المشاهد السياسي، 10 – 16 مايو 2009
ماذا يعني سقوط إسلام آباد في يد طالبان؟
تساؤل لخصت مجلة المشاهد السياسي إجابته في كلمات موجزة، هي: أنه يعني بكل بساطة أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة (ومعها القوّات الأطلسية) في أفغانستان، من دون أن تتمكّن من حسمها، صارت مستحيلة، لأن التماهي بات كاملاً بين طالبان و"القاعدة" والجماعات الإسلامية في باكستان كما في أفغانستان، وتجربة السنوات الثماني الأخيرة تعني أمراً واحداً: الحلّ مع الإسلاميين لن يكون عسكرياً، وتأمين الاستقرار في كابول كما في إسلام آباد يتطلّب مصالحة سياسية واسعة.
رغم أن الولايات المتحدة ضاعفت في الفترة الأخيرة الغارات التي تتولّاها طائرات بلا طيّار على هذه المنطقة، فإن الجيش الباكستاني الذي يؤكّد أنه فَقَدَ نحو ألفي جندي منذ العام ٢٠٠١، يبدي أفضلية لحلّ يقوم على التفاوض في بعض المناطق، مثل إقليم وادي سوات.
ولا يمكن فصل هذا المشهد عن طبيعة التطوّرات التي تشهدها أفغانستان، التي تُعدّ أحد أكثر الملفّات تعقيداً التي ورثتها إدارة باراك أوباما عن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، مع اقتناع واضح مفاده أن الإدارة البوشية أهملت ملف أفغانستان من أجل الاهتمام بالعراق. ومعظم الخبراء يعتقدون أن حظوظ الإدارة الأميركية الجديدة في تغليب لغة الدبلوماسية والتفاوض تبدو ضعيفة، والرئيس الأميركي يبدو واثقا من رهاناته، لكن هذه الثقة تصطدم، يوماً بعد يوم، بالمصالح المتضاربة، والنزاعات المحلّيّة، وطبيعة تركيب النسيج الاجتماعي الباكستاني والأفغاني معاً.
وكان أوباما قد أعلن في شهر آذار (مارس) الفائت، عن إمكانية إجراء حوار مع العناصر المعتدلة في طالبان، وأعقبت هذا الإعلان زيارة قام بها ريتشارد هولبروك في الخامس من نيسان (أبريل) إلى كابول، بصفته المبعوث الأميركي الجديد إلى أفغانستان. هذه الرحلة أثارت مجموعة تساؤلات أكاديمية وسياسية حول طبيعة هذا الحوار وأطرافه وشروطه. ويستدلّ من مراجعة هذه التساؤلات، أن (ما يُسمى بــ) الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها، وأن إطلاق صفة «الاعتدال» على فريق دون الآخر تمويه مقصود لا ينطبق على الواقع.
ويقول المحلّلون الاستراتيجيون الأميركيون: إن التقديرات حول ما تمّ إنفاقه في الحملة الأميركية ـ أو ما سمّته إدارة بوش الحرب على الإرهاب ـ تراوح ما بين ٧٠٠ مليار دولار و٤ تريليونات، وهي تشمل المخصّصات المالية لحربي العراق (٢٠٠٣) وأفغانستان (٢٠٠١)، والعمليات العسكرية التي قرّرتها الإدارة الأميركية السابقة ردّاً على عمليات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، الأمر الذي يطرح مجموعة اجتهادات حول مدى الكفاية في استخدام هذه الأموال والنتائج التي حقّقتها.
وتضيف المجلة: في هذا السياق، يقول الخبراء: إن الانتكاسات الصغيرة التي يسبّبها القضاء على بعض كوادر التنظيم، هي مجرّد انتكاسات عابرة؛ لأن القاعدة أظهرت حتى الآن قدرة سريعة على ملء الفراغات على المستويات المتوسّطة والعليا، بالإضافة إلى أنها أظهرت كفاية في إعادة تنظيم صفوفها بشكل متكرّر. وإذا كانت قد عانت ضربات موجعة في العراق، فقد كانت قادرة على تعزيز مواقفها في باكستان، ومدّ نفوذها وضغوطها إلى أفريقيا، ليس في القرن الأفريقي فقط، وإنما في غرب أفريقيا أيضاً.
لذلك رأت المجلة أن الأزمة لن تنفرج بقوة السلاح، وأنه لا بديل عن الحوار والحلول الدبلوماسية، لكنها في الوقت نفسه نقلت تحذيرات المختصِّين من الآثار الجانبية الخطيرة لهذا التقارب.
