المشاهد السياسي، 2-8 أغسطس 2009
خمسة عناوين كبيرة رأت مجلة المشاهد السياسي أنها تندرج تحت رحلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى واشنطن: القرار الأميركي (المنفرد) ببدء الحوار مع المقاومة العراقية، الخلافات المتصاعدة بين بغداد وأربيل، الآليّات الممكنة لإخراج العراق من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الوضع الأمني بعد استكمال الانسحابات الأميركية، ودور الجيش العراقي الجديد وما يقتضيه هذا الدور من تسليح وتجهيزات.
هذه العناوين مجتمعة تشكّل عبئًا أكثر من ثقيل على كاهل الحكومة العراقية، في مرحلة الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، وتزايد الضغوط الأمنيّة المواكبة لهذا الإعداد. لكن الخطر الأكبر الذي يتهدّد العراق يبقى، في اقتناع المالكي ومعظم المراقبين، أن الخلاف بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، وهو متشعّب الجوانب، يمكن أن ينفجر في شكل حرب أهليّة إذا استعصى حلّه في الأشهر المقبلة.
وقبل تفصيل العناوين الكبيرة في الرحلة، نتوقّف عند هذا الخلاف بالذات، في محاولة لاستكشاف أبعاده الحقيقية، وفي رأي مراقبين أميركيين غير حكوميين أنه بلغ في المرحلة الأخيرة، عشيّة الانتخابات الكردية، مستويات خطرة شكّلت أحد الدوافع الرئيسية لاستدعاء المالكي إلى واشنطن، بقصد التشاور معه في ما يتعلّق بملف "المصالحة الوطنية العراقية"، علمًا أن الأميركيين يسجّلون على الأداء الحكومي العراقي أكثر من ملاحظة كبيرة في ما يتّصل به تحديدًا. وقد تزامنت انتخابات الإقليم مع مصادقة برلمان أربيل على مسودة دستور كردي خاص، ومع تدشين مصفاة كرديّة لتكرير النفط، وتصريحات لرئيس وزراء الإقليم نتشيروان بارزاني أكّد فيها أن الحرب باتت وشيكة بين القوّات الكردية (البشمركة) وقوّات الحكومة العراقية في منطقة مخمور المتنازع عليها، داعيًا الأميركيين إلى التدخّل بغية حلّ النزاعات القائمة بشكل سلمي.
هذه المعطيات لا تصبُّ في أي حال في مصلحة المركز (بغداد) الذي أرجأ حتى الآن البتّ بالمشاكل العالقة مع الأكراد، على أمل أن تفضي الانتخابات إلى زعزعة مواقع بارزاني وطالباني والتفويض الشعبي الذي يتمتّعان به، وذلك عبر قيام معارضة كرديّة قويّة لسلطتهما في برلمان أربيل الجديد، يمكن أن تؤدّي إلى انكفاء أو تراجع في مواقفهما المعلنة.
الملف الثاني الكبير الذي حمله المالكي إلى واشنطن، والذي ترى المشاهد السياسي أنه يحتاج هو الآخر إلى تدخّل الإدارة الأميركية، هو الملف العراقي ـ الكويتي الذي يشكّل حتى الآن عقبة أساسية في وجه رفع العقوبات الدولية عن العراق، وتحريره من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أخضع لها بعد اجتياح الكويت. ومعروف أن الجوانب الجغرافية والمالية متشعّبة في هذا الملف، وأن الكويت تصرّ إصرارًا كاملًا على التعويضات، واستعادة المسروقات ورفات الأسرى، وترسيم الحدود بشكل نهائي قبل أن توافق على تطبيع علاقاتها، وبالتالي تطبيع العلاقات الدولية مع العراق.
