المشاهد السياسي، 22-30 مايو 2009
ثلاثة عناوين كبيرة استخرجتها مجلة المشاهد السياسي من انتخابات الكويت الأخيرة: الأول دخول المرأة مجلس الأمّة في التجربة الانتخابية الثالثة (منذ العام ٢٠٠٥). الثاني: تراجع الإسلاميين لمصلحة المستقلّين. والثالث: فتح الطريق أمام إقرار الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، نتيجة الصراع بين مجلس الأمّة والوزراء، من خلال التصويت على برنامج التحفيز الذي يتجاوز حجمه ٥ مليارات دولار في المجالين المالي والاستثماري. لكن كيف كان ذلك ممكنا؟!
"سترون شيئاً مختلفاً هذه المرة"، صرَّحت بذلك المرشّحة الليبرالية الدكتورة رولا الدشتي، متوقعة أن تصل أربع نساء إلى الندوة البرلمانية، وصدقت. أربع وصلن هن: الدشتي، معصومة المبارك، أسيل العوضي وسلوى الجسار، ودخلن التاريخ السياسي الكويتي من أوسع الأبواب في ما بات يسمّى «مجلس التغيير».
وكان التغيير الأبرز، إلى جانب الاختراق النسائي، هو تراجع قوّة الإسلاميين السنّة من ٢١ مقعداً في البرلمان السابق إلى ١١ مقعداً في البرلمان الجديد، في الوقت الذي عزّز الليبراليون حضورهم وفازوا بمقعد إضافي. الشيعة حقّقوا تقدّماً لافتاً وضاعفوا حضورهم تقريباً في مجلس الأمّة. وقد بلغ عدد النواب الشيعة تسعة من أصل خمسين، يتوزّعون بين منتمين إلى تجمّعات سياسية دينية ومستقلّين ليبراليين (بينهم معصومة المبارك)، وتراجعت الحركة الدستورية (الإخوان المسلمون) إلى مقعد واحد للنائب جمعان الحربش، بعدما كانت تملك ثلاثة مقاعد في المجلس السابق، كما تراجع التجمّع الإسلامي السلفي من خمسة مقاعد إلى مقعدين، وبات الإسلاميون في المجلس الحالي يشكّلون ١٠ إلى ١١ مقعدًا.
ومن المفاجآت التي شهدتها المعركة سقوط أسماء بارزة لها ثقلها في الوسط السياسي الكويتي، أبرزها عبد الله النيباري (أمين عام المنبر الديمقراطي)، وأحمد المليفي الذي سبق أن أثار قضية نفقات مكتب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، والنائب السابق عبد الواحد العوضي، وأحمد لاري (العضو في التحالف الإسلامي الوطني، كذلك سقط النائب السابق عبد العزيز الشاريجي من الإخوان المسلمين، وسقط معه النائب السابق محمد الكندري (من التجمّع السلفي).
هناك تساؤل هام يشغل الجميع الآن: ماذا بعد المعركة؟
وللإجابة عليه استعانت المجلة بدراسة مطوّلة أعدّها مركز كارنيجي للسلام، جاء فيها: إن فوز الليبراليين والمستقلّين والإصلاحيين بالأكثرية البرلمانية، قد يكون رد الفعل المتوقّع على حالة الإحباط التي أصابت الكويت في المرحلة الأخيرة، نتيجة الصدامات المتواصلة بين الحكومة والإسلاميين، لكن هذا الفوز لن يقود بالضرورة إلى إصلاح حقيقي.
وتضيف الدراسة: تحتاج الكويت إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميَّيْن، فالكويت على مسار إيجابي بشكل عام، وأخطر ما يتهددها هو زعزعة الاستقرار في المنطقة وليس المشاكل الداخلية، ومن المهم أن يفهم المجتمع الدولي ويقدّر حقائق الحياة السياسية الكويتية. وستتيح السنوات المقبلة فرصة هامّة لإجراء المزيد من الإصلاحات في الحكم والسياسة في الكويت، ويجب تشجيع هذا المسار؛ لأن تأثيره سيكون كبيراً على الاقتصاد والمجتمع. أما على مستوى الإصلاح السياسي، فيبدو من الأهميّة بمكان مساعدةُ الكويت في معرفة تطوير جمعيات أو أحزاب سياسية أكثرَ فعالية وإنتاجية، يمكنها أن تكون أكثر فعالية في مجال تطوير التشريعات والسياسات العامة.
وتنتهي الدراسة إلى القول: قد يكون أيضاً من الأهميّة بمكان للأنظمة الملكية الدستورية في العالم، أن تتشارك في شرح تاريخ تطوّرها، وفي النقاشات الداخلية التي قادتها إلى حيث هي اليوم، وقد تكون الإمارة الدستورية هي وجهة الكويت على المدى البعيد، شأنها شأن العديد من الأنظمة الملكية الحالية في العالم العربي، لكن اللاعب الغربي الأكثر حضوراً في الشرق الأوسط، أي الولايات المتحدة، لا يملك هذا الفهم لطبيعة نشُوء الأنظمة الملكية الدستورية، وفهمه للديمقراطية الجمهورية لا يتناسب مع واقع الكويت ومستقبلها.
No comments:
Post a Comment