برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Saturday, July 4, 2009

هكذا سقطت "الجمهورية الثالثة


المشاهد السياسي، 14- 20 يونيو 2009


لم تفضِ نتائج الانتخابات النيابية في لبنان إلى تغير ملموس في موازين القوى الحالية، الأمر الذي يثير أسئلة لدى بعض اللبنانيين حول طول مخاض الحكومة الجديدة على ضوء هذه النتائج.
مجلة المشاهد السياسي حاولت التعليق على هذا المشهد، مبتدئة بـ"المفاجأة المتوقعة" التي أفرزتها الانتخابات اللبنانية في الداخل، ومشيرة إلى نتائج المعركة في الخارج، وبالتحديد على الساحة الإسرائيلية.
يمكن القول إن المعركة الانتخابية انتهت على نحو لم يتوقّعه أكثر المتفائلين في فريق ١٤ آذار، ولا أكثر المتشائمين في ٨ آذار، فقد استعادت الأكثرية في المجلس الحالي أكثريّتها (٧١ نائباً من أصل ١٢٨)، في حين سقط التحالف المعارض، أو فشل على الأقلّ في جمع الأكثرية التي يتطلّع إليها لتسمية رئيس حكومة جديد وتشكيل حكومة جديدة، وقد اعترف حسن نصر الله بالنتائج، وبالجروح السياسية (أو الندوب على الأقلّ) التي أسفرت عنها المواجهة، وأقرّ ضمنا ببعض الأخطاء وحمّل الآخرين وزر الأخطاء الأخرى.
هذه نقطة أولى في المشهد السياسي الجديد، أما النقطة الثانية فتتّصل بطبيعة الحال بقراءة نتائج المعركة من الخارج، وأبرز ما في هذه القراءة أن إسرائيل أعربت عن ارتياحها وحذّرت الحكومة اللبنانية (الحكومة الجديدة التي لم تتشكّل بعد) من أي نشاط عسكري ينطلق من أراضيها، أيّا كان شكله، وعادت إلى التذكير بضرورة تطبيق القرارين ١٥٥٩ و١٧٠١ المتعلّقين بسلاح المقاومة (وهما قراران لا تتوقّف إسرائيل عن انتهاكهما). وذهب وزير النقل الإسرائيلي إلى أبعد من ذلك، إذ قال إنه يجب تجريد "حزب الله" من سلاحه، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الأمر يجب أن يكون شرطا لتعزيز تسليح الجيش اللبناني بأسلحة أميركية.
في النقطة الثانية أيضا يمكن القول إن المسؤولين الغربيين بصورة عامة، رأوا في عودة ١٤ آذار إلى الأكثرية علامة على أن لبنان لن يتحوّل إلى "جمهورية إسلامية" ولا إلى جمهورية موالية للغرب، وأنه محكوم (مرة أخرى) بمنطق التوافق الداخلي والائتلاف، بين "حزب الله" وحلفائه من جهة (أمل والتيار الوطني الحر ضمنا) والتحالف السنّي ـ المسيحي المقابل، تحالف ١٤ آذار، الذي اكتسب في الانتخابات الأخيرة شرعية مسيحية جديدة، ولو أنها ليست واسعة، أو في حجم الشرعيّة التي يؤمّنها تكتّل الجنرال ميشال عون.
الانتخابات الأخيرة كانت فعلا "أغلى انتخابات" في تاريخ لبنان. ومع أن أحدا لم يحتسب حتى الساعة حجم الانفاق المالي الحقيقي، فإن التقديرات الأولى تشير إلى أن أكثر من ملياري دولار أُنفِقا في المعركة، بحيث تجاوزت نفقات المرشّح الواحد ملايين الدولارات دعاية وإعلانا وتوزيع "مساعدات" أو رِشى على شكل مساعدات نقدا وعدّا، وسط استقطاب حاد مذهبي وسياسي معا.
لقد اصطف الدروز في أكثريتهم الساحقة وراء وليد جنبلاط، واصطف الشيعة وراء تحالف "حزب الله" ـ أمل، والسنّة وراء تيار "المستقبل". وحدها الساحة المسيحية كانت متعدّدة الألوان، وقد انقسمت بين مؤيّد لمشروع المقاومة ومؤيّد لمشروع المهادنة، لكن كل القوى تلاقت في نهاية المطاف على احترام أصول اللعبة، بما في ذلك "الأصول" اللبنانية في شراء الذمم والضمائر.
إلى جانب هذه المعاينات يرتسم كمّ كبير من الأسئلة والتساؤلات المتصلة بالمرحلة المقبلة لبنانيا وإقليميا ودوليا، وأبرز هذه الأسئلة:
ـ هل يشكّل النائب سعد الحريري الحكومة المقبلة؟
ـ هل تشارك المعارضة في هذه الحكومة بالثلث الضامن، أم تبقى خارج القرار الحكومي؟
ـ ما هو مستقبل الحوار الوطني الذي ينعقد دوريا في قصر بعبدا لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية الأجدى للبنان، مع الحفاظ على سلاح "حزب الله"؟
ـ هل تعود الأزمة اللبنانية إلى المربّع الأول ـ مربّع ما قبل اتفاق الدوحة ـ الأمر الذي يستلزم عقد اتفاق "دوحة ٢"، أم أن هذا الاتفاق لا يزال ساري المفعول في لبنان طالما أن المعركة لم تؤدِّ عمليا إلى أي تغيير في المشهد السياسي اللبناني وتوزيع القوى؟
ـ أين سيقف العالم من النتائج التي أسفرت عنها المعركة التي كانت إلى حد بعيد استحقاقا دوليا بامتياز؟
هذه الأسئلة وخلافها مطروحة، وحتى الآن ليس ما يدل على أن لبنان مقبل على كارثة أو مستعدّ لدخول النفق مرة أخرى، والجميع ينادي بالحوار كسبيل وحيد لحلّ المشاكل المطروحة، لكن الاستقطاب الحاد على المستويين الداخلي والخارجي ليس مطمئنا، وإسرائيل تتحيّـن الفرص للايقاع بين اللبنانيين وضرب صيغة التوافق القائمة، ومن الواضح أنها على استعداد لاستعمال كل الأسلحة من أجل توريط "حزب الله" في كل المواجهات الممكنة.
وفي النهاية هذا هو لبنان الذي ينام على استقرار ويفيق على توتّر، والعكس أيضا صحيح.

No comments: