الكفاح العربي، 3 نوفمبر ، 2008
يبدو أن أميركا بدأت تنظر إلى سوريا وكأنها المنطقة الحدودية الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، الأمر الذي دفعها للقيام بغارتها الجوية وعملية الإنزال على مزرعة السكرية داخل منطقة البوكمال السورية الحدودية؛ بزعم استهداف أفراد القاعدة.
ويبدو أيضًا أن انتهاك الحدود السورية لن يتوقف، "ولن تكون هذه العملية هي الأخيرة"، استنادًا إلى تصريحات مسئول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول دلالات العملية العسكرية، وتقييم الرد السوري عليها.
مجلة الكفاح العربي حاولت فك طلاسم هذه الأحجية الكبيرة، مؤكدة أن العراق سيكون الميدان الأول لتصفية الحسابات، عن طريق مواجهة مفتوحة، مع استبعاد الرد العسكري من قبل دمشق.
في أعقاب الغارة الأميركية على مزرعة السكرية في منطقة البوكمال السورية, بدأت "الإجراءات المؤلمة" بإلغاء اجتماع اللجنة السورية - العراقية المشتركة، الذي كان مقررا عقده في بغداد, وتجميد اجتماعات لجنة المتابعة الأمنية المنبثقة عن دول جوار العراق, وسحب أعداد من الجنود السوريين من منطقة الحدود العراقية.
كما استدعى القائم بالأعمال العراقي للغرض إياه, وطالبت سوريا الحكومة العراقية بتحمل مسؤولياتها، وبالتحقيق الفوري في هذا الانتهاك الخطير، ومنع استخدام الأراضي العراقية للعدوان على سوريا. مع صدور بيان عن مجلس الوزراء شديد اللهجة استنكر العدوان ووصفه بـ "الجريمة الوحشية", رأى أنها تمثل "ذروة إرهاب الدولة الذي تمارسه الإدارة الأميركية، منتهكة بذلك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والشرعية الدولية".
في تلك الأثناء كان تشييع ضحايا الاعتداء في البوكمال قد تحول إلى تظاهرات غاضبة تم خلالها إحراق العلمين الأميركي والإسرائيلي, ورُفِعت لافتات تحمل شعارات العداء لأميركا, وامتدت مشاعر الغضب المشتعل إلى مناطق أخرى في البلاد.
هذه الغارة شكلت فرصة سانحة لم تفوِّتها سوريا، فسارعت بزيادة نشاط دبلوماسيتها في إطار الترويج لسياستها المناهضة لاستراتيجية العدوان والحروب, وتأكيد مصداقيتها جراء حماقة ارتكبها الجانب الأميركي.
أما ردود الفعل العربية والدولية فلم تعجب سوريا؛ حيث تعمدت بعض الدول العربية تجاهل الغارة، ولم تعلق على ما جرى. أما الدول الغربية, فجاءت مواقفها خجولة باستثناء الموقف الروسي الذي كان واضحًا في رفضه سياسة الاعتداء الأميركية, والموقف الفرنسي الذي أدان الغارة. أما بان كي مون فقد وصف مراقبون موقفه بأنه "لا يليق به كأمين عام للمنظمة الدولية التي تعنى بشؤون حماية القانون الدولي وحياة المدنيين".
لم تكن سوريا تتوقع في أي حال مواقف أفضل بكثير من المواقف السالفة, ولم تكن تراهن عليها بقدر ما راهنت على يقظتها وحذرها من تزايد الأعمال العدائية الموجهة ضدها, مع تواصل نجاحها في صياغة حالة من الهدنة الدبلوماسية, بما يؤهلها للعمل على استعادة عناصر قوة دورها الإقليمي, والعمل من خلال الانفتاح الأوروبي على إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
وبالعودة إلى توقيت الغارة الأميركية نجد أنها تزامنت مع زيارة مسئولين أوروبيين لسوريا وزيارة وزير الخارجية السوري إلى لندن, وقبل شهر تمامًا في 27 سبتمبر, تزامن تفجير القزاز الذي أودى بحياة 17 مواطنًا وإصابة 14 آخرين, مع مشاركة وزير الخارجية في الاجتماع الدوري للجمعية العامة في الأمم المتحدة, ولقائه على الهامش مع عدد من وزراء الخارجية الغربيين, ناهيك عن اللقاء مع كوندوليزا رايس. وقبلها تزامن اغتيال العميد محمد سليمان مع زيارة الرئيس السوري إلى طهران بهدف نقل حصيلة مشاوراته في باريس في ما يتعلق بمعالجة الملف النووي الإيراني.
وتبقى الهدنة التي تسعى سوريا إلى تكريسها في هذه المرحلة تبدو كأرض مزروعة بالألغام, ومع كل خطوة هناك تفجير أو تهديد. ويتوجب على سوريا ليس فقط إجادة السير في حقل الألغام, أو السيطرة على التفجيرات وحسب, بل الرقص المتواصل على رؤوس الأصابع بين الفخاخ الكبيرة والصغيرة.
No comments:
Post a Comment