يرى الخبراء السياسيين والقانونيين، أن فتح الملف العراقي ـ الكويتي على خلفية الآثار المترتّبة على اجتياح الكويت في الثاني من أغسطس ١٩٩٠، يُدخِل العراق في حقل واسع من الألغام، بعدما استصدرت الولايات المتحدة حزمة من القرارات استنادًا إلى الفصل السابع، وهاجمت العراق مع ٣٣ دولة حليفة في ١٥/١١/١٩٩١، وتسبّب الحصار في وقت لاحق بكل الويلات التي عرفها العراقيون. ومجرّد البحث عن دفع التعويضات التي تقدّر بعشرات مليارات الدولارات، وإعادة ترسيم الحدود، يُقحِم الحكومة العراقية في متاهة لا نهاية لها. من هنا يُعَوِّل نوري المالكي على واشنطن في إقناع الكويت بالتنازل عن كل أو بعض الشروط التي وضعتها لإخراج العراق من الفصل السابع، في الوقت الذي تُصرُّ فيه الإدارة الأميركية على تسريع المصالحة مع البعثيين، وتذهب إلى حد فتح خطوط حوار مباشرة مع الجناح السياسي في المقاومة العراقية، وكأنها تمهّد لصيغة حكم جديدة في العراق يعيد البعث إلى مواقع القرار، عبر التفاهم مع حكّام العراق الجدد، ويعيد تركيب السلطة والأجهزة الأمنيّة بدءًا بالجيش.
ويبقى أبرز ما يهدّد الوضع الأمني والعملية السياسية ككل، خصوصًا في المناطق السنّيّة، هو التوتّر المتزايد بين الحكومة العراقية والصحوات، أضِف إلى ذلك المسائل الخلافية الناتجة عن التعديلات الدستورية العالقة، والتي تتناول أكثر من ٥٥ فقرة في الدستور الحالي، والخلافات المستمرّة حول مشروع قانون النفط والغاز الذي يوزّع الثروة على مختلف المناطق، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي لم تجد حلًا ولا حتى بداية حلّ منذ ست سنوات.
ويبقى السؤال: هل تنفجر كل هذه المشاكل العالقة في وجه المالكي دفعة واحدة، قبل أن يهتدي إلى شراكة استراتيجية واضحة مع الحكومة الأميركية، و إلى آليّات دستورية واضحة لتحويل النظام الحالي إلى نظام رئاسي، وتسويات واضحة مع البعث كما مع الأكراد، وصيغ تعاون ملائمة مع دول الجوار بدءًا بتركيا وسورية وإيران، أم أنه يستطيع إدارة الوقت وتدارك الألغام الكبيرة والصغيرة بحدّ كافٍ من المرونة والدهاء في المرحلة المقبلة، على أمل توظيف الحوار في حلحلة كل هذه المشاكل؟
خمسة عناوين كبيرة رأت مجلة المشاهد السياسي أنها تندرج تحت رحلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى واشنطن: القرار الأميركي (المنفرد) ببدء الحوار مع المقاومة العراقية، الخلافات المتصاعدة بين بغداد وأربيل، الآليّات الممكنة لإخراج العراق من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الوضع الأمني بعد استكمال الانسحابات الأميركية، ودور الجيش العراقي الجديد وما يقتضيه هذا الدور من تسليح وتجهيزات.
هذه العناوين مجتمعة تشكّل عبئًا أكثر من ثقيل على كاهل الحكومة العراقية، في مرحلة الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، وتزايد الضغوط الأمنيّة المواكبة لهذا الإعداد. لكن الخطر الأكبر الذي يتهدّد العراق يبقى، في اقتناع المالكي ومعظم المراقبين، أن الخلاف بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، وهو متشعّب الجوانب، يمكن أن ينفجر في شكل حرب أهليّة إذا استعصى حلّه في الأشهر المقبلة.
وقبل تفصيل العناوين الكبيرة في الرحلة، نتوقّف عند هذا الخلاف بالذات، في محاولة لاستكشاف أبعاده الحقيقية، وفي رأي مراقبين أميركيين غير حكوميين أنه بلغ في المرحلة الأخيرة، عشيّة الانتخابات الكردية، مستويات خطرة شكّلت أحد الدوافع الرئيسية لاستدعاء المالكي إلى واشنطن، بقصد التشاور معه في ما يتعلّق بملف "المصالحة الوطنية العراقية"، علمًا أن الأميركيين يسجّلون على الأداء الحكومي العراقي أكثر من ملاحظة كبيرة في ما يتّصل به تحديدًا. وقد تزامنت انتخابات الإقليم مع مصادقة برلمان أربيل على مسودة دستور كردي خاص، ومع تدشين مصفاة كرديّة لتكرير النفط، وتصريحات لرئيس وزراء الإقليم نتشيروان بارزاني أكّد فيها أن الحرب باتت وشيكة بين القوّات الكردية (البشمركة) وقوّات الحكومة العراقية في منطقة مخمور المتنازع عليها، داعيًا الأميركيين إلى التدخّل بغية حلّ النزاعات القائمة بشكل سلمي.
