برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, August 4, 2009

يهودية الدولة: معركة قناعات لا معركة حقوق


الرائد، يوليو 2009


بين الإلحاح الإسرائيلي المتصاعد مؤخرًا على انتزاع اعتراف عربي بإسرائيل كـ "دولة يهودية"، والرفض العربي الحاد – وإن بدا أقل صخبًا – لفكرة يهودية إسرائيل، تبقى القضية معركة قناعات لا معركة حقوق.
مجلة الرائد، أطلَّت على هذا المشهد، ولخصت هذه الإضاءات.
البعض يركز على التأثيرات المحتملة لهذا الاعتراف على الحقوق الفلسطينية في الأرض وعودة اللاجئين، وهو في الحقيقة جزء صغير جدًا من الحقيقة، فقضية يهودية إسرائيل تشكل في نظر أطراف عربية وأوروبية كثيرة خطرًا نوعيًا أكبر بكثير من وجود إسرائيل نفسه. وفي الحقيقة فإن هذا الجدل ينطوي على عدة دلالات شديدة الأهمية. فهو:
أولًا : يعني أن العرب تجاوزوا نهائيا قضية الاعتراف بوجود إسرائيل من عدمه .
ثانيًا : أن خيار التسوية والتعايش أصبح شبه نهائي لا تعارضه إلا قوى سياسية ودينية محدودة.
والجدل بشأن يهودية الدولة يعني أن "هوية إسرائيل" ليست شأنًا صهيونيًا محضًا بل هو – بناءًا على الرفض العربي المعلن –موضوع إقليمي أو حتى عالمي. فالطبيعي أن قبول مبدأ مشروعية الدولة تترتب عليه بالضرورة نتائج في مقدمتها حقها في إعمال سيادتها وفي مقدمة نتائج هذه السيادة تقرير هويتها يهودية كانت أو علمانية.
ويشير هذا النقاش أيضًا إلى تحول تاريخي خطير بكل معنى الكلمة هو أن إسرائيل اختارت طريقها لأول مرة منذ بدأ المشروع الصهيوني بين مشروعين تعايشا داخلها لعقود هما:
(1) المشروع الصهيوني العلماني.
(2) المشروع الصهيوني الديني.
وتاريخيًا كان المشروعان متكاملين "عمليًا" متنافرين "أيديولوجيا"، فالصهيونية الدينية وفرت الأساس القادر على جمع الجماهير والجنود الذي شكلوا قاعدة المشروع الصهيوني، والصهيونية العلمانية كانت قادرة على التواصل مع القوى الكبرى الغربية التي وفرت الحماية والدعم للمشروع والدولة، وحتى ظهور أميركا كقوة كبرى منخرطة في الشأن العالمي بعد الحرب العالمية الثانية كانت هذه القوى علمانية.
لكن جفاف مصادر الهجرة اليهودية التقليدية لإسرائيل والتفاوت الكبير بين معدل زيادة اليهود الشرقيين والغربيين أسفر – لأول مرة عن – تحول اليهود ذوي الأصول الغربية "الإشكيناز" إلى أقلية مقابل أغلبية من اليهود الشرقيين "السفارديم". وتضيف المجلة : لأسباب ثقافية وتاريخية كان السفارديم داعمين لتأكيد يهودية إسرائيل مقابل انحياز واضح من أغلبية اليهود الإشيكناز لخيار الدولة العلمانية. وقد فتش الإسرائيليون عن "صمغ" يحقق التماسك بين الروس والألمان والبولنديين والإثيوبيين والهنود والعراقيين والمغاربة والبولنديين واليمنيين و... يعيشون في محيط معادٍ فلم يجدوا – بالمنطق البراجماتي – سوى الدين
ولم يتصور أحد من علمانيي إسرائيل أبدًا أن يتحول الدين من "وسيلة" إلى دعامة وحيدة
ما تثيره التحولات الجديدة في إسرائيل من قضايا تتجاوز آثاره بكثير ملفات التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية، فمن ناحية، يعني قبول العرب بإسرائيل كـ "دولة يهودية" أول تحول من نوعه عن الثورة الفرنسية التي أرست مبدأ الفصل التام بين الدين والحياة العامة وبالتالي سيكون العالم قد شهد للمرة الأولى نشوء دولة على أساس ديني وهو ما يشكل أمرًا مرفوضًا تمام الرفض في أوروبا التي تعتبر قوى رئيسة فيها أنها "حارس لقيم الثورة"، ومن ناحية أخرى سيعنى هذا الاعتراف استحضارًا غير مسبوق للبعد الديني في الصراع على فلسطين بكل ما يعنيه ذلك من تبعات خطيرة (على مستقبل إسرائيل بالطبع
ويضاف إلى ما سبق أن إسرائيل التي أُنشِئت تلبية لأشواق دينية عند اليهود للعودة إلى أرض يقدسونها دينيا سيعطي مشروعية لإنشاء الدول على أساس ديني، وبالتالي سيعطي مشروعية لسعي الحركات الإسلامية لإزالة الأنظمة الحاكمة في بلادها لبناء نظم حكم إسلامي بدلًا منها. وإذا مددنا الخط على استقامته فسنكتشف أن مثل هذا التحول سيكون مقدمة - مجرد مقدمة-لمرحلة تالية من الإحياء الديني ستجعل هدفها إعادة الخلافة الإسلامية كسلطة جامعة لشعوب الأمة، وإذا كان اليهود قد عادوا بعد حوالي أربعة آلاف سنة إلى الأرض التي يقدسونها وتمكنوا من تأسيس "دولة يهودية"، فما الذي يمنع المسلمين من التفكير الجدي في إعادة تأسيس سلطة كانت موجودة قبل أقل من مئة سنة؟

No comments: