فلسفة اقتصادية تقوم على التبادل الحر.
أوروبا هي الأخرى، لها حضورها القوي على الساحة الأفريقية، لكن المشهد لا يكتمل إلا بالتوقف عند وتيرة الاهتمام الإسرائيلي المتزايد بأفريقيا، خصوصا في العامين الأخيرين.
استنادا إلى التقرير الاستراتيجي الأفريقي، الذي يصدره معهد البحوث والدراسات الأفريقية التابع لجامعة القاهرة، يمكن اعتبار التغلغل الإسرائيلي في القارة السوداء - بدءا بالسودان - جزءا من التوجه الامبراطوري للولايات المتحدة الذي ظهرت ملامحه الأولى عقب وصول اليمين المحافظ الجديد، المعروف باسم «اليمين المسيحي» إلى أعلى مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة، بسبب التجانس في النظرة الأيديولوجية إلى العالم بين الأميركيين الجدد والإسرائيليين.
ويكشف التقرير أن إسرائيل، ومنذ العام ٢٠٠٢ ـ ٢٠٠٣، تبنت مداخل جديدة في علاقاتها مع الدول الأفريقية، تختلف عن المقاربات القديمة، أو تشكل إعادة صياغة لهذه المقاربات تحت مجموعة عناوين، أهمها: المدخل الجغرافي والثقافي، والمدخل البحثي، والمدخل الإقليمي للتعاون، بالإضافة إلى المدخل العقائدي المسيحي ـ اليهودي في إطار النظام الدولي الجديد.
وتقضي الخطة الإسرائيلية بانتزاع استقلال الجنوب السوداني ولو بقوة السلاح. كما أن إسرائيل، وبمجرد أن علمت باحتمالية ظهور النفط في جنوب السودان، فقد أرسلت خبراءها إلى المنطقة لاستكشاف حجم الاحتياطي الجنوبي الذي يتراوح حتى الآن بين ٥ و٧ مليارات برميل.
يبقى القول: إن إنشاء القيادة العسكرية الجديدة لأفريقيا (أفريكوم) ينطوي على دلالات عميقة بشأن مضمون السياسات الأميركية والغربية بشكل عام للقارة السوداء، لاسيما لجهة ما تعنيه الخطوة من اتجاه الإدارة الأميركية الحالية إلى «عسكرة» أفريقيا بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي سوف يؤدي على الأرجح، إلى تأجيج الصراعات القائمة.
No comments:
Post a Comment