المشاهد السياسي، 31 مايو – 6 يونيو 2009
البداية كانت في مدريد، لكن ١٦ سنة مضت ولم تُوَصِّل عملية السلام إلى إقامة دولة فلسطينية. واليوم تواجه السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن اتفاقات أوسلو مجموعة خيارات أحلاها مرّ، وفي زمن نتنياهو - ليبرمان كل شيء يدل على أن الأولويّة ليست لحلّ الدولتين، وأن صيغة «السلام مقابل السلام» التي تقترحها إسرائيل سوف تزيد المأزق الفلسطيني عمقاً.
إنها "الحراثة الفلسطينية في الماء الأميركي" على حد وصف مجلة المشاهد السياسي التي اعتبرت الوضع الراهن يشبه مرحلة انعدام الأمل.
التقارير والتحليلات التي نشرت بعد لقاء أوباما ـ نتنياهو تتقاطع على أن اللقاء لم يسفر عن شيء لجهة التوافق الأميركي ـ الإسرائيلي إزاء ملفّات الشرق الأوسط. حتى في الملف الإيراني لم يتوصّل الرئيس الأميركي الجديد الى انتزاع تعهّد واضح من إسرائيل بعدم القيام بضربة مفاجئة للمفاعل النووي، وكل ما تم التفاهم عليه إجراء مفاوضات جديدة مع إيران بسقف زمني محدّد (لا يتجاوز نهاية السنة الحالية)، حتى إذا لم تؤدّ الى نتائج كان الخيار العسكري مطروحاً. وكل ما يمكن الركون إليه في انتظار انتهاء المفاوضات مع إيران، هو تشكيل مجموعة عمل للشرق الأوسط برئاسة الموفد الأميركي جورج ميتشل، ومجموعة عمل أخرى لإيران برئاسة مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز، في الوقت الذي يتحدّث نتنياهو عن مفاوضات سورية ـ إسرائيلية عندما يتم حسم الملف الإيراني.
في موازاة هذا الكلام، لا يزال الجرح الفلسطيني ينزف. ويلاحظ أن الفلسطينيين جرّبوا حتى الآن كل أنواع الحوار في المساحة الممتدة من غزّة الى داكار مروراً بالقاهرة وصنعاء ومكة والدوحة، وأمضوا مئات الساعات يتناقشون في مشاكلهم الداخلية من دون جدوى.
ورغم كل الجهود التي تقول القاهرة إنها بذلتها حتى الآن، فإن شيئاً لا يدل على أن هناك بوادر اتفاق... وكل ما يحصل هو أن الفلسطينيين متفاهمون على متابعة الحوار سعياً الى اتفاق محاصصة لم يتم التوصّل إليه حتى الآن. وما يطفو على السطح هو وجود رؤيتين متناقضتين في الساحة الفلسطينية، الأولى تدعو الى المقاومة وتمثّلها «حماس» و«الجهاد»، والثانية تدعو الى السلم وتمثّلها «فتح». وبين الرؤيتين مساحة ضبابية تمثّلها الفصائل الباقية. وأطراف الصراع لا تريد الاعتراف علناً بأن التحدّي الخارجي يتمثّل في الفيتو الأميركي على خيار المقاومة، وهو العقبة الرئيسية أمام ما يسمّى «الوفاق» الفلسطيني، إذ عندما تقتنع الفصائل المقاومة بمبدأ نبذ «العنف» سوف يؤدّي ذلك الى التوافق الداخلي ولو لم ينعقد أي حوار.
وتتساءل المجلة: ماذا يعني هذا كلّه؟ لتجيب مسرعة: إنه يعني أن فريق نتنياهو- ليبرمان ليس مستعجلاً على أي حل سلمي مع الفلسطينيين ولا مع العرب، رغم وجود مبادرة السلام العربية التي توسّعت أخيراً الى ما بات يسمّى «حل الـ٥٧»، وهو يعني أيضاً أنه لم يعد أمام العرب ما يعرضونه على الأميركيين أو على الإسرائيليين. هذا في الوقت الذي لا يزال معه الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني قائماً، وتستمر الأمور كلّها في عنق الزجاجة المفخّخ.
والصراع بين الأطراف الفلسطينية مرصود على خمس قضايا كبيرة كل واحدة منها كفيلة بتفجيره في أي لحظة، هي: مستقبل منظّمة التحرير، إعادة تشكيل الأجهزة الأمنيّة، البرنامج السياسي للحكومة الفلسطينية الوفاقية (إذا تشكّلت) قضايا المعتقلين السياسيين في غزة والضفة، والانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. وقد تردّد أن وثيقة الوفاق الفلسطيني التي صاغها الأسرى الفلسطينيون في المعتقلات الإسرائيلية، كما اتفاق مكة، كفيلان بدفع الحوار الى نهاياته، لكن ما يحدث على الأرض يوحي بأن المخارج التي ترسمها هاتان الوثيقتان ليست كافية للتوصّل الى تسوية.
يعزّز الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني أن «فتح» التي كانت منذ العام ١٩٦٩ حزب المقاومة والثورة، تحوّلت بعد تأسيس السلطة في العام ١٩٩٤ الى حزب السلطة، الأمر الذي أحدث خللاً لا يزال يتعمّق في الجسم الفلسطيني المقاوم، ورغم حصول «حماس» على ٧٦ مقعداً من أصل ١٣٢ في انتخابات ٢٠٠٦ (نصيب فتح كان ٤٣ مقعداً وبقيّة الفصائل ١٣)، فإن هذه الأكثرية لم تحلّ المشكلة، لأن «حماس» تملك برنامجاً سياسياً ونضالياً لا ينسجم مع التطلّعات الأميركية ـ الإسرائيلية للحل، الأمر الذي أدّى الى تراجع الآمال بالتسوية المرتقبة، وهذا يعني أن ٢٦٨ جولة (وفاق المصادر الفلسطينية الرسمية) من المحادثات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، أوصلت الأمور في نهاية المطاف الى عنق الزجاجة، علماً أن هذه الجولات ـ على امتداد عام ونصف العام ـ لم توقف بناء المستعمرات، أو هدم البيوت، أو إجراءات التهويد في القدس وخارجها.
No comments:
Post a Comment