المشاهد السياسي، 17 – 23 مايو 2009
بين العام ١٩٩٦ يوم انتُخب رئيسا للحكومة لأول مرّة، والعام ٢٠٠٩ يوم عاد إلى رئاسة الحكومة بدعم يميني متطرّف، لم يتبدّل بنيامين نتنياهو، الذي قصد واشنطن لتمزيق كل الاتّفاقات التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية السابقة وإعادة خلط الأوراق، الأمر الذي اعتبرته مجلة المشاهد السياسي يمثل مراوحةً في العنف والتشدّد، وإبقاء المنطقة ككل في حمّى التجاذبات المتفجّرة.
إنه بنيامين نتنياهو، لا إيهود أولمرت أو تسيبي ليفني، وهو ينطلق من موقع الرفض لا القبول. إنه يصرّ على الاحتفاظ بمرتفعات الجولان على أساس أنها تضمن لإسرائيل تقدّما استراتيجيا "في حال قيام نزاع مع سورية"، وهو يرفض أي تنازل مسبق مع "حماس" أو مع "حزب الله"، ويرفض المحادثات المباشرة أو غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، ويرفض مراجعة السياسات الاستيطانية بقدر ما يرفض الاتّفاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية السابقة. ومع أنه ذهب إلى واشنطن الأوباميّة لا البوشيّة، فقد بدا مستعدًّا للمواجهة، معتمداً على اللوبي الإسرائيلي داخل الكونغرس، وهو ما انفكّ يتنامى في صفوف الديمقراطيين كما في صفوف الجمهوريين.
لكن شيئاً ما تبدّل على أي حال. على مستوى التعاطي الأميركي ـ الإسرائيلي الرسمي، يمكن الاستدلال إليه من خلال طبيعة الحضور الأميركي في مؤتمر «إيباك» الأخير الذي شارك فيه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وخاطبه نتنياهو عبر الأقمار الصناعية. فقد درج المسؤولون الأميركيون على المشاركة في هذا المؤتمر على مستوى الرئيس الأميركي نفسه ونائبه ووزيري الخارجية والدفاع، لكن ما كان لافتاً هذا العام هو غياب أوباما وغياب كلينتون. وقد اكتفت الإدارة الأميركية بإرسال رام إيمونويل رئيس هيئة موظّفي البيت الأبيض ليكون ممثّلاً في المؤتمر، والشيء نفسه يمكن معاينته على صعيد أعضاء الكونغرس، إذ لوحظ غياب عدد كبير من الشخصيات، بينهم نانسي بيلوسي زعيمة الأكثرية في مجلس النواب وجو بايدن رئيس مجلس الشيوخ.
في الوقت نفسه، ترتفع وتيرة الشكوى الإسرائيلية من تراجع مستوى التنسيق الأمني والسياسي بين إسرائيل والإدارة الأميركية الجديدة، حتى بات بعض صانعي القرار في تلّ أبيب يتحدّثون عن "خلل" في العلاقات الثنائية بين البلدين. وتقول مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى: إنه منذ تولَّى أوباما مهمّاته، وتحديداً منذ شكّل بنيامين نتنياهو حكومته، سُجّل تراجع حادّ على مستوى التنسيق بين البلدين.
وبصرف النظر عن مؤتمر «إيباك»، اعتبرت مجلة المشاهد السياسي رحلة نتنياهو الأولى إلى واشنطن، بعد أربعة أشهر على تسلّم أوباما مهمّاته، محطّة مهمّة، في ظلّ التناقض المعلَن في توجّهات الطرفين الأميركي والإسرائيلي.
هذا الانسداد الكامل لأفق أي تسوية فلسطينية في إطار خيار الدولتين، شكّل صدمة للرئيس الأميركي الجديد أوباما، الذي سارع فور صدور نتائج الانتخابات الإسرائيلية إلى الاتصال بشيمون بيريز لـ«حثّه على مواصلة الالتزام بخيار الدولتين». بيد أن هذا سيكون من الآن فصاعداً، مجرّد تفكير رغائبي، إذ حتى في ظلّ حكومة كاديما ـ العمل، كان خيار الدولتين يتبدّد هباء منثوراً، بفعل وتائر الاستيطان اليهودي العالية في الضفّة والقدس.
هذا الحديث يقودنا إلى سؤال آخر: لماذا هذا التطرّف المتواصل في المجتمع الإسرائيلي؟ لندع مفكّراً إسرائيلياً، هو ماكسيم غيلان، الكاتب والصحافي والشاعر الإسرائيلي المعروف، يردّ على هذا السؤال. فقد أورد غيلان في مقابلة مع دورية «إيكزيكيوتيف إنتليجنس ريفيو»، النقاط الرئيسَة الآتية: في إسرائيل، هناك مجتمع يتحكّم الجيش (خصوصاً هيئة الأركان) بمصائره السياسية والاقتصادية والدينية. في هذا الجيش، توجد أخطر عصبة من الرجال على وجه الأرض. ليس هناك على وجه البسيطة قادة وجنرالات متطوّرون للغاية، ويمتلكون كميّات هائلة من أسلحة الدمار الشامل، كما في إسرائيل. إنهم متطرّفون للغاية، وقوميّون متعصّبون للغاية. وثمّة أنظمة مجنونة أخرى في العالم، لكن ليس كما في النظام الإسرائيلي. فهذا الأخير يعتبر «العالم كلّه ضدّنا»، ويعلّم أطفاله أغنية تقول هذا الشيء بالذات. ليس ثمّة دولة أخرى كإسرائيل، تهدّد بتدمير العالم من خلال حرب نوويّة، أو من خلال ارتكاب انتحار جماعي (عقدة الماسادا). نعم، الإسرائيليون يستطيعون تدمير العالم أو إشعال حرب عالمية تدمّره. والمؤسّسة العسكرية الإسرائيلية تمتلك الوسائل الضرورية لذلك.
إنهم جنرالات إسرائيل الذين يمثّلون التيار اليميني المتطرّف العنيف الذي أسّسه زئيف جابوتنسكي في مطلع القرن العشرين، هم الذين يقودون المرحلة الحالية، وهذا يعني وضع التسوية الفلسطينية في الثلاّجة من الآن وحتى إشعار آخر. والذين يراهنون على «ضغوط» أوباما يراهنون على وَهْم كبير.
No comments:
Post a Comment