يرى مدير مركز دراسات الثقافة والصراع في البحرية الأميركية توماس جونسون، ضرورة الدخول في حوار مع طالبان كجزء من الاستراتيجية الأميركية لمكافحة التمرّد، لكنه يرى في الوقت نفسه أن هذا الحوار محفوف بالمخاطر؛ استناداً إلى سوابق في هذا الشأن. ووفقًا لجونسون، فإن فكرة الحوار مع طالبان هي مسألة خلافية، فبينما ترى مجموعة من القوى الدولية، لاسيما المملكة المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، والنرويج، جدواها، تشكّك مجموعة دول إقليمية أخرى، خصوصاً روسيا، والهند وإيران، في نتائجها. ويسوق معسكر الرفض اعتراضه على أن قوّات التحالف في الوقت الحالي تعاني موقف ضعف في أفغانستان، وبالتالي فإن أي حوار من هذا القبيل سيصبّ في مصلحة حركة طالبان. على الجانب الآخر، يرى المؤيّدون الذين ينتمي جونسون إليهم، أن هذا الحوار مع من سمّاهم بالمعتدلين من طالبان سيساهم بشكل كبير في إضعاف الصف داخل الحركة وشقّه.
نعود إلى السؤال: هل تسقط باكستان في يد طالبان؟
بعد مُضي حوالي مئة يوم من حكم باراك أوباما، لا تزال الحاجة ملحّة إلى رسم استراتيجيه أميركية بديلة في التعامل مع الحرب الأفغانية، لا ترتكز على البُعد العسكري فقط في المواجهة، لأن هناك مجموعة أمور لا بدّ من القيام بها، لعلّ أولها وأبرزها على الإطلاق بناء قاعدة اقتصادية سليمة للمجتمع الباكستاني، من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الأفغاني، فضلاً عن تحسين العلاقات بين باكستان وأفغانستان الجارة الأقرب، لأن باكستان هي الأكثر تضرّراً من تردّي الأوضاع في أفغانستان. هذه المقاربة تحتاج إلى وقت، لكنها المقاربة الوحيدة التي تسمح باستراتيجية خروج واضحة المعالم، لأنّ الولايات المتحدة لا يمكنها أن تبقى في كابول كما في إسلام آباد إلى الأبد.
تساؤل لخصت مجلة المشاهد السياسي إجابته في كلمات موجزة، هي: أنه يعني بكل بساطة أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة (ومعها القوّات الأطلسية) في أفغانستان، من دون أن تتمكّن من حسمها، صارت مستحيلة، لأن التماهي بات كاملاً بين طالبان و"القاعدة" والجماعات الإسلامية في باكستان كما في أفغانستان، وتجربة السنوات الثماني الأخيرة تعني أمراً واحداً: الحلّ مع الإسلاميين لن يكون عسكرياً، وتأمين الاستقرار في كابول كما في إسلام آباد يتطلّب مصالحة سياسية واسعة.
رغم أن الولايات المتحدة ضاعفت في الفترة الأخيرة الغارات التي تتولّاها طائرات بلا طيّار على هذه المنطقة، فإن الجيش الباكستاني الذي يؤكّد أنه فَقَدَ نحو ألفي جندي منذ العام ٢٠٠١، يبدي أفضلية لحلّ يقوم على التفاوض في بعض المناطق، مثل إقليم وادي سوات.
ولا يمكن فصل هذا المشهد عن طبيعة التطوّرات التي تشهدها أفغانستان، التي تُعدّ أحد أكثر الملفّات تعقيداً التي ورثتها إدارة باراك أوباما عن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، مع اقتناع واضح مفاده أن الإدارة البوشية أهملت ملف أفغانستان من أجل الاهتمام بالعراق. ومعظم الخبراء يعتقدون أن حظوظ الإدارة الأميركية الجديدة في تغليب لغة الدبلوماسية والتفاوض تبدو ضعيفة، والرئيس الأميركي يبدو واثقا من رهاناته، لكن هذه الثقة تصطدم، يوماً بعد يوم، بالمصالح المتضاربة، والنزاعات المحلّيّة، وطبيعة تركيب النسيج الاجتماعي الباكستاني والأفغاني معاً.
