المشاهد السياسي، 15-21 فبراير
بعد مسلسل الأزمات الذي طال الجامعة العربية، نقلت مجلة المشاهد السياسي تساؤلا طرحه الكثير من الإعلاميين العرب خلال الفترة الأخيرة، وهو: لماذا يصر الأمين العام للجامعة العربية على البقاء في منصبه؟ لاسيما وأن الجامعة منذ سنوات طويلة من عهده تعيش أزمات تنظيم وأزمة وجود، وليس ما يبرّر بالتالي ـ إذا كان حريصًا على المصلحة العربية ـ أن يتواصل مسلسل الأزمات.
وشنت المجلة هجومًا حادًا على السيد عمرو موسى، محملة إياه المسئولية عما آل إليه حال الجامعة العربية، ومطالبة إياه بالانسحاب الفوري إذا لم يكن قادرًا على التحرك باتجاه الإصلاح الجدي.
منذ ثماني سنوات ومهمّة الجامعة العربية تقتصر، أو تكاد، على تكرار عرض شريط قديم هو المشروع العربي للسلام، من دون أن تفكّر الأمانة العامة بإعادة صياغة هذا المشروع، أو سحبه من التداول، في ضوء التغيّرات التي تشهدها المنطقة، ويشهدها العالم. والمشروع الذي أقرّته قمّة بيروت في العام ٢٠٠٢، ولا تزال أمانة الجامعة تحرص على الترويج له في كل مناسبة، يبدو وكأنه يندرج في باب الملكية الأدبية للجامعة التي لا يجوز التفريط بها، في الوقت الذي تمارس إسرائيل كلّ أنواع العربدة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، داخل غزّة كما داخل رام الله.
هذا الإنجاز اليتيم يتعهّده بعناية فائقة الأمين العام للجامعة، وكأنه الجدار الذي يسند إليه ظهره، في الوقت الذي يرتفع فيه كم هائل من الجدران بين أطراف الجامعة العربية، كما بين إسرائيل والفلسطينيين في الأراضي المحتلّة.
والقمم التي انعقدت منذ قمّة بيروت لم تنجح في تعديل المشروع أو إعادة صياغته، كما لم تنجح في حلّ أي مشكلة عربية طارئة، بدءًا بالاجتياح الأميركي للعراق وانتهاءً بحرب غزّة، مرورًا بالحرب الإسرائيلية على لبنان. وما يحدث أن الأمانة العامة للجامعة توظّف كل هذه الحروب في العودة إلى نقطة البداية: المشروع العربي للسلام، وكأن العقل العربي الديبلوماسي والسياسي عاجز عن الخروج من هذه الدوّامة، علمًا بأن إسرائيل لم تعرْ المشروع أي اهتمام جدّي حتى الآن.
وتساءلت المجلة: من هو الرجل الذي يستطيع العمل بأسلوب مختلف، وبصورة تُكسب التحرّك الدبلوماسي العربي زخمًا جديدًا وعقلانية جديدة؟ لتجيب بلهجة الواثق: إنه ليس عمرو موسى بطبيعة الحال؛ لأن الجامعة لم تشهد على يديه أي إصلاح داخلي، ولأن النظام العربي الواحد الذي قامت الجامعة (قبل ستين سنة) من أجله، يعاني في هذه المرحلة تشرذما خطرا يهدّد ركائز التعاون العربي في مختلف القضايا المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
إنها أزمة وجود، لم تستشعرها الأمانة العامة للجامعة حتى الآن. ومهما كانت التعديلات التي ستجرى على بنود ميثاق الجامعة، والمراجعات التي يمكن أن تدخل على آليّات عملها، فإنها لن تستجيب بالتأكيد لحاجات الجامعة الحقيقية، ذلك لأنها مصابة بفقدان المناعة من جهة، وفقدان الثقة بين أطرافها من جهة أخرى، ودور الأمين العام عمرو موسى في المسألتين جليّ جدًا، وكثيرون يقولون: إن أي إصلاح في أيّامه ليس واردًا، لأنه يكرّر الأخطاء الفادحة –إياها- في التعاطي مع كلّ الأزمات.
بكلام آخر؛ هناك شعور يتزايد ويتكثّف، خلاصته أن مهمّة عمرو موسى تكاد تنحصر في جعل الجامعة تدور بصورة دائمة في فلك واحد، هو فلك الديبلوماسية المصرية، على أساس أن "زمن الأشقّاء الكبار" لا يزال قائمًا، والجامعة يفترض -بكل توجّهاتها ومشاريعها وتطلّعاتها وقراراتها- أن تخضع لإرادة هذا الشقيق أو ذاك، على حساب التوجّه الوحدوي العربي، وعلى حساب الآمال العريضة التي تعلّقها الشعوب العربية على الجامعة.
وليس سرًّا أن قرارات الجامعة لم تكن يومًا ملزمة، وأن الدول العربية ليست مرتبطة بنظام فيديرالي أو كونفيديرالي يضمن التنسيق الدائم بين حكوماتها. وفي هذه الحال، يكون سلوك عمرو موسى مرادفًا لتعميق الانقسامات العربية على أكثر من صعيد، تحت شعار "جمع الشمل العربي"، علمًا بأنه ليس للدول العربية جيش واحد أو قيادة عسكرية واحدة تصدّ الاعتداءات التي تعرّضت وتتعرّض لها الأراضي العربية منذ بدء الصراع في العام ١٩٤٨، حتى الآن.
No comments:
Post a Comment