الأفكار، الاثنين 9 مارس 2009
المحقق الدولي "دانيال بلمار" وعد بعدم الثأر أو الانتقام أو التسييس.. فهل مهمته صعبة أم مستحيلة؟! تساؤل استهلت به مجلة الأفكار حديثها عن قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والأمل الذي يحمله كل اللبنانيون أن يُكشف اللثام عن الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة وغيرها على مدى السنوات القليلة الماضية. لكنها أكدت أن الفرحة كانت ستكتمل لو أن المحكمة ذات طابع لبناني، وليست بنكهة دولية تؤثر أول ما تؤثر على صورة لبنان السيادية.
إن الكشف عن الحقيقة، كما عن المجرمين، وردعهم أو سوقهم إلى العدالة كان ولا يزال أمل الشعب اللبناني وأشقائه وأصدقائه. لكن وبكل أسف، ضاع هذا الأمل وتبخر عندما أُعلِن رسميًا عن ولادة المحكمة ذات الطابع الدولي في هولندا من أجل لبنان لمحاولة الكشف عن مخططي ومنفذي جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، ورفاقه عند ساحة فندق "السان جورج" في قلب العاصمة اللبنانية.
فرح اللبنانيون بهذه الخطوة، لكنهم اعتبروا في الوقت ذاته إحلال العدالة الدولية محل العدالة اللبنانية، في هذا المجال بالذات، هو انتقاص فاضح للسيادة الوطنية، كما قال الوزير السابق ألبير منصور، لا بل إذا صح التعبير هو تعدٍّ على هذه السيادة، مع أن لبنان يغص بالقضاة المشهود لهم لبنانيًا وعربيًا ودوليًا بأنهم يتمتعون بدرجات عالية ومرموقة على الصعيد العلمي والتقني، ومُجِدُّون في البحث عن الحقيقة، وفي إحقاق الحق، وإحلال العدالة.
لبنان يغص بالقضاة القادرين على إحقاق الحق، سواء أولئك الذين مازالوا يمارسون مهامهم، أم أولئك الذين أُحيلوا إلى التقاعد.. فلماذا عجز القضاء اللبناني عن القيام بهذا الواجب والكشف عن جرائم الاغتيالات التي أصابت لبنان؟ ولماذا استُعيض عن القضاء اللبناني في هذا المجال بالقضاء الدولي؟ ولماذا حلَّ قضاة من أنحاء هذا العالم، وإن بقرار من مجلس الأمن الدولي، محل القضاة اللبنانيين وإن بقرار من حكومة لبنان؟!
المجلة بالطبع لم تكن تنتقد القضاء اللبناني ولا رجالاته، بدليل اعترافها لهم بكل فضل، ووضعها لهم في منزلتهم التي يستحقونها، لكنها كانت تستفز القارئ لتُشعِره بما يشعر به اللبنانيون!
والمجلة إذ تنقل الصورة من داخل النفس اللبنانية، تلقي باللائمة في هذه المشاعر المؤلمة على السياسيين الذين لم يتمكنوا من توفير الأجواء والضمانات اللازمة لإنهاء هذه الأزمة داخليًا.
طبعًا لم يكن سبب اللجوء إلى هذه المحكمة الدولية، أو إلى القضاة الدوليين، هو افتقار لبنان إلى قضاة من درجة القضاة الأجانب، ولا في عجز القضاء اللبناني عن القيام بواجبه في ظل الكفاءات العالية التي يتمتع بها قضاة ومحققو وحرَّاس العدالة فيه؛ بل إن السبب المباشر في إظهار لبنان وقضاته وعدالته ومحاميي الدفاع فيه بهذا المظهر العاجز عن القيام بهذه المهمة يعود إلى عجز السياسيين في لبنان عن تأمين الحصانة اللازمة للقضاء اللبناني وللقضاة اللبنانيين لكي يقوموا بواجبهم في مجال إحقاق الحق واكتشاف الحقيقة والإمساك بالمجرمين الذين زرعوا ربوع لبنان قتلاً وإجرامًا ودمارًا.
إنها مسئولية الطبقة السياسية في أن يظهر لبنان بهذا المظهر، وإلباس القضاء اللبناني هذا الثوب، وإبراز القضاة اللبنانيين أمام العالم كله في هذه الصورة!
No comments:
Post a Comment