الأفكار، 22 ديسمبر 2008
(فردة حذاء تساوي صاروخا).. تعليق ساخر استهلت به مجلة الأفكار اللبنانية موضوع غلافها، الذي خصصته لتكريم "منتظر الزيدي"، مالئ الدنيا، وشاغل الناس، والمتساوي في الوهج مع الرئيس بوش. ولكلٍ وجهةٌ هو موليها!
باسم فقراء العالم، وأمهات العراق الثكالى، ويتامى الصواريخ الأمريكية، حمل الصحافي العراقي الشريف منتظر الزيدي فردة حذائه السميك، وقذف بها وجه الرئيس الأميركي "جورج بوش"، وهو يتحدث على منصة المؤتمر الصحفي، من بغداد مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ثم أتبعها بالفردة الثانية.
أمام الأساطيل ذات الرءوس الذرية، والطائرات المقاتلة المعربدة في فضاء العراق، لا يملك الصحافي العراقي إلا فردة حذائه ليعبر بها عن قضية انتهكتها الإدارة الأميركية، وحقوق قومية ووطنية عبثت بها يد الرئيس المنتهية ولايته "جورج دبليو بوش".
وفردة الحذاء من حيث الرجع والصدى كانت أقوى من الطائرات والصواريخ والأساطيل السابحة في بحر العرب، ولقنت رئيس أقوى دولة في العالم درسًا سيحمله معه إلى مزرعته المسماة "كراوفورد"، وسيسجله التاريخ، مع اسم "منتظر الزيدي"، كما سجل من قبل اسم "مالكولم إكس" في نضاله ضد الفرز العنصري الأميركي، وحمل هذه الرسالة إلى بيروت، حيث دخل الجامعة الأميركية زمان الستينات، وأقام فيها صلاة الظهر.
العراق بلد حضاري يختزن تراث الخالدين من خلفاء وفلاسفة وأساطين طب وشعراء وعلماء، وليس من طبع أهله إهانة الناس، أو الاستهزاء بهم، لكن لابد من إبداء الرأي الذي هو قبل شجاعة الشجعان، وقد جاء هذه المرة على متن حذاء سميك تعامل معه الرئيس الأميركي بسخرية حين قال: "إنه حذاء مقاس 10"، لم يُشعرني بأي تهديد. بل أعتبره محاولة للفت الأنظار إلى صاحب الحذاء، وهذا دليل على حرية الرأي".. إنها حقًا مكابرة على أعلى مستوى!
ما قاله الزيدي بصوت هادر للرئيس بوش وهو يقذفه بالحذاء: "هذه هدية العراقيين إليك.. إنها قُبْلَةُ الوداع، أيها الكلب، لم يكن سوى تعبير متواضع عن مدى الألم الذي خلفه الاحتلال الأميركي الذي دخل العراق في ربيع 2003، وخلَّف حتى الآن مئات الآلاف من القتلى العراقيين، وحوَّل شوارع بغداد والموصل والمدن الأخرى إلى حمامات دم.
وهاهو بوش نفسه يعترف على الهواء مباشرة، عبر شاشات التلفاز الأميركية، أن المخابرات ضللته حين أكدت له في تقاريرها أن صدام حسين يمتلك أسلحة تدمير شامل!
لقد عملت القوات الأميركية في العراق على نشر الشقاق ضمن الطائفة الواحدة، وبث بذور الشرور الطائفية، عملا بنظرية (فرِّق تسُد)، وقتل مليون ونصف المليون عراقي. أما في فلسطين فقد كانت وعود بوش كالبخار، وإلا فأين وعوده للرئيس محمود عباس بأن دولة فلسطين ستكون جاهزة قبل نهاية هذا العام؟.
ما كان جاهزًا هو الآتي: حصار إسرائيلي جهنمي لقطاع غزة، وطائرات بدون طيار تقصف القطاع، وجوع وظلام دامس وبنوك بلا مال وأسواق بلا سلع غذائية، وأفران بدون خبز!
ثم يسألونك بعد ذلك عن حذاء الصحافي العراقي منتظر الزيدي. لقد حمل هذا الحذاء كل آلام الأمة العربية، وقذف بها وجه الرئيس بوش، وهو ينعته بـ "الكلب".
لقد كان الحذاء الطائر موجهًا ضد الخطايا الأميركية في العراق وفلسطين، خاصة الاتفاقية الأمنية الملغومة. وقد تجاوز شخص "بوش" إلى هيبة الرئاسة الأميركية. هيبة يتحمل سقوطها الرئيس بوش شخصيًا، لأنه لم يحافظ عليها كسلطة لها احترامها ووزنها العالمي.
والآن هاهو منتظر الزيدي خلف القضبان، بعدما خلف في قاعة المؤتمر الصحفي بقعة دم على الأرض، نتيجة الانقضاض عليه من قبل رجال أمن رئيس الوزراء نوري المالكي.
لقد قال الزيدي كلمته ومشى.. إلى السجن، قالها بالحذاء على فردتين.
No comments:
Post a Comment