المشاهد السياسي، 9-15 نوفمبر 2008
عدد غير قليل من القطع البحرية الأميركية يواصل انتشاره منذ أواخر الأسبوع الفائت قبالة الساحل السوري في المتوسط، وأسراب من المقاتلات الأميركية في حالة تأهّب في شمال العراق، كما في قاعدة إنجرليك الجوية داخل الأراضي التركية، ومئات الرعايا الأميركيين والأوروبيين بدئوا يغادرون سورية، وقوّات عراقية تتحرّك في اتجاه الحدود الشمالية لسدّ الفراغ الذي أحدثه انسحاب وحدات من الجيش السوري في اتجاه الحدود الجنوبية الشرقية من لبنان.
تداعياتٌ رأت مجلة المشاهد السياسي أنها تُدَشِّن لمرحلة جديدة من المواجهة بين أمريكا وسوريا، رغم استبعاد أن تقوم الأخيرة برد مباشر يستهدف القوّات الأميركية، بعد قصف منطقة البوكمال السورية.
في الوقت الذي يستبعد فيه المسؤولون العسكريون الأميركيون ردًّا سوريًا مباشرًا يستهدف القوّات الأميركية، تنشغل دمشق بحسابات أخرى مفادها أن واشنطن قد تكون بدأت تنتهج أسلوب "العمليات الخاصة" في المناطق التي تُسبب لها صداعاً أمنيّاً، دون اللجوء إلى المواجهات العسكرية المباشرة، مما يعني أن عملية البوكمال مرشّحة للتكرار!
وقد جاءت الضربة في لحظة حسّاسة يتحدّد من خلالها مستقبل القوّات الأميركية في العراق، ومصير المحادثات الأميركية ـ العراقية الرامية إلى توقيع الاتفاقية الأمنيّة الطويلة الأمد، في ما يعني أن المقصود ردع دمشق وحلفائها في المنطقة عن التدخّل في الشأن العراقي خلال هذه المرحلة، فضلاً عن إفهام الحكومة العراقية بأن الأخطار التي تحدق بالعراق ليست قليلة، وأن دول الجوار جزء أساسي من هذه الأخطار، والقوّات العراقية لا تملك حتى الآن الجهوزية المطلوبة لحماية العراق من التحدّيات التي لا تزال تواجهه في الداخل والخارج!
وفي سياق هذه الاجتهادات كتب أندرو أكسوم، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي خدم في العراق وأفغانستان، أن البنتاغون بدأ يطبّق مع سورية التكتيك الذي يطبّقه على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية؛ فبعدما أصبحت عمليات عبور الحدود لضرب الأماكن الآمنة التي يتجمّع فيها المقاتلون الأجانب جزءا من العمل الميداني الأميركي في باكستان، أصبح القادة الميدانيون الأميركيون يتساءلون: إذا كنا نفعلها في باكستان فلماذا لا نفعلها في سورية؟
وتضيف «التايمز»: إن سورية هي حجر الزاوية في المنطقة، وهي صلة الوصل بين طهران و«حزب الله» اللبناني، وهي تستخدم الجماعات الإسلامية المتشدّدة كصمّام أمان لشغل القوّات الأميركية في العراق، كما أنها تسعى بأقصى ما تستطيع للّعب بالأوراق في التفاوض غير المباشر مع إسرائيل عبر تركيا، وفي الوقت نفسه الإبقاء على علاقاتها الوثيقة بإيران، والعملية الأخيرة رسالة استراتيجية أميركية مفادها أن على دمشق أن تختار وبعناية مَن تدعم ومن لا تدعم في هذه المرحلة.
وهنا تساءلت المجلة: كيف يبدو مستقبل العلاقات السورية ـ الأميركية بعد الغارة؟، وأين يمكن أن تردّ دمشق من دون أن تتورّط في مواجهة عسكرية مباشرة؟
المراقبون يتفقون على أن الرد لن يكون هذه المرة في لبنان، وإنما سوف يتوزّع بين العراق وفلسطين، وليس سرًّا أن دمشق تملك ما يكفي من الأوراق العراقية والفلسطينية واللبنانية، إلا أنها سوف تعمل على تحييد الساحة اللبنانية على الأرجح؛ من أجل كسب مساحة زمنية هادئة خلال الأشهر المقبلة تخدم حلفاءها المحلّيين في المعركة التي يتهيّئون لها في الانتخابات المقبلة.
