المشاهد السياسي، 7-13 ديسمبر 2008
سمعنا عن حجر يضرب عصفورين، لكننا لم نسمع قط عن حجر واحد نجح في اصطياد ثلاثة!
لغزٌ هنديّ فسرته مجلة المشاهد السياسي، فقالت: إن "الحجر" هو هجمات بومباي الأخيرة، و"الطيور الثلاثة" كانوا هم (الهندوس وأوباما والمصالحة مع باكستان)!
وترى المجلة أن تلك الأحداث التي شهدتها الهند على مدى ثلاثة أيام من الأسبوع الفائت، والتي أطلق عليها اسم "حرب مومباي"، يتعدى تأثيرها مجرد عدد الذين سقطوا فيها، وتطرح بقوّة، المشاكل التي يعانيها المسلمون في الهند، وطبيعة العلاقة بين النظام القائم والأقلّيات، بقدر ما تعيد طرح مستقبل العلاقات الهندية ـ الباكستانية، وملف النزاع حول كشمير، فضلاً عن أنها تعيد رسم الخطط الأميركية ـ الأوبامية تحديداً ـ في هذه المنطقة قبل تسلّم مهامّه.
إنها أحداث ١١/٩/٢٠٠١ الأميركية بنسختها الهندية، مع الأخذ في الاعتبار فارقين أساسيين على الأقل: الأول أن مسلمي الهند يشكّلون ١٣ في المائة من سكانها، والثاني أن المسلّحين الذين هاجموا منطقة الفنادق في مومباي - رمز الازدهار الهندي وعاصمة الهند الاقتصادية والمالية - لم يأتوا من الجو. لقد جاءوا من الداخل، إذا لم تثبت التحقيقات أنهم وصلوا بحراً من باكستان.
ومتابعة الأحداث من خلال محطّات التلفزة العالمية تكشف أولاً عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن المسلّحين العشرة الذين خاضوا معركتهم في منطقة الفنادق قاموا بالعملية انتقاما "للاضطهاد الذي يتعرّض له المسلمون في الهند". أحد المسلّحين الذين سيطروا على فندق أوبيريو استطاع، قبل مصرعه، أن يطلق صرخة أمام إحدى وسائل الإعلام المحلّيّة قال فيها: "نحن نحب بلدنا، لكن أين كان الجميع عندما كانت أخواتنا وأمّهاتنا يتعرّضن للقتل؟"
عن أي قتل يتحدّث هذا المسلّح؟
إنه يعني بالتحديد المظالم التي يمارسها الهندوس، الذين يشكّلون ٨٠ في المائة من سكان الهند، بحق المسلمين الذين يعيشون أوضاعاً اجتماعية صعبة، والذين لم يندمل بعد جرحهم الكبير الذي خلّفته مواجهات مدينة جوغارات في العام ٢٠٠٢، والتي راح ضحّيتها أكثر من ألف شخص، من دون أن يأخذ القضاء مجراه بشكل عادل في معاقبة الجناة!
أما جذور الخلاف الهندوسي ـ الإسلامي فتعود إلى العام ١٨٥٧، عندما وقعت حرب الاستقلال الأولى في الهند، إثر إعدام جندي هندوسي على يد الإنجليز. ورغم أن الجندي لم يكن مسلماً، فقد دفع المسلمون الثمن الأكبر؛ إذ سقطت إمبراطورية المغول في نيودلهي لتنتهي بذلك حقبة سيطر فيها المسلمون على السلطة طوال خمسة قرون. تبع ذلك ضمور عام في وضع الطائفة الإسلامية، خصوصاً بعدما فرض الإنجليز لغتهم كلغة رسمية في البلاد، فتراجعت معدّلات التعليم بين المسلمين من ١٠٠% إلى ٢٠%، وخلال الفترة الواقعة بين ١٨٥٧ و١٨٧٨ لم يتخرّج في جامعة كلكوتا سوى ٧٥ مسلماً من بين ٣١٠٠ خريج، وسط تزايد الاضطهاد من قبل الهندوس والإنجليز على السواء.
