برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Thursday, November 27, 2008

الرئيس الأميركي الجديد: الفكر اليهودي جزء من ثقافتي


المشاهد السياسي، 22 نوفمبر 2008


حول الأولويات الأوبامية في الشرق الأوسط تساءلت مجلة المشاهد السياسي: ما الذي سيتغيّر؟ وما الذي لن يتغيّر بعد وصول الرئيس الذي رفع التغيير شعاراً لمعركته إلى البيت الأبيض؟.
وتؤكد "المشاهد السياسي" أن الأولوية الأوبامية الأولى ستكون أمن إسرائيل كما يراه كيان الاحتلال، وهو من الثوابت الثابتة والأركان الركينة جداً في الاستراتيجية الأميركية، والتي لن يستطيع لا أوباما ولا سواه تغييرها، أما السياسات الأميركية الأخرى فقابلة للتعديل في ضوء ما يسمّيه صانعو القرار الأميركي "مستلزمات الأمن القومي".
ما أوردته المجلة في هذا العدد يقول: إن أوباما ربما يكون كيني الأصل أميركي المنشأ، لكنه أيضًا يهودي الثقافة والهوى! عسى قومنا يسمعوا بآذان قلوبهم هذا الكلام الصريح؛ ليعوا ويتأكدوا أن التغيير لن يأتينا على طبق أميركي، وأن طريقه الوحيد لن يكون إلا من عند أنفسنا، وهي السنة الكونية التي قال عنها ربنا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
هل يحب باراك أوباما إسرائيل واليهود بما فيه الكفاية كي يتم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة؟
السؤال طرحه أحد محرّري صحيفة "نيويورك تايمز" على إحدى المواقع الإلكترونية الأميركية وهو "أتلانتيك مانثلي"، وأجاب عنه نفس المحرر وهو جيفري غولدبرغ، وكان الجواب الذي أورده عبارة عن حوار طويل مع الرئيس الأميركي الجديد حول نظرته إلى الفكرة الإسرائيلية العنصرية.
فماذا قال أوباما؟
قال بالحرف الواحد: عندما أعود إلى الفكر الإسرائيلي العنصري أستعيد مشاعر نمت عندي تجاه إسرائيل منذ كنت طفلاً. تعرّفت وأنا في الحادية عشرة من عمري إلى مدرّس أميركي من أصل يهودي كان يمضي إجازاته في إسرائيل، وقد شرح لي مطوّلاً نظرية "أرض الميعاد" وعودة اليهود إلى إسرائيل، بعدما عانوا المحرقة، وفهمت منه أنه حريص على هذا التراث وأنه يحلم بهذه العودة. وأنا الذي كنت دائماً أبحث عن جذوري وجدت نفسي بالغ الاهتمام بهذه النظريّة، والفكرة الإسرائيلية شكّلت جزءاً من ثقافتي منذ كنت طفلاً، وهذه هي الحقيقة الأولى التي أحتفظ بها في ذاكرتي كلّما فكرت بإسرائيل!
ويضيف: ثم إن إسرائيل كدولة تعتبر مرادفًا للعدالة الاجتماعية التي أؤمن بها، وما سعى إليه الإسرائيليون في النهاية هو أن يجدوا أرضا لهم، وأن يبدؤوا من الصفر في بناء وطن ليتجاوزوا معه آلام الماضي، وأنا منجذب بقوّة إلى هذه الفكرة.
وسئُل: هل هذا يعني أن الفكر اليهودي ساعد في بلورة قناعاتك السياسية؟
فأجاب: لقد كنت دائماً أقول ـ ولو على سبيل المزاح أحياناً ـ: إن شخصيتي الفكرية هي حصيلة تفاعلي مع الأساتذة الجامعيين اليهود، وأبرز المفكّرين اليهود الذين أُعجبت بهم هما فيليب روث و ليون يوريس. وعندما توسّع أفقي السياسي أدركت أن الفكر الذي أنطلق منه في كلّ مرة أفكّر في الشرق الأوسط، هو تعلّقي الكبير وتعاطفي العميق مع إسرائيل. إنني أدرك تماماً الآلام التي عاناها الشعب اليهودي، وأدرك أكثر، أهميّة أن يعود اليهود إلى الأرض التي يحلمون بها، وإلى تراثهم الحقيقي، وكلّ هذا يتقاطع مع التراث الأفرو ـ أميركي!
بوضوح أكثر أقول: إن فكرة إسرائيل ووجودها مهمّة جداً بالنسبة إليّ شخصيا؛ لأن هذا الوجود يتقاطع مع تكويني كمهاجر يبحث عن جذوره. أفكّر هنا في المهاجرين الأفارقة الذين قصدوا هذه الأرض التي اسمها الولايات المتحدة، وعملوا على ازدهارها. أحد أهم الأمور التي لفتت انتباهي عندما زرت إسرائيل، النهضة التي حقّقتها، والطموحات التي يتلاقى عليها الإسرائيليون. بعضهم ينتقدني في وسائل الإعلام لأنني أفكّر كثيراً، وفريق العمل الذي يتعاون معي يأخذ عليّ أنني أشدّد على الجانب الأخلاقي في السياسة، وأعتقد أنني تعلّمت من الفكر اليهودي أن علينا أن نأخذ الجوانب الأخلاقية في الاعتبار. وإذا قرأتم كتاباتي فلا شك أنكم ستلاحظون أن التزامي تجاه إسرائيل ليس سياسياً فقط، وإنما هو شخصي وأخلاقي أيضاً، وهو ليس مناورة سياسية في أي حال.
ربما صدمت هذه الكلمات كثيرين ممن لم يكونوا يعرفون حقيقة هذا الرجل، وليزداد هؤلاء من الشعر بيتًا فليستمعوا إلى رأيه في حركات المقاومة الفلسطينية التي تسعى لتحرير الأرض، والدفاع عن المقدسات، وعلى رأسها حماس، التي وصفها بأنها "منظّمة إرهابية".