مصدر سوري مطّلع يتوقّع أن تنفض دمشق يديها من الالتزامات التي أخذتها على عاتقها في اجتماعات دول الجوار، واللقاءات المباشرة مع المسؤولين العراقيين، وأبرز هذه الالتزامات: ضبط الحركة والمعاملات على طول الحدود، وإقامة علاقات دبلوماسية، واستضافة مئات آلاف اللاجئين العراقيين، وضبط نشاطات شبكات التهريب العراقية، والتنسيق مع السلطات العراقية فيما يتصل بالاتفاقية الأمنيّة على قاعدة حسن الجوار. وهذه الالتزامات كلّها مهدّدة جملة وتفصيلاً، بصورة خاصة على مستوى تهريب الأسلحة والعناصر المدرّبة عبر الحدود، الأمر الذي قد يعيد العراق عامين إلى الوراء على مستوى الوضع الأمني، وأن يعيد حجم الخسائر الأميركية إلى ما يقارب المائة قتيل في الشهر، بعدما تقلّص إلى ١٣ قتيلاً في أكتوبر الفائت، وهو أدنى معدّل وصل إليه منذ خمس سنوات.
تبدو المواجهة اليوم، كما في الأمس القريب، مواجهة بين مشروعين: الدور السوري كما تراه دمشق منذ السبعينيات، والدور ذاته كما تراه واشنطن. فمنذ قيام كولن باول بجولته في المنطقة في أيار (مايو) ٢٠٠٣، والولايات المتحدة تصرّ على إلغاء أي دور لسورية في العراق، إلا إذا كان لمصلحة السياسات الأميركية، بنفس القدر من الإصرار على نزع سلاح "حزب الله"، وقطع الصلات القائمة بين دمشق و«حماس» و«الجهاد» وإخراج قيادتيهما من الأراضي السورية. وقد طالب باول في حينه بانسحاب سورية من لبنان، لكن بعد تجريد «حزب الله» من سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي، وقال: إن مبدأ تبادل المنافع والخدمات لن يطبّق في الحقبة المقبلة على العلاقات الأميركية ـ السورية، وإن أميركا لن تكافئ سورية في لبنان على الخدمات التي يمكن أن تقدّمها في العراق أو فلسطين، وستراقب عن كثب مدى التزامها بما طلب منها، وسوف تصعّد مواقفها إن هي أحجمت عن هذا التنفيذ.
هذه المراقبة لا تزال قائمة، ودمشق تواجه الاستهداف الأميركي بالسياسات نفسها، وتبحث عن سند خارجي لمعاندة الرغبات الأميركية. وما حدث في البوكمال جزء من هذا الاستهداف، ولو تبدّلت أشكال المواجهة.
عدد غير قليل من القطع البحرية الأميركية يواصل انتشاره منذ أواخر الأسبوع الفائت قبالة الساحل السوري في المتوسط، وأسراب من المقاتلات الأميركية في حالة تأهّب في شمال العراق، كما في قاعدة إنجرليك الجوية داخل الأراضي التركية، ومئات الرعايا الأميركيين والأوروبيين بدئوا يغادرون سورية، وقوّات عراقية تتحرّك في اتجاه الحدود الشمالية لسدّ الفراغ الذي أحدثه انسحاب وحدات من الجيش السوري في اتجاه الحدود الجنوبية الشرقية من لبنان.
تداعياتٌ رأت مجلة المشاهد السياسي أنها تُدَشِّن لمرحلة جديدة من المواجهة بين أمريكا وسوريا، رغم استبعاد أن تقوم الأخيرة برد مباشر يستهدف القوّات الأميركية، بعد قصف منطقة البوكمال السورية.
في الوقت الذي يستبعد فيه المسؤولون العسكريون الأميركيون ردًّا سوريًا مباشرًا يستهدف القوّات الأميركية، تنشغل دمشق بحسابات أخرى مفادها أن واشنطن قد تكون بدأت تنتهج أسلوب "العمليات الخاصة" في المناطق التي تُسبب لها صداعاً أمنيّاً، دون اللجوء إلى المواجهات العسكرية المباشرة، مما يعني أن عملية البوكمال مرشّحة للتكرار!
وقد جاءت الضربة في لحظة حسّاسة يتحدّد من خلالها مستقبل القوّات الأميركية في العراق، ومصير المحادثات الأميركية ـ العراقية الرامية إلى توقيع الاتفاقية الأمنيّة الطويلة الأمد، في ما يعني أن المقصود ردع دمشق وحلفائها في المنطقة عن التدخّل في الشأن العراقي خلال هذه المرحلة، فضلاً عن إفهام الحكومة العراقية بأن الأخطار التي تحدق بالعراق ليست قليلة، وأن دول الجوار جزء أساسي من هذه الأخطار، والقوّات العراقية لا تملك حتى الآن الجهوزية المطلوبة لحماية العراق من التحدّيات التي لا تزال تواجهه في الداخل والخارج!
وفي سياق هذه الاجتهادات كتب أندرو أكسوم، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي خدم في العراق وأفغانستان، أن البنتاغون بدأ يطبّق مع سورية التكتيك الذي يطبّقه على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية؛ فبعدما أصبحت عمليات عبور الحدود لضرب الأماكن الآمنة التي يتجمّع فيها المقاتلون الأجانب جزءا من العمل الميداني الأميركي في باكستان، أصبح القادة الميدانيون الأميركيون يتساءلون: إذا كنا نفعلها في باكستان فلماذا لا نفعلها في سورية؟
وتضيف «التايمز»: إن سورية هي حجر الزاوية في المنطقة، وهي صلة الوصل بين طهران و«حزب الله» اللبناني، وهي تستخدم الجماعات الإسلامية المتشدّدة كصمّام أمان لشغل القوّات الأميركية في العراق، كما أنها تسعى بأقصى ما تستطيع للّعب بالأوراق في التفاوض غير المباشر مع إسرائيل عبر تركيا، وفي الوقت نفسه الإبقاء على علاقاتها الوثيقة بإيران، والعملية الأخيرة رسالة استراتيجية أميركية مفادها أن على دمشق أن تختار وبعناية مَن تدعم ومن لا تدعم في هذه المرحلة.
وهنا تساءلت المجلة: كيف يبدو مستقبل العلاقات السورية ـ الأميركية بعد الغارة؟، وأين يمكن أن تردّ دمشق من دون أن تتورّط في مواجهة عسكرية مباشرة؟
المراقبون يتفقون على أن الرد لن يكون هذه المرة في لبنان، وإنما سوف يتوزّع بين العراق وفلسطين، وليس سرًّا أن دمشق تملك ما يكفي من الأوراق العراقية والفلسطينية واللبنانية، إلا أنها سوف تعمل على تحييد الساحة اللبنانية على الأرجح؛ من أجل كسب مساحة زمنية هادئة خلال الأشهر المقبلة تخدم حلفاءها المحلّيين في المعركة التي يتهيّئون لها في الانتخابات المقبلة.
مصدر سوري مطّلع يتوقّع أن تنفض دمشق يديها من الالتزامات التي أخذتها على عاتقها في اجتماعات دول الجوار، واللقاءات المباشرة مع المسؤولين العراقيين، وأبرز هذه الالتزامات: ضبط الحركة والمعاملات على طول الحدود، وإقامة علاقات دبلوماسية، واستضافة مئات آلاف اللاجئين العراقيين، وضبط نشاطات شبكات التهريب العراقية، والتنسيق مع السلطات العراقية فيما يتصل بالاتفاقية الأمنيّة على قاعدة حسن الجوار. وهذه الالتزامات كلّها مهدّدة جملة وتفصيلاً، بصورة خاصة على مستوى تهريب الأسلحة والعناصر المدرّبة عبر الحدود، الأمر الذي قد يعيد العراق عامين إلى الوراء على مستوى الوضع الأمني، وأن يعيد حجم الخسائر الأميركية إلى ما يقارب المائة قتيل في الشهر، بعدما تقلّص إلى ١٣ قتيلاً في أكتوبر الفائت، وهو أدنى معدّل وصل إليه منذ خمس سنوات.
تبدو المواجهة اليوم، كما في الأمس القريب، مواجهة بين مشروعين: الدور السوري كما تراه دمشق منذ السبعينيات، والدور ذاته كما تراه واشنطن. فمنذ قيام كولن باول بجولته في المنطقة في أيار (مايو) ٢٠٠٣، والولايات المتحدة تصرّ على إلغاء أي دور لسورية في العراق، إلا إذا كان لمصلحة السياسات الأميركية، بنفس القدر من الإصرار على نزع سلاح "حزب الله"، وقطع الصلات القائمة بين دمشق و«حماس» و«الجهاد» وإخراج قيادتيهما من الأراضي السورية. وقد طالب باول في حينه بانسحاب سورية من لبنان، لكن بعد تجريد «حزب الله» من سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي، وقال: إن مبدأ تبادل المنافع والخدمات لن يطبّق في الحقبة المقبلة على العلاقات الأميركية ـ السورية، وإن أميركا لن تكافئ سورية في لبنان على الخدمات التي يمكن أن تقدّمها في العراق أو فلسطين، وستراقب عن كثب مدى التزامها بما طلب منها، وسوف تصعّد مواقفها إن هي أحجمت عن هذا التنفيذ.
هذه المراقبة لا تزال قائمة، ودمشق تواجه الاستهداف الأميركي بالسياسات نفسها، وتبحث عن سند خارجي لمعاندة الرغبات الأميركية. وما حدث في البوكمال جزء من هذا الاستهداف، ولو تبدّلت أشكال المواجهة.
No comments:
Post a Comment