وتكمِل المجلة لترصد ردود الفعل الأميركية، باعتبار العم سام هو "شرطي العالم الذي يدس أنفه في كل صغيرة وكبيرة". وتستطرد لتكتشف المستفيد الأول من هذه الهجمات، وتسلط الضوء على الخاسر الأكبر منها، مترددة في ذلك بين محاولة إضعاف الحزب الحاكم، والمصالحة بين الجارتين النوويتين، ووضع العراقيل أمام المرشح الجديد باراك أوباما.
أبرز ردود الفعل الأميركية نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز" التي قالت: إن التفجيرات حصلت في لحظة حاسمة تتحرّك فيها الجارتان النوويتان الهند وباكستان نحو تطوير علاقاتهما بتشجيع من الولايات المتحدة، وتحديداً الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب باراك أوباما، مما يعني أن هناك متضرّرين من هذا التقارب، وهم الذين يسعون إلى منع حصوله.
وبعضهم يرى في العملية محاولة لإضعاف حزب المؤتمر الحاكم، وهو حزب علماني، لمصلحة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتشدّد، لأن في مصلحة التنظيمات الإسلامية المتطرّفة التعامل مع حركات سياسية معادية. وفي هذه الحال تكون الإنجازات التي حقّقها "المؤتمر" - ومنها إرسال مركبة فضائية إلى القمر، وإبرام اتفاق النووي مع إدارة الرئيس جورج بوش - قد سقطت في ليالي مومباي الدامية إلى جانب مئات القتلى والجرحى، وهناك من يتوقّع أن يكون لهذه الهجمات تأثير حاسم في نتائج الانتخابات المحلّيّة في عدد من الولايات الهندية الرئيسية ومنها نيودلهي، كما في الانتخابات التشريعية في العام المقبل، لأن حزب بهاراتيا جاناتا سوف يستفيد من الأحداث للعودة مجدّداً إلى الواجهة.
سمعنا عن حجر يضرب عصفورين، لكننا لم نسمع قط عن حجر واحد نجح في اصطياد ثلاثة!
لغزٌ هنديّ فسرته مجلة المشاهد السياسي، فقالت: إن "الحجر" هو هجمات بومباي الأخيرة، و"الطيور الثلاثة" كانوا هم (الهندوس وأوباما والمصالحة مع باكستان)!
وترى المجلة أن تلك الأحداث التي شهدتها الهند على مدى ثلاثة أيام من الأسبوع الفائت، والتي أطلق عليها اسم "حرب مومباي"، يتعدى تأثيرها مجرد عدد الذين سقطوا فيها، وتطرح بقوّة، المشاكل التي يعانيها المسلمون في الهند، وطبيعة العلاقة بين النظام القائم والأقلّيات، بقدر ما تعيد طرح مستقبل العلاقات الهندية ـ الباكستانية، وملف النزاع حول كشمير، فضلاً عن أنها تعيد رسم الخطط الأميركية ـ الأوبامية تحديداً ـ في هذه المنطقة قبل تسلّم مهامّه.
إنها أحداث ١١/٩/٢٠٠١ الأميركية بنسختها الهندية، مع الأخذ في الاعتبار فارقين أساسيين على الأقل: الأول أن مسلمي الهند يشكّلون ١٣ في المائة من سكانها، والثاني أن المسلّحين الذين هاجموا منطقة الفنادق في مومباي - رمز الازدهار الهندي وعاصمة الهند الاقتصادية والمالية - لم يأتوا من الجو. لقد جاءوا من الداخل، إذا لم تثبت التحقيقات أنهم وصلوا بحراً من باكستان.
