المشاهد السياسي، 7فبراير 2009
بعد انتفاضة رجب طيّب أردوغان في وجه شيمون بيريز، تسائلت مجلة المشاهد السياسي: هل انتهى "شهر العسل" التركي ـ الإسرائيلي، أم أن ما يعتبره جنرالات تركيا كما جنرالات إسرائيل "مصالح وطنية" مشتركة، كفيل بإعادة وصل ما انقطع في منتدى دافوس في أعقاب حرب غزّة، وكفيل بالتالي بإعادة التوازن الى علاقات تركيا الخارجية.
مراجعة الصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة تكشف بوضوح عن خشية المنظومة الأمنيّة الإسرائيلية من قيام تركيا بإلغاء الاتفاقات الأمنيّة والعسكرية الموقّعة مع إسرائيل من طرف واحد، بما في ذلك صفقات السلاح والتنسيق الدبلوماسي، ويُتوقّع أن تحفل الأيام المقبلة بمداولات إسرائيلية داخلية مكثّفة حول هذا الموضوع، بمشاركة الجيش ووزارات الأمن والدفاع والخارجية.
ورغم الحرص الإسرائيلي على احتواء الأزمة التي فجّرت مشكلة كامنة في العلاقات الثنائية، وعبّرت عن مدى خيبة أردوغان من حرب غزّة، فإن كثيرين من المراقبين يميلون إلى الاعتقاد بأن تصدّعًا قد حصل في العلاقات بين البلدين، وأن ما حدث في دافوس كان بمثابة "النقطة التي طفح بها الكيل"، والدليل أن إيهود أولمرت طلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وممثّل اللجنة الرباعية الدولية طوني بلير، التدخّل لدى أردوغان لتليين موقفه الحادّ تجاه إسرائيل، وهو موقف ظهرت بوادره عندما رفض رئيس الوزراء التركي الرد على اتصال هاتفي لأولمرت.
رد الفعل التركي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة كان لافتًا، ولا يحتاج ذلك تأكيدًا من المجلة، بخلاف ما كان عليه الأمر خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام ٢٠٠٦. وبالمقارنة مع ردود الفعل الأخرى، اعتبرته "المشاهد السياسي" موقفًا متقدّمًا. وحُقّ لها أن تفعل؛ فوحده رجب طيّب أردوغان، ومنذ اليوم الأول للغارات الإسرائيلية، انتقد إسرائيل بشدّة وقام بجولة في الشرق الأوسط وعقد مشاورات مع القادة العرب، ورفض الرد على اتصال إيهود أولمرت. والأحزاب التركية المعارضة وجّهت بدورها انتقادات الى إسرائيل وخرج الأتراك في تظاهرة مليونيّة احتجاجًا.
استنكار تركيا، حكومة وشعبًا، العدوان الإسرائيلي يعتبر تطوّرًا مهمًا وذا دلالة تاريخية، لأن هناك اتفاقات كثيرة تربط أنقرة بتل أبيب، بعضها سرّي وبعضها الآخر علني. هذا يعني أن أردوغان استطاع تحريك شعبه حول قضية وطنية، على خلفيّة أن بين الأتراك والفلسطينيين علاقات عمرها أكثر من ٥٠٠ عام، فضلًا عن الروابط الدينية، وفي ضوء هذه الروابط يمكن قراءة سلوك الشارع التركي. وكثيرون يردّون الموقف التركي الرسمي الى رؤية البروفسور أحمد داوود أوغلو، مستشار كلّ من عبدالله غول وأردوغان، الذي يرى أن تركيا ليست طرفًا وسط القارّات الثلاث (أوروبا وآسيا وأفريقيا)، وإنما هي دولة مركزية تملك القدرة على توفير الأمن والاستقرار، ليس لنفسها فقط وإنما لجيرانها، وللمحيط الأوسع؛ نظرًا إلى الروابط التي تجمعها بالشرق الأوسط والبلقان لأسباب تاريخية وثقافية، والقوقاز والبحر الأسود وآسيا الوسطى لأسباب دينية واقتصادية في آن. ووفق فكرة الدولة المركزية، فإن في وسع تركيا أن تكون دولة محورية وقوّة عالمية، إذا هي استطاعت استيعاب الخلافات الداخلية وتعزيز موقعها الاقتصادي، وتعميق وترسيخ الممارسة الديمقراطية بمعزل عن ضغوط المؤسّسة العسكرية.
No comments:
Post a Comment