البيادر السياسي، 18 يوليو 2009
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مسألة الدفاع عن الجبهة الداخلية في إسرائيل والاستعدادات اللازمة لذلك. لذلك عقد مركز (بيجين – السادات) للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، يوم الخميس الموافق 25يونيو الماضي، يومًا دراسيًا حول الدفاع عن الجبهة الداخلية في إسرائيل.
مجلة البيادر السياسي تابعت هذه الفعالية، التي أكدت أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم ترقَ إلى مستوى الجهوزية المطلوب على كافة الأصعدة، ما دفع الكثير من الباحثين الإسرئيليين إلى التأكيد على وجوب رفع مستوى حصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال كافة الإمكانات المتاحة.
بالنسبة لمشكلة حماية الجبهة الداخلية في الحرب، اتضح أنه حتى ولو صدق الخبراء بأن الخسائر البشرية التي لحقت بالجبهة الداخلية كانت محدودة، وأن المجتمع الإسرائيلي أثبت أنه يمتلك قدرة كبيرة جدا على الصمود، إلا أن ذلك يشير إلى أنه في أحيان كثيرة يعتبر المجتمع الإسرائيلي الأمن الشخصي بالنسبة للمواطنين أهم من الأمن القومي. وفي مثل هذه الحالة لن يحتمل المجتمع عدم تطوير وسائل متعددة لحماية الجبهة الداخلية . ولن تقبل توجهات تدل على "إهمال الجبهة الداخلية" أي غياب معالجة مشاكل من يقيم لفترة طويلة في الملاجئ وخاصة الأطفال والشيوخ والمرضى والمعاقين. هذا الأمر يحتاج إلى إعادة تفكير حول حماية الجبهة الداخلية قبل وخلال الحرب القادمة، ويعتقد "عنبار" أن الباحثين الأكاديميين يرون التطورات بشكل مختلف لأن بإمكانهم التفكير في الأمور الاستراتيجية بشكل متعمق بعيدا عن أية ضغوط، والمعروف أن عنبار يدعو إلى تكثيف التعاون بين المؤسسات العسكرية الإسرائيلية والجيش وبين مراكز الأبحاث الاستراتيجية.
ويعتقد البروفيسور إفرايم عنبار رئيس المركز أن على إسرائيل مهاجمة حركة حماس بشكل واسع ومكثف والدخول إلى عمق الأراضي في القطاع وحتى إبقاء قوات إسرائيلية في المنطقة طالما أن هنالك صواريخ تطلق من القطاع باتجاه المدن الإسرائيلية، ويعتقد أيضاً بأن حل الدولتين هو برنامج انتهت صلاحيته. ويؤكد في بحث أصدره حول الموضوع أن على إسرائيل العمل لحل يؤدي إلى إعادة الارتباط السياسي بين المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وبين الدول التي كانت هذه المناطق تحت سيطرتها، والمقصود ان يكون سكان القطاع تحت السيطرة المصرية وسكان الضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية حيث أن حل الدولتين لم يعد حلا ممكناً، وفي حال انعدام حل سياسي، على إسرائيل أن تعمد إلى "إدارة الصراع" لفترة طويلة، الأمر الذي يتطلب مخططات استراتيجية ملائمة، وبشكل خاص على إسرائيل وضع المخططات الملائمة للدفاع عن الجبهة الداخلية التي ستصبح عرضة للكثير من الأخطار. ويؤكد في بحثه أن الحقبة الحالية تشير إلى ابتعاد إمكانية التفاهم بين الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية لأن الشرخ بين الجانبين يتسع، ثم أن الجانب الفلسطيني - على حد قوله - ليس بمقدوره بناء دولة، بل إن كل ما تمكن الفلسطينيون من إقامته هو كيان فاشل وفاسد دون نظام ودون قانون، ويرى أن المجتمع الفلسطيني بحاجة للكثير من الوقت حتى يتحول إلى مجتمع ذي مفاهيم ومواقف سياسية معتدلة، ولذلك يرى أن الحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن يتحقق قبل عشرات السنين، ولن يتحقق قبل أن تحدث تحولات ملموسة لدى الجانب الفلسطيني.
متحدثٌ آخر هو الدكتور شاؤول شاي نائب رئيس "هيئة الأمن القومي"، الاسم الجديد لمجلس الأمن القومي، نقلت المجلة حديثه عن الدفاع عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية كأحد أسس الرؤى الأمنية الإسرائيلية، والدكتور شاي شغل في السابق منصب رئيس قسم الدراسات التاريخية في الجيش الإسرائيلي، وضمن منصبه الحالي في هيئة الأمن القومي الإسرائيلي الدكتور شاي مسؤول عن قسم السياسة الخارجية وقسم السياسات الدفاعية في هيئة الأمن القومي، وهي مؤسسة تابعة لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أُعلِن عن قيامها السنة الماضية.
يعتقد الدكتور شاي بأن على إسرائيل الاعتماد بشكل أكبر على قوة الردع وزيادة هذه القوة من خلال إيجاد الطرق الملائمة لمواجهة الحروب الجديدة التي ستكون حروباً غير تقليدية بمفاهيم اليوم، وهذا يعني أنه بمرور الوقت أصبحت المواجهات على صعيد غير متكافىء وغالباً الجيش الإسرائيلي سوف يواجه قوات من التنظيمات التي تحارب بطرق غير تقليدية، وفي هذه الحالة لن يكون للجيش الإسرائيلي الميزات التي يتمتع بها في حال خوض حرب تقليدية أمام جيش تقليدي، ويرى أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية أصبحت الجبهة الأساسية للمعركة، وستكون مستهدفة في الحروب القادمة، ولذلك أصبحت في أولويات الرؤى الأمنية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة. وهنالك تركيز من جانب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على إيجاد الوسائل المناسبة لحماية الجبهة الداخلية، ويؤكد الدكتور شاي على أن الدول المعادية لإسرائيل تدأب حالياً على تطوير الصاروخ الباليستي BM25 الذي قد يصل مداه إلى 3500 كيلومتر، الأمر الذي يعني أن مثل هذا الصاروخ بإمكانه ضرب مواقع كثيرة في الشرق الأوسط وأوروبا. ويضيف: أن النظريات الأمنية الإسرائيلية يتوجب أن تعتمد على ثلاث نقاط أساسية: قوة الردع والإنذار المبكر والحسم السريع، وفي هذه الحالة عندما تصبح الجبهة الداخلية مستهدفة بشكل خاص، وحين تصبح الجبهة الأساسية في هذه الحالة سوف يتسع مفهوم قوة الردع وبالتالي أيضاً سوف يتسع مفهوم الإنذار المبكر وعلى هذا الأساس على إسرائيل الإهتمام بشكل أكبر بأجهزة الإنذار المبكر .
ونظرية الأمن الإسرائيلية كانت تقوم بالماضي على نقل المعركة الى أرض العدو واستخدام قوات ضخمة تتفوق على العدو بسهولة وبشكل خاص استخدام سلاح الطيران لضرب الأهداف الاستراتيجية بضربة سريعة وقاصمة، كذلك كانت النظرية الأمنية الإسرائيلية تقوم على مبدأ الحرب السريعة الخاطفة التي تستمر لفترة قصيرة حيث تتم تعبئة قوات الاحتياط واحتلال أراضي العدو وضرب منشآته العسكرية والإستراتيجية، وبذلك لم تكن الجبهة الداخلية في إسرائيل معرضة لأية مخاطر تذكر أو أن المخاطر كانت قليلة جداً، بينما بمرور الوقت أصبحت الجبهة الداخلية مستهدفة وبشكل خاص في الحروب الأخيرة ثبت أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الجبهة العسكرية، وأصبح بإمكان الجانب الآخر ضرب المواقع الإسرائيلية بسهولة مقارنة بالماضي، ولذلك فالفكر العسكري الإسرائيلي تغيّر عن السابق، وبدأ يأخذ بعين الإعتبار أن الاستعدادات للمعركة تتوجب أن تشمل الجبهة الداخلية.
No comments:
Post a Comment