ومتابعة الأحداث من خلال محطّات التلفزة العالمية تكشف أولاً عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن المسلّحين العشرة الذين خاضوا معركتهم في منطقة الفنادق قاموا بالعملية انتقاما "للاضطهاد الذي يتعرّض له المسلمون في الهند". أحد المسلّحين الذين سيطروا على فندق أوبيريو استطاع، قبل مصرعه، أن يطلق صرخة أمام إحدى وسائل الإعلام المحلّيّة قال فيها: "نحن نحب بلدنا، لكن أين كان الجميع عندما كانت أخواتنا وأمّهاتنا يتعرّضن للقتل؟"
عن أي قتل يتحدّث هذا المسلّح؟
إنه يعني بالتحديد المظالم التي يمارسها الهندوس، الذين يشكّلون ٨٠ في المائة من سكان الهند، بحق المسلمين الذين يعيشون أوضاعاً اجتماعية صعبة، والذين لم يندمل بعد جرحهم الكبير الذي خلّفته مواجهات مدينة جوغارات في العام ٢٠٠٢، والتي راح ضحّيتها أكثر من ألف شخص، من دون أن يأخذ القضاء مجراه بشكل عادل في معاقبة الجناة!
أما جذور الخلاف الهندوسي ـ الإسلامي فتعود إلى العام ١٨٥٧، عندما وقعت حرب الاستقلال الأولى في الهند، إثر إعدام جندي هندوسي على يد الإنجليز. ورغم أن الجندي لم يكن مسلماً، فقد دفع المسلمون الثمن الأكبر؛ إذ سقطت إمبراطورية المغول في نيودلهي لتنتهي بذلك حقبة سيطر فيها المسلمون على السلطة طوال خمسة قرون. تبع ذلك ضمور عام في وضع الطائفة الإسلامية، خصوصاً بعدما فرض الإنجليز لغتهم كلغة رسمية في البلاد، فتراجعت معدّلات التعليم بين المسلمين من ١٠٠% إلى ٢٠%، وخلال الفترة الواقعة بين ١٨٥٧ و١٨٧٨ لم يتخرّج في جامعة كلكوتا سوى ٧٥ مسلماً من بين ٣١٠٠ خريج، وسط تزايد الاضطهاد من قبل الهندوس والإنجليز على السواء.
وتكمِل المجلة لترصد ردود الفعل الأميركية، باعتبار العم سام هو "شرطي العالم الذي يدس أنفه في كل صغيرة وكبيرة". وتستطرد لتكتشف المستفيد الأول من هذه الهجمات، وتسلط الضوء على الخاسر الأكبر منها، مترددة في ذلك بين محاولة إضعاف الحزب الحاكم، والمصالحة بين الجارتين النوويتين، ووضع العراقيل أمام المرشح الجديد باراك أوباما.
أبرز ردود الفعل الأميركية نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز" التي قالت: إن التفجيرات حصلت في لحظة حاسمة تتحرّك فيها الجارتان النوويتان الهند وباكستان نحو تطوير علاقاتهما بتشجيع من الولايات المتحدة، وتحديداً الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب باراك أوباما، مما يعني أن هناك متضرّرين من هذا التقارب، وهم الذين يسعون إلى منع حصوله.
وبعضهم يرى في العملية محاولة لإضعاف حزب المؤتمر الحاكم، وهو حزب علماني، لمصلحة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتشدّد، لأن في مصلحة التنظيمات الإسلامية المتطرّفة التعامل مع حركات سياسية معادية. وفي هذه الحال تكون الإنجازات التي حقّقها "المؤتمر" - ومنها إرسال مركبة فضائية إلى القمر، وإبرام اتفاق النووي مع إدارة الرئيس جورج بوش - قد سقطت في ليالي مومباي الدامية إلى جانب مئات القتلى والجرحى، وهناك من يتوقّع أن يكون لهذه الهجمات تأثير حاسم في نتائج الانتخابات المحلّيّة في عدد من الولايات الهندية الرئيسية ومنها نيودلهي، كما في الانتخابات التشريعية في العام المقبل، لأن حزب بهاراتيا جاناتا سوف يستفيد من الأحداث للعودة مجدّداً إلى الواجهة.
No comments:
Post a Comment