الأهرام الاقتصادي، 22-29 ينيو 2009
يرجع تاريخ العلاقات المصرية الروسية إلي أكثر من160 عاما عندما أنشأت روسيا القيصرية أول قنصلية لها بالإسكندرية في مطلع القرن التاسع عشر. وتنتشر في روسيا العديد من المؤلفات الأدبية والشعرية عن مصر وتاريخها وحضارتها. ولعل أكثر ما عكس هذا الدفء في العلاقات احتضان مصر للعديد من المهاجرين الروس خلال حقبة العشرينيات حيث وجدوا فيها وطنًا ثانيا.
في موضوع غلافها الأخير سلطت مجلة الأهرام الاقتصادي الضوء على هذه العلاقات المميزة بين القاهرة وموسكو في سطور خطَّها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط تحت عنوان (إعادة إحياء العلاقات المصرية ـ الروسية).
مع تبادل العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتي في أغسطس عام1943, دخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة جديدة, سرعان ما شهدت نشاطا غير مسبوق للعلاقات الثنائية في مختلف الميادين دون استثناء بلغت أوجها في حقب الخمسينيات والستينيات وحتي مطلع السبعينيات, حيث شهدت تلك الفترة العديد من الإنجازات التي كانت ثمرة تعاون مشترك سواء في مجال الصناعة أو البحث العلمي أو الثقافة. ومازال السد العالي والقلاع الصناعية الكبري التي تم إنشاؤها خلال تلك الحقبة تمثل خير شاهد علي هذا التعاون. ولا يمكن أن نغفل الدعم والمساندة اللتين تلقتهما مصر من الاتحاد السوفيتي السابق خلال تلك المرحلة الدقيقة من تاريخها, والتي شهدت ليس فقط عملية هيكلة اقتصادها في مرحلة الستينيات, بل ومعارك تحرير أرضها المحتلة بسلاح سوفيتي حققت به نصرا غاليا.ورغم ما أعقب تلك الحقبة من انشغال كل بلد بأولويات مختلفة, وما تبعها من انهيار الاتحاد السوفيتي وإعادة ترتيب البيت الروسي من الداخل فإن وجود أسس راسخة للتعاون بين الجانبين قد مثل أساسا جيدا للانطلاق نحو استعادة مستوي تعاونهما السابق بعد أن استقرت الأوضاع في روسيا الاتحادية وبدأت من جديد في التطلع نحو شركائها, وكان من الطبيعي أن يعاود الجانب المصري والروسي مجددا الانفتاح علي الآخر.ولاشك أن الأعوام القليلة الماضية شهدت نقلة نوعية في العلاقات المصرية ـ الروسية أظهرها المستوي الرفيع والمتكرر من التنسيق والتشاور بين قيادتي البلدين حول مختلف القضايا الاقليمية والدولية, والتبادل المكثف لزيارات مسئولي الجانبين.
وقد ترجمت إرادة البلدين في الارتقاء بعلاقتهما الي آفاق أرحب عبر اتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي وقعه الرئيسان مبارك وميدفيديف خلال قمتهما يوم 23 يونيو الجاري كخطوة كبري نحو تحقيق نقلة نوعية في العلاقات الثنائية وهو إطار يرسي أساسا لمستوي أرفع من العلاقات بين البلدين يتكثف فيه التشاور وتتنسق المواقف وتتبادل الرؤي, ويحفز علي المزيد من التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والتنمية.
وترى المجلة أن أهمية التنسيق المصري ـ الروسي يزداد في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط خاصة في ضوء عضوية روسيا الدائمة في مجلس الأمن, ومشاركتها في الرباعية الدولية وروابطها الخاصة بجميع أطراف النزاع العربي ـ الاسرائيلي, وتفهمها التقليدي لقضايا المنطقة, وهو ما يجعلها أكثر قدرة علي التعامل مع مختلف الأطراف وحرصا علي التواصل معهم. كما أن مكانة مصر وروسيا يفرض عليهما مسئولية خاصة تجاه السعي لإحلال السلام العادل والدائم في المنطقة تراعي مباديء القانون الدولي وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة.انطلاقا من العلاقات الخاصة بين البلدين وتقدير كل منهما لأهمية وثقل دور الآخر, ينسق البلدان مواقفيهما في مختلف المحافل الدولية. وبالتوازي مع الجانب السياسي, حظي التعاون الثنائي بين البلدين في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية والسياحية باهتمام خاص من البلدين, حيث زاد حجم التبادل التجاري بينهما من350 مليون دولار عام2002, إلي خمسة أمثال عام 2008, وفي الوقت الذي بات فيه السوق الروسي أحد أهم أسواق الصادرات المصرية في منطقة شرق أوروبا, باتت مصر أيضا أهم أسواق روسيا في الشرق الأوسط علي الإطلاق. ومن هذا المنطلق يسعي الجانبان إلي زيادة حجم التبادل التجاري السلعي بينهما بما يستثمر الإمكانات الواعدة التي يتمتعان بها, ويدعم هذا التعاون الطبيعة التكاملية لهياكل الإنتاج في البلدين. وعلي صعيد الاستثمارات المشتركة, فإنه مع وجود أكثر من 229 مشروعا تم إنشاؤها باستثمارات روسية في مصر, فإن هناك آفاقا واعدة لزيادة تلك الاستثمارات وتنويع مجالاتها, وهو ما نعمل علي التركيز عليه سواء علي المستوي الحكومي أو علي مستوي تجمعات رجال الأعمال, وقد جاء طرح فكرة انشاء منطقة صناعية روسية خاصة في مصر لتمثل أحد الأفكار الهادفة إلي تطوير الاستثمارات المشتركة وتعزيز المشاركة بين قطاعات الأعمال بالبلدين.وتفرض تداعيات الأزمة المالية العالمية علينا تحديا إضافيا يتعين علينا التكاتف لمواجهته, والحد من تداعياته السلبية علي مستوي التبادل السلعي والخدمي بين البلدين, وهوما تعمل حكومتا البلدين علي دراسته سعيا للخروج بالعلاقات الثنائية من تلك الأزمة أكثر صلابة وتماسكا.
No comments:
Post a Comment