المجتمع 14 فبراير- 9 مارس 2009
تصاعدت في الأشهر الأخيرة عمليات القرصنة البحرية في المحيط الهندي وخليج عدن، وقبالة سواحل الصومال خاصة، وشملت حجز واختطاف عشرات السفن من مختلف الجنسيات والحمولات. مجلة المجتمع تساءلت: هل كانت القرصنة البحرية أمراً محدثاً من أعمال الصوماليين وحدهم؟ ... ألا توجد أعمال قرصنة في أماكن أخرى من العالم؟!
الوقائع التاريخية تشير إلى أن أعمال القرصنة والسطو على السفن التجارية كانت على الدوام تمثل خطراً لا يقل عن خطر الأعاصير والأمواج العاتية، ويرجع تاريخ القرصنة البحرية لأكثر من ألفي عام، ومع سيطرة الدول على الشواطئ تراجعت أعمال القرصنة، لكنها لم تنتهِ، خاصة في بحر الصين الجنوبي ومضيق سنغافورة. وفي الفترة من يناير إلى سبتمبر 2008م، رصد المكتب البحري الدولي 199 جريمة قرصنة أو محاولة للقرصنة، بينها 63 جريمة بخليج عدن، وقبالة السواحل الصومالية، أي ما يقارب الثلث، بينما جرت بقية المحاولات في أماكن أخرى.ويستخدم الخاطفون الزوارق لشن هجماتهم، ويتخذون من سفينة قاعدة لعملياتهم، ويحملون أسلحة آلية ومدافع خفيفة، بينما يتصدى لهم البحارة غير المؤهلين لخوض اشتباكات قتال بخراطيم المياه؛ لأن السفن التجارية لا تحمل طواقمها سلاحاً للدفاع عن النفس، وهو ما يغري القراصنة بالسطو على تلك الغنائم الثمينة دون أخطار كبيرة. وتشير المعلومات إلى أن القراصنة احتجزوا خلال العام الماضي (2008م) قرابة 400 من أطقم بحارة السفن المختطفة، وحصلوا على أكثر من 150 مليون دولار فدية، وتتراوح الفدية بين مئات آلاف وملايين الدولارات، حسب السفينة وهويتها وحمولتها وهويات الرهائن، وفي حين ترفض الدول التفاوض مع الخاطفين فإن الشركات المالكة للسفن تفعل ذلك، وتدفع ملايين الدولارات فدية للسفن.
وانتقلت المجلة للحديث عن أهمية خليج عدن، مؤكدة أنه من الطبيعي أن تبدي الدول العربية المطلة على البحر الأحمر اهتماما خاصا بما يجري بالقرب من مياهها الإقليمية جنوب باب المندب، لاسيما مع تواجد سفن من الولايات المتحدة والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين في المنطقة، تحت مظلة قرارات الأمم المتحدة، التي تعطي المزيد من الصلاحيات للدول الأجنبية، تحت غطاء مكافحة القرصنة.
ولأننا نتحدث عن دول لها تاريخ أسود في الاحتلال والاستعمار، فإن مثل هذا التفويض يثير مخاوف كثيرة، ويمكن أن يعطي ذريعة لكل راغب في التدخل في الصومال.إن هذا الوجود العسكري يمكن أن يُكسب أطرافاً أجنبية حقوقاً في المنطقة، ويخلق سوابق قانونية وعسكرية يُسَاء استخدامها فيما بعد، على حساب سيادة الدول العربية، مثلما يحدث في باكستان؛ حيث تشن الطائرات الأمريكية هجمات على أراضي باكستان دون إذن منها، تحت زعم مكافحة الإرهاب. كما أن الوجود العسكري الأجنبي يمكن أن يُستخدَم في أي وقت للضغط على دول المنطقة، بل ويمكن أن يُستخدَم في عمليات عسكرية ضد بعض الدول، بعد اختلاق أسباب واهية، وما مبررات التدخل العسكري في العراق ببعيد، وقد اعترف كبار المسئولين الأمريكيين بأنها لم تكن موجودة.ومن الطبيعي أن تطلب الأساطيل الأجنبية تسهيلات عسكرية من بعض الدول العربية، بما يعني واقعيًا إيجاد قواعد أجنبية تبقى في المنطقة، حتى بعد انتفاء أسباب وجودها.وهكذا تتحول بلادنا من منطقة عربية إلى ساحة لتجمع القوى الدولية، خصوصا مع دخول القوى الجديدة، مثل الصين والهند التي تنتظر مثل هذه الفرص؛ لتُثبِت انتهاء الهيمنة الأمريكية وبروز قوى كبرى جديدة. كما يستغل الكيان الصهيوني الأزمة لإيجاد موطئ قدم له، خاصة في ظل علاقته الوثيقة بإريتريا، والمعلومات غير المؤكدة عن وجود صهيوني في الصومال في أرض البنط "بونت لاند".
No comments:
Post a Comment