إنها إسرائيل يا سادة، التي قال هذا الأوباما: إن أمنها متعلق بشخصه، ولا يمكن المساومة عليه! ولبطيئي الفهم أعاد الرئيس الجديد وكرر - لكن هذه المرة بما لا يدع مجالا للبس أو لسوء فهم- قائلا: أفهم أن في العالم العربي من يقول: إن هذا الرجل (الذي هو أنا) عاش في بلد إسلامي واسم والده حسين، وهو لن يكون نسخة طبق الأصل عن الكاوبوي الذي اسمه جورج بوش. هذا يعطيهم ربما بعض الأمل، وهو أمل مشروع، لكن عليهم أن يفهموا من البداية أن دعمي لإسرائيل لا يتزعزع، وأمن إسرائيل مسألة لن أساوم في شأنها، ويفترض أن يكون هذا واضحاً للجميع!
وإذا كان العالم العربي يظن أنني سوف أتخلّى عن سياسات جورج بوش فإنه يخطئ جداً، أنا أكثر من بوش مصرّ على صيانة أمن إسرائيل وتحصين التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي، ومحاربة الإرهاب، ولن يشهد أحد أي قرار في عهدي يتعارض مع أمن إسرائيل!
مثل هذه التصريحات لا تترك مجالاً للشك في مدى تعلّق الرئيس "التغييري" باللاتغيير فيما يتصل بإسرائيل. وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن باراك أوباما بوشيٌّ أكثر من البوشيين، وهو إذا تعهّد يوماً بإيجاد حلّ للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتحديداً الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فإن هذا "الحلّ" لن يخرج على المنطق الإسرائيلي، ولن يختلف عن مضامين النهج البوشي، وأوباما الذي تشبّع بالفكر اليهودي منذ طفولته لا يرى فارقاً بين يهودي يعود إلى "أرضه" في فلسطين، وأفريقي يبحث عن جذوره فيجدها في الولايات المتحدة، أرض الأحلام الكبيرة!
وإذا كانت البدايات تعني شيئاً، أو إذا كانت الرسالة تُقرأ من عنوانها، فإن التعيين الأول الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي الجديد له دلالات عميقة، فقد اختار أوباما رام عمانوئيل رئيساً لجهازه التنفيذي في البيت الأبيض، بصفته كبير الموظّفين، ومن شأن هذا التعيين أن يبدّد الكثير من الأوهام التي ساقها فريق من العرب والمسلمين الذين يتوقّعون أن تكون إدارة أوباما مختلفة. وعمانوئيل يهودي ناشط في الحزب الديمقراطي، سبق أن خدم في قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل، وهو من أم يهودية. ومن الواضح ـ كما تقول صحيفة «معاريف» الإسرائيلية ـ أنه سوف يمارس تأثيراً خاصاً على أوباما كي يكون قريباً من إسرائيل، وفي أي حال، هو لم يقبل هذا المنصب إلا لأنه مقتنع بأن الرئيس الأميركي الجديد من أنصار إسرائيل.
انطلاقاً من هذه المسلّمات يسهل تصوّر "خارطة التغيير" التي يتوقّعها بعضهم في الشرق الأوسط على الأقلّ. وفي مراجعة تصريحات أوباما المتعلقة بالإسلام والمسلمين ما يساعد على فهم أوضح لنهجه السياسي. الرجل لا ينكر أنه نشأ في بيئة مسلمة، إلا أنه يشدّد ـ وسيظلّ يشدّد ـ على أنه سوف يوظّف ثقافته الأولى (الإسلامية) التي اكتسبها من بيئته الإندونيسية في خدمة الأمن الأميركي وأمن إسرائيل. ويستدل من تصريحاته أن التهديد الحقيقي الذي يواجه إسرائيل هو إيران، وهو يؤكد أنه سيعتمد استراتيجية قويّة في التعامل مع طهران؛ من أجل منعها من امتلاك أسلحة نووية، ووقف تهديداتها لإسرائيل. ومن الواضح أنه لن يسلّم ببرنامج نووي إيراني يوصل إيران إلى اكتساب سلاح نووي، لكن السياسة الخارجية في الولايات المتحدة ليست من صنع الرئيس وحده، وهي سياسة مؤسّساتية مطلوب منها أن تحمي المصالح الأميركية أولاً، وأي رئيس لا يستطيع تجاوزها.

لكن هل أميركا القادرة على تغيير نفسها قادرة على تغيير العالم؟
الظن الراجح أن لا، وحالة الترقّب والانتظار التي يعيشها العالم العربي قد لا تكون في محلّها، لأن جورج بوش يترك وراءه كثيراً من الهموم الاقتصادية والحروب المفتوحة التي لا تكفي السنوات الأربع المقبلة لإيجاد حلول ملائمة لها، علماً بأنه أهمل تماماً تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وتاجر بقضية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، والنتيجة كانت تزويد الأنظمة العربية، أو معظمها على الأقلّ، بمناعة خاصة ضد التحوّل الديمقراطي. وفي نهاية العهد البوشي يلاحظ فريق من المحلّلين الأميركيين أن "الشريك" الأميركي في التسوية لم يكن يوماً وسيطاً حياديّاً!

No comments: