برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, August 18, 2009

نهاية عصر المؤسسات الإعلامية


أبيض وأسود، 8- 15 أغسطس 2009

ما هو دور الإعلام؟ هل انتهى عصر المؤسسات الإعلامية الكبرى؟ وما هو البديل الذي سيتمكن من كسب السيطرة الإعلامية؟ وهل هذه التغييرات الثورية لصالح المجتمعات أم عليها؟
أسئلة طرحتها أسبوعية (أبيض وأسود) السورية، سنحاول استعراض إجاباتها في السطور التالية من خلال موضوع غلافها الأخير والذي حمل عنوان (نهاية عصر المؤسسات الإعلامية).

لقد لعب الإعلام أدوارا مختلفة باختلاف درجة تطور المجتمعات ونمو نضجها الثقافي والسياسي والمؤسساتي، وبشكل عام يلعب الإعلام دور التواصل الفكري بين شرائح اجتماعية مختلفة، كالمثقف والموظف والسياسي والعسكري والطالب ورجل الأعمال والمواطن العادي، وغيرهم من القوى الفاعلة في المجتمع، وبينما تختص بعض الوسائل الإعلامية بالتوجه لشرائح محددة، فإن المنظومة الإعلامية (إن صحت التسمية) تغطي جميع شرائح المجتمع، وبالتالي يتم تأمين التواصل وتبادل الأخبار والتحليلات والحوارات، مما يؤدي لضمان عدم وجود شروخ فكرية واسعة في المجتمع (من جهة)، أو معالجة مبكرة لهذه الشروخ، ولتأمين تطوير وتحفيز للأفكار المتعلقة بالقضايا الهامة، بطريقة تضمن مساهمة مجتمعية واسعة في النهضة المجتمعية.
وتصاب المنظومة الإعلامية بالفشل حينما لا تتمكن من لعب الدور المبين سابقا، وبالتالي تحاول إحدى الجهات إقصاء الأفكار الواردة من الجهات الأخرى، أو تعتقد إحدى الجهات بأن أفكارها قد وصلت لقمة النضج، وبالتالي لا ترى ضرورة لهذه العملية التفاعلية مع باقي الجهات، وهكذا، فإن كانت تلك الجهة تمتلك الحوامل الإعلامية المناسبة، فستحاول ضخ أرائها التي تعتقد بكمالها لباقي الجهات، أما إن لم يكن لدى هذه الجهة حامل إعلامي مناسب، فستنغلق على نفسها، وتطور (نظريتها) ضمن مجموعة ضيقة من الأفراد، وفي كلتا الحالتين نكون أمام نموذج مشوه لمنظومة إعلامية تعاني من شرخ عميق، ويؤدي لشروخ فكرية واسعة في المجتمع، وعلى الغالب لا تتمكن المنظومة الإعلامية الفاشلة من إبراز هذه الشروخ في الوقت المناسب، وبذلك لا تتمكن المجتمعات وقواها الفكرية من معالجة هذه الشروخ قبل أن تصبح غير قابلة للمعالجة.
إن هذا الحجم من التغييرات يفترض تطوير سياسات إعلامية وطنية تتناسب مع التحديات الجديدة، وبينما تعمل بعض الجهات على المعالجة التقنية قصيرة المدى لهذا الموضوع، فإن رسم سياسة إعلامية فعالة ينطلق من الفهم الواضح لدور الإعلام، فالمعالجة التقنية لا تنتج إلا إعلاماً مشوها مليئا بالتجمعات الفكرية المتباعدة، والمعزولة عن بعضها البعض، وبالتالي لا تحتاج هذه التجمعات إلا إلى الشرارة التي تشعل خلافات فكرية حادة قد تتطور لما هو أبعد من ذلك، بينما تمتاز التجمعات الفكرية التي تحفز النقاش وتبادل الأفكار بمناعتها ضد الشرارة التي قد تفجر الخلافات، ومن هنا نعتقد بأنه لابد من قراءة واعية لآليات التفاعل الإعلامي في عصر الشبكات الاجتماعية، وصياغة آليات لتطوير منظومات إعلامية عالية الكفاءة.

No comments: