المجتمع، 18 أكتوبر – 2 نوفمبر 2008
لم تستحوذ الأزمة المالية على اهتمام المجلات الغربية وفقط، بل والعربية أيضًا؛ فهاهي مجلة "المجتمع" تلقي الضوء على الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على مستقبل النظام الرأسمالي، في ظل ارتفاع الدين الحكومي الداخلي والخارجي في الولايات المتحدة إلى أكثر من 11 تريليون دولار، وبلوغ العجز في الموازنة الأمريكية 450 مليار دولار، وزيادة العجز التجاري على 65 مليار دولار، إضافة إلى الارتفاع المستمر لمؤشرات البطالة والتضخم والفقر.
هذه الأزمة المالية التي خلفت خسائر بلغت 2.4 تريليون دولار، جعلت قرابة 70 شركة رهن عقارية أمريكية تعلق عملياتها، أو تُصفى منذ بداية العام 2006م وحتى الآن، كما اختفى أكثر من 11 بنكا كبيرا من السوق.
ويتوقع "كريستوفر والين" العضو المنتدب لشركة أبحاث "تحليلات المخاطر المؤسسية" أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنوك تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار وذلك بحلول منتصف العام القادم.هذه الأزمة المالية العالمية يمكن حصرها في كلمتين هما: العولمة، والخصخصة، التي يقف وراءها صندوق النقد الدولي، الذي تمتلك الولايات المتحدة 40 % من أسهمه، ولها الكلمة الأولى في سياساته، فالاستجابة الكبيرة للعولمة والخصخصة جعلت الضحايا هذه المرة باتساع العالم، وتحديدا من استجابوا بلا ضوابط في السنوات العشر الأخيرة للعولمة والخصخصة.
والعولمة تعني: تراجع الدولة عن أية ضوابط مقررة لدخول وخروج رأس المال الأجنبي. أما الخصخصة فتعني: بيع القطاع العام في كل دولة بسرعة، وبأقل سعر لمن يرغب في الشراء، خصوصاً إذا كان المشتري أجنبياً، تختاره أو توصي به المؤسسات الأمريكية نفسها التي تتابع انكشافها أخيراً بفضائح مدوية.
أضف إلى ذلك تشكيك الكثير من الخبراء في الخطة المعدَّلة التي عرضها الرئيس "جورج بوش" لشراء ما قيمته 700 مليار دولار من المساكن والرهون العقارية التجارية لتحقيق الاستقرار في البنوك بسحب الأصول الخطرة من كشوف حساباتها.ويقول هؤلاء: إن الخطة جاءت لمساعدة الفاسدين الجشعين ضيقي الأفق الاقتصادي في سوق "وول ستريت" على إسقاط أصول عقارية متعثرة من دفاترهم؛ ليعيد البسمة إلى وجه حي المال الذي فيه من الموت أكثر مما فيه من الحياة.هذا المبلغ (700 مليار دولار) على ضخامته لا يعادل سوى 5 % من قيمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة، وضخّه في المصارف والمؤسسات المالية المفلسة، أو التي قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، لن يعالج الأزمة، لأنَّ جوهرها يكمن في أنَّ المال ما إن يخرج من المصرف، على شكل قرض يُمْنح لفرد أو شركة، حتى تصبح عودته إلى المصرف في علم الغيب.
لقد أحسن الوصف من قال: إنَّ ضخ مبلغ 700 مليار دولار في شرايين "وول ستريت" يشبه، بحسب نتائجه وعواقبه، أن تنقل دما لمريض ينزف. إنَّ "وول ستريت" تشبه الآن كومة من الأوراق تحترق، فهل يُطفأ الحريق إذا ما ألقيت فيه 700 مليار ورقة جديدة؟!
إنَّها كنارٍ يريدون إطفاءها بصبِّ مزيد من الزيت عليها!إن نتائج خطة الإنقاذ الموجهة أصلاً لحماية العمالقة في "وول ستريت" تقيم الدليل على أن قطار الانهيار قد انطلق بلا كوابح، لأن المواطن الأمريكي بسبب الغلاء ما عاد يسمح له بالعيش وتسديد القروض فـ"وول ستريت" تستعبد الأفراد والشركات.
وقد أكدت هذه الأزمة على عاملين اثنين، هما:* أن الولايات المتحدة الأمريكية - رغم أنها الدولة الأولى في العالم - لا تقف على أرضية صلبة من الاستقرار المالي والاقتصادي.* أن الاعتقاد السائد أن أوروبا، أو غيرها، تطورت وحققت كيانات اقتصادية متميزة يمكن أن تنافس الاقتصاد الأمريكي في المستقبل غير حقيقي، وهاهي هذه الأسواق مكشوفة على تداعيات الأزمة المالية الأمريكية!
No comments:
Post a Comment