وكان أوباما قد أعلن في شهر آذار (مارس) الفائت، عن إمكانية إجراء حوار مع العناصر المعتدلة في طالبان، وأعقبت هذا الإعلان زيارة قام بها ريتشارد هولبروك في الخامس من نيسان (أبريل) إلى كابول، بصفته المبعوث الأميركي الجديد إلى أفغانستان. هذه الرحلة أثارت مجموعة تساؤلات أكاديمية وسياسية حول طبيعة هذا الحوار وأطرافه وشروطه. ويستدلّ من مراجعة هذه التساؤلات، أن (ما يُسمى بــ) الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها، وأن إطلاق صفة «الاعتدال» على فريق دون الآخر تمويه مقصود لا ينطبق على الواقع.
ويقول المحلّلون الاستراتيجيون الأميركيون: إن التقديرات حول ما تمّ إنفاقه في الحملة الأميركية ـ أو ما سمّته إدارة بوش الحرب على الإرهاب ـ تراوح ما بين ٧٠٠ مليار دولار و٤ تريليونات، وهي تشمل المخصّصات المالية لحربي العراق (٢٠٠٣) وأفغانستان (٢٠٠١)، والعمليات العسكرية التي قرّرتها الإدارة الأميركية السابقة ردّاً على عمليات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، الأمر الذي يطرح مجموعة اجتهادات حول مدى الكفاية في استخدام هذه الأموال والنتائج التي حقّقتها.
وتضيف المجلة: في هذا السياق، يقول الخبراء: إن الانتكاسات الصغيرة التي يسبّبها القضاء على بعض كوادر التنظيم، هي مجرّد انتكاسات عابرة؛ لأن القاعدة أظهرت حتى الآن قدرة سريعة على ملء الفراغات على المستويات المتوسّطة والعليا، بالإضافة إلى أنها أظهرت كفاية في إعادة تنظيم صفوفها بشكل متكرّر. وإذا كانت قد عانت ضربات موجعة في العراق، فقد كانت قادرة على تعزيز مواقفها في باكستان، ومدّ نفوذها وضغوطها إلى أفريقيا، ليس في القرن الأفريقي فقط، وإنما في غرب أفريقيا أيضاً.
لذلك رأت المجلة أن الأزمة لن تنفرج بقوة السلاح، وأنه لا بديل عن الحوار والحلول الدبلوماسية، لكنها في الوقت نفسه نقلت تحذيرات المختصِّين من الآثار الجانبية الخطيرة لهذا التقارب.
يرى مدير مركز دراسات الثقافة والصراع في البحرية الأميركية توماس جونسون، ضرورة الدخول في حوار مع طالبان كجزء من الاستراتيجية الأميركية لمكافحة التمرّد، لكنه يرى في الوقت نفسه أن هذا الحوار محفوف بالمخاطر؛ استناداً إلى سوابق في هذا الشأن. ووفقًا لجونسون، فإن فكرة الحوار مع طالبان هي مسألة خلافية، فبينما ترى مجموعة من القوى الدولية، لاسيما المملكة المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، والنرويج، جدواها، تشكّك مجموعة دول إقليمية أخرى، خصوصاً روسيا، والهند وإيران، في نتائجها. ويسوق معسكر الرفض اعتراضه على أن قوّات التحالف في الوقت الحالي تعاني موقف ضعف في أفغانستان، وبالتالي فإن أي حوار من هذا القبيل سيصبّ في مصلحة حركة طالبان. على الجانب الآخر، يرى المؤيّدون الذين ينتمي جونسون إليهم، أن هذا الحوار مع من سمّاهم بالمعتدلين من طالبان سيساهم بشكل كبير في إضعاف الصف داخل الحركة وشقّه.
نعود إلى السؤال: هل تسقط باكستان في يد طالبان؟
بعد مُضي حوالي مئة يوم من حكم باراك أوباما، لا تزال الحاجة ملحّة إلى رسم استراتيجيه أميركية بديلة في التعامل مع الحرب الأفغانية، لا ترتكز على البُعد العسكري فقط في المواجهة، لأن هناك مجموعة أمور لا بدّ من القيام بها، لعلّ أولها وأبرزها على الإطلاق بناء قاعدة اقتصادية سليمة للمجتمع الباكستاني، من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الأفغاني، فضلاً عن تحسين العلاقات بين باكستان وأفغانستان الجارة الأقرب، لأن باكستان هي الأكثر تضرّراً من تردّي الأوضاع في أفغانستان. هذه المقاربة تحتاج إلى وقت، لكنها المقاربة الوحيدة التي تسمح باستراتيجية خروج واضحة المعالم، لأنّ الولايات المتحدة لا يمكنها أن تبقى في كابول كما في إسلام آباد إلى الأبد.