الأفكار
في ربيع 1968 اختار "شارل ديجول" الاحتكام إلى الشارع في مسأله بقائه في السلطة أو تنحيه، بعد التظاهرات الصاخبة التي خرجت إلى الشارع الفرنسي ضده. ورغم حصول الرجل في هذا الاستفتاء على 54% من الأصوات، ما يسمح له بالبقاء رئيسًا للجمهورية، إلا أن الرجل العملاق أبى إلا الاستقالة لأنه كان اشترط مسبقًا أن يحصل على ثلثي أصوات الشعب.
مجلة الأفكار تمنت لو يتعلم الفرنسيون من ديجول في استفتاء 1968.
لقد اعتبر ديجول أن رفض حوالي أربعين بالمائة من الفرنسيين لسياسته في إدارة البلاد سبب كافٍ لاعتزاله السلطة، أي أن أربعة أشخاص في عائلة من عشرة أشخاص لايريدونه، وهذا سبب كافٍ لرجل مثله دخل التاريخ من أوسع أبوابه، ليقول للفرنسيين "أوريفوار إي ميرسي" أي وداعًا وشكرًا!
نسبة الأربعين بالمائة هي الفرس في حياة لبنان الانتخابية الدستورية. وهي تمثل نظرية النسبية التي أيدها الرئيس ميشال سليمان في عدة مناسبات ، وطالب بها الرئيس نبيه بري في أكثر منوقفة خطابية. وبالقلم والدفتر-أو عفوًا الكمبيوتر؛ لأننا في عهد هذا الشيطان الالكتروني- نكتشف أن محافظة من مائتي ألف ناخب مثلا أعطت ستين بالمائةمن أصواتها للائحة الزعيم السياسي الفلاني، فكانت هي مالكة زمام الموقف وصاحبة القرار في طاقم النواب الجدد الذاهب إلى البرلمان، في حين أن أصوات أربعين بالمائة من الناخبين ذهبت أدراج الرياح، أو هُدِرت كمياه الليطاني في البحر المتوسط. ولو كان لبنان يعمل بنظام النسبية، لكان للأربعين بالمائة من يمثلهم في البرلمان، وتساوى بذاك في الحقوق جماعة الستين بالمائة وجماعة الأربعين بالمائة.
أما الآن وبقانون انتخاب عام 1960، أي بالرجوع 49 سنة إلى الخلف، فإن الأربعين بالمائة سينفخون في رماد بارد، ويكون البلد فريقين: فريق داخل البرلمان، وآخر خارجه لايملك إلا برلمان الشارع، وهو الأقوى؛ لأنه أرغم عملاقًا مثل ديجول على الاستقالة!
ونحن بالمفهوم نفسه آتون إلى تجربة رئيس الحكومة المقبل. فإذا فازت 14 آذار بأكثرية مقاعد المجلس النيابي كان لها أن تُسمي رئيس الحكومة، سواءً من داخل البرلمان أم من خارجه. فيما حُجبت نسبة الأقلية عن الإتيان برئيس وزراء. هكذا هو روح الدستور. ورئيس الحكومة الآتي يجب أن يملك قدرة السيطرة على الشارع، لا أن يكون مطواعًا لنوازع الشارع!
No comments:
Post a Comment