البيادر السياسي، 4 يوليو 2009
طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من رئيس وزراء إسرائيل وقف البناء في المستوطنات، هذا الطلب أحدث نوعاً من الشرخ المؤقت في الموقف الأميركي الإسرائيلي المشترك. صحيح أنه لم يفاجىء إسرائيل، لكنه وضع رئيس وزرائها أمام خيار صعب: إذا قبل الطلب فإنه سيواجه أزمة داخل حكومته اليمينية، وإن رفض الطلب فإنه سيواجه مواجهة سياسية مع إدارة أوباما..
ومن أجل "تدوير" الأزمة استعان نتنياهو بخطة - كشفت تفاصيلها مجلة البيادر السياسي في موضوع غلافها الأخير- ملخصها (تجميد وهمي للاستيطان للضحك على الأمريكان).
اقترح إيهود باراك أن تعلن إسرائيل رسمياً تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة شهور من أجل إظهار نوايا حسنة تجاه أوباما، والقبول المرحلي لمطلبه. ولكن الاقتراح يقول إن البناء في ألفي وحدة سكنية يجري الآن تشييدها لن يتوقف لأن عملية البناء أو التشييد قد بدأت قبل شهور وقبل أن يقدم أوباما طلبه، ومن الصعب إيقاف البناء فيها لأن ذلك يترتب عليه مصاريف والتزامات خاصة بعقود البناء.
ولن يتردد باراك في القول لإدارة أوباما: إن الاستيطان في الضفة مختلف عما يجري في القدس، إذ أن القدس هي عاصمة الدولة "اليهودية" ولا يحق لأحد التدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، وأن الإدارة الأميركية ذاتها تعتبر القدس منطقة "متنازع" عليها، وليست مدينة محتلة.
بنيامين نتنياهو قادر على خداع أعضاء الائتلاف وقادر على احتواء هذا الأمر من خلال الاجتماع بقادة الأحزاب اليمينية المتطرفة والقول لهم إن تجميد الاستيطان هو تجميد "شكلي" وعلى "الورق"، أما عملية البناء فستستمر وخاصة في الوحدات السكنية التي تم بناء جزء كبير منها. وأن أوباما سيقبل فيما بعد بمواصلة البناء من أجل مواجهة النمو الطبيعي داخل المستوطنات.
وسيقول نتنياهو إن أوباما سيتفهم موقفنا، وإن عليكم الاعتراض "اللفظي" على تجميد الاستيطان لأن هذا سيساعد في شرح موقفنا (موقف إسرائيل)، وإذا كانت هناك معارضة قوية، وتهديد كلامي بالانسحاب من الحكومة فإن إدارة أوباما ستكون معنية بألا تسقط حكومة نتنياهو الآن، وألا تُفرَض إملاءات وشروط وحلول على إسرائيل أو على أية دولة في العالم.
وسيقول نتنياهو إن الاستيطان في القدس سيتواصل ولن يتوقف، كما أن الاستيطان في المناطق الاستيطانية النائية والبعيدة قد تتواصل بصورة هادئة ومن دون أية ضجة وبعيداً عن وسائل الإعلام وتطبيلها وتزميرها.
وكمثال على الخداع الإسرائيلي، استشهدت المجلة بمستوطنة (جفعات هبريخا) التي أقيمت عام 2005، واعتبرت في وقتها غير شرعية، وقد أقيمت فيها 30 وحدة سكنية، وقامت وزارة الإسكان الإسرائيلية حينها برصد حوالي 1.4 مليون شيكل تدشين البنى التحتية لهذه البؤرة التي تحولت فيما بعد إلى مستوطنة معترف بها، وقد قامت وزارة الدفاع الإسرائيلية قبل حوالي عشرة شهور باعتبارها جزءاً من المستوطنات الشرعية في الضفة الغربية.. إذ أن عدد وحداتها السكنية وصل إلى ستين الآن!
كل الحديث عن البناء في المستوطنات أو وقفه أو تجميده هو حديث يتعلق بالأمور الرسمية، أي البناء الذي يتم بدعم حكومي رسمي وبمخططات معروفة. ولكن هناك منظمات استيطانية هي بنفسها تجمع التبرعات وتقوم بالبناء، وتوسيع ما تم بناؤه من دون علم الحكومة الرسمي، بل باطلاعها إذ أن إضافة أي بناء يتم بالحصول على ترخيص، ولكن من المجلس المحلي للمستوطنة الذي له صلاحيات بذلك.
والمنظمات اليهودية الداعمة للاستيطان هي عديدة سواء داخل إسرائيل أو في الخارج، وهذه المنظمات تجمع كميات كبيرة من الأموال لدعم ولتعزيز الاستيطان في المناطق العربية المحتلة منذ عام 1967. والغريب أنه لو سُئلت الحكومة عن تواصل هذا البناء، فإنها ستنفي علاقتها به، وستعتبره تصرفاً ذاتياً أو فردياً من قبل المستوطنين، أي أنها قد تدعم الاستيطان الفردي من وراء الكواليس، وفي الوقت نفسه تَدّعي أنها جمدت الاستيطان من ناحيتها. وإذا ما ازداد الضغط عليها لوقف هذا البناء فإنها ستجد المبررات لتواصله أو الادعاء بأنها ستعمل قدر الامكان لإيقافه.
خلاصة القول أن إسرائيل لن توقف سياسة الاستيطان، وخاصة أن الحكومة الحالية هي مؤلفة من عناصر وقيادات استيطانية، ولكنها ستحاول الضحك على ذقون الأميركان من خلال تقديم اقتراحات على الورق، لا تطبق على أرض الواقع..
كم من مرة أعلنت إسرائيل عن إجراءات لتحسين حياة المواطن وأثارت ضجة إعلامية حول ذلك، وصدقها المجتمع الدولي، ولكن على أرض الواقع ازدادت معاناة المواطن الفلسطيني.
نتنياهو يحاول تخطي طلب أوباما بتجميد أو وقف البناء في المستوطنات بالالتفاف عليه، علما أن المطلوب ليس فقط وقف البناء في المستوطنات بل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة منذ حزيران 1967، لأن الاحتلال هو جوهر المشكلة والنزاع، والاستيطان هو جزء فقط من هذه المشكلة.
والتساؤل الأخير الذي يمكن طرحه: إلى متى ستبقى إسرائيل مخادعة ومدللة وفوق القانون؟
No comments:
Post a Comment