مجلة «المشاهد السياسي» 12 – 22 يوليو 2008
إنه حقًا «صيف التسويات».. مصطلح أطلقته مجلة المشاهد السياسي على الأيام التي نعيشها، في ظل صفقة تمت بالفعل في لبنان بين حزب الله وإسرائيل، وأخرى جاهزة في غزة بين دولة الاحتلال وحماس، وثالثة في الطريق مع سوريا.
لكن ما سر التبريد الجاري حاليًا بين سوريا وإسرائيل؟ وبين الأولى والعواصم الأوروبية، وما الذي يُحضَّر للمنطقة في المطبخ الإقليمي والمطابخ الدولية؟
مطلع الأسبوع الجاري شهد تطوّرين مثيرين: الأول كان البدء باستخراج جثث شهداء لبنانيين وفلسطينيين وعرب، من مقابر مستوطنة «عميعاد» الإسرائيلية؛ من أجل تسليمها إلى «حزب الله»، والثاني التحضير لتطبيق الشق الآخر من اتفاق التهدئة بين إسرائيل و«حماس»، وهو تبادل الأسرى في مقابل جلعاد شاليط، الأسير الإسرائيلي.
وقد أمَّنت العملية الأولى الإفراج عن سمير القنطار وخمسة من أسرى «حزب الله» الأحياء، ومئات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه استعادة رفات كل الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين الذين تحتفظ بهم إسرائيل. والانطباع الأول الذي يفرض نفسه في هذه المناسبة هو أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، أما المفاوضات والمجاملات والتمنيات فلا تسمن ولا تغني من جوع. وأفضل دليل على ذلك هو أن سلطة أبي مازن - التي توصف بالاعتدال - تلتزم كل نقطة وفاصلة وردت في «خارطة الطريق»، من دون اشتراط أي مقابل من الجانب الإسرائيلي، كما ترتبط بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية، وسائر أصدقاء إسرائيل، لكنها لا تحظى باحترام أكبر من الاحترام الذي فرضته «حماس» في اتفاق التهدئة، و«حزب الله» في صفقة التبادل. وهذا يعني أن إسرائيل لا تتراجع إلا أمام منطق القوة، وأن «الاعتدال»، أو ما يسمى كذلك، لا ينتج إلا الوعود الكاذبة.
أما اتفاق التهدئة فيعتبر في حدّ ذاته اعترافا إسرائيليا بسلطة «حماس»، وتوجها إلى التعامل معها كحكومة أمر واقع، بعدما رُفعت لاءات كثيرة في وجه هذا التعامل. وانطلاقا من هذا الاعتراف تدفع القاهرة في اتجاه صفقة من نوع أكبر، وتبدي استعدادا لرعاية حوار فلسطيني ـ فلسطيني، يمكن أن يقود إلى مصالحة وطنية محتملة بين غزة ورام الله، وهي مصالحة بدأت بشائرها تلوح في الأفق بعدما فقد الرئيس الفلسطيني كل رهاناته على «المفاوضات»، واكتشف أن القوة هي التي تعطي «حماس» مصداقية في التفاوض لا يملكها المفاوضون.
وليس سرا أن «حماس» هي المنتصر الأول في التطورات الأخيرة؛ فبعد عام كامل من الحصار الذي عاشه أهالي القطاع، عاد الأمل إلى غزة، وانخفضت أسعار السلع الاستهلاكية التي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في الأشهر الأخيرة.
وقد اعترفت الأوساط السياسية الإسرائيلية بالانتصار «الحمساوي»، واعتبرت أنه تعبير واضح عن «تآكل الردع الإسرائيلي». وقد تكون الأشهر الستة المقبلة التي يشملها اتفاق التهدئة، فرصة لإعادة ترتيب أوضاع القطاع والبيت الفلسطيني من الداخل، بعدما أثبتت التطورات أن الصمود هو أساس كل تفاوض مع قوة الردع الإسرائيلية.
أما المسار التفاوضي السوري ـ الإسرائيلي ، فما زال الغموض يلف جوانب كثيرة منه، رغم أن الصحف العبرية تدّعي أن الطرفين يخططان لعقد المزيد من اللقاءات غير المباشرة في أنقرة. وليس هناك ما يدل على أن جلسات العمل استقرت على جدولة زمنية للانسحاب الإسرائيلي من الجولان. ومع أن المسئولين الإسرائيليين مقتنعون بأن التسوية مع سوريا تخدم المصالح الإسرائيلية الاستراتيجية على مستوى المنطقة، فإن الأوساط الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية تؤكد أن التسوية ليست قريبة حتى الآن.
الصفقة الثالثة بين - سوريا وإسرائيل - إذًا واردة، لكن ظروفها لم تنضج بعد، وربما كان المطلوب في الوقت الحاضر تحييد سوريا في التعامل مع ملفات إقليمية أساسية، في انتظار أن يحين موعد إنجاز الاتفاق بالمقاييس السياسية والاستراتيجية معًا.
No comments:
Post a Comment