المشاهد السياسي، 17 يناير 2009
القطاع المحاصر منذ ١٨ شهراً في قلب المحرقة، يتحمّل عبئاً هو بالتأكيد فوق طاقته على الاحتمال. كيف يمكن قراءة حرب غزّة؟ وماذا بعدها؟
تساؤل حاولت مجلة المشاهد السياسي الإجابة عليه، في ظل عجز دولي وانقسام عربي ومذبحة إسرائيلية يدفع ثمنها الفلسطينيون الأبرياء؛ من دمائهم تارة، ومن أشلاء أحبتهم تارة أخرى. والمؤلم أن هذا كله لم يكن سوى ورقة انتخابية يحاول القادة الإسرائيليون بها كسب المزيد من الأصوات في انتخاباتهم القادمة
الدم الفلسطيني هو الأساس، والشعب الفلسطيني هو الذي يدفع الثمن غاليا، ويصارع الاحتلال وحده، في الوقت الذي تنشط الدِبلوماسيات المنحازة سلفا إلى إسرائيل من أجل وقف العدوان
لكن هذا كله لا ينفي أن للحرب أسبابها الإسرائيلية الداخلية في موسم الانتخابات المبكرة، على خلفية الحقيقة القائلة: إن الزعيم الإسرائيلي الذي يقتل أكثر من الفلسطينيين هو "زعيم تاريخي" بامتياز. ويُستدَلّ من استطلاعات الرأي التي أجريت مع أيام الحرب الأولى، على أن شعبية تسيبي ليفني وإيهود باراك كانت في صعود، وأن الإسرائيليين، يمينا ويسارا، يتقاطعون على أمر واحد: أمن إسرائيل العنصرية كما يرونه، والإمعان في تقسيم الفلسطينيين والعرب كي يسهل فرض الحلول الاستسلامية عليهم
في هذه اللحظة قرّرت إسرائيل، ومعها حلفاؤها الغربيون (وبعض العرب)، أن الوقت قد حان كي يتنازل الفلسطينيون عن حقوقهم التاريخية، وكي يتنازل العرب الرافضون عن رفضهم، وأن مبرّرات التسوية، كما يراها الإسرائيليون، قائمة، وأن المشروع الإسرائيلي قادر على تحقيق أهدافه على أرض الواقع
وتردف المجلة: حتى الآن يبدو إيهود باراك أكثر المستفيدين، لأنه يعدّ جثثا في غزّة ومقاعد في الكنيست. فبعد اليوم الأول فقط من الهجوم الجوّي كان رصيده قد ارتفع خمسة مقاعد، وفق استطلاع أجرته القناة العاشرة. وهنا تبدو غزّة ساحة تنافس انتخابي، ولو لم يكن حزب "العمل" في الحضيض لما خرج باراك إلى الحرب"
أما العرب.. فانضمت المجلة إلى القائلين بوجوب التكبير عليهم أربعًا! ويبدو بالفعل أن هذه الحرب أسقطت كل الأقنعة!
وصل النظام العربي، أي الرسميّون العرب، في أواخر العام الفائت إلى نقطة حرجة، بل بالغة الحرج، في التعامل مع المسألة الفلسطينية، عبّرت عنها كلمات الغضب التي صدرت عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وأمين عام الجامعة عمرو موسى، عقب الاجتماع الـ١٣٠ لوزراء الخارجية العرب. وكان مثيرا أن يتضمّن بيان مجلس الجامعة إشارات إلى توقيع عقوبات على الفصيل أو الفصائل التي ترفض المصالحة الفلسطينية أو تعوقها ولا تتعاون بصورة كافية مع الجهود المصرية. ومما قاله موسى بوضوح كامل: العقوبات ستكون ضد الجميع إذا لم يتصالحوا، نحن ندرس الإجراءات التي سوف تتّخذ إزاء الفوضى الفلسطينية القائمة، وكلّها في إطار مشاورات مغلقة في داخل النظام العربي الآن. وفهم من كلام موسى أن هناك مبادرة عربية معلنة بشأن التسوية الشاملة، تتضمّن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وتواصل جغرافي، مقابل السلام مع إسرائيل
النظام العربي بدا في نهاية الأمر عاجزا عن رفع الحصار الذي تعانيه غزّة، في الوقت الذي استطاع ناشطون أوروبيون أن يكسروا هذا الحصار، ولو في تحرّكات رمزية. والسبب أن العرب ككل، باتوا محكومين بوجهة نظر دولية تقول: إن رفع الحصار مرهون بشروط أربعة: أن تتخلّى "حماس" عن العنف، وتعترف بإسرائيل، والاتفاقات الموقّعة مع السلطة - وهذا ما ترفضه الحركة - ، وأن تلتزم التهدئة بعد إنهاء صفقة تبادل الأسرى. وهكذا فإن العرب ككل، يرون في إنجاز المصالحة طريقا إلى رفع الحصار، الأمر الذي لم يحصل، وطالما أنه لا يحصل فإن العجز العربي مرشّح للاستمرار، وكذلك المحنة الفلسطينية
No comments:
Post a Comment