المشاهد السياسي، 5-11 يوليو 2009
مصر، نيجريا، ناميبيا وأنجولا، أربع محطّات أفريقية في رحلة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الأخيرة إلى المنطقة، التي جاءت بعد غياب طويل لأفريقيا عن شاشة الرادار الروسية، وبعدما سجّلت الصين، إلى جانب العواصم الغربية، اختراقات واسعة في القارّة السوداء. ماذا في الأفق، وما الذي تطمح إليه روسيا الروسيّة بعد انحسار روسيا السوفياتية عن المساحة الأفريقية؟
من لندن سلطت "المشاهد السياسي" الضوء على هذا الحلم الروسي.
يريد ميدفيديف أن يُدخِل المزيد من الشركات الروسية إلى أسواق أفريقيا، لكنه يعرف جيّدا أنه وصل متأخّرا بعدما سبقه الصينيون. لكن الشركات الروسيّة قد وجدت موطئ قدم في نيجيريا خلال الأعوام الأخيرة، كما أسّست لحضور تجاري في جنوب أفريقيا، وهي تتطلّع إلى التوسّع في اتجاهين: استعادة الممكن من علاقات الاتحاد السوفياتي السابقة في القارة، وانتهاج خط سياسي جديد في زحمة التنافس الغربي ـ الصيني يضمن لروسيا موقعا في سوق الماس واليورانيوم، بالإضافة إلى النفط ومشاريع الطاقة النوويّة السلميّة.
والرحلة ليست معزولة بالطبع عن تحرّك روسي بدأ في زمن فلاديمير بوتين في الاتجاه نفسه، يمكن معاينته في جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الشرق الأوسط والخليج، وصفقات الأسلحة الروسية إلى عدد من دول المنطقة، والمبادرات الديبلوماسية التي تتواصل في السنوات الأخيرة من أجل استعادة المواقع المفقودة والتأسيس لمرحلة جديدة. وفي هذا السياق، وفي موازاة المبادرة التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما، تهيّئ موسكو لاستضافة مؤتمر دولي يعيد طرح الصراع العربي ـ الإسرائيلي على طاولة البحث، والقمّة المصرية ـ الروسية الأخيرة تندرج في إطار هذه التحضيرات.
ولافروف الذي زار كلا من البحرين وسلطنة عمان في الربيع الفائت، كان يدرك جيّدا أنه يطأ أرضا تشكّل حديقة خلفيّة للأميركيين، هي الخليج الذي يعجّ بالأساطيل والقواعد العسكرية الأميركية، لكنه جرؤ مع ذلك على طرح مشاريع تعاون عسكري مع بلدان المنطقة التي فتحت سفارات مع موسكو في مطلع العقد الفائت، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها لم تطوّر علاقاتها مع روسيا إلى حدود التعاون الاستراتيجي. ولا يمكن حتى الآن الحديث عن مثل هذا التعاون إلا على مستويين: صفقات الأسلحة الهائلة مع إيران والأقلّ أهميّة مع سورية، علما أن إسرائيل لم تفوّت فرصة في السنوات الأخيرة لعرقلة تنفيذ العقود التسليحية الروسية إلى هذين البلدين.
وتردف المجلة: إن رحلة مدفيديف الأفريقية الأخيرة، على خلفية الحلم الروسي بالامبراطورية الجديدة، لا يمكن أن تتجاهل الحضور الصيني القوي في القارة، وهو حضور أكثر من لافت. فقد قفزت أرقام التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا الفقيرة بمعدّلات قياسية العام الفائت، والعلاقات الصينية ـ الأفريقية تزداد نموّا عاما بعد عام، إلى الحد الذي تهدّد معه مواقع النفوذ الأميركية والغربية، بفضل الجهد الصيني المكثّف والحنكة السياسية وإعطاء الأولوية للجانب الاقتصادي على حساب الجانب السياسي.
يبقى سؤال، ختمت بإجابته المجلة موضوع غلافها: كيف تنظر دوائر القرار الروسي إلى جولة مدفيديف الأخيرة، وما هي الآمال التي تعلّقها عليها؟
صحيفة "نيزا ـ فيسيمايا غازيتا" الروسية اختصرت جولة الأيام الأربعة بتطوير التعاون في مجال الطاقة. موضحة أن حجم التجارة وتبادل الخلافات في العام ٢٠٠٨ بلغ ٤.١ مليارات دولار، وعدد السيّاح الروس الذين قصدوا مصر وصل إلى ١.٨٤ مليون سائح، وكما في مصر كما في الدول الأفريقية الثلاث الأخرى، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية تصدّرت المحادثات التي أجراها الرئيس الروسي.
في القاهرة أبرز العناوين كانت إقامة تعاون في قطاع الفضاء والطاقة النووية السلمية والبنية التحتيّة للنقل وغيرها من القطاعات الخدماتية، بما في ذلك تصدير الحبوب الروسية. وفي الدول الأفريقية الأخرى احتلت قضايا الطاقة والصناعات المعدنية رأس المباحثات، وفق دراسة تقول بإمكانية استغلال الموارد الطبيعية الأفريقية في تحالفات اقتصادية منتجة. واستندت الصحيفة في هذا التحليل إلى كثرة المسؤولين ورؤساء قطاع الأعمال الروسي الذين رافقوا مدفيديف في رحلته، وهي مسألة طبيعية جدّا في هذه المرحلة، بعدما انعطفت العلاقات الروسية ـ الأفريقية من المساعدة في تحرير القارة من الاستعمار في زمن الاتحاد السوفياتي السابق، إلى التعاون في مجالات التنمية الاقتصادية ـ الاجتماعية في مرحلة ما بعد التحرّر.
وباختصار، إن نيجيريا، وأنغولا، ومصر وناميبيا شكّلت عناوين أربعة في رحلة العودة الروسية إلى أفريقيا العربية وأفريقيا الأفريقية، وهي رحلة بدأها فلاديمير بوتين، وهي تشكّل ردّا روسيا على الزيارة التي قام بها باراك أوباما إلى القاهرة في ٤ يونيو الفائت، والخطاب التاريخي الذي وجّهه إلى العرب والمسلمين. في هذا السياق، حرص الرئيس الروسي على زيارة مقرّ الجامعة العربية ولقاء أمينها العام وتأكيد إحياء عملية السلام في المنطقة وعقد مؤتمر روسي للسلام قبل نهاية العام.
ورغم أن ألغاما كثيرة، صينية وأميركية وأوروبية، قد زرعت في طريق العودة الروسية إلى القارّة السوداء، فإن روسيا لا تعدم وسائل الوصال مع أصدقاء الأمس، ولو أن هذا الوصال لم يَرقَ ـ ولا يتوقّع له أن يرقى في المدى القريب ـ إلى المستوى الاستراتيجي الواضح.
No comments:
Post a Comment