المشاهد السياسي، 4 يوليو 2009
ما الذي تغيّر وما الذي لم يتغيّر في إيران بعد أسبوع من الاحتجاجات؟ تساؤل أجابت عنه مجلة المشاهد السياسي من خلال رؤية لخصتها في مستهل موضوع غلافها الأخير، حين قالت: ما يجري في إيران منذ أكثر من أسبوع هو أكثر من مجرّد احتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية، إنه صراع حقيقي لم يغادر بعد إطار ولاية الفقيه ولم يخرج عليها، لكنه مفتوح على إعادة رسم الخارطة السياسية الداخلية على مستوى المحافظين كما على مستوى الاصلاحيين
التغيير الأول يمكن معاينته في نزول مئات الآلاف من الإيرانيين إلى شوارع طهران والمدن الأخرى الكبرى، بعد إطلالة المرشد الأعلى علي خامنئي يوم الجمعة في التاسع عشر من الشهر الماضي ليدافع عن نتائج الانتخابات وعن فوز محمود أحمدي نجاد. هذا يعني أن كلمة ولي الفقيه لم تعد مسموعة لدى شريحة واسعة من الإيرانيين، وأنه بات محسوباً ـ كما مجلس صيانة الدستور ـ على فريق إيراني دون الآخر. وسواء أدّت الاحتجاجات إلى إلغاء نتائج الانتخابات أو إلى تثبيت نجاد في موقعه القديم ـ الجديد، فإن المرجعية الإيرانية فقدت الكثير من هيبتها في الأيام الأخيرة
حتى الأمس القريب كان تكريس هذه المرجعيّة، شكلا ومضمونا، هو المدخل الحاسم في التعبير عن إرادة الشعب، بغضّ النظر عن الخلافات السياسية الداخلية، لكن الخروج على هذه المرجعية هو تعبير عن احتقان طويل، والخروج من الأزمة، أو منع استفحالها، قد يقتضي حلولاً غير عادية من داخل أو من خارج البنية الدينية ـ السياسية القائمة
التغيير الثاني هو أن الحلول الدستورية التي توصّلت إليها لجنة صيانة الدستور لن تنجح في إنهاء الأزمة، لأن هذه اللجنة متّهمة مسبقاً بالانحياز إلى جانب نجاد، ولأن الأزمة في الأساس فكرية عقائدية لا سياسية فقط، والمراقبون المحايدون يرون فيها خروج فئات واسعة من المثقّفين الإيرانيين والشباب والنساء ورجال الأعمال على "عقيدة" الثورة، في تحدّ أيديولوجي واضح لركائز النظام القائم. وكثيرون هم الخبراء الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن الشرائح الاجتماعية التي شاركت في المسيرات الشعبية حتى الآن، مصرّة على التغيير، وأن على نجاد أن يستجيب لهذا التغيير كي يحافظ على الاستقرار الداخلي، محاولاً مدّ جسور التفاهم مع خصومه، ودعوتهم للمشاركة في الحكومة، قبل أن يتفاقم الوضع بصورة تصعب معها السيطرة عليه. هذا يعني أن الساخطين لا يقصدون شخصاً بعينه هو محمود أحمدي نجاد، بقدر ما يرفضون النظام الذي يمثّله نجاد
التغيير الثالث يمكن معاينته داخل المؤسّسة الدينية الإيرانية، ذلك بأن كبار آيات الله في "قم" لم يصدروا حتى الآن أي تأييد لإعادة انتخاب نجاد رئيساً، الأمر الذي يوحي بانقسام لم يكن مألوفاً بين الأئمّة، علماً بأن "قم" وحدها قادرة على أن تقرّر مسار الأزمة، وربما مصير الولي الفقيه نفسه. وفي حال استمرار الانقسام، فإن هذا يعني أن السفينة الإيرانية دخلت في مضائق جديدة لم تعرفها منذ ثلاثة عقود، وأن فرص الخارج للتدخّل في الشؤون الإيرانية تتزايد على حساب الاستقرار الإيراني، في الوقت الذي تتراكم فيه الضغوط الخارجية على الجمهورية الإسلامية
وتضيف المجلة: على أي حال، لم يحن الوقت بعد للتكهّن بطبيعة الحلول الممكنة في إيران، لأن الخروج من الأزمة الراهنة لن يكون سهلاً، وما يجري أقلّ من ثورة على الثورة، وأكثر من ثورة من داخل الثورة، بل إن بعضهم يرى فيه ثورة على الذين يريدون إجهاض الثورة
إن ما تشهده إيران أكثر من مجرّد "موجة خضراء" موسويّة، وإنما تلاقٍ بين أخصام الثورة، من أجل إحداث انعطاف تاريخي داخل النظام الإسلامي، علماً بأن أطرافاً معروفة هي الأكراد والبلوش والعرب وأقلّيّات أخرى كانت دائماً مناوئة للنظام القائم، وحجم الاحتجاجات يوحي بأنه أكبر من مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني
من أين يبدأ الحل؟
الحل في اعتقاد المراقبين الحريصين على الثورة، يبدأ بلملمة الأزمة من الشارع، والعودة إلى الحوار بين فصائل الثورة المحافظة والإصلاحية. والمحافظون الجدد والتقليديون، وكذلك حرس الثورة مدعوّون إلى التسليم بأن هناك إصلاحيين داخل المؤسّسات الحاكمة، وداخل شرائح المجتمع الإيراني، ولو خفتت أصواتهم طوال السنوات العشر الأخيرة، وأن هؤلاء الذين كانوا يؤمنون بولاية آية الله الخميني هم أيضاً أبناء الثورة ولو أنهم لا يؤمنون اليوم بولاية الفقيه
والمسألة كلّها تبدو وكأن الشارع الإيراني يتحرّك في المسافة الفاصلة بين "الجمهورية الإسلامية" و"الدولة الإسلامية". هناك شبه إجماع على "الجمهورية"، لكن هذا الاجماع ليس قائماً على مستوى "الدولة
(من المهم أيضًا) تلاقِي أبناء الثورة -المرشّحون الأربعة ضمناً- على الحد الأدنى من التوافق، بصورة تسمح للإصلاحيين بالمشاركة في السلطة بتدخّل مباشر من المرشد الأعلى
كذلك ضع خطّة عمل هادفة تسمح بتحقيق المصالحة بين "الجمهورية" و"الدولة"، بعدما دلّت الأحداث الأخيرة على أن شرائح إيرانية واسعة سبق أن آمنت بالثورة تجد نفسها اليوم خارج مشروع الدولة
(والأهم من ذلك كله) الإسراع في لملمة الأزمة من الشارع، منعاً لأي استغلال خارجي لها، في الوقت الذي تواجه إيران استحقاقات كبيرة على المستويين الاقتصادي والنووي، لا تسمح بمزيد من الصدامات الداخلية
وفي ضوء هذه الأولويات، هناك من يتوقّع أن تكون "الموجة الخضراء" التي شهدتها طهران والمدن الإيرانية بداية تغيير من الداخل، تُوَظّف فيه ولاية نجاد الثانية لإعادة صياغة التلاقي بين المحافظين والتغييريين، بمشاركة القيادة الإصلاحية الجديدة (مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحسن رضائي وهاشمي رفسنجاني وسيد محمد خاتمي
No comments:
Post a Comment