هذه المعطيات لا تصبُّ في أي حال في مصلحة المركز (بغداد) الذي أرجأ حتى الآن البتّ بالمشاكل العالقة مع الأكراد، على أمل أن تفضي الانتخابات إلى زعزعة مواقع بارزاني وطالباني والتفويض الشعبي الذي يتمتّعان به، وذلك عبر قيام معارضة كرديّة قويّة لسلطتهما في برلمان أربيل الجديد، يمكن أن تؤدّي إلى انكفاء أو تراجع في مواقفهما المعلنة.
الملف الثاني الكبير الذي حمله المالكي إلى واشنطن، والذي ترى المشاهد السياسي أنه يحتاج هو الآخر إلى تدخّل الإدارة الأميركية، هو الملف العراقي ـ الكويتي الذي يشكّل حتى الآن عقبة أساسية في وجه رفع العقوبات الدولية عن العراق، وتحريره من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أخضع لها بعد اجتياح الكويت. ومعروف أن الجوانب الجغرافية والمالية متشعّبة في هذا الملف، وأن الكويت تصرّ إصرارًا كاملًا على التعويضات، واستعادة المسروقات ورفات الأسرى، وترسيم الحدود بشكل نهائي قبل أن توافق على تطبيع علاقاتها، وبالتالي تطبيع العلاقات الدولية مع العراق.
يرى الخبراء السياسيين والقانونيين، أن فتح الملف العراقي ـ الكويتي على خلفية الآثار المترتّبة على اجتياح الكويت في الثاني من أغسطس ١٩٩٠، يُدخِل العراق في حقل واسع من الألغام، بعدما استصدرت الولايات المتحدة حزمة من القرارات استنادًا إلى الفصل السابع، وهاجمت العراق مع ٣٣ دولة حليفة في ١٥/١١/١٩٩١، وتسبّب الحصار في وقت لاحق بكل الويلات التي عرفها العراقيون. ومجرّد البحث عن دفع التعويضات التي تقدّر بعشرات مليارات الدولارات، وإعادة ترسيم الحدود، يُقحِم الحكومة العراقية في متاهة لا نهاية لها. من هنا يُعَوِّل نوري المالكي على واشنطن في إقناع الكويت بالتنازل عن كل أو بعض الشروط التي وضعتها لإخراج العراق من الفصل السابع، في الوقت الذي تُصرُّ فيه الإدارة الأميركية على تسريع المصالحة مع البعثيين، وتذهب إلى حد فتح خطوط حوار مباشرة مع الجناح السياسي في المقاومة العراقية، وكأنها تمهّد لصيغة حكم جديدة في العراق يعيد البعث إلى مواقع القرار، عبر التفاهم مع حكّام العراق الجدد، ويعيد تركيب السلطة والأجهزة الأمنيّة بدءًا بالجيش.
ويبقى أبرز ما يهدّد الوضع الأمني والعملية السياسية ككل، خصوصًا في المناطق السنّيّة، هو التوتّر المتزايد بين الحكومة العراقية والصحوات، أضِف إلى ذلك المسائل الخلافية الناتجة عن التعديلات الدستورية العالقة، والتي تتناول أكثر من ٥٥ فقرة في الدستور الحالي، والخلافات المستمرّة حول مشروع قانون النفط والغاز الذي يوزّع الثروة على مختلف المناطق، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي لم تجد حلًا ولا حتى بداية حلّ منذ ست سنوات.
ويبقى السؤال: هل تنفجر كل هذه المشاكل العالقة في وجه المالكي دفعة واحدة، قبل أن يهتدي إلى شراكة استراتيجية واضحة مع الحكومة الأميركية، و إلى آليّات دستورية واضحة لتحويل النظام الحالي إلى نظام رئاسي، وتسويات واضحة مع البعث كما مع الأكراد، وصيغ تعاون ملائمة مع دول الجوار بدءًا بتركيا وسورية وإيران، أم أنه يستطيع إدارة الوقت وتدارك الألغام الكبيرة والصغيرة بحدّ كافٍ من المرونة والدهاء في المرحلة المقبلة، على أمل توظيف الحوار في حلحلة كل هذه المشاكل؟
No comments:
Post a Comment