الكفاح العربي، 1 ديسمبر 2008
منذ أربعة أسابيع وغزة تختنق بحبال الحصار، وصيصانها يُعدمون قبل أن يكبروا, ومخابزها تُغلق، بعد أن اضطر أهلها لطحن علف الحيوانات كي يصنعوا خبزًا لأطفالهم الذين يتضورون جوعًا، ليس هذا وفقط بل تَقفل مصانعها، وتُشيِّع موتاها، وتَسهر على ضوء الشموع، وعبثا تبحث عن دواء لشيوخها المرضى، وهي تشرب بصمت المياه الملوثة.. وتنتظر. والانتظار في غزة صار مرادفا للموت البطيء، وهو موت يتواصل على نار التهديدات الإسرائيلية والخلافات الفلسطينية الفلسطينية المستعرة، وفي الأفق ما يؤشر إلى أيام أسوأ، إذا لم تتم المصالحة في زمن قياسي.
إنها حقًا مأساة تجعل الحجر يتحرك، لم تجد الكفاح العربي أمامها بدًا من أن تصرخ في وجه العالم المتفرج قائلة: (غزة تختنق)، لتعلِّق بكلامها الموجع ذنب مليون ونصف فلسطيني في رقبة الصامتين.. كل الصامتين! ولم لا؟!! فمأساة غزة أضحت أغرب من الخيال.
آخر السفن التي وصلت إلى مرفأ غزة لكسر الحصار القاتل كانت سفينة ليبية، لكن العدوى لم تصل بعد إلى العرب الآخرين. الأوروبيون وحدهم قاموا بمبادرات رمزية, والعرب لم يسمعوا بقصة غزة حتى الآن!ولكم تمنى القادة الإسرائيليون أن يستفيقوا ذات صباح ليجدوا أن البحر ابتلع غزة ومن فيها, لكن البحر لم يستجب حتى الآن للأمنيات الإسرائيلية, وعش الدبابير لا يزال يعكر على المحتلين صفو عيشهم, والنتيجة كانت أن القطاع يجد نفسه في أتون الحرمان والمرض والفقر, وعبثا يصرخ الغزاويون "وامعتصماه" لأن الأشقاء لا يسمعون, بل إن بعضهم - كما تقول الرواية - "يشاركون في تضييق الخناق."وحصار غزة ليس كأي حصار آخر. إنه حصار شامل يستهدف الأجنة في أرحام أمهاتهم، والمرضى والطلبة والشيوخ والعجائز وحجاج بيت الله الحرام. حتى أن المخابز بدأت طحن حبوب الأعلاف لإنتاج الخبز, بعدما تم التبليغ عن الأنفاق وهدم ما تبقى منها وإحكام إغلاق المعابر.وفي تقرير أصدرته اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار حول آثار الخنق المفروض على غزة، نقرأ: إن المعابر التجارية ومنذ الحصار المشدد الذي فُرض منذ 14/6/2007 مغلقة بشكل عام, وما يدخل منها من سلع وبضائع تتراوح نسبته بين 10 إلى 15 % من حاجات قطاع غزة، والتي تقدر بـ600 شاحنة يومية, ومنذ الرابع من الشهر الحالي أغلقت إسرائيل المعابر بشكل تام من دون السماح لأي كميات تذكر حتى كمية الـ15% المسموح بها, مما أثر في القطاعات الصحية والبيئية والاجتماعية بشكل خطير.
وأوضح التقرير أن الأدوية الأساسية ناقصة بنسبة أكثر من 50% من الأصناف, خصوصا لمرضى ارتفاع ضغط الدم والقلب والربو والسكري والأمراض المزمنة الأخرى, إلى جانب نقص الأدوية المكملة، خصوصا لمرضى السرطان والفشل الكلوي والكبدي. وهناك نقص في المستهلكات الطبية كما في لوازم الغيار والعمليات والتعقيم, بما فيها الأدوات الجراحية اللازمة للعمليات الطارئة والعادية, وهناك نقص أكثر من 30% فيها. ويؤدي قطع الكهرباء المتواصل - بسبب أعطال برمجة الأجهزة - إلى إعطاء معايير خاطئة ونتائج تؤثر في سير علاج المرضى.
كل ما سبق ذكره لم يكن إلا غيضًا من فيض معاناة أهل غزة، ورغم أن الكلمات تقف عاجزة عن وصف ما يواجهه القطاع الصامد، زادتنا المجلة من الشعر أبياتا، فقالت: لم يعد هناك مخزون من الغازات الطبية اللازمة لغرف العمليات؛ مما أدى إلى نقص عمل المطابخ وسوء جودة الأغذية وتوقف المغاسل المركزية وأجهزة التعقيم. كما أن هناك نقصا حادا في التطعيمات اللازمة للأطفال، مما ينجم عنه نقص المناعة وانتشار الأمراض, وقد تجاوز عدد ضحايا الحصار 260 ضحية. ولعل أهالي غزة المحاصرين في انتظار كارثة أخرى تتمثل في تلوث مياه الشرب، بسب نقص مادة الكلور، التي ينذر عدم ضخها في آبار المياه بزيادة التلوث البكتيري في مياه الشرب.
قائمة المعاناة لازالت طويلة، تكمل المجلة سردها لعل العرب والمسلمين يتحركون!
هناك 77 مليون لتر من مياه الصرف الصحي تُضخ يوميا في البحر من دون معالجة، مما يسبب كوارث بيئية وتلوثا بحريا خطيرا. ومخازن السلع الغذائية توشك على النفاد، إن لم تكن قد نفدت بالفعل، خصوصا حليب الأطفال والدقيق والأرز والبقوليات والزيوت والمجمدات والألبان واللحوم والمواد الخام للصناعات المعدنية البلاستيكية والكيميائية والإنشائية والورقية, إضافة إلى الأدوات الكهربائية وأدوات الصرف الصحي وقطع غيار السيارات وزيوت السيارات. لذا لم تأت صرخة مسؤول عمليات الأونروا في غزة جون كينغ في وجه المجتمع الدولي (عارٌ عليكم) من فراغ!
لقد خلف الحصار خسائر مباشرة فاقت 750 مليون دولار، و جعل 140 ألف عامل يتعطلون من عملهم جراء إغلاق المعابر والحصار المستمر على غزة منذ عامين، ورمى بـ 80% من سكان القطاع إلى ما دون خط الفقر, ورفع معدل البطالة إلى 65 %، وأدى إلى إصابة 60% من أطفال غزة بأمراض سوء التغذية وفقر الدم.
ومع صدور هذا العدد ستغرق مناطق في شمال وجنوب القطاع ومدينة غزة بمياه الصرف الصحي, علما بأن 40% من الأدوية الأساسية رصيدها صفر, والمستهلكات الطبية 80% من رصيدها صفر أيضا.
No comments:
Post a Comment